موائد الرحمن في مسالك الشيطان
د. عصام مرتجى- غزة
غريبٌ عجيبٌ هذا الزمان، ترى فيه من فعل الإنس ما فاق غواية الشيطان. وأين الشيطان من فعل الدعاية والغواية التي احترفها بني الإنسان، وقد أخبرنا صانعه ومبدعه عز وجل بأن "كيد الشيطان كان ضعيفا" ؟؟!
لقد جاءت الديانات والرسالات السماوية كلها تبين وتدل على سبل الشيطان ومسالكه ، و أدوات الغواية وحذرت من سوء النهاية من تتبع خطواته . وقد استفاض السلف و التابعين في شرح تلبيس إبليس، وخلط الحق بالباطل والباطل بالحق ، والذي يقف أمامه الحليم حيران !
وقد كان لإبليس أئمة وأقطاب من أمراء التلبيس في مسالك إبليس، يلون أعناق النصوص، فيضربون جذور المعتقد، فتهوي الفروع. وهم دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم قذفوه فيها.
كان فيما مضى من القرون السابقة يظهر الشيطان لبني الإنسان يحاورهم ويحاوروه ، ويجادلهم ويجادلوه ، ويغلبهم أو يغلبوه. كما ذُكر في الأثر من قصة العابد من بني إسرائيل حين أخذ فأسًا ليقطع الشجرة التي يعبدها الناس وفي الطريق قابله إبليس على فترات في صورة شيخ كبير وصارعه، وكذلك ظهر في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بصورة الشيخ النجدي الذي أشار على قريش بأن يأخذوا شاب من كل بطن من بطون قريش ويعطوه سيفاً فيقوم الشباب بطعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كلهم طعنه واحده فيضيع دمه بين القبائل....
لكن الشيطان في هذا الزمان استراح، فقد صار له أقطاب ومفكرين وأتباع، أعفوه من نزول الميدان بنفسه ، وأطعموه ما يشتهي دون أن يصيب الزيت يداه !!
كثير من الأبواب مرسوم عليها عبارات الأمانة ويتربع على إدارتها لص محترف !!
وآياتٌ تُرسم وتُخط على الإعلانات و الشعارات لتسويق منتجات فاسدة وتفتقر لأدنى درجات الجودة، أو لتلميع أشخاص فاسدين.
فأقصر الطرق إلى عقول الناس ، هي معتقداتهم وجيوبهم ... وفي العوام بطونهم....
من يستعص على الإقناع لصعوبة سيطرة معتقداته، فهناك من يعملون ليل نهار ليشككوا ويشوهوا ثقافته ومعتقداته وتاريخه وجغرافيته !!!
ومن يصارع الفقر حتى يكاد يقتله ... فالطريق قصيرة ، تمر عبر جيبه ....!!
ومن يفتقر للثقافة ولا يعرف المبادئ أو العقائد ولا تعرفه .... فالطريق إلى بطنه أسهل الطرق إلى عقله وقراره .!!
من سجايا الكرام المتوارثة من قديم الزمان، موائد الرحمن، يقدمها أهل الخير أو الجاه والسلطان في أيام شهر رمضان ... بعضهم يتقرب بها إلى الله زلفى .... و آخرون يشترون عقول الناس من بطونهم..!!
لكن من عجائب هذا الزمان صارت موائد الرحمن تقدم من جيوب من يعرقون في الملاهي ويُفنون عمرهم في المساخر ...!!! راقصات وفنانون وفنانات يسارعون ليُجمّلوا عهرهم ، فينفقوا الألوف من الجنيهات على موائد الرحمن في شهر رمضان.
وليت الأمر ظل قاصرا على الراقصين والراقصات، ولكن بات الأمر مألوفا على كثير من المؤسسات التي تدعي العمل الإنساني والوطني وهي في الواقع تمارس عهرا سياسيا واجتماعيا و تدمر المجتمع وتحرق ثقافته وتاريخه!!؟؟
كثير من الذين يشترون مشاعر أهل القتيل بصدقاتهم ومعوناتهم ، يستضيفون القاتل على أرضهم ويفرشون له البساط الأحمر القاني من نفس لون دم الضحية ..!!؟؟
في هذا الزمان الفريد من نوعه ، وهذه الحقبة من تاريخنا العربي المجيد الفريد، لقد صار العهر يغُسل على موائد الرحمن !!؟؟ وصار العقل العربي في الدف الذي يجمع "النقطة" للعاهرات المؤمنات.!!؟؟