الديمقراطية الغربية

التوجيه والازدواجية

الباحث / محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة

[email protected]

ربما تَتبدَّى الديمقراطياتُ الغربية للشعوب المقموعة الفَزِعة من "كوابيس الديكتاتوريات" كَحُلُم لذيذ في إغفاءة الحياة، أو كماء بارد زلال في هجير التسلّط ورَمضاء الكَبت ولهيب الظلم والقهر، حتى إذا تبيَّنت الشعوبُ حقيقَتَها، واستَجلَتْ خفاياها، لم تَجدها إلاَّ سَراباً بِقِيعَةٍ يَحسَبُه الظمآنُ ماءً.

 ولا يُنكرُ أحدٌ أن المبادئَ العامة للديمقراطية مبادئُ تدغدغ الحسَّ الإنساني بالحرية والعدل والمساواة، وأنها - أي تلك المبادئ - مما لا يَملك الإنسانُ السَّوِيُّ الفطرة أن يُنكره - من حيث المبدأ - أو يَتَحفَّظ على مضمونه.

 ولا يَعدَم دينٌ أو شرعٌ مستقلٌّ بمبادئه ونظرياته الحياتية الالتقاءَ مع الديمقراطية أو الاشتراكية - بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية - في أسسها النظرية، ولا تَحظُرُ شريعةٌ منصفةٌ الإفادةَ من الديمقراطية - بشكلها النظري لا التطبيقي - كتأطير معاصر لمبدأ الشورى الذي جاء به الدِّينُ السماوي الواحدُ بشرائعه المتعددة، أو الإفادةَ من الاشتراكية - بشكلها النظري كذلك - كتأطير معاصر لمبدأ العدل المالي والاجتماعي، وكذا الأمر مع النظريات المختلفة، وذلك بعد غربلة تلك النظريات التي يَعتورها النقصُ البشري، وبعد التخلّصِ من أدرانها وشوائبها، إذ "الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِن حَيثُمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا".

 وعلى الرغم من المثالب التي رافقت نشأة الديمقراطية - بل وعاشت في كنفها - في "أثينا" الإغريقية بحياتها الاجتماعية الطبقية، إلاّ أن حديثنا سيتركز حول التطبيقات المعاصرة للديمقراطية في دُوَل أصبحت رمزاً لها وَعَلَماً عليها، كالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا.

 فمن الجلي أن الديمقراطية في هذه الدول خاضعة للتوجيه الإعلامي والمالي، استغفالاً للشعوب بتزويق الأباطيل وتزييف الحقائق، ومن ثَمَّ دفعها للمشاركة في القرارات التي اعتُمدت سابقاً لمصالح فئات خاصة، لإلباسها لَبُوسَ الديمقراطية، ولتتحمل الشعوبُ ما قد ينتج عنها من كوارث، كالذي وقع من خداع الشعب الأمريكي والبريطاني بملف أسلحة الدمار الشامل في العراق، وما تبع ذلك من غزو للعراق كَلَّف الشعبين الأمريكي والبريطاني عشرات آلاف الأرواح، وعشرات ملايين الدولارات.

 ومن البيّن أيضاً أن هذه الديمقراطيات الغربية - إن صحَّت تسميتُها بالديمقراطيات - تعاني حالةً حادةً من ازدواجية المعايير داخلَ أراضيها وخارجَها، وما تلك الحملاتُ المتتابعةُ على الحجاب الإسلامي، وعلى بناء المساجد والمآذن إلاَّ صورة من تلك الازدواجية والعنصرية المقيتة.

 هذا بالإضافة إلى أنها ديمقراطياتٌ لا تكتفي بأن تدعم الديكتاتوريات العربية و"العالم ثالثية" سياسياً وعسكرياً لمزيدٍ من قمع شعوبها، بل وتبلغ بها الوقاحةُ والبجاحة أن تتنكَّر للديمقراطية حين تأتي بمن يشكّل خطراً لا أقول على مصالح الغرب، ولكن على مصالح فئات معينة من دعاة الاحتلال وامتصاص الخيرات، كالذي وقع لحركة "حماس" حين قادتها الديمقراطية النزيهة لحكم غزة.

 أما الحلفاء الديكتاتوريون للديمقراطيات الغربية، فلا يتم التَّعرُّضُ لهم إلا إن قَصَّروا في حفظ المصالح الغربية، حينها يُلَوَّحُ لهم برفع راية الديمقراطية، وتحريك الملفات الإنسانية وملفات الفساد، ليتحوَّل إنسانُ العالم الثالث المقموعُ والمشرَّد إلى مجرَّد ورقة ضغط تُؤَمِّن مصالح "الشعوب البيضاء البشرة المكتملة التطور"، والتي تستحقُّ وحدَها أن تنعم بالحرية والديمقراطية!.