التنوير الذي نريد

سلمان عبد الأعلى- جريدة الدار الكويتية

التنوير هو ليس مصطلحاً عربياً بالأصالة، وإنما هو من المصطلحات الوافدة إلينا من الغرب، حيث يستخدم هناك بكثرة، والمقصود به هو استخدام العقلانية والعلم في التفكير وفي الحياة، ويُقال عصر التنوير ويقصد به القرن الثامن عشر الميلادي، الذي انتشرت فيه هذه الأفكار والقيم العقلانية. طبعاً على حساب الحد من الدين ونفوذه المتمثل عندهم في الكنيسة، ويطلق أسم فلاسفة التنوير على الفلاسفة الذين غرسوا فيهم هذه الأفكار والقيم كـ فولتير وروسو وكانط وغيرهم.

وبعد نجاح وتمكن فكر التنوير الأوربي، الذي بسط هيمنته على الواقع الغربي بدلاً من الكنيسة، لم يقتصر استخدام هذا المصطلح على الغربيين فقط، بل انتشر استخدامه حتى لدى المفكرين العرب، الذين طالب كثير منهم به، وقادوا في سبيل ذلك حملات كثيرة تطالب بالتنوير في مجتمعاتهم العربية.

ولكن من يتأمل هذه الدعوات يراها أو يرى في بعضها على الأقل ضبابيةً وغموضاً، فبعضهم يتحدث عن التنوير ويطالب به، ولكنه لا يشرح لنا مقصوده منه، فهل المقصود منه هو أن نترك ما للقيصر لقيصر وما لله لله كما هو حال التنوير الأوربي؟ أم أن المقصود هو تنوير آخر يتناسب مع بيئتنا ونفسياتنا ولا يتنافى مع مبادئنا وتعاليمنا الدينية؟    

     إننا بحاجة إلى إجابة واضحة وصريحة، لأن البعض من خلال حديثه عن التنوير نراه يخلط بين آراء مفكرين إسلاميين وبين آراء مفكرين غير إسلاميين (علمانيين)، باعتبارهم جميعهم يمثلون الفكر التنويري الذي يطالب به، فكيف يصح ذلك يا ترى؟ !       

  فبعضهم مثلاً يضع اسم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مع أسم فرح أنطوان وسلامه موسى، بل وصل الأمر بالبعض أن يتحدث عن السيد فضل الله ومحمد أركون، فهل يعقل أن تكون هذه الأسماء جميعها تحت مشروع فكري واحد على الرغم من اختلافهم وتناقضهم ؟! ..

بالطبع لا، لأن المتأمل يلاحظ مدى التخبط الذي يعيشه من يتحدث بهذه الطريقة، إذ كيف يتم دمج عناصر من دعاة وقادة التجديد الإسلامي، مع عناصر هي من دعاة التنوير على الطريقة الغربية العلمانية؟ وكيف يتم الجمع كذلك بين مفكرين يرفضون المشروع الغربي (لأنهم يرونه المشكلة) وبين مفكرين يطالبون به (لأنهم يرونه الحل)؟!! فأنا لا أفهم ولا أعرف كيف يصح ذلك؟! .. حقاً إن هذا لشيء عجاب !

ولهذا أقول: إننا لا نعادي التنوير ولا نرفضه، بل نريده ونؤيده بشرط أن يكون تنويراً دينياً إسلامياً، لا تنويراً يقف موقف العداء من الدين أو يقف في مساحة بعيدة عنه، لأن تنويراً كهذا هو تدمير وليس تنوير !

وإن التنوير الذي نريده ونطالب به، هو التنوير الإسلامي (التجديد) الذي يحترم الدين ويتحرك من خلاله وفي خدمته، أي أننا نريد ثورة في الدين لا ثورة عليه، وهذا لا يكون ولا يولد إلا من رحم الدين، ولا ينمو إلا تحت رعاية الشخصيات الدينية الواعية.