حرمة تولي اليهود وخطرهم
النداء الواحد والثمانون
رضوان سلمان حمدان
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾ الممتحنة13
إن كتاب الله تعالى ذكر لنا عن اليهود والنصارى، فنجد أنه قد ذكر أهل الكتاب ( يهود ونصارى ) في (99) آية، وذكر النصارى والنصرانية في (60) آية، بينما اختص ذكر اليهود من بين الأمم والديانات بـ (278) آية، انظر الجدول التالي:
يتبين لنا من خلال تحليل هذا الجدول ما يلي:
1- هناك صفات ذميمة مشتركة بين اليهود والنصارى، مثل معاندتهم، وجرأتهم على الله، وغرورهم، وأمانيهم، وعدم رضاهم عمّن لم يتبع ملتهم وشركهم.
2- لم نلاحظ وجود صفة ذميمة خاصة بالنصارى دون اليهود.
3 - نلاحظ وجود العديد من الصفات الخاصة باليهود، مجرمة في حق الله تعالى والأنبياء والملائكة والمؤمنين، مثل: ·تحريف كلام الله. ·قتلهم الأنبياء. ·عداوتهم لله تعالى والملائكة وشدتها على المؤمنين. ·شدة حرصهم على الحياة. ·إفسادهم في الأرض مرتين. ·بغيهم، حيث أدى ذلك بهم إلى تحريم بعض ما أحل لهم.
هذا عن الصفات الذميمة التي اختص بها اليهود، أما عن الصفات الحسنة، فلم يتصف اليهود بأية صفة حسنة.
بالنظر إلى الجدول السابق يتضح لنا كذلك أن زيادة تكرار الآيات الخاصة بذكر بني إسرائيل أكثر من أربعة أضعاف ونصف الضعف عن الآيات الخاصة بالنصارى له دلالة واضحة على اهتمام الشريعة الإسلامية بالتحذير من اليهود والتركيز على فضحهم لما اختصوا به من صفات ذميمة. علماً أن الله تعالى يعلم أن عدد النصارى سيبلغ في المستقبل أكثر من مائة ضعف عن عدد اليهود.
وعليه تؤكد لنا هذه الآيات الكثيرة، على مدى خطورة اليهود على العالم مع قلة عددهم فهم جذر الداء، فهل من مدَّكر؟
ومما يدلنا كذلك على مدى خطر اليهود هو ذكرهم في أم الكتاب بالمغضوب عليهم، إذ أن اليهود استحقوا الغضب لأنهم علموا الحق وجحدوه. ولذلك فإن كل مقلِّل أو مهمِّش لخطر اليهود العالمي ومخالف للقرآن وللتاريخ، وللواقع حاضراً.
إن اليهود وراء كل جريمة، إمّا تخطيطاً وتنفيذاً، وإما تخطيطاً وتوريطاً لغيرهم بالدعاية والأكاذيب، فهم المحرفون قصداً للديانات ماضياً، وهم المحرفون للواقع حاضراً، وهم قتلة الأنبياء قديماً، وهم قتلة دعاة الحق اليوم، وهم وراء إشعال الحروب والفتن قديماً وحديثاً: ﴿كُلَّما أوقَدوا ناراً للحربِ أطْفأها اللهُ وَيَسعَونَ في الأرضِ فَساداً واللهُ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ﴾ [المائدة:64].
وأما خطرهم هذا الزمان فيتمثل في تطبيق وكلائهم الشيوعيين لبروتوكولات حكماء صهيون الذي اشتهر بالاسم الآخر "الإنجيل البلشفي". ويجب أن لا يفهم من قولنا: إن اليهود وراء كل جريمة، إلغاء الأدوار الأخرى، أو أنهم يحققون كل ما يصبون إليه، فكثير من مخططاتهم فضح الله أمرها قبل تحقيقها، فهم بشر يصيبون ويخطئون، وخطؤهم أكثر من صوابهم، ولكن بجهلنا علوا علينا. ولما كان ذكر الخطر اليهودي يحتاج إلى دراسة معمّقة في القرآن والتوراة والتلمود والبروتوكولات، ويحتاج كذلك لتتبع الأذرع اليهودية الممتدة في العالم.
ولمن أراد الاطلاع والبحث فليقرأ بعضاً مما كتب في موضوع الخطر اليهودي أمثال هذه الكتب: "خطر اليهودية" "الصهيونية في المجال الدولي" "أسرار المؤامرة الصهيونية" "احذروا اليهودية" "الشيوعية منشئاً ومسلكاً" "الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام" "رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر" "الفكر الصهيوني المعاصر" "التحدي الصهيوني" "اليهودية" "جذور البلاء" "موسكو وإسرائيل" "سقوط الجولان" "من ملفات الجولان" "سلسلة أبناء يهوذا في الخفاء" "حكومة العالم الخفية". وعلى رأس هذه الكتب "بروتوكولات حكماء صهيون" و"توراتهم".
إن كل متستر على أخطار اليهودية والتقليل من شأنها على الرغم أن الله تعالى ذكر فيهم قوله: ﴿وَقَضَينا إلى بَني إسْرائيلَ في الكِتابِ لَتُفسِدُنَّ في الأرضِ مَرَّتَينِ وَلَتَعلُنَّ عُلواً كَبيرا﴾[الإسراء:4]. و: ﴿وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلولَةٌ غُلَّتْ أيديهِمْ وَلُعِنوا بما قَالواْ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ وَلَيَزيدَنَّ كَثيراً مِنهُم مَّا أُنزِلَ إلَيكَ مِن رَّبّكَ طُغياناً وكُفْراً وَألقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضَاءَ إلى يَومِ القِيامَةِ كُلَّما أوقَدوا ناراً للحربِ أطْفأها اللهُ وَيَسعَونَ في الأرضِ فَساداً واللهُ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ﴾ [المائدة:64].
إن كل متستر على هذه الحقائق القرآنية بقصد أو بغير قصد، إنما يريد صرف الناس عن أخطر عدو خارجي يتهدد كيان الأمة الإسلامية، وبالتالي تقع الأمة الإسلامية فريسة ولقمة سائغة بيد عدوها.
المعاني المفردة[1]
لا تَتَوَلَّوْا: لاَ تَتَّخِذُوا أَوْلِيَاءَ. لا توالوهم ولا تناصحوهم.
قَوْماً: هُمُ اليَهُودُ أَوِ الكُفَّارُ عَامَّةً.
غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: مسخوطاً عليهم لمعاداتهم الحق، ومحاربتهم الصلاح، وعيثهم الفساد.
يَئِسُوا: اليأْسُ واليآسَةُ: القنوطُ. وقيل: اليَأْس نقيض الرجاء، أو قَطْعُ الأَمَلِ، يَئِسَ من الشيء يَيْأَس ويَيْئِس.
سبب النزول[2]
نزلت في ناس من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين وتواصلوا بهم فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك.
الإعـراب[3]
جملة غضب اللّه عليهم: نعت لقوماً (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) الجملة نعت ثان لقوما أو حال بعد أن وصف، وكما نعت لمصدر محذوف. يئس الكفار: الجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي. ومن أصحاب القبور: فيه وجهان أحدهما أن من لابتداء الغاية كالأولى والمعنى أنهم لا يوقنون ببعث الموتى البتة فيأسهم من الآخرة كيأسهم من موتاهم لاعتقادهم عدم بعثهم. والثاني أن من لبيان الجنس يعني أن الكفّار هم أصحاب القبور فيكون متعلق الجار والمجرور بمحذوف حال ومتعلق يئس الثاني محذوفا والمعنى أن هؤلاء يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار حال كونهم من أصحاب القبور من خير الآخرة.
في ظلال النداء
يجيء هتافاً للذين آمنوا باسم الإيمان. وبالصفة التي تميزهم عن سائر الأقوام، إذ تصلهم
بالله وتفصلهم عن أعداء الله.
وقد وردت بعض الروايات بأن المقصود بالقوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود، استناداً إلى دمغهم بهذه الصفة في مواضع أخرى من القرآن. ولكن هذا لا يمنع من عموم النص ليشمل اليهود والمشركين الذين ورد ذكرهم في السورة، وكل أعداء الله. وكلهم غضب عليه الله. وكلهم يائس من الآخرة، لا يعلق بها رجاء، ولا يحسب لها حساباً كيأس الكفار من الموتى ـ أصحاب
القبور ـ لاعقتادهم أن أمرهم انتهى، وما عاد لهم من بعث ولا حساب.
وهو هتاف يتجمع من كل إيقاعات السورة واتجاهاتها. فتختم به كما بدأت بمثله. ليكون هو الإيقاع الأخير. الذي تترك السورة أصداءه في القلوب..
هداية وتدبر
* بعد أن نهى الله تعالى المؤمنين عن موادة المشركين في أول السورة، عاد تعالى فكرر هذا
النهي في آخرها فقال تعالى ذكره للمؤمنين به: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ من اليهود[4] بالنصرة والمحبة، فكيف توالوا منهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء؟ وقد يئس هؤلاء من خير وثواب الله لهم في الآخرة، وكرامته، لكفرهم وتكذيبهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم على علم منهم بأنه لله نبيّ، كما يئس الكفار المكذبون بالبعث والنشور، من أمواتهم أن يعودوا إلى الحياة مرة ثانية، بعد أن يموتوا، فقد كانوا يقولون إذا مات لهم قريب أو صديق: هذا آخر العهد به، ولن يبعث أبدا. وكما يئس الكفار من أصحابِ القبورِ أيضاً: من ثواب الآخرة ونعيمها. ولكن كونوا ممن سبح الله وصلى.[5]
* حرمة موالاة اليهود بالنصر والمحبة.
* ﴿ قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ﴾ فيها التشبيه المرسل المجمل. كما أن فيه من المحسنات البديعية ما يسمى رد العجز على الصدر، حيث ختم السورة بمثل ما ابتدأها ليتناسق البدء مع الختام.[6]
* قوله: ﴿مِنَ الآخِرَةِ﴾ "مِنْ" لابتداء الغاية أي: إنهم لا يُوقنون بالآخرةِ البتةَ. و﴿مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنها لابتداء الغايةِ أيضاً، كالأولى، والمعنى أنهم لا يُوقنون ببَعْثِ الموتى البتَةَ، فيَأْسُهم من الآخرةِ كيأسِهم مِنْ مَوْتاهم لاعتقادِهم عَدَم بَعْثِهم. والثاني: أنَّها لبيانِ الجنس، يعني: أنَّ الكفارَ هم أصحابُ القبورِ. والمعنى: أن هؤلاء يئسوا من الآخرة كما يَئِس
الكفارُ، الذين هم أصحابُ القبور، مِنْ خيرِ الآخرة، فيكون متعلَّقُ "يَئِس" الثاني محذوفاً.[7]
* عن عبد الله بن مسعود في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ﴾ "فَلا يُؤْمِنُوا بِهَا وَلا يُؤْجَرُوا، هَذَا الْكَافِرُ إِذَا مَاتَ وَعَايَنَ ثَوَابَهُ، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ".[8]
* عن ابن عمرَ قَال قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[9].
[1] . الجامع لاحكام القرآن. الصحاح في اللغة. لسان العرب. القموس المحيط. محاسن التأويل.
[2] . أسباب نزول الآيات- الواحدي النيسابوري.
[3] . إعراب القرآن وبيانه.
[4] . لأنه عز وجل قد عبر عنهم في غير هذه الآية بالمغضوب عليهم، ﴿ غير المغضوب عليهم ﴾ وقيل: والنصارى وجميع طوائف الكفر. وقيل: هم المنافقون.
[5] . جامع البيان في تفسير القرآن. روح المعاني. أيسر التفاسير. الجامع لاحكام القرآن. تنوير المقباس من تفسير ابن عباس. توفيق الرحمن. صفوة التفاسير. معانى القرآن - للفراء 3 / 147 ـ 152.
[6] . صفوة التفاسير.
[7] . الدر المصون في علم الكتاب المكنون.
[8] . حديث 8961 – رواه الطبراني في المعجم الكبير عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف. ]مجمع الزوائد ومنبع الفوائد[.
[9] . حديث 5232 - مسند عبد الله بن عمر - مسند أحمد. حسنه الألباني في الإرواء حديث : 1269 ، وصَحِيح الْجَامِع : 2831 ، وصححه في كتاب جلباب المرأة المسلمة : 24 .