الكيان الصهيوني إلى زوال
يا من تدمجون الحضارة الغربية بالكيان الصهيوني:
أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر
كلما حاولت البناء.. هدموا، كلما حاولت التحاور والتواصل.. قطعوا، كلما حاولت تفعيل المشترك الإنساني.. تزيّلوا، كلما حاولت التعارف والتعايش..اصطدموا، كلما حاولت إشاعة الأمن والسلام.. أرهبوا، كلما أشعت العدالة والمساواة..استكبروا، كلما تغافل البعض عن مطامعهم.. كشفوا، كلما حاولت تكريم الجنس البشري.. أهانوا، كما دعوتهم إلي كلمة سواء..هربوا، كلما التقطت أنفاسك تحاول فهم تصرفاتهم.. زادوا.
كنت أسطر سطورا عن: تأثير "ابن البيطار"..العربي المسلم المالقي الأندلسي، وتجاربه وأبحاثه علي نسق العلم والمعرفة (التراكمي) الخاص بالنباتات والإعشاب والعقاقير، و"الطب الأخضر/ البديل". سطور تقتفي أثر مقالات أخري: "لتعارفوا.. غاية إسلامية لسعادة البشرية"، "ثقافة التمييز والقهر والإقصاء.. تعرقل سبيل حوار عالمي وبناء"، "يا بني: هذا نبيك يأمرك بإتقان لسانهم"،"جوته وعشق الثقافة العربية الإسلامية ، هل كان جوته مسلما؟"، "الإستشراق الفني: تنوير وإبداع، أم تزوير وأطماع"،"فنوننا.. بين التبعية والخصوصية"،:"ماذا تبقي من دارون في عيون الغربيين؟"،"هيرتا مولر" دافعت عن المقهورين والمحرومين من بني جلدتها فحصدت نوبل، فمن يدافع عن الفلسطينيين؟"،"يوهان هيردر، فيلسوف اللغة، وصديق الإسلام"، :"منهج التفكير العلمي وإنجازاته.. بين الرازي وبرنار"،"تقويض مؤسسة الأسرة، تدمير للمجتمع الإنساني"،الخ. إذا استوقفني خبر ـ من تلكم البلاد التي سطعت بنور علومها وفكرها وفلسفتها وفنونها علي الغرب إبان عصوره المظلمة فأنارت له الطريق، ووضعت له أسس نهضته، وهدته إلي فنون التحضرـ مفاده:"أن رئيس الوزراء الاسباني السابق "خوسيه ماريا أزنار" يدعو ـ كشأن نظرائه من كل حدب وصوب ـ :"إلى دعم إسرائيل ويحذّر من أن انهيارها سيقود إلى انهيار الغرب، واعتبر الدولة العبرية أفضل حليف للغرب في منطقة مضطربة".
وذكر أزنار، الذي تولى رئاسة الحكومة الاسبانية من العام 1996 حتى العام 2004في مقاله أن: "إسرائيل هي خط دفاعنا الأول في منطقة مضطربة تواجه باستمرار خطر الانزلاق إلى الفوضى، ومنطقة حيوية لأمن الطاقة لدينا بسبب الاعتماد المفرط على النفط الموجود في الشرق الأوسط، والمنطقة التي تشكل خط الجبهة في الحرب ضد التطرف، فإن سقطت فسنسقط معها".. بحسب صحيفة التايمز. وأضاف أن "إسرائيل هي جزء أساس من الغرب، وفي حال نزع هذا الجزء وفقدان إسرائيل، فسنضيع نحن أيضاً وسيكون مصيرنا متشابكاً وبشكل لا ينفصم سواء أحببنا ذلك أم لا". وقال أزنار: إن أحداث "أسطول الحرية" لا يجب أن يستدرج الدول الغربية إلى الانفعال تجاه إسرائيل، أو اتخاذ مواقف خاطئة تضر بالدولة العبرية".
وقال أزنار إن الدفاع عن حق إسرائيل في العيش بسلام وضمن حدود آمنة يتطلب درجة من الوضوح الأخلاقي والاستراتيجي، والتي كثيراً ما تبدو وكأنها اختفت في أوروبا، كما أن الولايات المتحدة تُظهر علامات مثيرة للقلق حول السير في الاتجاه نفسه.وأضاف: ليس في نيتنا الدفاع عن أي سياسة محددة أو أي حكومة إسرائيلية بعينها، كما أن المدافعين عن هذا التوجه على يقين بأنهم يختلفون في بعض الأحيان مع القرارات التي تتخذها إسرائيل، لأننا في النتيجة ديمقراطيون ونؤمن بالتنوع.
وتابع رئيس الوزراء الاسباني السابق: ما يربطنا هو تأييدنا الذي لا يلين لحق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها، لذلك فان وقوف الدول الغربية إلى جانب المشككين بشرعية إسرائيل وممارسة اللعب في الهيئات الدولية حيال قضاياها الأمنية الحيوية لإرضاء المعارضين للقيم الغربية بدلاً من الوقوف بحزم في الدفاع عنها، لا يمثل خطأً أخلاقيا فادحاً وحسب، بل خطأً استراتيجياً من الدرجة الأولى. وقال أزنار إن إسرائيل هي جزء أساسي من الغرب وما هو عليه بفضل جذوره اليهودية ـ المسيحية، ففي حال تم نزع العنصر اليهودي من تلك الجذور وفقدان إسرائيل، فسنضيع نحن أيضاً وسيكون مصيرنا متشابكاً وبشكل لا ينفصم سواء أحببنا ذلك أم لا.
هذا وكما استوقفني هذا الخبر استوقفني كلمات آخري قادم عبر الأطلسي من أمريكا، لكن ممن يتحدث بلساننا ويعلن أنه: "يقف علي خط متساو بين اليهود والفلسطينيين". فقد عرضت فضائية الجزيرة (مساء الثلاثاء 15/6/2010) برنامج (في الاتجاه المعاكس) حيث قال قائلهم ساخرا مستنكرا ـ في إطار رده علي قرائن وشواهد وتقويم أ. "غالب قنديل" لموقف الكيان الصهيوني عقب مجزرة سفينة مرمرة، وعملية القرصنة لأسطول الحرية ـ ما مفاده: كلما مرت أحداث بكم إذا بخطابكم يروج لانهيار وزوال إسرائيل.. لما الحضارة الغربية تسقط ستسقط إسرائيل".
لا أظن أن كلا المشهدين ، مقال أزنار، كلمات "العربي" الأمريكي....... يحتاج لتعليق. فهذين الموقفين وغيرهما كثير كثير نهج ثابت وخطط نافذة من كل دهاقنة الغرب. تسمع ، ولا يريد كثيرون منا أن يعي ما يسمع، أقوال وخطابات واضحة: "أن أمن الغرب وأمريكا/ وألمانيا/ وفرنسا الخ مرتبط ارتباطا وثيقا بأمن الكيان الصهيوني، "صراع وجود لا حدود"، ووجوده "ضمن دولته العبرية الخالصة العرق اليهودي، يعيش هنيئا بأمن وأمان، ليقوم بخدمته الوظيفية لنا، وليذهب الفلسطينيون والعرب والمسلمون إلي الجحيم، طالما سرقنا ثرواتهم، وقتلناهم، وحاصرناهم، ونفيناهم وشردناهم، ودمرنا دورهم، وحرقنا زروعهم، وأرهبناهم بخنجرنا الذي في خاصرتهم، وشوكتنا التي في حلقومهم.. كياننا المدلل/ السيد الصهيوني".
لاشك أن الغرب ليس كيانا واحدا، وشعوبه ليست كتلة واحدة متعاطفة ومناصرة للكيان الصهيوني، وإلا لما أكد الرأي العام في الاستفتاء الأوربي الشهير أن: "الكيان الذي يهدد الأمن والسلم العالميين هو الكيان الصهيوني". وإلا لما خرج عشرات الآلاف ـ لا يكلوا ولا يملواـ مساندين متعاطفين منددين بمجازر وجرائم الكيان الصهيوني، وما أكثرها، وآخرها مجزرة "أسطول الحرية" الذي ضم ممثلين عن نحو 44 دولة. كل الشكر والتقدير لمن ناصر قضيتنا العادلة، وساهم بدمه الزكي (من الأتراك، وغيرهم من الأمريكان كراشيل كوري الخ)، وبموقفه الحر(شكر خاص للمناضل الكبير جورج جالاوي)، وبمشاركته ـ بصورة أو بآخري، في التعبير عن تأييدها ومؤازرتها، والجهر عاليا بضرورة إعادة الحقوق لأصحابها الفلسطينيين، "وليعد الصهاينة من حيث أتوا من بولندا وأوكرانيا ولا تفيا وألمانيا الخ"كما صرحت بذلك "إيقونة الإعلام الأمريكي "هيلين طومسون"، فأقيلت أو استقالت. الشكر موصول لكل من يعلن عن ضرورة إنهاء أبشع صور الاحتلال العنصري الاستيطاني الإحلالي، وفك الحصار الظالم الجائر عن المحاصرين، وإعادة اللاجئين والمشردين والمنفيين (وآخرها نواب المجلس التشريعي من التغيير والإصلاح عن بلدية القدس) ، وإزالة جدار الفصل العنصري، وعدم انتهاج سياسية الاغتيالات (وآخرها الشهيد المبحوح)، وهدم البيوت وتجريف الزروع الخ.
إن السبب الرئيس لدعم الساسة الحكومات المتنفذة للكيان الصهيوني ـ كما أكد مراراَ وتكرارا في معظم كتاباته وأقواله الراحل الكبير د. عبد الوهاب المسيري ـ هو ببساطة "أن الكيان الصهيوني، كيان وظيفي، استثمار رخيص الثمن للحصول على الأهداف الاستعمارية، فلو قارنت ذلك بما خسرته أمريكا (وقد تأست بمن سبقها من الدول الإمبريالية) في فيتنام وأفغانستان والعراق لتكشف أهمية الكيان الصهيوني بالنسبة للغرب الاستعماري/ الإستخرابي/ العنصري". لذا فأن القوى الاستعمارية ستبذل أقصى ما عندها، وقصارى جهدها، وجل عدتها وعتادها لحماية هذا الكيان الصهيوني العنصري الوظيفي الاستيطاني ألإحلالي.
لكن ليدلني أحد، عبر التاريخ البشري، أن هناك احتلالاً سرق ونهب الأرض، وقتل وبطش وغدر بالبشر والشجر والحجر.. دام وبقي، إلا احتلال العقول والأهواء والقلوب المريضة، والنفوس القابلة للاستعمار الفكري والاقتصادي.
أين ذهبت حملات الهكسوس، والإغريق والرومان، والتتر والمغول والصليبيين، والنازية والفاشية والإمبريالية العالمية.. البرتغالية الإسبانية والهولندية الإيطالية اليابانية السوفيتية الفرنسية البريطانية الأمريكية الصهيونية؟؟.أين ذهب ـ علي سبيل المثال ـ قرن وثلاثة عقود من احتلال فرنسا للجزائر، بلد المليون شهيد، وعشرات العقود من سطو الإمبراطورية البريطانية (التي كانت لا تغيب عنها الشمس). وأين ذهبت "محاكم التفتيش في أسبانيا" في مقابل عودة أحفاد "الموريسكيون" للمطالبة بحقهم المعنوي والمادي؟.
ليس ثمة ملل من تكرار الخطاب والتذكير، ليس لهم، ولكن لأناس من جلدتنا، يتحدثون بلساننا، ويتسمون بأسمائنا.. يحبونهم ويحقروننا، ويوالونهم ويعادوننا، يناصروهم ويخذلوننا، يتبعون ملتهم، ويستكبرون علينا، يقدسون غربيتهم، ويقوضون حضارتنا: إن إضعاف أمتنا، وإذابة هويتنا، وتشويه صورتنا، وتمييع رسالتنا، وعرقلة ريادتنا، وتمزيق وحدتنا، ونهب ثروتنا، وإعاقة نهضتنا، أهم الأوراق فى أجندة القوى الاستعمارية ومن دار في فلكهم، وأتبع نهجهم ومالئهم، وعاونهم.
يا بني جلدتنا رجاء: ثوبوا إلي رشدكم، و"لا تعينوهم علينا"، ولا تكونوا أعداء أنفسكم وأمتكم، وأعملوا لصالح حضارتكم، ولا تنظروا لمطامعكم الزائلة:"إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (الشعراء:227)
إنه بفعل صمود ومقاومة الشعب العربي/ الإسلامي في فلسطين ولبنان والعراق، وأفغانستان وباكستان واليمن والصومال الخ ارتفعت كلفة، وفاتورة "التمدد والانتشار العسكري الإمبريالي بما فيها كلفة وجود خنجر الإرهاب الصهيوني وفقدان وظيفته ودعمه، التي يتحمله دافع الضرائب الأمريكي والأوروبي والغربي، تململ الدهاقنة. فذكرهم "أزنار" وغيره من ساسة وأبواق دعائية عميلة، وممن يزايدون لتمويل حملات، ويتجهزون للفوز بمقاعد في انتخابات، أو زيادة شخصية لهم في أرصدة ومدخرات إن عبء إسرائيل، وتمردها وتغولها وخطرها على اليهود أنفسهم، وعلى الحضارة الغربية والعالم بات واضحا لكل ذي عينين.
ولقد بدا فقدانها وظيفتها وإخفاقاتها المتعددة منذ أكتوبر 1973، ولبنان2000، و2006، والانسحاب من غزة، وفشل العدوان عليها في ديسمبر 2008 ، ويناير 2009، وفشل سياسيات القتل والاغتيال والحصار والتجويع بسبب الخيار الديمقراطي والديموغرافي
سيتفكك هذا الكيان الصهيوني العنصري وسيزول مشروعه في المنطقة العربية الإسلامية. وستسقط إسرائيل. وستعود القدس وفلسطين كما أعادها من قبل "الناصر صلاح الدين".
وستفك القيود التي كُبلت بها الأمة، وأسرتها وحاصرتها، لتحلق بعدها عاليا بنهضتها، وريادتها.
صفوة القول: الحضارة الغربية مدينة بالكثير والكثير للحضارة العربية الإسلامية، ولجهودها وبحوثها ومصنفاتها ومؤلفاتها الرائدة التي تركتها إرثا للبشرية، في إطار سيرها في الطريق إلي الله سبحانه وتعالي. حضارتنا العربية الإسلامية كانت ومازلت تريد البناء لا الهدم، و التعارف والتعايش والتحاور والتواصل.. لا التصادم والتدابر، وتفعيل المشترك الإنساني.. لا القطيعة والتعالي، وإشاعة الأمن والسلام.. لا القتل والعدوان والإرهاب، وإشاعة الحق والعدل والمساواة..لا الاستكبار والعنصرية والظلم والطغيان، وتكريم الجنس البشري..لا أهانته وتسليعه وتدميره، وتقويض مؤسساته الأسرية والاجتماعية، وكلمة سواء..لا الهروب تحت شعارات جوفاء.
ويا من تدمجون وتربطون بقاء الحضارة الغربية ببقاء الكيان الصهيوني، "فإذا انهارت إسرائيل انهار الغرب ونهبه لثرواتنا ونفطنا، وكأن الحضارة شق مادي بحث دون جانبها المعنوي الفكري الأهم"، ستنهار إسرائيل وستسقط وستزول: "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف:21).