ربع ساعة في غرفة مدير المدرسة

محمد داود

من باب التشجيع والاهتمام اعتدت أن أزور طفلي ذو الثمانية أعوام في مدرسته الابتدائية، فعندما دخلت إلى المدرسة قبل أسبوعين اصطحبني أحد المعلمين للجلوس في غرفة مدير المدرسة. وقد أوشك جرس المدرسة على أن يطرق استعداداً للتمرين في فناء المدرسة والذي يعج بالتلاميذ والفوضى العارمة الصاخبة التي يصدرونها.

لقد كانت الربع ساعة الأخيرة بمثابة اختبار وتقييم لسلوك التلاميذ لمعرفة مدى تقصير المعلمين الذين لا يأبهون لشدة الفوضى والعبث في ممتلكات المدرسة، وهي جسدت صورة صغيرة من المجتمع ككل، الذي يعاني الآخر من تفكك في نسيجه الاجتماعي والوطني وعلاقاته الأسرية، يمكن ملاحظتها من شدة العنف والعداء التي باتت على سلوك التلاميذ تجاه بعظهم.

ثلاثة حالات الواحدة تلو الأخرى خلال الربع ساعة التي جلست فيها في غرفة مدير المدرسة، وفي إحداها كانت بحاجة إلى التوجه إلى المستشفى لعمل ألازم. كانوا المعلمين شبه حاضرين في غرفة المدير يتبادلون الرأي والنقاش كعادتهم، بينما فواصل الأطفال المصابة التي ترد غرفة المدير لم تحرك ساكناً في نفوسهم أو تقطع حديثهم المتواصل، المدير من ناحيته بدأت عليه علامات الغضب والاستياء من كم وحجم الحالات فقرر أن يوجه كلمه للتلاميذ عبر الإذاعة المدرسية.

لكن الأمر في غاية البساطة، فبإمكان المعلمين أن ينتشروا في ساحة المدرسة ومراقبة تلاميذهم بدلاً أن يتركوا أحراراً يعيثون فساداً وعنفاً في المدرسة.وهو أبسط الوسائل مقارنة مع الدول الأخرى التي تخصص قاعات وأماكن ترفيه وتثقيف وتعليم يستثمر التلاميذ هذا الوقت فيعود عليه بالنفع والخير.

المشهد كان مأسوياً أمام تلاميذ لا يعرفون إلا لغة العنف والشر يعتدون على بعضهم بالأيدي والحصى، ليس فحسب بل تمكنت من تجريد آلة حادة من أحد التلاميذ كان يضعها على خاصرته خشيت أن يستخدمها فيلحق الأذى بالآخرين قد يكون طفلي أحد هؤلاء الضحايا فتمكنت تجريده من المنشتر وتعاملت مع نفسي معلماً وليس مربياً.

مشهد صراع التلاميذ كما أسلفنا لا يخرج عن السياق العام الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني هناك في الجامعات الفلسطينية وبين العائلات حتى داخل الأسرة الواحدة وبين القوى الفلسطينية بين الباعة والمتجولين والسائقين في الطرقات حتى في المساجد، ألا من رحم ربي. نتيجة الصراع الذي بات يأكل الجسد الفلسطيني في جميع مرافقه كما تأكل النار الهشيم نتيجة ما أفرزه الانقسام وموجة الاقتتال والصراع الإعلامي البارز ورفض التوقيع على المصالحة الفلسطينية.

نتمنى أن تزول هذه الظاهرة وأن تستعاد اللحمة الوطنية والسياسية والاجتماعية والجغرافية والشعبية والدينية والأخلاقية للوطن والمواطن التي نحن بأمس الحاجة إليها من أي وقت مضى.