التصوف والفوضى
م. الطيب بيتي العلوي
مغربي مقيم بفرنسا
باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس
[email protected]
كان التصوف حالا، فصار كارا،وكان احتسابا ،فصاراكتسابا،وكان استنارا، فصار اشتهارا،
.وكان اتباعا للسنة ،فصار اتباعا للعلف، وكان عمارة للقلوب والصدور، فصار عمارة
للغرورو،وكان تعففا فصار تملقا، وكان تجريدا فصار ثريدا.." القطب الصوفي .عبد
الوهاب الشعراني(897-937للهجرة)
مصطلح التصوف
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه
مشتقا من الصوف
وليس يحمل هذا الاسم غير فتى صافي فصوفي حتى لقب بالصوفي
ان
كل التعريفات المقترحة للتصوف لا يقبلها النحت
اللغوي ولا اشتقاقات اللغة العربية،.. وكل المطلحات لتي ألصقت به ،لا تجيب عن مسألة
الاسم، سواء أنسب الصوفية للصفاء ،أو الصوف، أوالى"صوفة"وهو الغوث بن ناد" ممن
خدمواالكعبة في الجاهلية،أو صوفيا(بمعنى الحكمة عند اليونان)، أوأهل الصفة، من
فقراء المدينة الذين كان يرعاهم الرسول (ص) أو كما قال المعري في هذا الشان
صوفية ما رضوا للصوف نسبتهم حتى ادعوا انهم من طاعة صوفوا
وبالتالي لا يمكن، وضع تعريف جامع مانع للتصوف أو للظاهرة الصوفية كما هو الشأن فى
العلوم الانسية ،أو الاجتماعية ، أو النظر اليه كعلم ،أو كطريقة للسلوك ،أو كتصور
معرفي--مادام -العلم يبدأ دائما بالتعريفات-ولأن المتصوفة يرفضون كل هذه الاسماء
التي ألصقت بهم وهي لا هىتعنيهم، لأنهم هم المعنيون بالأمر
ومن خلال ما قدمناه في الفصلين السابقين، نخلص الاأن تاريخ الفكر الاسلامي عموما
بعد الغزالي الى القرن السادس الهجري ،هو تاريخ النزاع المشبوب بين المتصوفة
والأشاعرة من جهة، وبين المتصوفة ورجال الحديث من جهة ( منذ أن لصقت بالغزالي تلك
المثلبة المشهورة بان بضاعته في علم الحديث ضعيفة كانتقاد من ابن تيمية ولم يقصد
منها التنقيص من قيمة الغزالي)،وأعقب هذا الصراع العنيف هبوط فكري شامل في قوى
الاشأعرة ورجال الحديث جميعا،كما تنتج المعارك الحربية الضعف والانهيار في القوات
المتحاربة ، فتحمل العالم الاسلامي بأسره وزر تلك المعارك الجدليه الهوجاء، جهلا
وجمودا ،وبلادة ذهنية ،وخمودا روحيا، وخاصة عندما جاء ابن تيمية في أواخر القرن
الثاني عشر الميلادي يخص بحملته الكبرى ،التصوف والتشيع، فنادى بحرفية القرآن ولم
يقبل في الآيات المجسمة تأويلا ،وانتقد كل المذاهب الاسلامية، وكانت له سطوة وجولة
وصولة،تسعفه ذاكرة قوية، وملكة ذهنية خارقة،وعلم بالكلام والفلسفة والمنطق، و بز
شيخه ابن حنبل في علم الحديث(حتى قيل ان الحديث الذي لم يروه بن تيمية لا يجوز
العمل به)أما، قدرتة على الجدل ،فلم يتأتى لأحد قبله ولا بعده، مما سببت له أن يكون
حليف السجون، ومات سجينا ، وجاء بعده أتباعه ولم يكونوا في قامته العلمية،
ولاملكاته العقلية، فتأولوا كلامه مع التضخيم،وألبسوها أردية ضيقة، زادت نار الحرب
وقودا وضراما، حتى امتلأت شوارع القاهرة بالصراع الدموي بين أتباعه والمتصوفة كما
نقل "الجبرتي"، فانتفى الحواربين الفرق الاسلامية ،وسقط الجميع في متاهات لاتجدي،وفقد
الفكر الاسلامي كله جذوته التي أسعفت الأولين بعقلانية الدين الاسلامي نفسه، ثم
استعداد الحضارة الاسلامية بصفة عامة –وهي ابان ذلك حضارة منتصرة واعية قادرة-
لامتصاص العناصر الثقافية الوافدة منها، والتوفيق بين الأطراف المتضادة جهد
المستطاع.،ومن مظاهر هذه الأزمة الخانقة أن العالم الاسلامي، لم يقدم لنا منذ
الغزالي وابن تيمية و ابن سيناء وابن خلدون مفكرا واحدا مثل وزنهما، ولم يعرف
العالم الاسلامي في العصر الحديث محاولة جادة وجديدة لتفسير الفكر الاسلامي لها
قيمتها الفكرية،أو الفلسفية في غير أعمال قلة من المصلحين، من أمثال سيد أحمد خان
،ومحمد اقبال، وجمال الدين الافغاني ومحمد عبده، ومع ذلك، فقد غلبت على أعمال هؤلاء
المجددين في معظم الأحيان، تلك النزعة الدفاعية التبريرية ،بهدف الرد على الغرب
المعتدي قدر الامكان من جهة ،أو الى استنهاض همم الشعوب الاسلامية المغلوبة على
أمرها من جانب آخر(وقد نجح اقبال الى حد بعيد لالمامه بالفكرالغربي جيدا(فهو من
القلائل في الشرق الذين درسو الفلسفة في بريطانيا ثم رحل الي المانيا ليتخصص في
هيغل مع تمكنه الفقهي والشرعي، والصوفي التي وسعت من مداركه في استيعاب حاجات
الأمة)
أما
دارس التصوف الاسلامي –والحالةهذه- بعد كل الذي سقناه، فيرى نفسه بادىء ذى بدء وسط
أمواج صخابة، وبحارزاخرات ،ووسط دوامة مفرغة الحلقات، لايجد لعبابها شطئا ولا من
نوئها عاصم
فقد امتلأ التصوف بالدخلاء، من كل نحلة وفج ولون،كما دست على التصوف عقائد تكاد
تتمثل فيها عقائد الكوكب الأرضي كله
ولذا فان طريق البحث فيه شائك وليس آمنا، حتى ليحتاج الدارس الى معمل فكري للصهر
والتمييز، لكثرة ما كتب فيه من الشرق والغرب، من متصوفة ومدعي التصوف، وفضوليين
ومتهافتين من بطالة المثقفين، ومتسكعين "روحانيين" في فناءات الطرق الصوفية التي
تملأ الثقلين
والمتعاطي لدراسته يجد نفسه أمام ألوان فلسفية مبهمة ، وتأملات جامحة، وظلال من
الشطحات المضللة، اعتبرها مستشرقون وشرقيون مسلمون من صلب التصوف أدخلت عليه وما هى
منه،ومشى هذا التزييف على التاريخ حتى أصبحت منه
وكتب المناقب المعنية بالتصوف هى من الكثرة والتنوع والبهرجة ، ولكنها لا تنير
طريقا ولاتهدى سبيلا،.بل هى مجرد طرائف و أخبار تصل أحيانا الى حد الابتذال، تسودها
المبالغة والاضطراب ، وأحيانا الثرثرة والتكرار، سرعان ما يتبين فيها الدس والتزييف
على المتصوفة الخلص، تارة بالايهام والاشارة،وطورا بالابهام ،أو التهويل والتضخيم،
قصد اضفاء السرية والخفائية، والاغراق فى الاستسرار والغموض ،والغوص فى رمزيات
مختلقة اختلاقا على هدى القبالة والقباليين
La kabale et les kabalistiques(الاستسرار
اليهودى أوا لروحانية اليهودية المزورة اتي تبيح كل شيء باسم الأسرار الكبرى)تصيدا
لضعاف العقول، ومختلي الفكر، ومنحرفي الروح ،.فكم من ضلالات عمياء أضيفت الى كتب
الغزالي من روحانيات حمراء وصفراء وسوداء ، وفلكيات ومربعات ومخمسات وأوفاق و"مندلات"
وعرافة وكهانة، دست بين طيات مؤلفاته وأضيفت كملحقات الى كتبه ترويجا لاعمال
تدجيلية و خزعبلات وشعوذات، وكم دس علىا بن عربي- من "فصوص" و" كبريت أحمر" وأصفر
"( تجد ترجمات "للفصوص" بالفرنسية تدعي التوثيق وتختلف فيما بينها فى توثيق
المصدر) وتجد تلوثات "و تنبؤات ونبوات ومقولات "القلب القابل"و"التمكين فى التلوين"
وتناسخ ديانات اليابسة كلها، بطرق التوائية مدسوسة على ابن عربي دفعا،للتحلل من
ظاهر الشريعة، تسقطا للمنحلين والمتحللين،"ومحتالي الروحيانات شرقا وغربا" بالدعوة
الى تصوف يتبرؤمن الشريعة وطقوسها،ترويجا لنظرية"الفوضى الروحانية الجديدة
المتحررة" بالمنظور البراغماتي علىهدي الفوضى.الكونية المعرفية الحالية الفاقدة
لأية مرجعية فكرية ثابثة أوقيمية كما يراها خبراء الغرب أنفسهم،.فكثر أدعياء التصوف
في الندوات المغلقةles clubs des
soufis
المشبوهة فى باريس، ولندن، ونيويورك، وروما ،وطوكيو،واسلام أباد، وأوتاوا، وسيدني،
وطليطلة ،وغرناطة ،والقاهرة ،وفاس، ومراكش،وبحضور مستشرقين لمراقبة وتصويب واصلاح "مااعوج،
أو ما حادعن" مقررارت الاستشراق السياسي الاصلاحية" المقررة بعد 11سيبتمبر باسم
محاربة الارهاب(وكم من حروب كبرى وصغرى قادمة ستعلن على الأمة،وكم من اصلاحات على
نهج "اللوثرية" ستفرض علينا انتظارا "للبروتستانتية الاسلامية الجديدة" باسماء
ومسميات لن تلين عريكة الغرب في استنباثها،كما عودنا ،وهو دوما أمين مع نفسه)
للبحث صلة