نحو سياسة مفادها لا قهر ولا تضليل

في عالمنا العربي والإسلامي

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

يمكن تقسيم المجتمع في البلاد العربية والإسلامية إلى قسمين رئيسيين هما:

النخبه والعامة

ففي هذه البلاد تمارس النخبة , شتى أنواع القهر والتضليل على شعوبها , وهنا لابد من معرفة أسباب ذلك , والدوافع الكامنة عند النخبة وإصرارهم على سياسة القهر والتضليل , والتي تمارس ضد شعوبها

إن تضليل عقول البشر هو على حد قول (باولو فرير) أداة للقهر , فهو يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة . فباستخدام الأساطير, التي  تفسر وتبرر الشروط السائدة للوجود , بل وتضفي عليها أحيانا طابعا خلابا , يضمن المضللون التأييد الشعبي لنظام اجتماعي لايخدم في المدى البعيد المصالح الحقيقية للأغلبية , وعندما يؤدي التضليل الإعلامي للجماهير دوره بنجاح, تنتفي الحاجة إلى اتخاذ بدائل اجتماعية بديلة

والتضليل الإعلامي والدعائي لاتمارسه النخبة في البداية إلا عندما تواجه بتصرف شعبي مفاجيء مضاد لمصلحتها وإنما تمارس القمع والقهر , فلا ضرورة عندها للتضليل , لأن المجتمع غارق لأذنيه في بؤس الواقع

لقد مارست أنظمتنا والنخبة المتحالفة معها , شتى أنواع القهر والإستبداد والتسلط , على شعوبها في بداية الأمر , ومع ظهور تمرد معين في بلد ما , هنا اضطرت النخبة لسياسة التضليل , والتضليل هنا قد لعب دورا كبيرا, واتخذ منحيين رئيسيين هما :

أولهما إظهار التصرف المفاجيء المناهض للنخبة

 ماهو إلا بصمة لدولة معادية والتي هدفها تدمير الوطن, أي بين قوسين (عملاء وجواسيس وخونه , وإرهابيين أيضا )

وثانيهما كسب الدعم الخارجي المعادي لأي إصلاح في هذه الدول , والتبرير المعطى لهم بصورة مباشرة وغير مباشرة

فالتبرير قبل سقوط المعسكر الشيوعي كانت الدعاية والتضليل الإعلامي , في حال كان الهدف ضرب اليسار في بلد ما هو لكسب التأييد الأمريكي , عندما أعدم سوهارتو مليون شخص , مدعيا أنهم شيوعيون .

ويباد الآلاف من المسلمين في الدول ذات المنحى السوفييتي , بارتباطهم بأمريكا وإسرائيل

وبعد سيطرة القطب الواحد واندحار العدو اللدود للرأسمالية , لم يبق عدو إلا المسليمن

هنا النخبة في وطننا العربي والإسلامي تتهم المسلمين بالإرهاب , والتي تبنت سياسة القهر والتضليل ضدهم , ولصق التهم والتي تخدم مصالح استبداد النخبة

ففي الدول الإسلامية فالغالبية من الشعب يدين بالإسلام ,

ولكن هل اكتفت تلك النخبة بالمتدينين ف فقط , في قهرهم واستبدادهم ؟

الإجابة على السؤال , أن هذه النخبة لايهمها عقيدة الشخص بقدر مايهمها , مصالحها , والتي أدت بكثير من الأحيان أن تطال التصفية حتى الكثير ممن أوصلوا تلك النخبة وساعدوهم في الوصول لتلك المكانة في الحكم والتسلط ,وتمكينهم من السيطرة تلك

وهذه السياسات والمبنية على أدوات القمع , باستعمال الأجهزة الأمنية , والجيش وموارد الدولة , والتي بالأصل كانت يجب أن توجه لخدمة وتطور المجتمع , وليس لقمعه وإذلاله

وعندما وجدت هذه الأنظمة أن القمع والإستبداد والظلم والقهر لم يجد نفعا وأصبحت النخبة تشعر بالقلق , لجأت للتضليل

والركيزة الأساسية للتضليل هو الإعلام بالدرجة الأولى ,وبعض المفكرين والمثقفين وعلماء الدين , وشراء ذمم رؤساء وشيوخ بعض العشائر

وقسمت المجتمع لتقسيمات لم تكن لها وجود في السابق , مع أنها كانت موجودة , ولكن لايوجد لها أثر عملي يذكر

فكانت قد عملت على إرساء قواعد مستقبلية , وأسلحة فتاكة في التضليل والمبرر للقمع بشتى أشكاله

وذلك بتقسيم المجتمع إلى طوائف وإثنيات , لتحكم باسم طائفة على حساب طائفة أخرى , مع أن المستفيد هي النخبة فقط والقليل ممن يعتنقون العقيدة الإثنية أو العرقية

وكما نراه الآن من معارك طاحنة بين السلطة وتلك الإثنيات العرقية والدينية , كالماغيزية في بعض دول المغرب العربي ,والصراع القومي بين الأكراد و العرب , والصراع الطائفي كالذي حصل في لبنان  ويحصل في العراق الآن

فطهران مثلا تساند الأرمن في أذربيجان ضد المسلمين الشيعة فيها , والذي أدى إلى هجرة مليون شخص من مناطقهم وهم شيعة ينتمون لنفس المذهب في طهران , لأن الأرمن هناك أصولهم فارسية ولا يشكلون سوى 20% من عدد السكان في ذلك الجزيء من أذربيجان, في حين تدعم  الميليشيات الشيعية لضرب السنة في العراق

الدول العربية والمقصود بالنخبة فيها , كبلت المجتمع بفرض حالة الطواريء على مجتمعاتها بحجة , أنها معرضة للخطر من قبل إسرائيل , والبعيدة عن إسرائيل يقولون السبب :

الإرهاب والتكفيريين والشيوعيين والرأسماليين

مع أن هذه الدول المجاورة لإسرائيل, السلام قائم بينها وبينهم بشكل فعلي ورسمي أو بشكل مضموني بدون إتفاق , والعمل بقوانين الطواريء مازال مستمرا

لأنه معمول أصلا لخدمة النخبة ,في الإبقاء على سياسة القهر والإستبداد , وليس من أجل حماية الوطن من الأعداء

لكي نقطع الطريق على سياسة القهر والتضليل والتي تمارسها تلك النخب الحاكمة والتي ألقت عن كاهلنا كل أنواع العزة والكرامة ووضعت مكانها

  لم تبق لنا لاعزة ولا كرامة ولا أقل احتراما من أننا شعوب تكفينا العبودية فقط

في العراق الرحى تدور بسرعة , وتطحن وتمزق كل شيء , ومصر تعيش على بركان يكاد ينفجر , وفي سورية سيطرة حزب واحد بميول قمعية ودعائية , لايخلق مايحل محلها , والخراب قادم كما العراق إن وجد طفرة شعبية تنادي بالتغيير

في اليمن السعيد والحوثيون وحراك الجنوب , في الجزائر الحرب المستعرة بين الإرهاب والكباب , وفي تركية بين الحكومة والجيش

وتبقى فلسطين شاهدة على المأساة ماساتها فيها ظاهرة للعيان

التهجير  يصاحبهم والقتل والتدمير والإعتقالات , والإستبداد والقهر في بلادنا يبق صامتا صمت الصخور الصماء

فطالما يوجد من يسمع للتضليل , ويتعايش مع القهر والتضييق والإستبداد , ويصدق التضليل , في الكذب وراء الكذب حتى غدا الناشرون لذلك التضليل يصدقونه ويؤمنون به

كلمة هنا لابد من طرحها

لنزيل الصدأ عن عقولنا وعقول الجماهير , ونعي حقيقة أبواق النخبة أنها ماهي إلا: اجتماع شياطين الإنس والجن, اجتمعت حولنا وتهنا وضللنا في وساوسها ولا نصدق غيرها

فمتى نعي حقيقة دلنا عليها رب العزة جلا وعلى في كتابه العزيز, على لسان إبراهيم عليه السلام لأبيه(ياأبت لاتعبد الشيطان إن الشيطان كان للإنسان عدوا).