سيد قطب ضد العنف

سيد قطب رحمه الله

د. منير محمد الغضبان *

[email protected]

لم أتردد أبدا في هذا العنوان ..وكان يجول في خاطري أن أقدم على هذا البحث منذ فترة طويلة ولكني كنت أنتظر أن يقع بين يدي كتاب-معالم في الطريق-بصفته أشد ما كتبه سيد رحمه الله في هذا المجال  حتى تكون الآراء والأفكار موثقة من خلاله وقد تم لي ذلك..

ثم فكرت بالعودة إلى(في ظلال القرآن)لتوثيق مثل هذه الأفكار .ورأيت أن هذه القضية تحتاج إلى تفرغ كامل ووقت طويل .وهذه يمكن أن تكون كتابا موسعا فيما بعد .ولا املك الوقت لذلك.إلى أن قدر الله لي أن أظفر بوثيقة .أعتبرها أهم من (المعالم ) وأهم من ( الظلال)في هذا المجال . وكانت مبعثرة بين الأوراق والكتيبات الصغيرة وهي الوثيقة التي أطلقت عليها (الشرق الأوسط)عنوان (لماذا أعدموني) وهي تمثل مرافعته في المحكمة بخط يده –رحمه الله-وكأنما بعث اليوم من جديد ليقدم هذه المرافعة أمام السيل الجارف من الكتابات ضده التي تعتبره فيلسوف فكر العنف والتطرف لدى الأصوليين الإسلاميين .وآخر هذه الكتابات وليست الأخيرة هي برنامج
(سلطان الخوف). الذي ربط بين (فكر سيد قطب )و(فكر المحافظين الجدد)في أمريكا .حيث ربط بينهما فكرا وتنظيما .تعود العلاقة بينهما منذ كان سيد في أمريكا .

وأعلم سلفا أن الخوض في هذا الموضوع .هو معركة خاسرة فيما أقدر .فبين هذه السيول الجارفة  من الكتابات شرقا وغربا لا يمكنني بقلمي الضعيف الوحيد أن أصحح هذه الفكرة .ولكن الخوف من الله تعالى هو الذي دفعني لذلك من أن أكتم علما أعرفه .وهذه هو الدافع الأول والأخير كذلك.

فلا مصلحة لي قطعا أن أقف أمام هذا التيار وحدي .أو أقف أمام هذه العاصفة العاتية الجارفة .وقد أحنى الجميع رأسهم لهذه العاصفة .فيمكن أن تبتلعني وتقتلعني فيما تبتلع وتقتلع .

فلقد كتب مقالان ضدي شخصيا في الشرق الوسط حاول صاحبهما غفر الله له أن يلبسني لبوس الإرهاب ما استطاع سبيلا إلى ذلك .ويدفع بي على المحاكمة والمسائلة على أقل تقدير .وتصدقت بعرضي ولم يثنني من ذلك شيء .لكن الموضوع الذي أنا بصدده قد يعرضني كذلك للمساءلة حين يفهم على غير حقيقته .ولو لا خوف الله تعالى ما أقدمت عليه .فليس لي مصلحة شخصية بتاتا في ذلك .

هذه الملاحظة الأولى،

أما الملاحظة الثانية هي أن ما أكتبه يمثل رأيا شخصيا لي لا أحمل تبعته لأحد.

ولا أعلم من حولي أو بعيدا عني يشاركني فيه .فأنا وحدي المسؤول عما أقوله .ولو استشرت من حولي من الإخوان الفضلاء جميعا .لما أشاروا علي بالكتابة في هذا الموضوع.

والملاحظة الثالثة أن هناك فرقا كبيرا بين الدفاع عن ( العنف ) والتطرف وبين الدفاع عن (سيد قطب )رحمه الله على أنه ضد العنف .ولا أنفي أنني تتلمذت على هذا الرأي في مدرسة سيد رحمه الله .وأكتفي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينبذ العنف في كل شيء .وأنه ليس أبدا من سمة هذا الدين .

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عائشة عن الله رفيق يحب الرفق ،ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف،ومالا يعطي على ما سواه))أخرجه  مسلم 2593

والملاحظة الرابعة :

هي أن أكبر حرب ضد العنف والتطرف ،حين تنزع سلاح(سيد قطب)من بين أيديهم . وحين يحتجون بقوله يكون رده عليهم أبلغ من أي رد .وإيضاح هذه القضية في غاية الأهمية .

والملاحظة الخامسة :

هي أن فهمنا للعنف يختلف عن فهم أعداء الإسلام عنه.الذين يريدون أن يدجنوا المسلمين فيحكمون على حركات المقاومة الإسلامية ضد المحتلين بالإرهاب والتطرف .فنحن نؤمن أن مقاومة المحتل لأرض المسلمين حتى يخرج منها عبادة ودين.

والملاحظة السادسة:

هي أن ما أقدمه في هذا المجال رأي قد أصيب فيه وقد أخطيء .ولعل الحوار إن سمح لهذا البحث أن يرى النور هو الذي يسدد الخطأ إن كان قائما .أو يوضح الصواب إن كان حقا .وأتمنى أن يسود الحوار الموضوعي البعيد عن المغالاة والشطط والعاطفية .ليتحقق هدفه في إصلاح الأمة وحملها على الجارة .

والملاحظة السابعة :هي أن قادة التطرف قد حكموا على (الإخوان المسلمين) بالكفر وألفوا كتبا في ذلك .وعلى رأسهم الظواهري الشخص الثاني في القاعدة .و(سيد قطب)رحمه الله يعتبر نفسه أنه قام ليحيي (الإخوان المسلمين) الذين تعرضوا للإبادة من الحكام في مرحلة من المراحل .ضمن المخططات الصليبية . والصهيونية في رأيه .

والملاحظة الثامنة :

لا أنكر أن ( سيد قطب ) رحمه الله هو أكثر شخصية أثرت في تكويني من خلال كتابه-في ظلال القرآن- واعتبرني تلميذا له .لكن هذا لا يعني أنني أقبل كل ما يقوله من فكر ،وأتبنى كل ما يعرض من رأي ،إنما المرجع الوحيد لي في هذا الفهم هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وفهوم الأشخاص قد تصيب وتخطيء .وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام ((وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى )سورة النجم3و4

والملاحظة التاسعة :

هي أن سيد رحمه الله قد دخل تحت مفصلة التطرف وألفت الكتب ضده .وحكم بكفره وخروجه عن عقيدة الإسلام في أكثر من موطن .فهو مذبوح من المتطرفين ،ومذبوح من المعتدلين .

والملاحظة العاشرة  :

أني قد أشرح أو أقارن أو أوضح أو أبين في هذا البحث .لكن يبقى الاستشهاد الأول والأخير فيما أقوله هو (لسيد رحمه الله)من خلال هذه الوثيقة .وهي تمثل آخر ما كتبه.

وآخر ما لقي الله تعالى عليه .وآخر ما خطه قلمه قبل إعدامه .فهي تمثل بالتأكيد آخر آرائه .ونحن نعلم أنه مر –رحمه الله-بمراحل متعددة في تطوره الفكري .

فإن أتيح لهذا التمهيد النشر فسأعقبه بحلقات عشر .توضح أبعاد ومراحل هذا البحث دون أن ألتفت إلى أي رد قبل الانتهاء من نشر هذه الحلقات .

وأختم هذه المقدمة بمقدمة كتاب (لماذا أعدموني )باسم هشام ومحمد علي حافظ المؤسسان لصحيفة الشرق الأوسط.ولا شك أنها موجودة في وثائقهم تحت عنوان ((مقدمة الناشر)) :

نرجو أن لا يتبادر إلى الذهن أن هذه الوثيقة التي كتبها شهيد الإسلام (سيد قطب) كاملة غير منقوصة .

هذه الوثيقة التي أخذنا لها عنوان ( لماذا أعدموني ) قد مرت على أيد كثيرة ابتداء من المحققين وغير المحققين من الذين عذبوا الشهيد ورفاقه ،وانتهاء بكبار المسؤولين في الدولة وأذنابهم .

هذه الوثيقة هي ولا شك  بخط الشهيد سيد قطب .ولكننا يجب أن نقول بشأن هذه الوثيقة أنها كتبت بطلب من المحققين الذين كانوا يستجوبون الشهيد ورفاقه ولهذا جاءت ،وكأنها جاءت إجابات لأسئلة محددة أو سؤال واحد عام .

عندما نشرت (المسلمون)هذه الوثيقة على حلقات ،ابتداء من عددها الثاني تباينت ردود فعل المهتمين بالشهيد سيد قطب.فمنهم من قال إنها مزورة وأكثرهم من جزم بصحتها.

من ناحيتنا نحن فإننا نؤكد أن هذه الوثيقة أو الشهادة وهي الإجابة الكاملة على سؤال المحققين قد وصلتنا بخط يد الشهيد .ونؤكد في نفس الوقت أنها ناقصة غير كاملة .فقد حرص أذناب نظام الطاغية على الاحتفاظ في مكان غير معروف ،وعند شخص معروف بالجزء الخاص بالتعذيب الذي تعرض له الشهيد سيد قطب ورفاقه ظنا منهم أن خلو الشهادة أو الوثيقة من تلك الصفحات السوداء سيبيض وجوه الطغاة وأذنابهم ،الذين لم يتركوا وسيلة عرفوها لتعذيب الشهيد سيد قطب إلا واستعملوها ولكن هل نجحوا في التأثير على روح الشهيد وضميره ؟

أبدا . إنهم تمكنوا من جسده الفاني .أما روحة فلم يقدروا أبدا عليها ،ولذلك أعدموه .نعم لذلك أعدموه .بالرغم من النداءات التي وجهت في ذلك الوقت من قادة المسلمين وعلمائهم بعدم إعدامه.

كيف لا يعدموه؟

أيتركوا جسده شاهدا على وحشيتهم ؟

يقول رفاق الشهيد سيد قطب في السجن قبل إعدامه ،إنهم عذبوه عذابا شديدا وشوهوا جسده ووجهه يريدون بذلك الوصول إلى روحه ليتمكنوا منها .

ولكن الله سبحانه وتعالى لم يمكنهم منها .وأبلغ دليل على ذلك هو إعدامهم لصاحب (في ظلال القرآن)

رحم الله الشهيد سيد قطب .وأجزل له الثواب على كل ما قدمه للإسلام والمسلمين .وإنا لله وإنا إليه راجعون

هشام ومحمد علي حافظ))

وبعد هذه المقدمة وهذه الصفحات أنطلق في عرض الموضوع .سائلا الله تعالى التوفيق والسداد .والحمد لله رب العالمين.

               

    * باحث إسلامي سوري