المسلمون في الغرب

بين تحديات الاندماج والحفاظ على الهوية

د. لؤي عبد الباقي

[email protected]

يواجه المسلمون في الغرب تحديات كبيرة في سبيل تحقيق تعايش سلمي ضمن مجتمعات غالبية سكانها من غير المسلمين، مع تحقيق التوازن بين الاندماج الذي قد يؤدي إلى الذوبان في المجتمع، من ناحية، والحفاظ على هويتهم الحضارية وقيمهم الإسلامية، من ناحية أخرى. كما يجدون مصاعب كثيرة في نقل وغرس القيم والمبادئ الإسلامية في نفوس النشئ من أبنائهم وبناتهم. وللتخفيف من هذه المصاعب ومواجهة تلك التحديات قام المسلمون، حيثما سنحت لهم الفرصة، بتأسيس الجمعيات، وافتتاح المراكز الإسلامية، وتشييد المدارس المخصصة لتربية وتعليم أبناء الجاليات الإسلامية.

إلا أنه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، حيث بدأت الأضواء تُسلط على المسلمين ونشاطاتهم بشكل مكثف، ظهرت تحديات جديدة، أضافت أعباء ومصاعب أخرى لم يوليها المسلمون من قبل اهتماما كافيا، إذ اتضح مدى الجهل الكبير بالإسلام، ودرجة تشوه صورة المسلمين، المشوبة بالكثير من التخوف والشكوك، في أوساط المجتمعات الغربية. فخلال السنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول، أخذت الكثير من التغطيات الإعلامية في الغرب منحاً سلبياً في إبراز صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين، معتمدة على تقارير سطحية، تفتقر إلى المعرفة الموضوعية والحقائق الواقعية، مما جعل الكثير المسلمين يشعرون بمسؤولية تجاه تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة، وتقديم صورة حقيقية عن القيم والمعتقدات والثقافات الإسلامية. كما أنه بدا للكثيرين أن المراكز والمؤسسات الإسلامية في الغرب، التي تبين تقصيرها في مخاطبة المجتمع وتعريفه بالإسلام والمسلمين، تتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية.

لقد تكشفت الحملات الإعلامية التي استهدفت المسلمين في الغرب عن حقائق هامة بالنسبة للمسلمين، لا بد لهم من أخذ العبر والدروس منها، كي يخففوا من آثارها السلبية، ويتجنبوا تكرارها في المستقبل. أهم هذه الحقائق التي بدت واضحة للمراقبين هي عدم قدرة الغالبية الساحقة من المسلمين على الدفاع عن دينهم وعن حضارتهم العريقة التي ينتمون إليها، إما لأسباب أهمها العائق اللغوي وانخفاض مستوى الوعي بالواقع وعدم فهم المجتمع الذي يعيشون فيه، بالنسبة لغالبية المهاجرين الجدد، أو بسبب قلة المعرفة بالإسلام وبحضارته، وخاصة بالنسبة لأبناء الجيل الثاني والثالث من المسلمين الذين ولدوا ونشؤوا في الغرب.

ففي غمرة الانفعال والقلق الذي ساور المسلمين إبان تلك الحملات الإعلامية المغرضة ضد المسلمين، كشفت بعض الدراسات إلى أن المسلمين انقسموا، من حيث ردّ فعلهم تجاه تلك الحملات، إلى ثلاث مجموعات، حاولت كل واحدة منها الرد بطريقة مختلفة: المجموعة الأولى فقدت الشعور بالاعتزاز بانتماءها إلى دينها وحضارتها، فحاولت إخفاء هويتها الإسلامية عبر تغيير الأسماء أو الشكل الخارجي، كطريقة قص الشعر وتلوينه. والمجموعة الثانية فضلت الانطواء والانغلاق، وبالتالي العزوف عن التواصل مع المجتمع. أما المجموعة الثالثة، وهي الشريحة الأقل عددا، فأخذت منحىً انفعالياً في الدفاع عن هويتها ومعتقداتها فعمدت إلى المواجهة من خلال الهجوم على المجتمع الغربي وثقافته، دون أخذ بالاعتبار لما قد يسببه هذا المنحى من ضرر على أبناء الجاليات الإسلامية. وكثيرا ما كانت تُستغلُّ هذه الشريحة الانفعالية من قبل بعض وسائل الإعلام المغرضة والمتحيزة لإظهار المسلمين وكأنهم جميعا متطرفون يؤيدون القتل والإرهاب، وأنهم خطر على المجتمع الغربي يجب التخلص منه.

من هذا المنطلق، وفي ضوء واقع العلاقات المتبادلة بين الإسلام والغرب، وحاجة الجاليات الإسلامية إلى تحقيق التعايش السلمي الآمن في المجتمعات الغربية، تبرز أهمية النهوض بمستوى الوعي لدى المسلمين، ورفد غير المسلمين بالحقائق والمعلومات الموضوعية عن الإسلام وحضارته، وذلك بغية مد جسور الثقة الثابتة بين الثقافات الإسلامية والغربية، وإرساء العلاقات بين المسلمين وغيرهم على أسس راسخة من التفاهم والتعاون والاحترام، المفضي إلى التعايش في مجتمع منسجم وعالمَ متقدم آمن.

بناءاً على ذلك، يمكننا تلخيص التحديات الجديدة التي ينبغي على المؤسسات الإسلامية التصدي لها وإضافتها إلى قائمة أولويات عملها في ثلاثة مجالات أساسية:

(1) النهوض بمستوى وعي الجاليات الإسلامية، لمساعدتها على فهم الواقع وتعزيز قدرتها على التعايش المنسجم معه، مع الحفاظ على هويتها الحضارية ومعتقداتها الإسلامية.

(2) مخاطبة المجتمع الغربي للتعريف بالإسلام والمسلمين، والتخفيف من حدة المخاوف والتحيزات المنبثقة من الجهل بالآخر.

(3) المساهمة المعرفية الجادة، المبنية على البحث الموضوعي والمعطيات الواقعية، على المستويات المحلية والوطنية والدولية، وذلك من خلال تشجيع وتطوير الكوادر البحثية، وتنمية جيل من الباحثين الشباب، وتبني أو رعاية المبدعين منهم في مختلف المجالات.