مقالات في الحب
مقالات في الحب
محمد الرمادي
فينا - النمسا
لقد وجدَ نفسه في "عز" رجولته دون المرور بمراحل الحمل والتكوين والولادة، دون أن يكوّنه دم الحيض الفاسد، ولم يصيبه بأذى ـ والذي تشمأز منه ربته، مع أنه يصاحبها طالما كانت أنثى تراد، فإذا انقطع، أنقطع النظر إليها، وإن كان سبب الخليقة ـ، أو تعلوه دماء النفاس، ولم يتقلب في أحشاء من طور إلى آخر، في رحم عايشت صاحبته تحولاته لحظة بلحظة حتى في منامها ويقظتها، تتضايق منه أحيانا وتخاف عليه أحيانا آخرى، تتمنى دائما له البقاء وإن سلب منها روحها، تريد أبداً له العيش وإن ضحت من أجله، وهو لم يخرج للكون ملطخ بأنجاس المخرج، بل وُجدَ مبرأً تماما من هذه الأعراض أو ما يشابهها، وإن كانت أعراض بشرية طبيعية، لم تتخلف أبدا أو تتبدل على مر الأعصار والدهور، فهي سُنَّة الحياة وطريقة عيش البشر، أعتاد من لحقه أن يمر بها أو يعايشها، وهو، لم يستطع أحد أن يعبث بجيناته، أو يغير منظومته الوراثية.
كما أنه لم يمر بمراحل الطفولة والمراهقة والشباب، أو البيئة التي يتربى فيها ومعها، أو يقع تحت تأثير عوامل الثقافة المعلبة والتقاليد المحنطة والعادات المقدسة والمفاهيم البالية والأحكام المسبقة والآراء الرجعية والقناعات المستوردة من بلاد ما وراء البحر، أو أساليب العيش المعولمة، لم يقع تحت سطوة زمرة من رجال العصر البائد ـ كما يقول رجال العصر الآني ـ، ولم يضطر أن يمسك بعصم الغواني مقبلا الأقدام صاعداً إلى أيديهن للوصول لمأربه، بل وجد نفسه رجلا بكامل صفات الرجولة وميزاتها.
وُجدَ على غير مثالٍ سابق، وجد دون أي تأثير من العوامل الخارجية، سواء تربية الأم ومزاجها، حنانها أو قسوتها، خوفها عليه أو ضعفها أمامه، تلبي جميع طلباته فيصير "ابن أمه" المدلل، أو تربيه ليعتمد على ذاته وإن كان مازال طفلا ضعيف العود فيصير بحق رجلا، لم يوجد ومعلقة من ذهب أو خشب في فمه، لم يشعر بقوة وعنف الآب، لم يسمع زمجرته، ولم تلمس اصابعه الناعمة جفاء يديه أو تلامس خده، ولم يسر خلف الرجال، كيف ؟!! وهو الرجل الأول، فلم يتربي متأدبا أمام معلم، ولم يجلس تلميذا بين قدمي أستاذ.
كما أنه لم يمر بمشاكل المراهقة وعورات طريقها، ولم يجالس رفقاء السوء أو يصاحب زميل فيقلده، أو يقرأ كتابا خلسة، منع من التداول كما حدث في عصور الظلام بالأمر العالي، أو منع حفاظا على الوحدة الوطنية وقدسية تراب الوطن، ولم يخبئ المجلات الوضيعة بين كراسات مادة الإحياء أو كتب البيلوجيا، أو يمارس تجارب فيندم على واحدة ويفتخر بالاخرى، وفي شبابه لم يلتحق بطلائع الحزب الحاكم فيضمن وظيفة وإن لم يكن يحمل مؤهل عالي أو منخفض، ولم يرتمي بين أحضان العاشقات ليظهر فحولته، أو يترنح بكأس ليظهر قوته.
كان نسيجا خاصا وحده، وطرازا من الرجال يصلح أن يقتدي به المـتأخرون.
أول رجل أشرقت عليه شمس النهار، فأضأت الكون له وحده، ودفأت حرارتها بشرته وإن ظل من داخله شاعرا ببرد العاطفة، وصقيع الأحاسيس.
نظر للعالم واراد أن يحتويه فجاءت احفاده وحققت ما يتمناه.
من اللحظة الأولى: وُجدَ ليكون رجلا، حين خلق رُكبتْ فيه كل مظاهر الرجولة فسبحان المبدع، وخُلقت فيه كل علامات الفحولة فامتطاها واستحوذ على لجامها، واُنبتت فيه قدرات خاصة ما سبقه لها مخلوق، ولا امتلكها قبله موجود، ولن يسبقه.
خُلقَ في أفضل البقاع، في جنةِ عدن ... حين قام طاول عنقه السماء فعانق السحاب كل صباح وكل مساء، علم منذ اللحظة الأولى أنه رجل وأنه وُجدَ ليكون "سيد"، تمتع بمفرده بما لذ وطاب إلى حين، فثمار الجنان من أعناب ونجيل ورمان خلقت له وحده دون أن يدرك أن له شريكا، سبحَ في انهارها مع الأسماك، وركب أمواج بحارها سابقاً الحيتان، وشربَ من ينابيعها مع العصافير، يبزغ الفجر عليه والعندليب يغني له وحده، ويستقبل أشعة الشمس الذهبية كل صباح بمفرده فهو مازال يحتاج لدف حرارة ما لم يفقه بعد مغزاها، وينتظر قيثارة القمر كل مساء تعزف له، وإن كان لحن الخلود يطربه، والطيور تنشد له على انغامها، فهو وحيد، ينام خال البال قرير العين فرحان.
لكن لم يترك هكذا لمدة طويلة، فقد نسجت اساطير بحبالها شباك أوقعته فيها، فصدرت القول بحكمة العلماء قالت: "وتميل أغلب الأراء إلى ان مكانها ـ جنة عدن ـ عند التقاء نهري دجلة والفرات في جنوب العراق في محافظة البصرة، وعجائز مع أهالي مدينة "القرنة" يقوّون هذه الحبال، فتقع في شباكها السياح فيأتون لزيارة "شجرة آدم" عند ملتقى النهرين" وحتى لاتختلط علينا الأمور يأتينا قائل عليم وبتاريخ المنطقة ضليع، وبحروف الكتاب العتيق محيط، فينبهنا لصحة الأساطير فيأتي الرابي واعظأ ومعه الراهب في مسوح الرهبان يقولا :" وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ" ولإحتياج الحياة للماء يؤكدا كان هناك: „نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ: 11اِسْمُ الْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ الذَّهَبُ. 12وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ. هُنَاكَ الْمُقْلُ وَحَجَرُ الْجَزْعِ. 13وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِى جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ. 14وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَاتُ.“
نعم حديثنا عن آدم، الرجل الأول في تاريخ الرجال، وأشهدُ أن الرجال قليل.
أيها القارئ الكريم!
هذه محاولة لوضع بعض اللمسات الإنسانية على علاقة الإنسان ـ الرجل؟ّ!! ـ بالإنسانة ـ المرأة ـ العلاقة التي أصابها الكثير من الجفاء والعناد والقسوة والإهانة، وصلت العلاقة إلى التأديب بشد الشعر ـ تاجها ـ ولطم الوجه الذي كرم بالسجود عند المسلمين والنصارى واليهود، والضرب المبرح على مواضع تحتاج يد الحنان، والجَلد المؤذي بحزام علقَ نفسه به داخل سروال يرتديه أمام غيره من أشباه الرجال، مع أن العلاقة الحميمة بينهما ـ الرجل والمرأة ـ لا تحتمل لمس شوك الورد الذي يهدى إليها إثناء لحظة ود، أو حين يقدم قبلة فجرية صباحية عرفانا بالجميل، على يدها بعد أن قدمت له فنجاناً من القهوة العربية بالهيل، أو كوبا من الشاي الهندي المُعلب في بلاد الإنجليز، فما بالك بحرب "الياسمين" و "الورود" و "الأزهار"، المصطلح الحديث لحروب الطلاق المشتعلة الآن على سطح المعمورة ـ على سطح كوكب إذا صدقت النظرية سكنته قبل اشباه الرجال، القرود ـ حرب مشتعلة تستخدم فيها أبشع أدوات الجهاد من سب وشتم وضرب ـ في أفهام هؤلاء، أشباه الرجال الذين يعتبرونها حربا مصيرية ومسألة حياة أو موت، فإما فناء المهزوم، وإما النصر المبين ـ فأشباه الرجال يعيشون في حرب وهمية مرورا بمباريات كرة القدم وحلبات المصارعة الحرة والملاكمة وصولا إلى غرفة مغلقة أطفئت فيها الأنوار حتى لا تظهر آثار الطحن والعجن على كائن ضعيف ومخلوق يريد أن يحتمي تحت معطف رجل من طراز الرجل الأول في تاريخ الرجال، وأشهد أن الرجال قليل.
هذا الرجل خُلقَ على غير مثال موضوع، وصنع من غير بيان مسبوق، لم يكن في مخيلة أحد فأوجده، ولم تعبث في إظهاره للعين ريشة رسام، فعباقرة فن التقليد قطعت أيدهم فلم يتناولوا قلم رصاص لتخطيط اللوحة، ولم يتمعنوا النظر في خيال شاخص فينزلوه على واقع محسوس.
رجل، فيه من القدرة والعجب ما وقفت الأقلام طويلا قبل أن تخط حرفا فيه، أو تكتب كلمة أو تسطر جملة عنه، تاهت العقول وحارت الأفهام، وتلعثمت الألسنة قبل البيان إذا جاء النص مجمل أو غير قابل للعقل والإدراك، ولكنه الدليل القاطع على وجود الواجد ودليل خارص لألسنة المشبيهين والمعطلين، ونحن نعتمد كتب، نقبل منها ما نراه يوضح الفكرة، لم نأتي بجديد، ولم نبتدع قول من بنات أفكارنا، بل نخوص في محيطات التاريخ وبحوره، ونحدث دون أدنى حرج، طالما ان القول منسوب للغير، خاصة إذا كان من العلماء الأفذاذ، أو الفطاحل النجباء، الذي نحترم رآيه، ونقدر فضله.
فهذه المحاولة ليست معصومة من الخطأ، وإن كنا نجتهد أن نجافيه، وهي ليست قراءة في التاريخ لتحليله أو تحقيقه بل هي قراءة الواقع الحالي والإتيان بشواهد تصلح للإستدلال على ما نريد أن نبينه
قبل أن نكمل الكلام ونفصل الخطاب، أعلم أيها الرجل مَن أنت!
..... وللحديث بقية