حرب المخدرات مازالت مستعرة فلا تلقوا بأسلحتكم

ابتهال قدور
  [email protected]

كاتبة سوريه مقيمة في الكويت

ترى هل تساءلنا يوماً إن كانت مصداقيتنا بعيدة عن الشك عندما يتعلق الأمر بمواجهة قضية المخدرات؟!

وهل تساءلنا عن السبب الذي يسدل على هذه المصداقية ستاراً من الغرابة والغموض؟!

إن سبباً مهماً وخفياً يكمن وراء الأمر، إنه عدم التوظيف السليم والفعال، لتلك المساحة الكبيرة من التعارض بين مصالح أبطال العصابات من جهة، وكل من سواهم من أطراف من جهة أخرى، كيف ذلك؟؟

إن قضية المخدرات تشكل لهؤلاء المجرمين كسباً سريعاً، وربحاً كبيراً، في مقابل جهد قليل..بينما هي الضياع والمجازفة بالحياة لمن يتعاطاها، وهي السبب في صداع لاينتهي للمسؤولين عن الأمن ...وهي تحد جهادي وإصلاحي كبير بالنسبة للمصلحين على اختلاف توجهاتهم...وهي كابوس مؤرق، وهاجس مرعب بالنسبة للأهالي!

المجتمع إذاً بكل فئاته متضرر من هذه التجارة القذرة، عدا الطرف الذي يتاجر بها، إنه دون غيره المنتفع. وعلى الرغم من كل هذه الكوكبة من المتضررين، يفلح ابطال الإجرام في الوصول الى غاياتهم، ويواصلون مرورهم عبرنا بكل انسيابية وبدون أن نشعر!

ويجدر بهذه الكوكبة من المتضررين، أن تشكل مرتكزاً قوياً، يتم البناء عليه لخلق مقاومة علمية منيعة وقوية، عن طريق حث كل القوى على التكاتف للوقوف في وجه هذا العالم الإجرامي الخفي...هذا بالإضافة الى مرتكز آخر لايقل قوة هو اشتراك كل دول العالم في هذا الداء مما يعني الاستفادة من تكاتف دولي في مقاومته. لكن- وياللغرابة - على الرغم من كل هذه القوى الرافضة لوجود هذا الداء تصيبنا الدهشة من كونه لاينحسر بل يتوسع!

 عام النعيم الذي لم يأت

اجتماعات لجنة الأمم المتحدة المكلفة بمكافحة المخدرات... شهدنا منها الكثير! لكن واحداً من تلك الاجتماعات كان قد تقرر فيه أن عام 2008 هو عام يفترض به أن يكون عام النعيم عالمياً، بما أنه العام الموعود الذي سيعلن فيه إتمام وانجاز المهمة المتمثلة في "القضاء التام على المخدرات في العالم"!!

فقد تعهدت اللجنة الأممية المذكورة في اجتماعها للعام 1998، أن العشر سنوات القادمة ستكون حرباً بلا رحمة ولا هوادة على المخدرات، حرب بخطط محكمة تأخذ اتجاهين متوازيين، يتناول الأول العمل على تجفيف المنابع، أي منع زراعته ومتابعة الأراضي المخصصة لذلك، ويتبنى الثاني ملاحقة السماسرة والتجار والمصنعين والموزعين. وهانحن اليوم على أبواب العام الموعود..وهانحن نشهد على فشل تلك الانجازات وانهيار تلك الوعود!

فهل حقاً أن تلك الوعود الدولية، لم تستطع أن تحقق النجاح على مدى عقد من الزمان في القضاء على داء يصيب الأمم على اختلاف جغرافياتها؟

والجواب – بكل أسف - هو نعم، لم تفلح ولم تنجح في تتبع هذا الداء، لاأحد يستطيع القطع بالأسباب الحقيقية لهذا الفشل، ولكن الجميع يتكهن ويخمن ويضع مايمكن أن يكون سبباً مقنعاً لهذا الفشل، وللحقيقة نؤكد أن صعوبة البحث العلمي الذي يتتبع طبيعة الفيروسات المتسببة في الكثير من لأمراض التي تصيب البشر، لاتزيد صعوبة عن البحث الذي يتتبع أساليب، ووسائل، وأماكن، ومسؤولي، وموزعي، ومتعاطي هذا الداء اللعين... ذاك عالم مجهول، لايقل جهلنا به عن جهلنا بعالم الفيروسات التي لم نتوصل بعد الى وضوح رؤيا كاملة بخصوصها، لكن..ولابد هنا من الاستدراك لكي لانفوت على أنفسنا الحيثيات الموضوعية المتعلقة بالقضية، كيف لقوى دولية عظمى تستطيع اليوم تتبع الأفراد في أقاصي الأرض، من خلال الأقمار الصناعية البالغة الدقة، ومن خلال الأجهزة المخابراتية الرهيبة، ومن خلال الأنظمة المعلوماتية التي تأتيك بأخبار الفرد حتى وإن كان في غرفة نومه، وتحلل المعلومات بطرق لاتقبل الشك، وقوى عسكرية تفتك بدول وتبيد مجتمعات...كيف لكل ذلك أن يعلن فشله في القضاء على عصابات، تهلك انسانية الانسان، وتبيد قدراته، وتحوله الى آلة همها الوحيد هو البحث عن وسائل تمكنه من شراء الكمية المقررة له من المادة المخدرة، بدون أن يلتفت الى مشروعية هذه الوسائل، ومدى مطابقتها للقيم الاجتماعية أوالأخلاقية أوالدينية أو القانونية!

عصابات - وأية عصابات- تلك التي استطاعت أن تصل الى رقم يتجاوز 200 مليون مدمن ومتعاطي عبر الكرة الأرضية، على علم ومرأى ومسمع من جميع دول العالم المتحضر وغير المتحضر، المتمكن وغير المتمكن!!

من الظلم والاجحاف بقدراتها أن نطلق عليها اسم "عصابات"، فهي منظمات تتحدى أقوى دول العالم ، بل هي قوىً خارقة تتحدى قدرات العالم بأكمله من حيث التخطيط، والعمل، والإنجاز، والنمو، والتطور، والإصرار، وتلك حقيقة يبدو أنه لامهرب من القبول بها...خاصة بعد أن علت أصوات الحضور في آخر اجتماعات لجنة الأمم المتحدة في فيينا معبرة عن ذلك بقولها: " إن كل الأموال التي تستخدم في هذه الحرب هي تكاليف بلا جدوى، لأن الأبطال المستهدفين من هذه الحرب لهم دائماً اليد الطولى، والمستوى المتقدم.."

فمن هم أبطال هذه العصابات، وكيف يعملون، ومن هم المنتفعون؟؟ أسئلة كثيراً ماطرحت، بالإضافة الى أسئلة كبيرة وكثيرة أخرى تفرضها خطورة المشكلة، هذه المشكلة التي لم تعد تخص شعباً بعينه أو دولة بذاتها، بما أنها متواصلة الزحف متجددة الخطط والأساليب والحيل...

ولاندعي هنا أننا نملك الإجابات الشافية لكل تلك الأسئلة، ولا حتى على البعض منها، ولكننا نملك الأدلة على فشل أممي مخجل، وانهيار لوعود طمأنت المهتمين، وجعلتهم يتتبعون مراحل تلك الحرب المعلنة على عصابات المخدرات، ليصلوا الى نهايتها وهم فاغري الأفواه دهشة من النتائج، التي بلغ بها التواضع الدرجة التي لم تغيِّر من واقع الأمر شيئاً -تقريبا-!!! وفي لمحة خاطفة نسجل مايلي بناء على ماجاء في تقرير نشرته مجلة الاوبسرفاتورالفرنسية..

يقول التقرير "أنه بالنسبة لمادة الكوكايين، فإننا نلعب لعبة الكراسي لأن البيرو التي كانت قبل عشرة سنوات المصدرالأول لإنتاج أوراق الكوكايين تم استبدالها بكولومبيا، بينما حلت السفن التي تتسلل قاطعة حوض الأمازون محل الطائرات التي كانت تتولى عملية نقل السلعة، لكن الانتاج والكمية ظلت كما كانت: أكثر من 200000 (مئتي ألف) هكتار من الأراضي المزروعة. أما بالنسبة لمادة الخشخاش التي تستخدم في صناعة الهيرويين والأفيون فنحن نشهد تغيرات مرحلية في البلدان الأكثر انتاجاً، أكبر هذه التغيرات هي تلك التي شهدتها أفغانستان، الدولة التي كانت أكثر الدول انتاجا للمادة المذكورة، وكان ذلك حين عقدت جماعة الطالبان اتفاقاً ينص على أن تستأصل زراعة الخشخاش، في مقابل الاعتراف بها رسمياً من هيئة الأمم المتحدة، وأصدرت على أثر ذلك فتوى تهدد بقتل كل من يزرع الخشخاش، والنتيجة المذهلة كانت أن سنة 2001 انخفض الانتاج الى 180 طن مقابل 3276 طن في السنة التي سبقت ذلك الاتفاق! إلا انه بعد القضاء على الطالبان عاد الانتاج الى ماكان عليه في أكثر السنوات ازدهاراً.

ومثال القنب أشد مايكون غرابة، حيث يسمح المغرب -وهو بلد موقع على المعاهدات الدولية- بزراعة 70000 هكتار من الماريجوانا على أراضيه، وضمن حدوده، وتؤمن ايرلندا 75% من استهلاكها المحلي، ومن يتوقع أن دولة مثل كندا تزرع بدورها 800 طن من المخدرات كل عام، تصدر جزءاً منها الى الولايات المتحدة المجاورة..المشكلة تكمن في التزاحم الكبير لهذه السلعة القاتلة في الأسواق بدلا من ندرتها مما يسمح لبعض التجار الخبثاء بكسب مايربو على 400 مليار دولار سنويا.."

 

وعلى الرغم من كون قضية المخدرات هي واحدة من القضايا الحية التي لم يتوقف المهتمون عن تناولها، ولم تنثن عزيمتهم الباحثة عن خطط ووسائل للحد من انتشار عدواها، سواء بتفعيل سبل الوقاية، من خلال تكثيف الوعي لدى الشباب والأهالي، أو من خلال مراقبة مايتم تسريبه من وراء الحدود، وتتبع الموزعين والمدمنين داخل الحدود...فإن زحف هذه الآفة مازال مستمراً، والرعب منها مازال قائماً، وهنا فضاء واسع للاستغراب وميدان كبير للتساؤلات!!

 خطر أم لاخطر، ماذا تقول الأرقام؟

ولعله مما يزيد الطين بلة في مجتمعاتنا العربية، ويحول دون المواجهة الصلبة، هو ذاك التحفظ المبالغ فيه على النسب والأرقام الحقيقية، انطلاقا مما تفرضه بعض الخصوصيات التي تضفي هالة من الحساسية على الكثير من القضايا، الأمر الذي يبعدنا كثيراً عن الحقيقة، ولا يبين لنا موقعنا الحقيقي بالنسبة لمركز الخطر، فقضية المخدرات في العالم الغربي يكتنفها غموض (من، وكيف) بعبارة أخرى غموض الأبطال والوسائل، لكنها في مجتمعاتنا العربية يكتنفها غموض (من وكيف وكم) وبعبارة أخرى غموض الأبطال والوسائل والأرقام أو النسب والاحصائيات!!

فما زالت الكثير من البلدان العربية ترفض إعطاء إحصائيات رسمية عن كل مايتعلق بالقضية، كالجزائر وليبيا ودول أخرى عديدة...أما في الدول التي تعطي إحصائيات، فإن صحة الأرقام تشكل مشكلة كبيرة، بسبب التضارب والتفاوت فيما بين الجهات المختلفة..

في الكويت مثلاً، صرحت لجنة بشائر الخير في سنة 2005 أن عدد المدمنين قد بلغ بلغ 15000 مدمن، بينما صرحت اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في المؤتمر الاقليمي الأول لمكافحة المخدرات، بأن عدد المدمنين قد بلغ 18000 مدمن، إلا أن شبكة بي بي سي أكدت أن عدد المدمنين في الكويت يتجاوز 30000 مدمن! لكن السيد "ميثم بدرالاستاذ" استشاري علاج الإدمان يقدم لنا حسبة شديدة الخطورة فيقول "أن النسبة المتوسطة العالمية لمشكلة المخدرات تبلغ 3% واذا اردت تقدير عدد المدمنين في أية دولة، فما عليك إلا أن تضرب عدد المدمنين المقبلين على العلاج من المخدرات في رقم 10 (تقرير هيئة الأمم المتحدة في سنة 2000) واذا طبقنا هذه المعادلة على سنة 95 مثلا فسنرى ان الذين تقدموا للعلاج هم 5000 مدمن، فالنتيجة هي 50000 مدمن"، ويواصل عمليته الحسابية البعيدة عن التفاؤل قائلاً: "كما ذكرنا سالفاً الادمان مرض شديد العدوى، ولو قلنا ان كل مدمن لديه 5 اشخاص فقط يحبونه ويخشون عليه كالوالدين والزوجة والاخوة والاولاد فسوف نحصل على 250000 مدمن في الكويت، بما يعادل 25% من الكويتيين".

نرجو أن يكون هذا العدد، وهذه الطريقة الحسابية، مبالغ فيها ولكن هل لنا أن نلحظ الفروقات الشاسعة التي تأتينا بها الاحصائيات حول قضية واحدة في دولة واحدة؟! نفس الأمر هو بالنسبة لكميات المواد المضبوطة أوالمصادرة، هنا أيضا تختلف الأرقام بشكل كبير، وليس هذا أمراً هيناً في قضية حساسة وخطيرة كهذه. نجد أنفسنا مجبرين على التوقف والتساؤل الى أي مدى يؤثر هذا التباين في عملية المكافحة بعمومها، وإلى أي حد يؤثر على الجدية في تصدينا للمشكلة...

ماذا عن الإدمان في باقي الوطن العربي؟

كل البلاد العربية مهددة حسب الاحصائيات، وكلها داخلة ضمن دائرة الخطر بناءاً على لغة الأرقام، وإن كانت تتفاوت في درجة اقترابها من مركز الخطر...

لبنان هذا البلد الصغير يضم (400000) أربع مئة ألف مدمن، أي أن كل خمسة أشخاص بينهم واحد مدمن! حسب ما جاء على لسان د. رأفت عسكر أختصاصي علاج الإدمان في مركز بيت التمويل الكويتي للإدمان. ومصر ثاني دولة بعد الولايات المتحدة الأمريكية في عدد المدمنين!

ومن أبشع صور الادمان هي صورة الأنثى المدمنة، وبأعداد كبيرة أيضاً، إذ يقدر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات أن مايقرب من 25% من المدمنين نساء، بينما بصل عدد المدمنات في الكويت الى 65% من عدد المدمنين حسب ما ذكرالدكتور"عايد الحميدان". ولا يخفى مالهذا الأمر من مخاطر اجتماعية تتجاوز الفرد بذاته، لكي تنال من كيان الأسرة التي تشكل الأساس لاستقرار المجتمعات، أن هذا الأمر قادرعلى أن يهز ثبات الأسرة من جذورها بنسف المرأة التي تشكل المركز الأكثر أهمية. أسرنا إذاً بكل ماتحمل من قيم مستهدفة، وشبابنا بكل مالديه من طاقات وإبداعات مستهدف، ومجتمعاتنا مهددة في إنسانها الذي يشكل طاقتها ورمز تطورها ورقيها.

من أين البداية...

مامن شك أن البداية هي من حيث يريد أن ينتهي أبطال هذه العصابات...البداية هي الأسرة ... والبدايات دائماً هي الأساس، وهي الأقوى، بل وهي التي تحدد النهايات في كثير من الأحيان. وكل المراهنات تدور حول الأسرة، انهيار المجتمع وسقوطه أو نجاحه وتطوره وارتقاؤه...هنا يبدأ تشكيل الفرد، وهنا محضنه الأول، وهنا الحنان والدفء الذي سيغنيه عن اللجوء الى الخارج، وهنا تأسيس الوعي والفهم لكل المخاطر المحدقة به، وهنا الاستقرار النفسي الذي يمنحه القدرة على المواجهة، ويمده بالقدرة التي تمكنه من قول "لا" بكل ثبات وقوة، هنا ملء نفسه بالقوى الروحية التي تمنحه الإيمان العميق وتجعله يتعلق بالله فيلتزم أوامره ويتجنب نواهيه.هنا توجيه الطاقات الى ماينفع ومايفيد، وهنا التوجيه الى أهمية العلاقات الشريفة مع أصدقاء نحسن تقييمهم واختيارهم، هنا المكان الذي يفترض به أن يكون الملجأ والملاذ الذي يجد فيه الطفل الأمان والاطمئنان والراحة والتفاهم. وهنا الحقل الخصب لتنمية الروح والعقل والجسد والعاطفة.

إن من يلجأ للإدمان لابد وأنه يعاني من مشكلة أو من ضعف أو من جهل، فما من أحد سوي يلقي بنفسه الى حتفه وهلاكه، فقد أفادت دراسة أجريت في مدينة الدمام أن 70% من المدمنين يعانون من اضطراب في الشخصية،(بناءاً على ما صرح به الدكتور رأفت عسكر) مما يدل على أن هناك مشكلة تدفع بهذا العدد الكبير الى اختيار هذا الطريق البشع.. والمشكلة إن لم يكن البيت سبباً لها، فينبغي أن يكون أول العارفين بها وأول مكتشفيها، من أجل تداركها وعلاجها بالطرق العلمية السليمة قبل فوات الأوان.

ومن هنا نجد أن الأجدى في هذه الحرب الشرسة، هو التوجه الى الآباء، نرجوهم العمل على تنشئة الإنسان القوي، ومضاعفة جهودهم الوقائية تجاه أبنائهم، فذاك على - مايبدو- هو أفضل الحلول حالياً، خاصة مع يقيننا بأن تلك الحرب المهلكة مازالت مستمرة...