اعتقالات الإخوان والقضية الفلسطينية

عبده مصطفى دسوقي

باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث

[email protected]

لا زال مسلسل الاعتقالات في صفوف الإخوان بمصر وغيرها من الدول قائم كلما تحركت صفوفهم نصرة ونفره من أجل فلسطين التي لا تحتاج لنفره الإخوان فحسب بل لنفره العالم كله للتصدي لما يحدث لها من انتهاكات إسرائيلية سواء انتهاكات تدميرية ضد المقدسات الموجودة على أراض فلسطين ويحاول المحتل اغتصابها، أو انتهاكات ضد الشعب الأعزل الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله، أو انتهاكات ضد الأخضر واليابس.

فمنذ مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897م وإسرائيل وضعت إستراتيجية لطمس الهوية الإسلامية بفلسطين وطرد شعبها منه وهدم كل المقدسات معتبره أن فلسطين أرض إسرائيلية، وهو ما يخالف الحقيقة قلبا وقالبا والكل يعلم ذلك بما فيهم اليهود أنفسهم غير أن السلطة والسطوة والاستبداد الذي يعيش فيها حكام العرب والمسلمين أضاعت هذه البلاد وارتمت هي في أحضان اليهود.

لقد ازداد طغيان أحفاد القردة والخنزير بسبب تخاذل الحكام المسلمين وحرصهم على أنفسهم ومصالحهم الشخصية أكثر من حرصهم على مجتمعاتهم وأوطانهم ولذا أصبحت الأوطان مباحة لكل من أراد أن ينهش لحمها.

لقد أضاع هؤلاء الحكام الأوطان، وذللوا الطريق لخدمة المخطط الأمريكي الصهيوني سواء بالسكوت على هذه الانتهاكات أو إسكات كل صوت على الأقل يطالب بعمل شئ من اجل كرامة الأوطان، وما مسلسل الاعتقالات فى مصر وخارجها للإخوان إلا تذليل لما يقوم به اليهود ضد مقدساتنا وشعوبنا، والأدهى إنهم أيضا يقومون في بلاد أعالي نهر النيل بمحاولة إذلال الشعب المصري ولا احد اعترض من الحكومة.

لقد عمل الإخوان منذ نشأة جماعتهم على حل قضية فلسطين حلاًّ يتفق مع وجهة النظر الإسلامية، ويؤدي إلى سلامة هذا الجزء من الوطن العربي وهو منه بمثابة القلب من الجسد وإلى المحافظة كل المحافظة على أن يظل إسلاميًّا خالصًا، وإلى دفع العدوان اليهودي وذبِّ السياسة الدولية عنه بكل الوسائل.

فلقد رفض الإخوان المحاولات التي طُرحت "للتفاوض" أو "للتقسيم"؛ بدءًا من عام 1936 1937م حتى عام 1947 1948م، وكان من أول أسباب الرفض أن كل المحاولات تضمَّنت دعوة اليهود وعصاباتهم كطرفٍ في القضية؛ فلقد انطلق الإخوان المسلمون في تعاملهم مع القضية الفلسطينية من حقيقة أساسية؛ جوهرها أن أرض فلسطين هي أرض إسلامية، وقفٌ على المسلمين جميعًا حتى تقوم الساعة؛ يحرم التنازل عن شبر واحد من ثراها مهما كانت الضغوط؛ فهي بالتالي أمانةٌ في أعناق أجيال المسلمين، جيلاً بعد جيل حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها، وإن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره، وهي ميزان كرامته ومقياس هيبته وقوته، كما حدد ذلك الإمام البنا رحمه الله، وأقرَّ بذلك جميع الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية منذ بدء هذا الصراع.

لقد بدأ اهتمام الإخوان بقضية فلسطين منذ المؤتمر الإسلامي الأول في بيت المقدس في الفترة من 27 رجب إلى 7 شعبان 1350هـ الموافق 8/12 إلى 18/12/1931م حيث أرسل الإمام الشهيد برسالةً إلي مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني تتضمَّن تصور الإخوان المسلمين لحل القضية.

وفي عام 1936م تعرض الإمام البنا وبعض الإخوان للاعتقال بسبب توزيع كتاب الدمار والنار الذي يفضح ما يقوم به اليهود والانجليز ضد الفلسطينيين، ثم كانت جهود الإخوان في حرب 1948م والتي على إثرها حلت الجماعة وقتل مرشدها واعتقل أفرادها بما فيهم المجاهدين على ارض فلسطين.

ومع ذلك لم يغفل الإخوان في أى بلد هذه القضية حتى داخل فلسطين فكانت حركة حماس التي تمثل الإخوان في فلسطين وما قامت به وما تتعرض له من قبل اليهود وحكومة رام الله من اضطهادات واعتقالات.

ما دامت قضية فلسطين قائمة دون حل فلن يغفلها الإخوان مهما تغيرت الحكومات، ومهما قدموا في سبيلها من اعتقالات وتضحيات، وان كانت ليست قضية فلسطين فحسب التي يعتني بها الإخوان بل قضايا الأمة كاملة.