فلسطين بلا مياه في "اليوم العالمي للمياه"

فلسطين بلا مياه في

"اليوم العالمي للمياه"

ابتهال قدور

[email protected]

يبدو أن هناك مراهنات على قتل البقية الباقية من مشاعرنا وأحاسيسنا الآدمية...

فالاستفزازات المتواصلة كفيلة بتحقيق أمرين خطيرين، إما غضبة أمة، وإما تبلد أمة...

و بما أن أموراً كثيرة تحول دون تحقق الأمر الأول، فإن المراهنات إذاً تتم لتحقيق الأمر الثاني...

يريد العدو تحويلنا إلى أمة متبلدة...ولكن علينا أن نكون على يقين بأن هذه الأمة ليست كباقي الأمم التي تبلدت واندثرت واختفت من على سطح البسيطة، وأتاحت للمحتل أن يقيم صرح مدنيته على أرضها...فأمتنا هي "المختلف" الذي سجل له التاريخ الكثير من الصحوات بعد كبوات، وهو "المختلف" الذي طالما انتفض فألقى عن كاهله ركام الأحزان والضعف والتقاعس، هو المختلف الذي حوى سجله الكثير من اللحظات الحاسمة، الخلاقّة...ونحن بانتظار لحظة خلاّقة حاسمة تختزل في طياتها التراكمات الحضارية لأمة اختارها الله لكي تكون "خير أمة أخرجت للناس"...

متى هذه اللحظة ؟ وكيف ستولد؟ يبقى علمها في عالم الغيب...

في الثاني والعشرين من هذا الشهر كان العالم يحيي اليوم العالمي للمياه...فهذا "العالم الحر"  قد خصص لكل أمر مهم يوماً، في سلوك ربما كان يهدف من خلاله إلى إشعارنا بأننا تحت وصاية حية ومهتمة بقضايا الشعوب...

و "اليوم العالمي للمياه" يحمل لنا من الآلام ما تحكيه دمعة في عين طفلة فلسطينية عطشى!

طفلة فلسطينية اغتصب العدو النذل أرضها، وحرمها من كوب ماء نقي تشربه كباقي أطفال العالم، وحرم شجرتها التي تحييها من ذلك الماء، وحرم جسدها البريء الطري النقي من أن ينعم  ويهنأ بمياه أرضه، وحرمها من حقوقها الآدمية التي أقرتها جميع شرائع بني البشر وقوانينهم...

اليوم... وجب على كل مسلم، بل كل عربي، بل وجب على كل من ينتمي إلى عالم الإنسان، أن يتلطف قبل أن يرفع بكوب الماء إلى شفتيه يروي ظمأه، وأن يتذكر أن هناك أبناء لنا في فلسطين المحتلة المغتصبة، المحاصرة لم يعودوا ينعمون بمثل كوب مائه.!!!

فمياه هذا الشعب أصبحت إما غائرة في عمق الأرض، ولا يمتلك أدوات لاستخراجها بحكم حصار مجرم ظالم...

أو أنها ملوثة تملؤها المواد المترسبة السامة نتيجة سحب متعمد من المحتل الغاصب...

أو أنها باهظة الثمن بحيث عادت ضرباً من الترف والرفاه...

وهكذا يُحرَم ابن الأرض الخصبة الطاهرة التي تملؤها الينابيع وتجاورها الأنهار، ويحدوها البحر، من مائه!

يحرم من الماء العذب وهو جار النيل والفرات ودجلة والأردن والليطاني...هو ابن البحيرات، هو ابن السواقي المترقرقة عذوبة تشق أراضي كان أجداده يزرعونها حباَ، ويروونها إخلاصاً ووداً وكرماً... 

 ولا يسمح له العدو اللئيم إلا بما يعادل ثلاثين بالمائة من حاجته الفعلية... أما الباقي فعليه شراؤه من شركات المياه الإسرائيلية التي نهبت مياهه وراحت تبيعها له بكل صفاقة ووقاحة!!!

ومع الرحلة الطويلة الشاقة التي تقطعها خزانات المياه، بفعل الجدار والحصار والحواجز و الدمار، ترتفع تكلفة الماء، ويعلن ابن الوطن عجزه عن شراء ما يسد كل حاجاته بشكل يتواءم وكرامته الإنسانية.

هذا بينما ينعم المستوطن الذي جاء من أصقاع الأرض غريباً متشرداً بمسابح تزين بيوته المبنية على أنقاض بيوتنا، وبحدائق ومزروعات مقامة على تربتنا، لعله يتمسك بالبقاء على هذه الأرض...ويجد من المغريات مايبرر وجوده عليها.

المستوطن الدخيل يستهلك أكثر من ستة أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني من مياه فلسطينية مسروقة، وأخرى أردنية ولبنانية وسورية منهوبة ومختلسة...

و تزدهر مظاهر البذخ في استهلاك المياه في جانب المحتل، من حدائق منظمة ومزارع مروية، وأحواض سباحة واسعة، بينما الشح في الحاجات الأساسية، من نصيب المواطن الفلسطيني...

ولزيادة في القهر والإذلال، يُحَوّل اليوم المحتل أنظاره إلى صحراء النقب يريد إحياءها وإرواءها وزراعتها!! وكل ذلك على حساب رمق الحياة الفلسطينية!

وهناك من يردد أنه قد بدأ فعلياً بسرقة المياه من الجانب المصري لهذه الغاية...

أي نوع من الاحتلال ابتلى الله به هذه البقعة من الأرض؟!

احتلوا البلد الطاهر، ونسبوا أنفسهم إليه، سرقوا ثرواته، ونهبوا مياهه ، وهدموا أشجاره، وأفسدوا زراعته، ورحَلوا أبناءه، وزلزلوا مساكنه، وهاهم اليوم يتوسعون في الأرض، ويزيدون من أعداد الدخلاء، ويهودون المعالم التاريخية المسلمة والمسيحية، ويعلنون بأن القدس لهم ، ولا يرون سبباً لبقاء العرب فيها، ومن ثمة فهم لا يرون مسوغاً لإمدادهم بلقمة العيش ولا بجرعة الماء، ويجدون أنه من الأجدى إحياء الصحراء حيث سيقربهم هذا أكثر فأكثر من أن يكونوا دولة كبرى!

"اليوم العالمي للمياه" إذاً، هو يوم يسجل العالم العربي والإسلامي فيه الكثير من شكاوى الظلم ضد دولة غاصبة..

ولكنه ينبغي أن يكون يوماً يذكرنا بأن هذا العدو يستبق المستقبل، في فرض سلطته على مياهنا...

وفي المستقبل تلوح أزمة مياه، يرى كثير من العلماء أنها ستكون  أزمة "إدارة" أكثر من كونها أزمة "كم"، ويرى آخرون بأنها ستكون أزمة ذات أبعاد سياسية، أكثر من كونها أزمة بيئية الأبعاد، و ما علينا والحال هذه، إلا التحرك استباقياً، واحترازياً لوضع خطط تفوت على العدو فرصة سرقته لمياهنا، واستعادة ما يقوم اليوم بالاستيلاء عليه في مخالفة صريحة للقوانين الدولية.

وبالإمكان أن يتم ذلك من خلال تفاهمات عربية إسلامية بين دول المنطقة، تعيد الحقوق إلى أصحابها، ومن خلال مخططات تدير مياهنا إدارة رشيدة آخذين بعين الاعتبار النعم الكثيرة التي حبا الله بها منطقتنا، إذ هناك من قال بأن مياه النيل الأزرق وحدها تكفي لحل مشاكل المياه في الدول العربية، إذا ما أحسن استخدامها وتم إتقان إدارتها!

وليكن لنا في ما يفعله العدو الإسرائيلي في أبناء فلسطين الأباة عبرة وعظة لكي نكون على يقين بأننا أمام عدو بشراسة لا ترحم، وروح عدائية تواقة لرؤية الموت.

علينا أن لا ننتظر خسارة كل الأوراق الرابحة التي مازلنا نمتلكها...

ولنجعل من هذا الاستفزاز، وهذا التضييق سبباً لبدايات نهضة قادمة، وفرج قريب...فمن اشتداد الأزمات تنبثق الحلول، ومن وسط آهات اليأس تعلو صرخات الأمل..