كلماتٌ مِن مُستَنقَع النفاق

كلماتٌ مِن مُستَنقَع النفاق

يا سرايا ليس في الإسلام رموز

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أسامة سرايا رأسٌ من رؤوس المدرسة إياها، المدرسة التي من أعضائها "الأسياد" كرم جبر، وعبد الله كمال، وممتاز القط، ومحمد علي إبراهيم، وأحمد موسى، وآخرون. فإن السيد سرايا رجلٌ "مطاوع"، يصدع بما يراه حزب الأغلبية المدّعاة، ويتخذ دائمًا من (المحظورة) مشجبًا يعلق عليه ما يدعي أنه بلبلة وفتنة وتخريب.

 وأشهد أن الرجل في معالجته لموضوعاته يتمتع بسطحية لا يضارعه فيها إلا ذلك "القط" الذي يحكي انتفاخًا صولة الأسد.

 وقد كتب " سرايا الأهرام " في أهرام الأربعاء 17 أكتوبر 2007: مقالاً في الصفحة الأولى بعنوان: "أدب الحوار مع الرموز" تحدث فيه عن دعاء الشيخ طنطاوي شيخ الأزهر في ليلة القدر، ودعا فيها "للصالحين"، ودعا فيها على الصحفيين وغيرهم ممن ظن الشيخ أنهم يقذفون الأبرياء، مستشهدًا بقوله تعالى: (الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (سورة النور: 4).

وحد الجلد موجه إلى الذين يرمون المحصنات بالزنا، وشأنه شأن كل الحدود لا يقاس عليه؛ لأن الإسلام جعل ما دون القذف بالزنا يعاقب بالتعزير. هذا وقد وقف كثيرٌ من العلماء والعقلاء في وجه شيخ الأزهر الذي دافع عنه سرايا في مقاله السابق بقوله: "غير أن هذا الخطاب الديني تعرض لقراءة مغرضة تأثرت بسياسات بعض وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، وتعرض العالم الجليل لكثير من النقد الخارج عن حدود الخطاب مع رمز ديني له مكانة لا بد من الحفاظ عليها.

 وخرجت بعض عناوين الصحف تندد بإجازة الإمام الأكبر لجلد مروجي الشائعات، كما تضمنت الردود الكثير من الاتهامات منها المشاركة في التحريض ضد الصحفيين، وأصحاب الرأي وتشويه الدين، وإلحاق الضرر بسمعة مصر خارجيًا، ووصلت إلى حد اتهامه بفقدانه صلاحيته لإدارة الأزهر. والقضية برمتها تعكس أزمة الحوار لدى الأقلية التي تريد أن تفرض رأيها بالعنف والصوت العالي على الأغلبية، والذي ما زلنا حتى الآن نعتبره حوارًا ديمقراطيًا على أمل أن تصحو وتتعلم هذه الاقلية، وتستفيد وأن تنضم إلى الأغلبية في تدعيم التطور والإصلاح الديمقراطي في مصر.

 وبالعودة إلى خطاب الشيخ، فإن الخطاب لم يتضمن كلمة واحدة عن الشائعات، كما لم يتطرق إلى تطبيق عقوبة الجلد في قضايا النشر، خاصة ونحن في مصر لا نطبق العقوبات البدنية، ولا تحمل كلماته تحريضًا ضد أحد. ومن السفه القول بأن شيخ الأزهر المرجعية الأولى الدينية للمسلمين يعمل على تشويه الدين؛ لأنه أورد حكمًا قاطعًا من صحيح الدين في قضايا القذف لم يعجب أصحاب الصوت العالي".

ولنترك هذا لنقف أمام اللقبٍ الجديد الذي منحه سرايا للشيخ "الأكبر" وهو أنه رمز للدين الإسلامي وللأزهر الشريف "وسيظل رمزًا لمؤسسة دينية لها مكانتها في الماضي والحاضر والمستقبل..." وظل سرايا يردد هذا المصطلح "الشيخ رمز" الإمامُ رمز .

وبذلك جاء عنوان مقاله "أدب الحوار مع الرموز" وفيه قسم الناس إلى نوعين: الرموز الذين يتربعون على القمة، وهؤلاء ذواتهم مصونة لا تمس. وبقية "مخاليق الله"... والعدوان على هؤلاء لا يلفت نظر سرايا وأمثاله.

 ومن عجبٍ أن يأتي بيان هيئة كبار العلماء ينص على تأييده لكل ما حمله خطاب شيخ الأزهر حول جريمة القذف دون تمييز في الثواب أو العقاب بين إنسانٍ وآخر، أو بين فئة في المجتمع وغيرها، وأن جميع الشرائع السماوية والدساتير والقوانين الوضعية ترفض أن يستحق أحدٌ هذا التمييز عن غيره من أبناء الوطن الواحد". (الأهرام ـ الإثنين 22 / 10 / 2007).

 فهل ما زلت ـ يا سيد سرايا ـ تفرق بين الرموز وغير الرموز بعد هذا البيان الذي نسف تقسيمك هذا ؟ وإني لأسأل ـ السيد سرايا الأهرام ـ لماذا اختار الشيخ هذه الآية في خطابه هذا، ولم يتحدث عن حدودٍ أخرى، وهي أولى بالتوقف والتناول في مجتمعنا المنكوب بالظلم، والنهب، والرشوة ؟ والبلاغة – كما يقولون – هي " مراعاة مقتضى الحال " , أي إعطاء الموقف ما يناسبه من كلمات وشواهد .

هل انتهت كل الجرائم التي ترتكب في حق الشعب، ولم تبق إلا جريمة القذف، التي تعد من أندر الجرائم انتشارًا. لماذا لم يتحدث الشيخ سيد عن حد السرقة في بلدٍ تحول فيه كباره إلى لصوصٍ ومرتشين ؟ .

 لماذا لم يتحدث الشيخ سيد عن جريمة الزنا التي أصبحت أمرًا عاديًّا في المجتمع ؟ ولماذا لم يتحدث الشيخ عن جريمة القبض على المواطنين الأبرياء ظلمًا وعدوانًا وتعذيبهم في السجون، حتى أن بعضهم مات من التعذيب ؟

ولماذا لم يتحدث الشيخ سيد عن عمليات التزوير في الانتخابات وغير الانتخابات، وقد أصبح التزوير هو الأصل في وطننا المطحون ؟

 ولماذا لم يتحدث الشيخ سيد عن الديكتاتورية وانتهاك حق الشعب في التعبير عن رأيه بحرية؟ وديننا يا "شيخ سيد"... وديننا يا "سرايا الأهرام" يبحث عن الدافع الأصلي لارتكاب الجريمة بلا اعتبار للدافع الهامشي، أو دافع الاضطرار. وفي تاريخ عمر بن الخطاب أن حاطب بن أبي بلتعة شكا غلامه (خادمه) ؛ لأنه يسرق منه بعض المال. فحقق عمر في الواقعة فاعترف الخادم بصحة هذا الاتهام؛ لأن سيده يجيعه. وتأكد عمر من صحة ذلك، فأرسل إلى حاطب وقال له: لو سرق غلامك بعد هذا لأقمت الحد عليك لا عليه.

 وأنت تعلم يا شيخ…. يا أكبر، وأنت تعلم…. يا سرايا الأهرام أن مصر يحاكم فيها "السارق المتواضع"، أما كبار اللصوص الناهبين الهابشين، فيتمتعون بالحرية ورضاء الأسياد.

سرايا والرمز:

والسيد سرايا ـ كما قلت من قبل ـ يتمتع بسطحية رائعة في معالجة الموضوعات، فهو يعتقد أنه ينتصر لشيخ الأزهر، وينتصر للنظام القائم عندما يصف الشيخ بأنه رمز الإسلام، ورمز المؤسسة الأزهرية العتيدة.

 وسرايا يجهل أن كلمة "رمز" لم تستعمل في القرآن إلا مرة واحدة في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (آل عمران: 41).

 والداعي هنا سيدنا زكريا إذ دعا ربه أن يشعره بعلامة تدل على أن امرأته حامل، فأخبره تعالى أن آية ذلك أن يعجز عن التكلم إلى الناس لمدة ثلاثة أيام إلا رمزًا "أي بالإشارة". فالرمز هنا معناه الإشارة باليد، أو بالرأس، أو ما شابه ذلك.

 أما الرمز بالمعنى الذي يريده "سرايا الأهرام" فلم يرد لا في القرآن ولا في السنة؛ لأنني اكتشفت أنه مصطلحٌ كهنوتي استعمل كثيرًا في العهدين القديم والجديد، وتفصيل ذلك نجده في الكتب والمعاجم التي شرحت هذا الرمز، ومنها على سبيل التمثيل "... وتاريخ إبراهيم له تطبيق رمزي أوضحه الرسول بولس بالروح القدس، وكلمة رمز تعني التكلم بأسلوبٍ آخر، والرمز صورة، أو تشبيه لشيءٍ أفضل يسمى المرموز إليه، وفي الرمز نرى المرموز إليه في الكتاب المقدس ومثاله: "1 بط 2: 21، عب 9 : 25 الخ، وللإيضاح فإن المثال لخدمة الاجتماع التي أقيمت في البرية رآه موسى على الجبل، والخيمة نفسها هي المرموز إليه، كما أن خيمة الاجتماع هي نفسها رمز للمسكن الحقيقي، أي جماعة المؤمنين الذين هم بيت الله. والمسيح هو "ابنٌ على بيته الذي هو نحن" وعب 3 : 6.

 وفي العهد القديم رموزٌ عديدة نجد تطبيقًا لها في العهد الجديد، وإنما يجب الاستناد على ما يعلمه الروح القدس، وعدم الانقياد إلى الخيال، وأمثلة الرموز وتطبيقها:

1ـ آدم الإنسان الأول رأس الخليقة الأولى، هو رمزٌ للمسيح، آدم الآخير، الإنسان الثاني الذي أصبح رأسًا لكل شيء، "تك 1: 28، رو 5: 14، عب 3 : 7.

ـ حواء رمزٌ للكنيسة.

ـ قايين رمزٌ للإنسان الطبيعي في شره يتجاهل خطيئته، يقدم من تعب يديه.

ـ إسحاق رمزٌ للمسيح في موته وقيامته.... وأشخاص كثيرون كانوا رموزًا مثل أخنوخ، وملكي صادق، ويوسف، وموسى، وهرون، ويشوع، وبوعز، وداود، وسليمان، وزربابل، وكورش، وهاجر وآخرين... الخ.

ـ مصر رمزٌ للعالم في اكتفائه بذاته، وعدم استناده على الله، مثل مصر التي تكتفي بمياه النيل، ولا تعتمد على مطر السماء. ومصر مكان عبودية إسرائيل، وفرعون رمز للشيطان الذي هو إله هذا الدهر...

ـ بابل مركز الوثنية وارتداد الأمم عن الله رمز روما البابوية، كما قيل عنها: في رؤ 17 و 18، وبابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض..

ـ كما أن الذبائح المختلفة، وخيمة الاجتماع والأواني، والصخرة المضروبة ...الخ كلها رموز تجد تطبيقها في نور العهد الجديد.

ـ الطوفان رمزٌ

ـ خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وعبور البحر الأحمر، رمزُ الفداء، وكذلك كل الحوادث التي حدثت لبني إسرائيل في ـ البرية ـ كانت رمزًا ومثالاً لنا: 1كو 10: 11.

(انظر القاموس الموجز للكتاب المقدس: وهيب ملك، ص 300 ـ 302، وانظر كذلك قاموس الكتاب المقدس: وضع دكتور بطرس عبد الملك، ودكتور جون الكسندر، وإبراهيم مطر، ط6، 81 ، ص 411).

****

 وإسلاميًّا لا يجوز لنا أن نقول إن رسول الله هو رمز الإسلام، بل هو نبيه ورسوله، وقد جاء في القرآن النص على بشريته، مثل قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ...) (سورة الكهف: 110).

وكان اعتراض الكفار على نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه بشر. فجاء رده حاسمًا ولنقرأ الآيات التالية: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)) (الإسراء 90: 93).

 فلم يرد في القرآن ولا تاريخ النبي والراشدين، كلمة رمز للدين وللعقيدة ,أوأية شخصية من الشخصيات. فهل ما زال ـ سرايا الأهرام ـ مصرًا على أن الشيخ الأكبر هو رمز الإسلام، ورمز مؤسسة الأزهر، ولا يجوز نقده وبيان ما سقط فيه من أخطاء ؟ شفاك الله ....شفاك الله.... يا سيد سرايا.

ولنا عودة للموضوع مرة أخرى. في مقالٍ قادم إن شاء الله.