استعادة استقلالية الأزهر وهيبة مكانته
خليل الجبالي
مرت خمسون عاماً علي تعين شيخ الأزهر بقرار من رئيس الجمهورية بموجب القانون 103 /1961، مما أفقد هذا الصرح العظيم مكانته المرجوة علي مستوي العالم العربي والإسلامي، فتم الخلط بين مهامه الدينية المنوطة به والمهام السياسية المرسومة له من قبل السلطة مما سيسَّ كثيراً من الفتاوى والأراء الدينية.
ظلت مشيخة الأزهر لفترة من الزمن تحاول المحافظة علي كيانها وتواجدها الديني دون الدخول في الأمور السياسية بصورة ملحوظة وذلك من خلال شيوخها السابقين أمثال الشيخ عبدالحليم محمود والشيخ جاد الحق علي جاد الحق عليهما رحمة الله حتي عام ألف وتسعمائة وستة وتسعون الذي تم فيه تعيين شيخها الدكتور سيد طنطاوي عليه رحمة الله والذي عمل في تلك الفترة علي الخلط بين الدور الديني للأزهر والدور السياسي الذي طلبته السلطات الحكومية منه، مما أفقد الأزهر كثيراً من مكانته في الداخل والخارج.
والذي يعنينا اليوم هو كيف يستعيد الأزهر مكانته وإستقلاليته حتي يكون منارةً للدين وحصناً للمسلمين، ويداً تدافع عن المظلومين ولساناً يُخرس المتأمرين.
إن مهمة الأزهر النظر إلي مصالح المسلمين من منظوره الديني، وأن يراعي مصالحه وإحتياجاته في ظل الضوابط الشرعية ،
وأن لا يقحم نفسه في الجوانب السياسية كما فعل بحجاب المرأة في فرنسا وإصدار فتوي تتناسب مع الجانب السياسي وغض الطرف عن الناحية الشرعية، والذي يطَّلع علي فتوي الأزهر في بناء الجدار العازل الذي تقيمه السلطات المصرية بينها وبين غزة يجد إختلافاً كبيراً بين تلك الفتوي والبيانات الصادر من الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وجبهة علماء الأزهر ورابطة العلماء في كثير من البلدان الإسلامية.
إننا نريد أن يتحرك الأزهر نحو رسالته السامية، وإستعادة مكانته الشامخة، وأن تكون له الكلمة العليا للمسلمين في العالم أجمع .
ولن يكون ذلك إلا بتصحيح عدة أمور نحو تلك المؤسسة العظيمة ومنها:-
-أن يتم إختيار شيخها من خلال مجمع البحوث الإسلامي ، لا بالتعين من قبل السلطات الحكومية.
-أن يقوم الأزهر بالتنسيق بينه وبين الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وجبهة علماء الأزهر، ورابطة العلماء في سوريا والجزائر وفلسطين ولبنان و السعودية، وإتحاد المنظمات الأوروبية وغيرها فيما يخص المسلمين ومشاكلهم علي المستوي العالمي، مثل قضية فلسطين (وما يُستجد فيها من أحداث) ، وقضية نقاب المرأة، وقضايا الجاليات المسلمة في دول الغرب، وقضايا الحركات الإسلامية والتحررية وفصائل المقاومة بإختلاف إتجاهاتها .
- أن تـُصدر فتاوي وقرارات الأزهر التي تخص المسلمين منبثقة من مجمع البحوث الإسلامية وبموافقة أغلبية الأعضاء إن لم يكن بإجماعهم.
- تفعيل دور علماء الأزهر علي مستوي العالم وتطويرأدائهم الديني وتحسين ظروفهم المعيشية وتعديل أوضاعهم الوظيفية.
- الترفع عن النقاشات الجدالية والمشاكل السياسية، وأن يتحري الأزهر الحذر في دخوله الفتاوي السياسية مثل فتوي جلد الصحفيين وغيرها.
- أن يتم مراجعة الفتاوي الصادرة من الأزهر خلال فترة رئاسة الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله.
لقد تعاظم دور علماء الأزهر في الحقبتين المملوكية والعثمانية نتيجة استقلالهم المالي والعلمي والذي مكنهم من القيام بالعديد من الأدوار التي تفرضها مهمة العلماء في سياقها الإسلامي والدفاع عن الشعوب المضطهدة فصار حصناً يُحتمي به حتي صار له رأي في تعيين الحاكم وإسداء النصح له ، وهذا ما نرجوه.