تأخر زواج الفتيات..-3
تأخر زواج الفتيات..
حلول مقترحة
(3-3)
لبنى شرف / الأردن
كما ذكرنا في الأسباب من أنها تكمن في البعد عن منهج الله، فكذلك الحلول تكمن في تطبيق منهج الله، فالإسلام ((هو النظام الذي قرره الله لحياة البشرية بجملتها، والمنهج الذي يسير عليه نشاط الحياة برمتها. وهو منهج واقعي للحياة، لا يقوم على مثاليات خيالية جامدة في قوالب نظرية، إنه يواجه الحياة البشرية - كما هي- بعوائقها وجواذبها وملابساتها الواقعية، يواجهها ليقودها قيادة واقعية إلى السير وإلى الارتقاء في آن واحد. يواجهها بحلول عملية تكافئ واقعياتها ولا ترفرف في خيال حالم، ورؤى مجنحة لا تجدي على واقع الحياة شيئاً!)):
- تحقيق مبدأ التكافل والتضامن في تيسير الزواج والمعاونة عليه في المجتمع المسلم، وتحقيقه ابتداءً في محيط الأسرة، وبين ذوي القربى، تحقيقاً لمروءة النفس، وتقوية لوشائج القربى، والأخذ من القريب أكرم من الأخذ من البعيد. والتكامل في محيط الأسرة - القريبة والبعيدة- هو حجر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام في المجتمع، (( فإذا عجزت هذه الخطوة أو قصرت عن استيعاب جميع الحالات المحتاجة إلى التكافل، جاءت الخطوة التالية في محيط الجماعة المحلية المتعارفة، لتكملها وتقويها، فإذا عجزت هذه جاء دور الدولة المسلمة.. والتكافل في محيط الأسرة أو في محيط الجماعة الصغيرة يخلق مشاعر لطيفة رحيمة، تنمو حولها فضائل التعاون والتجاوب نمواً طبيعياً..)).
قال تعالى:﴿ وأَنكِحوا الأيـٰمى مِنكُمـ والصـٰلحينَ مِنْ عِبادِكُمْـ وإمآئكُم إن يَكونوا فُقَرآءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ واللهُ وٰسِعٌ عَليمٌـ﴾..{النور:32}، قال القرطبي: ((هَذِهِ الْمُخَاطَبَة تَدْخُل فِي بَاب السَّتْر وَالصَّلاح؛ أَيْ زَوِّجُوا مَنْ لا زَوْج لَهُ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ طَرِيق التَّعَفُّف؛ وَالْخِطَاب للأَوْلِيَاءِ، وَقِيلَ للأَزْوَاجِ، وَالصَّحِيحّ الأوَل؛ إِذْ لَوْ أَرَادَ الأزوَاج لَقَالَ " وَانْكِحُوا " بِغَيْرِ هَمْز، وَكَانَتْ الألِف لِلْوَصْلِ.
وقال سيد قطب: (( يجب أن تزول العقبات من طريق الزواج، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها. والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس. والإسلام نظام متكامل، فهو لا يفرض العفة إلا وقد هيأ لها أسبابها، وجعلها ميسورة للأفراد الأسوياء، فلا يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إلا الذي يعدل عن الطريق النظيف الميسور عامداً غير مضطر، لذلك يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال.. وتمكينهم من الإحصان، بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية العملية، وتطهير المجتمع الإسلامي من الفاحشة، وهو واجب، ووسيلة الواجب واجبة. فإذا وجد في المجتمع الإسلامي أيامى تعجز مواردهم الخاصة عن الزواج، فعلى الجماعة أن تزوجهم. ولا يجوز أن يقوم الفقر عائقاً عن التزويج - متى كانوا صالحين للزواج راغبين فيه، رجالاً ونساءً- فالرزق بيد الله، وقد تكفل الله بإغنائهم، إن هم اختاروا طريق العفة النظيف: " إن يَكونوا فُقَرآءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف")).
رُوِي أنه " كان بعض الصحابة قد انقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه، ويبيت عنده لحاجة إن طرقته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج؟ فقال: يا رسول الله، إني فقير لا شيء لي، وأنقطع عن خدمتك، فسكت ثم عاد ثانياً، فأعاد الجواب، ثم تفكر الصحابي وقال: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما يصلحني في دنياي وآخرتي، وما يقربني إلى الله مني، ولئن قال الثالثة لأفعلن، فقال له الثالثة ألا تتزوج؟ قال: فقلت يا رسول الله، زوجني، قال اذهب إلى بني فلان فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني فتاتكم. قال فقلت: يا رسول الله، لا شيء لي، فقال لأصحابه: اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب، فجمعوا له، فذهبوا به إلى القوم فأنكحوه، فقال له: أولم. وجمعوا له من الأصحاب شاة للوليمة" [رواه ربيعة بن كعب الأسلمي وإسناده حسن- تخريج الإحياء للعراقي:2/30].
- تيسير أمر الزواج من قِبل أهل الفتاة، فديننا دين يسر لا عسر فيه، والله يريد اليسر لا العسر بعباده.. ﴿..يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ..﴾..{البقرة:185}. فلا داعي لهذا التعقيد في أمر الزواج، ولا داعي للمغالاة في المهور، فماذا ستستفيد المرأة من المهر الغالي إن ابتلاها الله بزوج يشقيها في حياتها!!.
قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية - يرحمه الله- في باب الصداق: ((السنة: تخفيف الصداق، وألا يزيد على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، فقد روت عائشة - رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة)، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيرهن أيسرهن صداقًا)، وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألزموا النساء الرجال، ولا تغالوا في المهور). وخطب عمر ابن الخطاب الناس فقال: ألا لا تغالوا في مهور النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. قال الترمذي: حديث صحيح)).
ثم لا داعي لهذه الطقوس المتبعة في الزواج من الألف إلى الياء.. من طباعة بطاقات العرس، وفستان العرس، وحجز الصالات، وغيرها، فالزواج أبسط وأيسر من هذا كله، ولا يحتاج لكل هذا المال، ولا إلى هدر كل هذه الأوقات، بين أمور إما أن تكون تشبهاً وتقليداً لغير المسلمين في أفراحهم، أو عادات فارغة من الرصيد الإيماني توارثها الأجيال دون تدبر أو تفكير وظنوا أنها الحق وما سواه هو الباطل، فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل، وليس الذي يقرره الناس هو الحق أو هو الدين، وإقامة الناس حياتهم على شيء لا تحيل هذا الشيء حقاً إذا كان مخالفاً للشرع، ولا تبرره لأن أجيالاً متعاقبة قامت عليه، فالزواج ليس عادة وتقليداً، وإنما هو من الدين، واتباع أحكام الدين هو الأصل.. ثم ليقل الناس ما يقولون!.
- الزهد والقناعة والرضا باليسير الحلال ففيه البركة، والترفع عن عالم الطين، فإن متاع الدنيا متاع زائل لا يتجاوز حدود هذه الدنيا، ومتاع زهيد رخيص يليق بالحياة الدنيا، والمتاع الحقيقي هو ما ادخره الله للمتقين، فإنه يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى..﴿ وزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتـٰـعُ الحَيَوٰةِ الدُّنْيا والآخرةُ عِندَ رَبِّكَ للمُتَّقينَ﴾..{الزخرف:35}. فلا داعي لكل هذه الطلبات من الخطاب، فإن كثيراً منها هو من الكماليات التي لا حاجة لها والحياة تكون بدونها، ثم إن كثيراً مما يُطلب من الخاطب - سواء كان من الفتاة أم من أهلها- يمكن أن يتيسر مستقبلاً، وليس من الضروري أن يتوفر في بداية الحياة الزوجية.
- أن يبحث والد الفتاة أو وليها أو غيرهم من محارمها وأهلها عن زوج صالح ذو خلق رضي، فلا حرج في ذلك، فقد عرض عمر - رضي الله عنه- ابنته حفصة - رضي الله عنها- على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما- قبل أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك عرض سعيد ابن المسيب ابنته على طالب علم كان يحضر درسه. أو أن تعرض الفتاة على وليها تزويجها ممن تجد فيه الصلاح والتقوى.
قال تعالى:﴿ قالَ إنّىۤ أُريدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدى ابْنَتَىَّ هـٰتَيْنِ عَلىۤ أن تَأْجُرَنِى ثَمـٰنِىَ حِجَجٍ..﴾..{القصص:27}، جاء في زبدة التفسير: ((فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على الرجل الكفء الصالح، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على عثمان ثم على أبي بكر - رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم- والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام النبوة وأيام الصحابة)).
وقال الإمام القرطبي: ((أُنْكِحك: فِيهِ عَرْض الْوَلِيّ بِنْته عَلَى الرَّجُل؛ وَهَذِهِ سُنَّة قَائِمَة؛ عَرَضَ صَالِح مَدْيَن اِبْنَته عَلَى صَالِح بَنِي إِسْرَائِيل، وَعَرَضَ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِبْنَته حَفْصَة عَلَى أَبِي بَكْر وَعُثْمَان، وَعَرَضَتْ الْمَوْهُوبَة نَفْسهَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَمِنْ الْحَسَن عَرْض الرَّجُل وَلِيَّته، وَالْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصَّالِح، اِقْتِدَاء بِالسَّلَفِ الصَّالِح)).
وقال سيد قطب: ((وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه.. في غير تحرج ولا التواء، فهو يعرض نكاحاً لا يخجل منه، يعرض بناء أسرة وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل، ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد.. ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم- أو من يرغب في تزويجهن منهم. كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل، لا تُخدش معه كرامة ولا حياء.. عرض عمر - رضي الله عنه- ابنته حفصة على أبي بكر فسكت، وعلى عثمان فاعتذر، فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- بهذا طيب خاطره، عسى أن يجعل الله لها نصيباً فيمن هو خير منهما، ثم تزوجها.. وعرضت امرأة نفسها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فاعتذر لها، فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء، فزوجها رجلاً لا يملك إلا سورتين من القرآن، علمها إياهما، فكان هذا صداقها)).
- إنشاء جمعيات ومؤسسات تعنى بإعانة الشباب الراغبين في الزواج، وتساهم في تيسير الزواج، وذلك تيسيراً للحلال وتعويقاً للحرام، وحماية للمجتمع من الفاحشة، وتوفيراً لأسباب الإحصان والوقاية. ويكون لها كذلك دور في مساعدة الشباب في البحث عن زوجة مناسبة له، وكذلك بالنسبة للفتاة. كما وتُعنى كذلك بعقد دورات وندوات لتثقيف الشباب من الذكور والإناث، وتوعيتهم بكل ما يتعلق بالحياة الزوجية، وبث المفاهيم الشرعية الصحيحة عن الزواج والحياة الزوجية، والوقوف في وجه المخططات والحملات التي تستهدف القضاء على الأسرة.
- أن تنظر الفتاة لتعدد الزوجات على أنه تشريع إلـٰهي و رخصة ربانية مشروطة بالعدل، وتتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه، وتتوافق مع واقعه وضروراته وملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع والأزمان والأحوال، وما من تشريع إلـٰهي إلا وفيه حكمة ومصلحة، سواء أدركها البشر أم لم يدركوها.
وأما هذه السلوكيات الخاطئة من بعض المُعَددين، فليست هي التي تمثل نظام التعدد في الإسلام، فهؤلاء بعدوا عن الإسلام ولم يدركوا روح الشريعة ومنهج الإسلام النظيف الكريم. فعلى الفتاة إن تقدم لخطبتها رجل متزوج، ألا تتسرع برفضه لكونه متزوجاً، فربما يكون على درجة من الدين والخلق والعقل، وفيه من الصفات ما لا يوجد في غيره ممن لم يسبق له الزواج.
وأنا أدعو حقيقة المقتدرين على الزواج بثانية وثالثة و رابعة، وعندهم الرغبة في الزواج، أن يتزوجوا ممن تأخر زواجهن، أو حتى من الأرامل والمطلقات، من صاحبات الخلق والدين، ففي هذا إحصان لهن و وقاية وإعفاف، ولكن بشرط أن يتقوا الله فيهن وأن يعدلوا بينهن.
وبعد.. فإن غياب الموازين الإسلامية، وموازين التصور والتفكير الصحيح، جعل الأهواء والشهوات الدنيوية هي المسيطرة على تفكير الناس، مما أثر في ميادين الحياة فأفسدها، ومنها الزواج.. فالزواج أبسط وأيسر من كل هذه التعقيدات التي عقد الناس حياتهم بها، وحاجاته ومتطلباته المادية تندفع بأيسر التكاليف، ولكن النمط الاستهلاكي الترفي الذي سيطر على حياة كثير من المسلمين، جعل الأمور تسير على هذه الصورة المقيتة؛ ترف في الطعام والشراب واللباس، وفي تأثيث البيت مما لا حاجة له من تحف وكماليات.. ترف عام في الحياة، وتعلق بالقيم المادية، وجعلها هي الميزان الذي توزن به الأمور.
أصبح الزواج عند الكثيرين ماديات ليس إلا، مع أنه التقاء وارتقاء، وسمو ورفعة، إن كان الاختيار صحيحاً، وكانت الحياة وفق منهج الله.
لا بد للفتاة أن تجعل اهتمامها بالدرجة الأولى على جوهر الخاطب ومعدنه، فتختبر دينه وخلقه، وصفاء عقله، ونقاء قلبه، وتوافقها معه في الفكر والنظرة للحياة والأشياء، وبعد هذا كل الماديات تهون. وأما أن تكون الماديات هي جل اهتمامها ومبتغاها في هذه الحياة، فما أضيق هذه النظرة، وما أقصر الحياة الدنيا وما أضيقها إن كانت بهذه الصورة!
إن المسلمين اليوم بحاجة لأن يعودوا للإسلام، لا في مسألة الزواج فقط، وإنما في منهج الحياة كلها، فالإسلام جاء لتنظيم الحياة وإدارتها والسمو بها، وهو نظام متكامل، لا يعمل إلا وهو كامل شامل.. بحاجة لأن يهز الإسلام أرواحهم فيحدث فيها انقلاباً نفسياً وشعورياً كاملاً، ويُعيد تأليف ذراتهم على نسق جديد غير الذي كان، يُحدث تغيراً في تصورهم للحياة وفي موازين تفكيرهم، وفي صياغة المفاهيم لديهم.