معاناتنا من اللغة الفارسية
معاناتنا من اللغة الفارسية
عادل العابر - الأحواز
حسب تقارير الدول الصناعية فان 90بالمئة من المهن الجديدة تستلزم الشهادات الجامعية ودون هذه الشهادات لا يمكن لأي شخص أن يحضى بوظيفة حتى لو كانت وظيفة من الدرجة الثانية أو الثالثة, اللهم إلا أن تكون المهنة لا تعتمد على الدراسة ك(السياقة والحراسة والكنس في الشوارع).
من جهة أخرى وحسب التقارير الرسمية فان 75بالمئة من الطلبة العرب الأحوازيين يتركون الدراسة في الثانوية.
ومن المتبقين, ما يدخل الجامعات الحكومية إلا القليل منهم قد لا تتجاوز نسبتهم النصف بالمئة (حسب إحصائية كاتب المقال).
وليعلم القارئ العزيز أن في السنة الماضية اشترك مليون ونصف المليون من التلامذة الإيرانيين والأحوازيين في الكنكور (الامتحان الذي يجب أن يجتازه التلامذة كي يدخلوا الجامعات) وأن قابلية الكليات الحكومية لا تتجاوز المئة والثلاثين ألف طالب.
وهناك جامعات تسمى ب(الجامعات الحرة) قد تصل كلفة الدراسة فيها عشرة ملايين ريالاً إيرانياً (ما يعادل 1300 دولار) للسنة الدراسية التي تتضمن فصلين . ولا يقدر اغلب الأحوازيين أن يدرسوا في هذه الجامعات لكلفتها الباهظة وقلة دخلهم.(علماً بأن دخل العائلة الأحوازية قد لا يتجاوز العشرة ملايين من الريالات الإيرانية سنوياً).
نسبة تحزن المعنيين بقضايا الأحواز وذوي الضمائر الحية المتابعين لحقوق الإنسان.
ما هي الأسباب التي ضغطت على طلبة المدارس في الأحواز كي يتركوا الدراسة أو يرسبون في الامتحانات ويتساقطون من المدارس, تساقط أوراق الأشجار في الخريف؟
سأحاول شرح بعض هذه الأسباب علماً باني عانيتها منذ صغري وحتى اللحظة:
إن أطفال الأحواز يتكلمون بلسان أهلهم وأسرتهم وهو بطبيعة الحال اللسان العربي, ذلك لأنهم عرب. ولما يذهبون إلى المدارس, يكلمهم المدرس باللغة الفارسية (ومن بداية العام الدراسي) التي لم يتكلموا بها من قبل أبداً, فلا يستوعبون ما يدرسون.
فقد يتمكنون من اجتياز المرحلة الابتدائية, لكنهم يرسبون في المتوسطة حيث تواجههم الدروس الاختصاصية التي لا يمكن فهمها دون استيعابها بصورة جيدة ولا يمكن الاستيعاب دون إجادة اللغة الفارسية.
فيا سيدي القارئ الكريم, كنا نحفظ الجغرافيا والتاريخ وبقية الدروس كحفظ البغبغاء بعناء, ثم نكتبها في الامتحان معتمدين على قدرة حافظتنا, فلم نتمكن من التكلم بالفارسية جيداً ونحن في الصف الخامس الابتدائي.
الجدير بالذكر أن النطق باللسان العربي في المدارس ممنوع منعاً باتاً, ذلك لأن اللغة الرسمية طبق الشطر الأول لمادة 15 من الدستور الإيراني (ويسميه الإيرانيون قانون الأساسي) هي الفارسية لا غيرها.
وأزيد القارئ الكريم من الشعر بيتاً أن النطق بالعربية ممنوع في الدوائر الحكومية الأخرى أيضاً! فلو نطقنا بلغتنا, لتراهم نهونا منها وكأنهم ينهوننا من ارتكاب منكر, مذكرين أن اللغة الرسمية هي الفارسية, فلا تتكلموا بغيرها!
وأزيدكم من الهم كأساً, أننا ولحد الآن لم نتمكن من إصدار أي جريدة أو مجلة عربية.
(صدرت ولمدة شهور قليلة في عهد رئيس جمهورية إيران السابق محمد الخاتمي جريدة رأي ملت (شهرية) ثم جريدة الشورى(أسبوعية) اللتان نشرتا بالفارسية وخصصت صفحات منهما بالعربية ثم سرعان ما أغلقتا لعدم دعم الحكومة لهاتين الجريدتين الفارسيتين).
وقد حرمنا من أن نسمي أطفالنا بلغتنا, فأسماء ك( سعاد وإيناس وما شابههما) ممنوعة.
وأن الشطر الثاني من مادة 15 من الدستور الإيراني يقول: أن لكل قومية الحق أن تدرس لغتها بجانب اللغة الرسمية أي بجانب اللغة الفارسية. ولو نفذ هذا الشطر من مادة 15 من الدستور لقرأنا دروسنا بلغتنا وكنا أفضل مما نحن عليه اليوم ثقافياً وعلمياً وحتى سياسياً.
ولكن ألحق هذا الشطر بمادة 15 وباعتقادي لتضليل الرأي العام ليس إلا, ليقول الساسة الإيرانيون المتلفعون بعباءة الدين للعالم: هنا المدينة الفاضلة حيث الكل يتمتع بحقوقه!!
لأن هذا البند من الدستور بقى حبراً على ورق ولم نره طبق حتى لعام واحد, وقد مضى اكثر من سبعة وعشرين عاماً من وثوب رجال الدين في إيران على أريكة الحكم.
ومهما طالب الأحوازيون بتنفيذ مادة 15 من الدستور كاملة, فلم تكن هناك آذان صاغية, وقد يعاقب من يطالب بهذه الحقوق البسيطة التي هي جزء من الدستور الإيراني, وقد ردت صلاحية المندوب الأحوازي جاسم التميمي في الانتخابات البرلمانية في الدورة السابعة وقد كان مندوباً في البرلمان الإيراني في الدورة السادسة, لمطالبته بهذه المادة وما شابهها من حقوق ثقافية واقتصادية.
وأرادت بعض الأسر الأحوازية أن تعالج المشكلة (عدم استيعاب أولادهم الدروس الفارسية) قبل أن يدخل أبناءهم المدارس, فتكلموا معهم بالفارسية من الصغر وقد نسوا هؤلاء الأطفال الأبرياء لغتهم العربية وأصبحوا لا يجيدونها أبداً.(أرادوا أن يكحلوها فعموها) وهذا ما كان الساسة الإيرانيون العنصريون يرومون إليه منذ سنة 1925 وحتى الآن.
وتدخل المادة العربية مناهج الدراسة في المتوسطة وتتضمن نصوصاً بسيطة للغاية ك(هذا باب وذلك شباك) فلا يتعلم التلميذ الأحوازي قواعد لغته لا النحو ولا الصرف من خلال هذه الدروس (العربية)!
وتستغرق فترة المتوسطة إلى ثلاثة أعوام ثم تليها الفترة الإعدادية التي تدوم ثلاثة أعوام أيضاً, وفيها المادة العربية التي يتضمن نصها قصصاً بسيطة وقواعد سهلة ك(الجمل الاسمية والفعلية) والامتحان الذي يمتحن به التلميذ الفارسي في طهران, هو نفس الامتحان الذي يؤديه التلميذ العربي الأحوازي! واكثر درجاته تخصص لترجمة جمل سهلة من الفارسية إلى العربية وبالعكس.ولهذا يرى التلميذ الأحوازي نفسه غنياً من قراءة القواعد النحوية (التي لا تشبع من جوع المتعلم العربي ولا تروي من عطشه).
إذن لا جدوى للطالب العربي الأحوازي من هذه المادة, لأنه يتخرج وهو ليس قادراً أن يكتب رسالة قصيرة أو حتى جملة عربية دون أخطاء.
فلا تلومونا إذا ما رأيتم سياسيين أحوازيين على الفضائيات يرفعون المجرور ويجرون المرفوع, والحقيقة كما بينت أن الذنب ليس ذنبهم.
وأن لإيران ملفاً متورماً بكل الجرائم ضد الأحوازيين.
وهنا يتبلور الواجب القومي والإنساني لكل الدول العربية أن تمنح الأحوازيين فرصة للدراسة بلغتهم التي حرموا منها في وطنهم, (وأن أبناء الأحواز هم أبناء أمتكم العربية).