الإيحاء العكسي وعطاء مدرسة المستنقع

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

بين يدي هذا المقال أذكر المستنقعيين من الكتاب، والصحفيين، والأذناب، بأن هناك حقيقة في علم النفس يجهلونها، أو يتجاهلونها اسمها "الإيحاء العكسي، وأبسط صورها أن يمدح تاجر بضاعته، ويذم بضاعة جاره التاجر، ويسرف في المدح والذم مما يجعل الزبون يشك في مصداقيته، ويتجه للتعامل مع جاره، ويأتي مدحه وذمه بنتيجة عكس ما كان حريصًا على تحقيقها، وما رأيك في دولة رصدت كل إمكاناتها لا لمواجهة إسرائيل، أو محاربة الفساد، والنهب، والاختلاسات، والمرض والأمية، ولكن لمحاربة الإخوان المسلمين. ولمحاربة هذه المحظورة جيشت الدولة وسائل الإعلام، والأمن المركزي، وبلطجية الحزب الوطني، ومن وسائلها في ذلك الاعتقال العشوائي، والقبض على قياداتها، وتحويلهم على المحاكم العسكرية بتهمة تمويل المحظورة، ومصادرة أموالهم وإغلاق شركاتهم، ومنع الأعضاء من مغادرة مصر لحضور المؤتمرات وتشويه سمعة الإخوان، وتاريخهم في إسراف شديد.

والملاحظ أنه كلما أحس النظام بمزيد من الإفلاس، والضعف، والسقوط اشتدت الحملات على المحظورة في هجمات وحشية.

واعتمادًا على التزوير، والكذب، والتضخيم يكثف "المستنقعيون" حملتهم بكل وسائل الإعلام.

ولعلنا نذكر ما أسموه "ميليشيا الإخوان في جامعة الأزهر" مما ألقى في قلوب المواطنين الرعب، وهدد أمن الوطن وسلامة المواطنين، والاستقرار الذي عرفت به الكنانة... الخ. وقبض على عشرات من طلاب الإخوان، وفصل من الأزهر عشرات غيرهم. مع أن الأمر لم يكن يتعدى مشهدًا تمثيليًا رياضيًا، قدمه الطلاب قبل ذلك بعام أو عامين، ولكنه الاستغلال السيء المخزي لواقعة بريئة فزيفوا، وأولوا. وغالطوا.

وإلا فنحن نسأل: أين المواطنون الذين عاشوا في رعب.. وأين أمن الأمة الذي هدد؟

ومن أطرف وأحسن ما نشره أحد المستنقعيين أيام التصدي لرواية "وليمة لأعشاب البحر" وقيام الطلاب والطالبات بمظاهرات احتجاجية وكتب صاحبنا بالحرف الواحد: ... وقد اختار الإخوان شابًا جميلاً وسيمًا من شبابهم، وألبسوه ملابس الطالبات، زيادة على القناع حتى لا يتعرف عليه أحد، وقام بقيادة طالبات الأزهر في مظاهرتهن الغاضبة.

وأمام هذا المنطق المفضوح، نسأل هذا المستنقعي، ما فائدة الوسامة والجمال، إذا كان وجه الطالب مدفونًا في القناع؟ ثم ألا يفضح الصوت صاحبه فيدل على أنه طالب أو طالبة؟

ويملك الأسى قلب كل عاقل، وهو يشاهد برنامج "حالة حوار" والأجدر به أن يسمى حالة خوار (بالخاء لا الحاء) وكله هجوم على الإخوان أو الجماعة المحظورة كما يحلو لهذا المترهل عمرو عبد السميع أن يسميها.

ولم يعد هناك غرابة أن نرى "مكرم محمد أحمد" وقد نفخ أوداجه، واحمر وجهه، وجحظت عيناه، وارتعش مشفراه وهو يهتف "إن الإخوان إذا دخلوا قرية أفسدوها" ونرى الرجل المجفف رفعت السعيد، وهو يقول ساخرًا " من الخطأ الفادح أن نقول: الإسلام هو الحل، فعلينا مثلاً أن نقول: إن السكر هو الحل "إذا كان الشاي في حاجة إلى السكر. والخبز هو الحل إذا كنت جائعًا وهكذا."

***

ويستمر مسلسل الأكاذيب والافتراء في كثافة لا يستسيغها من أوتي الحد الأدنى من العقل، وإن الإنسان ليصاب بالغثيان وهو يقرأ لسرايا الأهرام "... وتواجهنا من الجهة الأخرى مشكلة الإخوان المسلمين، أو أعضاء الجماعة المحظورة، والذين يهددون الاستقرار المصري، وقد شهدنا خلال الأيام الماضية القبض على بعض خلاياهم التي تمارس الإرهاب وتثير القلاقل وتقف عقبة أمام الإصلاحات السياسية المصرية، ونتركهم لأجهزة التحقيق التي نثق بعدالتها".

"...إنه جزء من تاريخهم وبعض من جرائمهم التي يجب أن يعرفها شباب مصر الذين يحاول البعض إيهامهم بأن الحكم الحالي يضطهد الإخوان باعتباره منافسًا له، وتلك أكذوبة كبرى يجب تعريتها، فالحقيقة أنه لا الحكم الحالي، ولا الحكومات السابقة اضطهدتهم. وإنما هم الذين اضطهدوا المجتمع عندما حاربوه منذ أكثر من ستين عامًا، ولم يتغير سلوكهم في مختلف العهود من العهد الملكي ومن حكومات النحاس والنقراشي، وأحمد ماهر إلى عبد الناصر، والسادات، وصولاً إلى الوقت الراهن".

"... وإذا كنا مطالبين بحماية تجربتنا السياسية من الأفكار الفاشية، والنازية، فإن علينا أن نواصل حمايتها أيضا من أفكار جماعة "الإخوان المسلمين" التي ترفع "شعارات ظاهرية" باسم الإسلام، فخطرها لا يقتصر على النظام السياسي وحده، فهي تستهدف هذا النظام كمدخل للتسلط على الاقتصاد،والسياسة، والمجتمع، والناس جميعًا".

(الأهرام 24 من أغسطس 2007).

***

وعلى درب سرايا نقرأ لواحد من هؤلاء الذين ماتت ضمائرهم اسمه طارق حسن، يقول بالحروف الواحد: "... وقد درج موقع الإخوان الإلكتروني على شبكة الانترنت على إعادة نشر ما يكتبونه مشايعة للإخوان، وفتح باب التعليق عليه من جانب زوار هذا الموقع، وأغلب هذه التعليقات،تكفير صريح يسوغ قتل وإهدار دم كل مخالف للإخوان، من نوع أن "دعوة الإخوان هي دعوة الله"، و "من يحارب الإخوان فإنما يحارب الإسلام، ومن يحارب الإسلام فإنما يحارب الله"؟!

مشايعي الإخوان: أرأيتم كيف، وفي ماذا. يستعملكم الإخوان.

يا الله.. كيف تكون وجهة النظر السياسية هي "دعوة الله"؟!

وكيف يكون تفكير إنسان أو مجموعة بشر هو "تفكير الله"؟!

وكيف يكون الخلاف مع أي بشر "خلافًا مع الله والدين الحنيف"؟!

وكيف يمر مثل هذا التكفير الصريح دون محاسبة ومساءلة قانونية؟!".

(الأهرام 1/ 9/ 2007م).

***

ويلجأ أحمد موسى إلى التأويل الفاسد، فيرى أن الإخوان يبيحون الاغتيال من كلمات منسوبة للدكتور حبيب نصها "... الإخوان ليسوا في حاجة لاغتيال أحد، أو تصفية وزراء، أو مسئولين؛ لأنهم قاموا فعلاً باغتيال النظام سياسيًا" (الأهرام 1/ 9/ 2007).

فالمتعلم بل الأمي يدرك أن اغتيال النظام سياسيًّا، يعني: كشفه وفضحه، وطبعًا نرى موسى لايشير إلى اغتيال المرشد حسن البنا، وشنق عودة ويوسف طلعت، وسيد قطب، ظلمًا ولكن يتحدث عن تاريخ الإخوان الإرهابي.. بقتل النقراشي، والخازندار.

وأقول إذا لم تستحي فاصنع، وقل ما شئت، ولا ينسى القط أن يدلي بدلوه، فيرى الجماعة الحاقدة الموتورة هي اتي تولت كبر شائعة مرض الرئيس. (أخبار اليوم 1 / 9/ 2007م).

إنها بعض القطوف من حملات كتاب المستنقع.. وهي أضعف وأحط من أن يرد عليها، وكلها تجمع على ما يأتي:

1 ـ وجود الإخوان ومزاولتهم النشاط السياسي،بل أي نوع من النشاط، يعد ضربًا للمجتمع، والتجربة الديمقراطية، فنحن كما يزعم ـ ممتاز القط ـ نعيش أزهى عصور الديمقراطية.

2ـ اتهام الإخوان بأنهم مخترعو شائعة "مرض الرئيس" والترويج لها، لإحداث بلبلة في صفوف الشعب.

3ـ مطالبة النظام بمزيد من عقاب أعضاء "المحظورة" ففي ذلك خدمة للوطن، وتحقيق للاستقرار، والأمن، والسلام الاجتماعي.

***

وأقول إن النظام بهذا التكثيف الدعائي قد زاد من شعبية الإخوان.. ولو دفع الإخوان ملايين، بل عشرات الملايين من الجنيهات ما حققوا بعض ما حققته لهم الدعاية الحكومية العدوانية.

وقد يقول القارئ: غير معقول!! فكيف يحدث ذلك؟ وأقول معذرة: آمل أن ترجع إلى صدر المقال الذي عرضت فيه مفهوم "الإيحاء العكسي".