قهر المرأة

( الأسرة الشرقية ) نموذجاًً

حسين أحمد

[email protected]

إن الجدال عن قضايا المرأة - حقوقها وتحررها- وما تدخرها في المكنون الداخلي من إشكاليات عديدة ,تقتضي  ممن يملكون الثقافة العميقة بهذه القضايا سواء أكانوا كتاباً أو من المختصين بشؤون المرأة، القيام بأبحاث جادة ومضنية في سبيل الوقوف على مكابداتها وما تتعرض لها من متاعب كثيرة في حياتها الاجتماعية. وما أريد قوله هو أن المطلوب من المهتمين بشؤونها دراسة ماهية معاناتها وعذاباتها، بأساليب علمية واقعية وأخلاقية وقانونية، وعدم الاعتماد - قدر الإمكان- عن نماذج وعينات فردية أو تأثيرات آنية من تجارب فردية لأشخاص بعينهم, بغية الولوج إلى معالجة صائبة وموضوعية للقضايا الاجتماعية في سبيل تطويرمجتمعاتنا الشرقية بمناهج حضارية وإنسانية خلاقة بعيداً عن الظلم والاضطهاد والإساءة لأي فرد مهما كان جنس هذا الفرد سواء أكان رجلاً أم امرأة .

إن ما نسعى إليه خلال هذه الكتابة والذي يعني المجتمع ككل هو ظاهرة " قهر المرأة " في مجتمعها الذكوري بامتياز، المرأة هذه الإنسانة الرقيقة والمنتجة اجتماعياً وهي التي تمثل نصف المجتمع و لربما أكثر من ذلك بكثير.لأن كل ما يعيق مسيرة المرأة من خلال وظيفتها أو زعزعة دورها الطبيعي داخل المجتمع، سيؤدي لا محالة إلى شل وتعطيل هذا المجتمع بكامل تركيبته وشرائحه الاجتماعية، مما قد يصبح مشلولا وعاجزاً عن التواصل والعطاء .

ولهذا فباعتقادي أن هذه القضية تدعونا للوقوف جدياً على إحدى القضايا الإنسانية المهمة والمستعصية ألا وهي قضية" قهر المرأة "  هذا القهر والإستلاب الذي تتعرض له المرأة كإنسانة منتجة في هذه الحياة .

ومن هنا فكيف تكون المرأة سبباً من أسباب إرباكات مجتمعاتنا الشرقية بطولها وعرضها ,وكيف تكون سبباً حقيقياً في إعاقة وتعطيل عجلة التطور إلى هذا الحد، وخاصة فيما يتعلق بالنواحي الفكرية والثقافية والاجتماعية؟. ولماذا وكيف يتم تعطيل وظيفتها المستقبلية وظهور ما أسميناه بقضية " قهر المرأة " واستعبادها هذا الاستعباد التي نهت عنه الشرائع الوضعية والسماوية فقيل بشأنه المقولة الإسلامية الشهيرة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

ففي هذه العجالة من الدراسة سنحاول البحث عن ابرز أسباب هذا القهر وتداعياته التاريخية والثقافية والاجتماعية، وسنبحث في بعض من العادات والتقاليد الموروثة اجتماعياً والمعيقة والمانعة لتقدم وازدهار دور المرأة الشرقية عموماً.

وأسئلتنا تتركز حول، ما هي منابت قهر المرأة الشرقية يا ترى..؟؟ كيف يظهر ومن صاغه ويصيغه؟ وفي أي أجواء يتفاعل ويأخذ حيزه الفعلي؟ ما هي السبل المفيدة لمعالجة مثل هكذا حالات من القهر والإستلاب؟ و ماهي سبل علاجه وكيف يمكن التصدي له..؟؟ وما يمكن أن عليه هو القول، بأن أبرز مشاكل المرأة واضطهادها وما يلحق بها من ظلم وحيف يظهرأكثرها في المجتمعات الشرقية أو فيما يسمى بالعالم الثالث تحديداً، رغم أن المجتمعات الغربية في المقابل لا تخلو من مثل هذه الظواهر السلبية عموماً، علماً بأن المرأة الغربية هي الأكثر تقدماً وتطورا من النواحي الفكرية، والحضارية، والإنسانية، والاقتصادية كذلك، ولكن إذا ما أخذنا مثل هذه العينات عن المرأتين الشرقية منها والغربية، عندها قد تتباين العينات وستكون أكثر حدة في المجتمعات الشرقية منها في الغربية.

لقد تبين أن المراتع الأوسع سخونة وحاضنة لهذه الممارسات ولهذه الظواهر وتفاعلاتها الخطيرة وتحديدا في قضية " قهر المرأة "  بمختلف جوانبها وأنواعها هي ما يمكن أن نعدد منها ( الضرب , الطلاق التعسفي , الحرمان من التعليم , الزواج المبكر , و الزواج بالإكراه إلابعاد القسري, قضايا الشرف – الحيار- القتل أو الذبح ...الخ )

ففي المجتمعات الشرقية كما نوهت سابقاً. نرى بأن هذه الظواهر تأتي من خلال العلاقات السياسية والاقتصادية الممارسة المترسخة عبر التراكمات التاريخية لهذه البلدان، هذه التراكمات التي شيدت عليها تلك البلدان والدول أنظمتها في الحكم والتي أخذت بيدها مفاتيح كل القرارات والشرائع والدساتير. وكنتيجة لغياب الديمقراطية بمفاهيمها الفكرية والتربوية الممارسة دستورياً ,وللتفاوت الطبقي الموجود في تركيبة المجتمعات المذكورة وبخاصة بين أفراد المجتمع ككل ,وأيضا لوجود معتقدات دينية وخاصة عدم فهم السواد الأعظم من أفراد هذه المجتمعات لماهية هذه الأديان وجهلهم الواضح بالنصوص الدينية والشرعية ,وكذلك بسبب غياب القوانين الناظمة والتي تحمي الفرد داخل المجتمعات الشرقية، لهذه الأسباب مجتمعة، فقد تبدأ حالات من تفاقم الأمراض الإجتماعية في أوساط هذه المجتمعات عامة, لتؤثر في روابطها الأسروية وصلاتها المتماسكة وربما إلى علاقاتها التربوية المتأصلة والمقدسة، ومن ثم عبر السلوك المكتسب ومن خلال الممارسات والدكتاتوريات المتسلطة إلى أن تتسلل إلى أعمق أعماق الأسرة لتعشعش فيها أفكاراً متردية فاسدة، والغاية منها هي تفكيك روابط الود والمحبة و روح التسامح الإنساني النبيل بين أفرادها، مما يؤدي إلى ظهور نوع من الأنانيات المفرطة بين العائلة الواحدة لان كل فرد من أفراد الأسرة – والحال هذه- سيبحث له عن سلطة أحادية يفرض بها جبروته على باقي أفراد الأسرة والمرأة بشكل خاص هي التي تتأثر سريعا بمثل هذه العوامل المباشرة وغير المباشرة, وهو ما يؤدي إلى إنتقال مجرى طبيعة القهر المكتسب من النظام السياسي والتشريعي إلى قهر الفرد داخل الأسرة ,حينذاك ستتكرس الذات الفردية في قرارات وتوصيات تنفث في المجتمع سواء عن طريق القوانين أو الشرائع، و يسود نوع من القهر والظلم داخل العائلة الواحدة وذلك حينما يبحث الفرد المقهور عن كيفية تجسيد أنانياته الفردية أو يحاول فرض قراراته على باقي أفراد الأسرة كحاكم مستبد، وعندها سيقع الظلم والجور على المرأة قبل الجميع، وهذه هي حالة المرأة في الخلية الإجتماعية الصغيرة، ومن ثم في الدارة الكبيرة فضلا عن دوائر أخرى كثيرة مؤثرة كالعادات والتقاليد الموروثة والموبوءة بكثير من التخلف والجهل ...