الصليب الأحمر: ماذا عن المفقودين في السجون السورية
الصليب الأحمر
يبحث عن مصير المفقودين في العراق
وماذا عن المفقودين في السجون السورية؟!
زهير سالم*
كان أليماً مثيراً للصدمة والرهبة والألم مشهد تلك التلال من الجماجم والعظام البشرية، وبقايا الألبسة أو المتعلقات، وهي تعرض على شاشات التلفزيون مع مئات الأمهات ـ أمهاتنا وأخواتنا العراقيات - وهن يلبن بين الرفات على بقايا حبيب أو على شيء يذكر به.
المفقودون على أرض العراق، والذين يتحمل الاحتلال أولاً وأخيراً مسؤولية قتلهم، وانقطاع آثارهم قد أصبحوا اليوم في كبد المجهول لأن في فتنة مثل فتنة العراق لا يعرف القاتل فيها من يقتل؟ ولا لماذا يقتل؟ كما لا يعلم المقتول فيم قتل؟ يبقى أمر البحث عن المفقود كالبحث عن الإبرة في كومة القش
ومع ذلك فإن تعقب آثار الجريمة لأسباب قضائية وإنسانية يظل جهداً مشكوراً وواجباً إنسانياً يناط بكل البشر الطيبين على اختلاف الملل والنحل والمذاهب والانتماءات.
صورة الجماجم البشرية عفرها التراب وبقايا الهياكل العظمية، وقطع القماش التي كانت أثواباً تزين الأجساد. تنقل إحساس الإنسان السوري مباشرة إلى صحراء تدمر، إلى ذلك البئر الرهيب الذي حوى وطوى بتدبير ماكر، وأمر آمر، وإرادة مريد.
الذين اختفوا أو غيبوا في قليب تدمر أو بين ذرات رمالها لم يقتلوا غيلة، ولا في ساعة غفلة ؛ وإنما قتلوا بأمر رئيس وتوقيع وزير للدفاع اعترف على رؤوس الأشهاد في كلام موثق مكتوب أنه كان يوقع على قوائم اغتيال أولئك الأبرياء في كل أسبوع.
والمفقودون في السجون السورية ـ الأحياء منهم والأموات ـ هم بعض جسد المجتمع السوري الحي. أي أنهم مازالوا يشكلون جرحاً نازفاً في صميم المجتمع السوري و في سويدائه.
والمفقودون مازالوا كما قال شوقي منارة دم تبث في حياة المجتمع السوري دعوة صريحة إلى كثير من الاستحقاقات التي يتهرب منها القتلة والآثمون والمجرمون.
يا ويحهم نصبوا منارا من دم يوحي إلى جيل الغد البغضاء
وحين نتحدث عن المفقودين في السجون السورية من السوريين فقط، ونقول فقط ،لأن هناك الكثير من المفقودين اللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين أيضاً، حين نتحدث عن هؤلاء فإننا لا نتحدث عن آحاد أو مئات أو آلاف إنما نتحدث عما نسبته 02% من المجتمع السوري يوم وقعت المذابح الكبرى في تدمر وحماة وحلب وإدلب وجسر الشغور وسرمدا.
قد يكون من الصعب على الصليب أو الهلال الأحمر أن يقتفي أثر المفقودين في فيافي العراق أو أن يكشف عن هوياتهم ولكن الأمر في سورية مختلف جداً. إن الكشف عن مصير هؤلاء المفقودين متوقف على كلمة تصدر من بين شفتي حاكم فرد مازال يصر على أن يكون امتداداً لأبيه في التلذذ بعذابات الناس ، عذابات المنتظرات والمنتظرين من أمهات وزوجات وبنات وأخوات وآباء وأبناء وإخوان.
لقد فقد أمر التكتم على مصير هؤلاء البشر /الأحباب/ كل مسوغاته القانونية، إن كانت، وكل أبعاده السياسية ، إن وجدت ، ولم يبق إلا بعد واحد هو الارتواء السادي بأفظع وأبشع صوره وتجسداته ؛ الانتقام من المجتمع والتلذذ بآلامه، الضرر حيث لا نفع، وإنما الأذى للأذى وحسب.
المجتمع السوري الصابر على الضيم القابض على الجمر، يرقب هذا العالم وقد أجمع شرقاً وغرباً على خذلانه ؛ يرقب الصليب الأحمر في فيافي العراق يعبث رجاله بعظام الآدميين هناك ثم يتساءل: لماذا؟ وما الفرق؟
المجتمع السوري في حماة وحلب ودمشق وحمص يتساءل لو كان هؤلاء المفقودون من تبعية أي قبلة (عالمية) أو (إقليمية) هل كان سيتغاضى عن جراحهم أولياء دمائهم من إخوة العقيدة أو العشيرة ؟!!
المجتمع السوري ينظر، وهو تحت الرحى، من علياء إلى هؤلاء المخدوعين و المغرورين و النرجسيين الذي يحطون دمشق للتصفيق أو التأييد أو لما شاءت لهم أهواؤهم أن يزعموا، ويقول إن غداً لناظره قريب..
بين يدي رمضان تطل علينا وجوه الأحبة التي اغتالتها يد الإثم والغدر، وتنادينا قلوب الأمهات والآباء والزوجات والأبناء: أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية