السنّة الحميدة للمرشد العام

السنّة الحميدة للمرشد العام

د. صلاح الخالدي

تابع المتابعون - عبر وسائل الإعلام المختلفة - عملية انتخاب المرشد العام «الثامن» لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، الدكتور «محمد بديع»، وشاهدوا - من خلال المؤتمر الصحفي للجماعة - المشهد الإيماني «الأخوي» الرائع، الذي أعلن فيه المرشد العام السابق، الأستاذ «محمد مهدي عاكف» مبايعته للمرشد الجديد، والاحترام والتقدير الذي يكنّه «الخالف للسالف»، والذي تجلّى في تقبيله لرأسه.. وهذا المشهد لا يكون إلا عند هذه الجماعة الإسلامية الرائدة المباركة. ونسأل الله للمرشد الجديد كل توفيق وسداد، وأن يكون عهده في قيادتها عهد إنجازات وإيجابيات..

وقد «سن» الأستاذ «محمد مهدي عاكف» سنة حميدة، نشكره عليها شكراً جزيلاً جميلاً، حيث «أبى» أن يبقى مرشداً عاماً حتى يأتيه الأجل، وأصر على عدم «الترشح» لولاية جديدة، رغم إلحاح إخوانه.

وكانت قيادته لجماعة الإخوان ست سنوات كاملة قيادة حكيمة، وكانت مواقفه مشهورة مقدَّرة مشكورة، وهو في «قمة» عطائه الإيجابي، ويصلح لدورة قادمة أو دورتين، لكنه آثر أن «يسنّ» للمسؤولين - من إخوانه في جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم - هذه «السنة الحميدة»، وهي أن «ينسحب» المسؤول من الإخوان، من موقع المسؤولية القيادية، بعد دورة أو دورتين، انسحاباً إيجابياً آمناً أخوياً «محبوباً»، وأن «يُخلي» هذا الموقع بأخوة ومحبة وتقدير لإخوانه، ويعود إلى موقع «الجندية» العاملة، وسط محبة واحترام وتقدير إخوانه له..

إنني أدعو إخواني وأحبابي المسؤولين في الإخوان المسلمين إلى أن «يقتدوا» بمرشدهم الفاضل في سنته الحميدة، وأن يكونوا مثله، وأن يفعلوا مثل فعله، وأن «تعمّم» سنّة الأستاذ «عاكف» على كل المواقع والمراكز والمسؤوليات القيادية والإدارية والتنظيمية، في هذه الجماعة العاملة المباركة!!

لا أحب للمسؤولين عند «الإخوان المسلمين» أن يكونوا كالمسؤولين من الحكام والقادة والزعماء في البلاد العربية، يبقى الحاكم حاكماً، وإذا أجريت انتخابات تكون «شكلية، ينجح فيها هذا الحاكم بنسبة «فلكية»، وقد يكون هو «المرشح الوحيد»، ويبقى «مالكاً» منصب الزعامة عدة دورات متتالية، حتى ينتهي عمره، بالوفاة الطبيعية، أو بالاغتيال، أو بالانقلاب، وقد يبقى زعيماً ثلاثين أو خمسين، أو ستين سنة، و«يورث» هذا «المُلك» الشخصي لابنه، سواء كان الحكم ملكياً، أو جمهورياً، أو أميرياً!!

لا أحب لقيادة الإخوان المسلمين أن تُصاب بمرض «القيادة المؤبدة» حتى الموت الذي أصيبت به أنظمة الحكم في هذا العالم «الثالث»!!

أنا من أنصار تحديد مسؤولية أي مسؤول عند الإخوان المسلمين بدورتين متتابعتين، ويمنع من العودة للولاية والمسؤولية إلا بعد دورتين متتابعتين! ولا أرى أن يبقى الأخ المسلم في «مركزه» حتى يتوفاه الله، أو يجعل له سبيلاً!!

وأرى أن تكون كل مواقع ومراكز القيادة داخل الجماعة على هذه القاعدة: المرشد العام، ومكتب الإرشاد، والمراقب العام، والمكتب التنفيذي، ومجلس الشورى، ونائب الشعبة، وأعضاء الهيئة الإدارية للشعبة، وغير ذلك من المراكز الإخوانية!!

لا معنى لأن يكون المرشد مرشداً عاماً حتى يموت، وأن يكون المراقب مراقباً عاماً حتى يموت، وأن يكون نائب الشعبة نائباً لها حتى يموت. يكفيه دورتان متتابعتان، ثم «يفسح» المجال لإخوانه في دورتين، وقد يكونون أكثر منه «كفاءة» وحكمة وبصيرة وإخلاصاً.. ولن تغرق «سفينة» الجماعة إذا ترك هذا «المتشبث» بالقيادة قيادتها، وإذا قادها أخوه الحريص مثله!!

وقد طبقت هذه القاعدة في العمل الإخواني التي أومن بها، ولا أذيع سراً في ذلك، فقد كنت «عضواً» في الهيئة الإدارية لشعبة الإخوان المسلمين في السلط، في «السبعينينات» من القرن العشرين، لدورة واحدة فقط، وكنت «عضواً» في الهيئة الإدارية لشعبة «صويلح» بعد ذلك، لدورتين متتابعتين.. وبعد انتهاء الدورة الثانية أصررت على عدم العودة للهيئة الإدارية، رغم إلحاح من كثير من إخواني في الشعبة، وفي كل انتخاباتٍ للهيئة الإدارية لشعبة صويلح يكون اسمي مع المرشحين، فأسارع بالانسحاب من الترشيح قبل إجراء الانتخابات!!

بعض الإخوان قد يظن أنه لا تصلح قيادة الجماعة إلا به، وأنه لا يصلح إلا أن يكون قائداً ومسؤولاً، فإما أن يكون «هو» وإما الاتهام والتشكيك و«الكولسة» أو الانسحاب النهائي من الجماعة!!

شيء جميل أن يكون «رموز» الجماعة في غير موقع القيادة، بعد دورتين متتابعتين، وأن يكونوا «مرجعاً» علمياً وتربوياً وإدارياً لإخوانهم، وأن يكونوا «قدوات» كبيرة لهم، يعاملونهم بأدب وتقدير واحترام، ويستفيدون من مختلف خبراتهم..

وأتمنى أن ينجح أعضاء مجالس الشورى داخل هذه الجماعة المباركة بإصدار قرار يلزمون كل مسؤول في هذه الجماعة بأن لا تزيد قيادته وإدارته عن دورتين متتابعتين! والشكر الجزيل للأستاذ محمد مهدي عاكف على سنّته الحميدة!!