التعدّد في زواج النبيّ محمد عليه السلام
التعدّد في زواج النبيّ محمد
(صلى الله عليه وسلم)
دراسة في ضوء المكان والزمان
د. هوار بلّو /العراق
إنّ ظاهرة التعدّد في الزيجات هي ظاهرة تاريخية محْضة ، لا مكان لها بصورتها التقليدية المفرطة ، لا في واقعـنا الحالي ولا في أذهاننا المعاصرة . لقد تسبّب الغياب المستمرّ للقانون ، و لفـترات متلاحقة عبر التأريخ ، في منح صلاحية البقاء لأصحاب القوة ، و لمّا كان الرجل هو الأقوى بفضل طبيعته البدنية ، التي فطره الله عليها ، فقد اضطــرّت المـرأة بالتـالي أنْ تأوي الى كنــفـه ، و تحتمي بحـماه ، لتُـبـقي على نفسـها وكرامتها في ظـلّ هذا الفقدان المســـتمرّ للقانـون والنظام . و لم يكن يمنع المرأةَ مِن اختيارها لهــذا الإيــواء ، أنْ يكون هــذا الرجل ـــ الذي تـأوي الى كنفه ـــ قد جمعَ في ظلهِ العديد مِن النساء ، معظمهـنّ كنّ عـرضة مثلها لبطش المحيط و وحشيّته .
وقد كانت المرأة تفقـد زوجها وتترمل ، ثم تتقدّم في السـنّ ، و لا تجد لنفســها شابـــاً يرضى بها زوجة لهُ ، وأنّ بقاءها مِن دون زوجٍ قد يجعلها عرضة للسّـلب و الاغتصاب أثناء الغزوات و الحروب المستمرة ، فتضطرّ أن تحتمي بحمى أيّ رجل كان ، مغضّة طرف الغيرة عمّن جمعَ في عصمته مِن نساء . و باستمرار عجلة الحياة ، نضجت أفكـار الإنسان ، وتطوّرتْ سلوكيّاته ، فاسـتُحْدثت الأعراف و القوانين الدولية ، التي ضمّنت للإنسان حقوقه ، و تكفّلتْ بصيانة كرامته ذكراً كان أم اُنثى ، و بذلك بدأت المرأة تتحرر ، و تستغني عن حراسة الرجل لها شيئاً فشـيئاً . و ارتفعت الأصوات بين النسـاء هـنا و هناك تنادي بالمساواة بين الرجل و المرأة ، و تُطالب بإسـتعادة حرّيتها المفـقودة ، على طول التأريخ البشـري .. و تبنّى بعض هذه الأصوات الدعوة الى تفضيل المرأة على الرجل ، معتبرة أنّ الاُنثى في حقيقتها هي الأصل .. وهكذا بدأت المرأة تكشف ذاتها ، وتستكشف نقاط ضعف الرجل أمامها ، فلها مِن النهود والأرداف ما يُرغم عشرات الرجال على الركوع تحت قدميها و التوسّل إليها إنْ هي أرادت ذلك !
و على إثرِ هذه الأفكار التي نادتْ بها المرأة ، اُتّهم الرجل بأنّه هو المسئول الأولُ والأخيرُ عن سَلْب حرية المرأة و كرامتها ، على طول التأريخ البشري ، و أنّه هو الذي حرص على استغلال ضعفها البدنيّ ، لتحقيق مآربه الشخصية و منافعه الذاتية .
لقد اُسيء الفهم كثيراً بهذا الصدد ، فالرجل في رأيي كان هو السقفَ الآمنَ ، الذي استظلّت المرأة السـائبة بظلاله ، على طول غياب القانون و الشــريعة ، أكثر مِن أنْ يكون هو الجلاد الذي سـلبها حرّيتها و كرامتها ، و إنّ التعددَ في الزواج كظاهرة اجتماعية و تاريخية ، كانت نتيجة حتمية لظروف الفوضى القـائمة في كلّ مكان آنذاك ، و إنّما أبقت المرأة السّائبة على كيانها و كرامــتها في ظل هذا التعدد و بفضله . و لا يُنكرُ أنّ كثيراً مِن الرجال قد استغلّوا هذه الظاهرة ، و أساؤوا استعمالها على طول التأريخ ، و إنّ المرأة لم يكنْ خيارها في يدها معظم الأوقات و الأحيان ، و لكنّها اضطرّت في كلّ مرة أنْ تقبل بهذا التعدد ، كوسيلة للإبقاء على كيانها ، مِنْ بطش المحيط و فساده ، مهـما كانت نوايا الرجل و دوافعه وراء تعدّده في زواجه .
لقد شهدتْ غالبية المجتمعات التاريخية ظاهرة التعدد في الزواج ، بحيث رُسّختْ مفاهيمها عبر أجيالها المتعاقبة ، و إذا ما درَسْنا المجتمع البدوي في جزيرة العرب قبل مجيء الإسلام على سبيل المثال ، فإنّنا سنرى أنّ التعدد في الزواج كان هو السّقف العريض ، الذي يمارس تحت ظلّه الكثير مِن الرّجال أهواءهم و مقاصدهم الشخصية ، فقد كان الرجل يُعدّد في زوجاته اكثاراً لنسلهِ من الّذكور ليتقوّى بهم في محيطه القبليّ ، أو كان يعدّد فيهنّ ليستولي على ثرواتِهنّ ، حيث كان الواحد منهم إذا وجد يتيمة ذات مالٍ وجمال رغب فيها لأجل مالها .
إذاً ، نحن أمام ظاهرة تاريخيةٍ واحدةٍ ، شهدَتْها الغالبية مِن أصقاع المعمورة ، و في فترات معينة من تأريخها ، و لكننا في الوقت نفسه ، أمام أسباب و دوافع شتى وراء هذه الظاهرة ، إختلفتْ من مجتمع لآخر ، و مِن فرد لآخر ، و إنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بشخصه كانت له تجربة واضحة في هذا المضمار ، شأنه في ذلك شأن أيّ رجل مِن قومه عدّد في زيجاته ، و كان له أسبابه و دوافعه الخاصة به ، مثلما كان للجميع أسبابهم ودوافعهم الخاصة بهم ، و قد تزاحمت الأقلام بخصوص هذا الموضوع ، و اختلفت في مضماره الآراء ، و اُثيرت بصدده الأسئلة والشكوك ، و في كل مرة تتلبّد الغيوم جوّ الحوار ، و يلتبس الموضوع على الفهم . و كمحاولةٍ متواضعةٍ مني لتوضيح أسباب و دوافع هذا التعدد ، و إلقاء الضوء على المكان و الزمان ، و رفعاً للالتباس عن تفكير الكثير من الناس بخصوص هذا الموضوع ، ارتأيت أن أقوم بنشر هذا المقال الموسّع عن الموضوع ، لأوضح للمشكّكين ظاهرة عسيرة في حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، في زمن أصبحت فيه الإساءة الى شخصه معلَماً من معالم التحضّر و التطوّر .
إن ظاهرة التعدّد التي شهّدَها زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كما أشرْنا في مقدمتنا ، غدتْ اليوم إحدى القضايا الشائكة التي تتزاحم في رحابها الأقلام ، وتختلف في مضمارها الآراء ، و يُثار بصددها الكثير من الأسئلة و الشكوك ، لاسيَما بعد أنْ صار الكثير مِن شبابنا المعاصر ، يفهمون أنّ الإساءة الى شخص النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هي مَعلمٌ مِن معالم التحضر والتطور في زماننا هذا !!
إنّ البعض يفسّر هذا التعدد إفراطاً في الغريزة الجنسية ، و انهماكاً في ملذات الشهوة وأدرانها ، الأمر الذي ينبغي أنْ يكون رسول الله في حمىً عنه . والبعض يراه تعلقاً بمتاع الدنيا و حباً لزينتها ، الأمر الذي ينبغي أن يكون رسول الله في زهدٍ وترفّعٍ عنه ، بينما البعض الآخر ناقض كل هذا و ذاك ، و رأى في هذا التعدد حكمة وإنسانية ينبغي لرسول الله أنْ يمتاز بهما عن سائر البشر .
وأنا في هذا الجهد المتواضع ، سأحاول قدر الإمكان أنْ أنظر الى الأمر نظرة أكثر واقعية ، مُستبصراً من خلالها الأسباب و النتائج ، و مدى علاقة الأمر بدعوة الإسـلام .
لقد ساهم المستشـرقون و دعاةُ النصرانية و اليهودية في إثارة هذه القضـية كثيراً ، سعياً منهم لإستمالة قلوب الناس الى عقائدهم ، وتضعيفاً في الوقت نفسه لإيمان المسلمين بالإسلام و زعزعة يقينهم بالصورة الجميلة التي صُوّرت عليها نبيّهم في أذهانهم .
لا أكون مخطئاً إنْ قلتُ : أنّ ما يلصقه دعاة النصرانية و اليهودية حول العالَم بنبيّ الاسلام ، مِن قذارات و أدران ليس غريباً عنهم أبداً ، فهم مِن قبل قد ألصقوا تهماً أكثر قذارة بالكثير من أنبياء الله و رسله .
فالعـهد القديم(1)لم يترك لأنبياء الله مِن عفةٍ و طهارةٍ و أخلاقٍ كريمة ، ما يســتحق المـدح و الثـناء ، و يَروي عنهم قصصاً ما آمن بها المسلمون ، و لا ينوون أنْ يؤمنوا بها في يوم من الأيام . بل يَرى المسلمون بإجماع ، أنّ أنبياء الله أرفع شأناً و خُلقاً بكثير من تلك القذارات التي نُسبت إليهم ، وَأحرى بهم أنْ يلتقوا بالمثال الذي أراده الله لهم في الأزل .
والجدير بالذكر أنّ العهد القديم ، هو كتاب اليهود المقدّس و تتبنّاه النصرانية أيضاً و ترى أسفاره مقدسة على غرار ما يفعل اليهود أيضاً بحق كتابهم .
تنسب أسفار العهد القديم الى النبيّ نوح (u) أنّه شرب الخمر و نام فانكشفت عورته(2)، كما وتنسب اليه أنّه شرب الخمر حتى ثمُلَ ، ثم زنى بأبنتَيْه(3).
ويصفُ العهد القديم النبي موسى (u) بأنّه إله هارون (u) ، حيث يقول : (هو يكون لك فماً و أنت تكون له إلهاً)(4). ويروي العهد القديم أنّ النبي هارون (u) عصى الله من وراء أخيه موسى ، وصنع عجلاً للناس كيْ يعبدوه مِن دون الله ، يقول العهد القديم : (.. و لما طال زمن غيبة موسى ، أظهر هارون الضعف و الانكسار ، وعصى الله و صنع لهم عـجلاً ذهبياً لإسـكاتهم )(5).
ويروي العهد القديم عن نبي الله داوود (u) ، أنّه تزوّج إبنة الملك (شاول) ، بعد أنْ قتل له الفارس الفلسطيني ، ثم بعد ذلك تزوج من (أبيجايل) زوجة الرجل الغني ، الذي كان يقيم في مدينة (معون) بعد وفاته ، حيث كان داوود قد ناصبه الحقد و العداء حتى مات ، كما تزوج أيضاً مِن امرأة أخرى من أرض يهوذا(6).
ويقول سفر (صموئيل الثاني) عن نبي الله داوود (u) : أنّه بينما كان يتمشى على سطح قصره ، فرأى على أحد السـطوح امرأة جـميلة جــداً ، كانت تستحمُ ، فسأل عنها و عن زوجها ، فقيل له : أنّ زوجها يقاتل العدو في صفوف جيشه ، و قد كان زوجها رجلاً تقيّاً و مخلصاً لداوود ، فأرســل داوود في طلب امرأة هذا الرجل ، وضاجعها في الفراش ثم حبلت منه بعد ذلك ، و رتّب داوود خطة شــريرة لقتل زوجها ، حيث اختار له موقعاً في الحرب ، يكون القتال فيه شديداً و للأعداء فيه رجال أشدّاء ، و ساقه الى ذلك الموقع بالإتفاق مع قائد جيشه ، و لقي الرجل الصالح مصرعه ، و تزوّج داوود بزوجته ، فعاتبه الرب على ذلك أشدّ العتاب(7).
و يصف سفر (التثنية) نبي الله سليمان (u) ، بأنّه كان مثيراً في سـلطانه للغاية ، و أنّه أخذ في الترف و السرف و العيش الممنوع ، كما يصفه سفر الملوك بأنّه أحبّ فضلاً عن ابنة (فرعون) ، نساءاً غريبات من الموآبيّين والعمّونيين والأدوميين والحثيّين ، و مِن الاُمم التي نهى الله بني إسرائيل من الاختلاط بهم ، لأنهم كانوا اُمماً يُميلون قلوبَ الناس عن الله الى آلهتهم ، و تيّم بهنّ قلب سليمان ، حيث صار له سبعمائة زوجة من الأميرات ، و ثلاثمائة جارية فأزاغت نساؤه قلبه عن ذكر الله ، و في زمن شيخوخته مالت زوجاته بقلبه الى آلهة غريبة ، فلم يكن قلبه مخلصاً للرب ، كما كان قلب والده داوود مِن قبل . و في سفر (هوشع) يتحدّث العهد القديم عن نبي إسمه (هوشع) ، يتكلم الله على لسانه فينصحه الله ، بأنْ يتخذ لنفسه امرأة زنى ، و يكون له منها أولاد زنى ، لأنّ أهـل الأرض كلهم يزنون في الخفاء ، فأخذ هذا النبي بنصيحة (الله) وصار له أولاد زنى !!
إنّ القارئ لأسفار العهد القديم ، يحتار في عـظمة الذنـوب التي تنسـبها لأنبياء الله و رسله ، كما يتعجّب القارئ مِن سرّ هذه اللعبة الغريبة التي يلعبها العهد القديم ، إذ ينبغي أنْ يكون العكس هو الصحيح تماماً ، فالله يختار الأنبياء ، ليكونوا قدوة للناس في الإيمان و السلوك ، لا ليكونوا عوناً لهم على معصية ربّهم !!
و لئنْ شاءت الأقدار أنْ ينجو نبي الإسلام من قذارات هؤلاء في كتبهم و أسفارهم المقدسة ، لعدم سبقه الزمني لهم ، فإنّه لم ينجُ من إتهاماتهم في كتبهم ورسائلهم التي يؤلفونها اليوم ويبثونها في أرجاء المعمورة .
يعترف اليهود والنصارى ـــ كما أشـرْنا ـــ بأنّ الكثير من أنبياء الله و أوليائه ، قد عدّدوا في زوجاتهم ، فقد كان للنبي سليمان ـــ حسب روايتهم ـــ سبعمائة إمرأة من الحرائر ، و ثلاثمائة مِن الجواري ، وأنّ (عيسو بن اسحق) جمع بين خمس زوجات ، و أنّ يعقوب جمع بين أربع ، و أنّ (جدعون) ، وهو أحد أنبياء بني اسرائيل ، جمع بين نساء لا حصر لهنّ ، و جمع داوود في عصمته بين تسع و تسعين امـرأة .. لكن الغريب في الأمر أنّ اليهود والنصارى يسكتون عن كل هذه الروايات الموجودة في أسفارهم وكتبهم المقدّسة ، ويثيرون الأسئلة حول زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فقط ، مشكّكين بذلك في صدق نبوته و نزاهة رسالته !!
يذكر (ابن هشام) في كتابه عن سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، أنّ جميع من تزوّجهـنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مِن نســاء كنّ ثلاث عشـرة ، حيث يقول (ابن هشام) في كتابه :
( .. فهؤلاء اللاتي بنى بهنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) إحدى عشرة ، فمات قبله منهنّ ثنتان (خديجة بنت خويلد) و (زينب بنت خزيمة) ، و توفي عن تسع ، و ثنتان لم يدخل بهما (أســماء بنت النعمان الكندية) تزوّجـها فوجد بها بياضاً ـــ أي برصاً ـــ فمتّعها وردّها الى أهلها و (عمرة بنت يزيد الكلابية) ، اسـتعاذت مِن رسول الله فردّها إلى أهلها . ويقال أنّ التي استعاذت من رسول الله ، هي كندية بنت عمّ لِـ (أسماء بنت النعمان) ، و يقال أنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) دعاها فقالت : إنّا قوم نؤتى ولا نأتي ، فردّها الرسول إلى أهلها ) .
تؤكّد المصادر التأريخية الموثوقة ، أنّ جميع مَن عَقد عليهنّ النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم) ودخل بهنّ إثنتا عشرة امرأة ، وهنّ على ترتيب دخوله (صلى الله عليه وسلم) عليهنّ كما يلي :
1- خديجة بنت خويلد .
2- سودة بنت زمعة ، وقيل أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) دخل بها بعد عائشة .
3- عائشة بنت أبي بكر .
4- حفصة بنت عمر بن الخطاب .
5- زينب بنت خزيمة الهلالية .
6- أمّ سلمة (هند بنت أبي أميّة بن المغيرة المخزومية) .
7- زينب بنت جحش الأسدية .
8- جويرية بنت الحارث الخزاعية .
9- ريحانة بنت زيد بن عمرو القرظية .
10- أمّ حبيبة (رملة بنت أبي سفيان الأموية) .
11- صفية بنت حييّ بن أخطب النضيرية .
12- ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية .
أمّا اللاتي عقـد عليهنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و لم يدخل بهــنّ ، فيُذكـر أنّهنّ أيضاً إثنتا عشرة إمـرأة :
1- الواهبة نفسها للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : وقد اختلف الفقهاء في إسمها ، فقيل : (غُزية بنت دودان) ، وقيل : بنت (جابر بن عون) ، و قيل : (خولة بنت حكيم السلمى) .
2- خـولة بنت الهـذيل بن هـبيرة : هلكت في الطـريق قبل الوصول إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم),
3- عمرة بنت يزيد بن الجون الكلابية : عقد عليها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فتعوذت منه فطلّقها و أمر (اسامة) فمتّعها ثلاثة أثواب .
4- أسماء بنت النعمان بن الجَون بن شـراحيل : يقال أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وجد بها برصاً فردّها الى أهلها .
5- مليكة بنت كعب الليثية : ومنهم مَن ينكر تزويجها مِن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أصلاً .
6- فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي : تزوجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاة إبنته (زينب) ، و يقال أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خيّرها حينما نزلت آية التخيير فاختارت الدنيا .
7- العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف : يقال أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) طلقها حين دخلت عليه .
8- قُــتيلة بنت قـيس أخت الأشــعث بن قيس الكــندي : يقال أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تزوجها قبل وفاته بشهريْن ، و يقال أيضاً أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خيّرها بين الدنيا و الآخرة ، فإنْ شاءت ضُرب عليها الحجاب و كانت مِن أمهات المؤمنين و إنْ شاءت الفراق فلتتزوج مَن تشاء قبل أنْ يدخل عليها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فاختارت الدنيا . يقول عمر بن الخطاب (>) : ( ما هي مِن أمهات المؤمنين ، ما دخل عليها النبي و لا ضُرب عليها الحجاب ) .
9- سبأ بنت أبي الصلت السلمية : تزوجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فماتت قبل أن يدخل بها .
10- شراف بنت خليفة الكلبية أخت دحية بن خليفة الكلبي : تزوجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و ماتت قبل أنْ يدخل بها .
11- ليلى بنت الخطيم : عرضت نفسها على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليتزوجها ، و بعد أن وافق النبي تراجعتْ عن قرارها .
12- امرأة مِن غفار : لما دخل عليها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و جرّدها رأى بها بياضاً فردّها الى أهلها .
أما اللاتي خطبهنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ولم يعقد عليهنّ ، فهنّ :
1- إمرأة مِن بني عمرو بن عوف بن سعد بن دينار ، خطبها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الى أبيها فزعم أنّ بها برصاً وهو كاذب ، فلما رجع أبوها وجدها برصاء .
2- إمرأة قرشية يقال لها سودة : خطبها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فقالت : ( إنّ لي صبية أكره أنْ يتضاغوا عند رأسك بكرة و عشية ).
3- صفية بنت بشامة : أصابها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في السبي فخيّرها بين نفسه و بين زوْجها ، فاختارت زوجها .
4- إمرأة لم يُذكر اسمها : قيل أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خطبها فقالت (أستأمرُ أبي) ، فلقيت أباها وأذن لها ، فعادت الى النبي و قالت : قد التحَفْنا غيرك(8).
5- أمّ هانئ بنت أبي طالب : خطبها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وكانت ذات صبية فاعتذرت إليه فعذرها .
6- الجندعية : و قــد أنكرها بعض الرّواة .
7- ضــباعة بنت عـــامر بـن قرَط بن سلمة : كانت مِن أجمل نساء العرب وأعظمهنّ خُلقاً ، وكانت إذا جلست أخذت مِن الأرض الكثيرَ ، و كانت تغطي جسدَها مع عظمه بشعرها . و لمّا خطبها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد الهجـرة وافقت ، ثم قيل للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : أنّها فقدت جمالها و كثرتْ غضون وجهها وسقطت أسنانها ، فسكت النبيّ عن نكاحها(9).
8- نعامة : كانت جميلة ، وهي مِن سبي بني العنبر . عرض النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ يتزوجها فلم يلبث أنْ جاء زوجها فأعطاه إياها .
وقد عُرض على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) امرأتان ، فردّهما لمانع شرعي :
1- فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب : قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : (هي ابنة أخي مِن الرضاعة)(10).
2- عزّة بنت أبي سفيان بن حرب : قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : (لاتحلّ لي)(11) لِمكان أختها (رملة بنت أبي سفيان) ، حيث كانت زوجة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) .
ويُضاف الى هذا العدد مِن النساء ، تلك الجواري التي تسرّى بها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في حياته(12)، حيث كان للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أربع سَراري :
1- مارية القبطية : أهداها المقوقـس عـظيم القبط للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، و تسرّى بها وجاء منها بولده (ابراهيم) .
2- ريحانة : كانت امرأة جميلة مِن سبي بني قريظة ، و قيل : مِن سبي بني النضير ، و قد خيّرها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بين الإسلام و دينها فاختارت الإسلام ، فاعتقها وتزوجها ، و ضُرب عليها الحجاب . بينما يجزم الكثيرون بأنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يطؤها بملك اليمين ,
3- جميلة : و أصابها مِن السبي ، فأكدْنها نساؤه وخفْنَ أنْ تَغلِب عليه .
4- نفيسة : وهبتْها له (زينب بنت جحش) .
لقد أتمّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تعدّد زوجاته قبل نزول الآية التي تحرّم على المسلمين الزواج بأكثر من أربع نسوة ، وهي قوله تعالى في سورة النساء :
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَاطَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)(13)
وبذلك لم يكن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد خالف نصّ السماء ، و هو يقدم على هذا التعدد في زيجاته ، والجدير بالذكر أنّه حينما نزلت هذه الآية الكريمة كان الكثير من الرجال يجمعون في عصمتهم العدد من النساء ، وكان التعدد في الزوجات عادة متأصلة عند أهل الجزيرة و لم يكن الأمر مقـتصراً على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحـده ، فمنهم مَـن كان بحـوزته ثماني زوجات ، و منهم مَن جمـع بين عشـــر ، و مِنهم أكـثر مِن ذلك .. حيث كانوا يدّعون في ذلك الزمان أنّ التعدد في الزوجات نبلٌ و شهامةٌ ، و شعورٌ بعمق المسئولية ، فالكثير مِن الرجال كانوا يضمّون العدد من النساء الى عصمتهم ايواءاً لهنّ ، أو حفاظاً على شرفهنّ ، أو رعاية لإيتامهنّ ، في ظل تلك الظروف العصيبة التي مرّ بها أهل ذلك الزمان مِن سلب و نهب و هتكٍ للأعراض ، و لا يخفى أنّ الكثير منهم كانوا يمارسون في ظل هذا التعدد ، أهواءهم الذاتية و يرنون الى مقاصدهم الشخصية كما أشرنا مِن قبل ، حيث كان البعض مِن ضعفاء النفوس ينتهج هذا التعدد لأغراض أخرى غـــير شـــريفة ، كأن يجمع الرجل في عصمته العـدد من الفتيات الإيتام ليســتولي على أموالهنّ و أملاكهنّ ، فقد ذكر (الطبري) في تفسيره للآية الســابقة : (حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن الـمبـارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة (<) ..... فقالت : يا ابن أختي هي الـيتـيـمة تكون فـي حجر ولـيّها فـيرغب فـي مالها و جمالها ، ويريد أن ينكحها بأدنى مِن سُنة صِداقها ، فنُهوا أن ينكحوهنّ إلاّ أن يقسطوا لهنّ في إكمال الصِّداق ، و أمِروا أن ينكحوا ما سواهنّ من النساء) .
تروي كُتب التأريخ أنّ (المنذر بن الحارث بن أبي جبلة الغساني) الذي كان بطريقاً ، و حامياً للكنيسة الشرقية ، كان قد تزوج عدداً كثيراً من النساء ، كما تزوج (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة عدداً من النساء ، و لم يكن زواجه بذلك العدد من النساء قبل تنصّره فقط ، بل تزوج نساءاً كثيرات بعد تنصره كذلك .
وكان (عمر بن الخطاب) متزوّجاً في الجاهلية مِن كلّ من :
(1) زينب بنت مظغون بن حبيب بن وهب بن حذافة .
(2) مليكة بنت جرول الخزاعي .
(3) قُريبة بنت أبي اُمية المخزومي .
وفي إسلامه أضاف الى العدد كلّ من :
(4) أم حكيم بنت الحرث بن هشام المخزومي .
(5) جميلة أخت عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأوْسي الأنصاري .
(6) أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب .
(7) فكيهة اليمنيّة : هكذا في (الكامل) ، أما في (الطبري) فـأوردها (لُهيّة) وكذلك أوردها (الواقدي) ، ثم أورد (فكيهة) . و يقال أنّه خطب (أم كلثوم بنت الصديق) و (أم أبان بنت عتبة بن ربيعة) و رفضتاه لمهابته .. أما (علي بن ابي طالب) فقد تزوج من كل من :
(1) فاطمة بنت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) .
(2) أم البنين بنت حرام الكلابية .
(3) ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية التميمية .
(4) أسماء بنت عميس الخثعمية .
(5) الصهباء بنت ربيعة التغلبية .
(6) أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس .
(7) أم سعيد ابنة عروة بن مسعود الثقفية .
(8) مخبئة بنت امرئ القيس بن عدي الكلبية .
وقد وردَ في الصحيح أنّ (غيلان الثقفي) أسلم وتحته عشر نسوة(14).
حينما نزلت الآية المذكورة والتي حدّدت عدد الزوجات بأربع أو أقل ، لجأ كل مسلم ممّن له فوق أربع مِن النساء ـــ دون غيره من الناس ـــ الى الاحتفاظ بأربع زوجات له ، و تطليق الأخريات ، امتثالاً منه لقول الله تعالى ، و النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) شأنه في ذلك كشأن غيره من المسلمين هَمَّ هو الآخر ليختار لنفسه أربعاً مِن نسائه و يطلق الأخريات ، لكنّ الوحي نزل يأمره بأنْ لا يفعل هو مثلما يفعل العامة من المسلمين ، و أعطاه الحق الكامل في الاحتفاظ بكل نسائه مِن دون سائر المسلمين . فـقد أخرج ابن سـعد عن أبي رزيـن قال : هَمّ رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يطلّق مِن نسائه فلمّا رأيْن ذلك جعلْنه في حلّ مِن أنفسهنّ يؤثر مَن يشاء على مَن يشاء ، فأنزل الله :
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَ بَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَـرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِـهِمْ وَمَا مَلَكــَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَــيْلَا يَكُونَ عَلَـيْكَ حَرَجٌ وَ كَانَ اللَّهُ غَـــفُورًا رَحِيمًا * تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيماً)(15).
ولكن ما هو السرّ وراء هذه الخصوصية التي منحها الله للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) دون سائر المسلمين ؟
السرّ يبدو واضحاً ، مع قليل من التفكير ، فالمسلم الذي يملك في عصمته أكثر من أربع نسوة حينما يختار لنفسه أربعاً و يطلّق الأخريات ، يكون لهؤلاء المطلّقات كامل الحق في أنْ يتزوجن مِن جديد بغير أزاوجهنّ السابقين ، و لكن أزواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لسن كغيرهنّ من النساء ، فإذا ما طُلّقْن لن يكون لهنّ الحق في الزواج من جديد لأنّهن أمّهات المؤمنين ، فقد قال الله تعالى:
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَ أُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(16)
والمعلوم في الإسلام أنه يُحرّم على المسلم الزواج بأمّه و بمن تكون في منزلتها مِن النساء ، يقول الله تعالى :
(وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)(17)
فالزوجة التي يطلّقها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تغدو محرومة من حقّ الزواج مرة أخرى ، و الإيواء إلى كنف رجل يرعاها ويصون كرامتها ، و كذلك تُحرم من اشتهاء اللذة الجنسية ، التي أحلّها الله تعالى لعباده . و بذلك يكون الله قد ظلمهنّ مِن دون سائر المسلمات و ما كان لله تعالى أنْ يظلم عباده في شيء ، يقول تعالى :
(مَا يُبَـدَّلُ الْقَـوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَـلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(18)
فزوجات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أولى بصيانة حقوقهن الجنسية مِن غيرهنّ مِن المسلمات ، لأنّ الله تعالى توعّد بعذاب مضاعف لهنّ إذا ما آتيْن بفاحشة :
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)(19).
و قد يقول قائل : وما الفرق الذي جاءت به هذه الخصوصية التي منحها الله تعالى للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) دون سائر المسلمين ؟
فقد مات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عن زوجاته مُبكّراً و لم يقض مع معظمهن الفترة الكافية (مات قبله منهنّ ثنتان وتوفي عَن تسع كما يُقال) ، وقد بقيْن بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) محرومات من إشـتهاء اللذة الجنسية التي أحلها الله لهنّ ، و لو كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) احتفظ بأربع منهنّ و طلق الباقيات مثل سائر المسلمين لاكتسبن نفس الحرمان . ثمّ إنّهن لو تقاسمْنَ الليالي التي قضَيْنها مع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لَمَا حصلَت الواحدة منهنّ على غير ليلة واحدة كل عشرة أيام أو أكثر !!
و لكنّ شيئاً آخر قد يغيب عن الخاطر هنا ، و هـو لَمّا كان زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) زواج رسالة ، و نبوّة ، و أمراً مُقَدّراً لهُ مِن عند الله تعالى ، فقد شاء سبحانه و تعالى أن يمنح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قوة جنسية خارقة ، حتى يسـتطيع مـن خلالها أن يؤدي ما عليه من حقـوق جنسية تجـاه زوجاته و زيادة ، ومِن ثمّ إستكمالاً للغاية الإلهية المرجوّة مِن هذا الزواج و كآلةٍ ناطقة لنبوّته أمام الناس والتأريخ . فقد رُوِي في صحيح (البخاري) أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يطوف على نسائه كلّهن في الساعة الواحدة من الليل و النهار و بالغُسل الواحد ، مِن غير أن ينهك كل ذلك من صلابة جسده وعنفوان رجولته ، وكانت قدرته الجنسية موضع كلامٍ بين رجال ذلك الزمان .
(حدّثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك قال : كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يدور على نسائه في الساعة الواحدة ، من الليل و النهار ، وهنّ إحدى عشرة . قال : قلت لأنس : أوَ كان يُطيقهُ ؟ قال : كنّا نتحدّث أنّه أعطُي قوة ثلاثين ) .
فقـد قضى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حياته مع نسـائه من غير تقصير في أداء حقوقـهنّ الجنسـيّة ، والعاطفية ، و منحهنّ الإشباع الجنسيّ الكامل ، خاصة أولئك اللاتي كنّ في سنّ مبكّرة مِن حياتهنّ ، و بذلك تسْقط الشبهة القائلة بتقصير النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في أداء حقوقهن الجنسية و العاطفية ، هذا مع أنّ جُلّ زوجات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كنّ أصلاً في سنّ متأخر و بعضهنّ جاوزْنَ سنّ اليأس .
لقد عاش النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى الخامسة و العشرين مِن عمره في مكّة مثل الزهرة العابقة وسط الأشواك ، و لم تكن له حتى زوجة يتهرّب بها من الفاحشة ، و أشكال الإغراء الجنسي ، التي كانت تجتذب الشباب من كل صوب ، فالفتنة كانت متفشية في المجتمع و بيوت البغاء كانت تعلوها رايات خاصة ، يقصدها الشباب و الرجال ، لقضاء حاجاتهم الجنسية ، و المرأة الواحدة كان يتناوب عليها العديد من الرجال ، وغارات النهب و السلب التي تقوم بها القبائل بين الحين و الآخر تعطي فرصة أخرى للشباب في الإنزلاق إلى مهاوي الرذيلة و الفاحشة ، وهكذا لم تكن ترى في هذا المجتمع غير الفساد و الإنحطاط الخُلقي .
كل ذلك كان قائماً في مكة ، وَ لم تُمسّ شـعرة مـن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بـقذارة مـن قذارات الجاهلـية و هو الشاب اليافع الجميل ، بل كان مثال قومـه في العـفة و مكارم الأخلاق ، و عاش طيـلة هذه المـدّة و هو يعلّم غيره من الشباب كيف أن الانسان قادر ــــ إذا ما أراد ــــ أن يصمد بوجه جاذبية الفاحشـة و غريزة الشـهوة الجنسية .
وفي الخامسة و العشرين من عمره تزوج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من (خديجة بنت خويلد) وعاش معها حتى الخمسين من عمره ، كانت مُترمّلة ، حيث توفي عنها زوجها ، مُخلّفاً منها ولداً و كانت تفوقه في السنّ بخمس عشرة سنة .
كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) شاباً يافعاً و جميلاً اجتاز للتوّ مرحلة النضوج الجنسي ، بينما كانت (خديجة بنت خويلد) تقف على عتبة سنّ اليأس في حياتها الجنسية و التناسلية عندما تزوّجت من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) .
كانت (خديجة بنت خويلد) تملك من النسب و الحسب في قومها ما يمنعها من أدنى صور الإنحطاط الخلُـقي ، و مِن المال و الجاه ما يجعل كل رجـال قومها حريصين على الزواج منها لو يقدرون على ذلك . و عاش النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مع زوجته هذه حتى الخمسين من عمره ، لم يفكر يوماً أنْ يتزوج عليها وفاءاً لها وإخلاصاً لحبها ، وظلت الذكرى الخالدة في حياته حتى انتقل الى جوار ربّه .
لقـد قضى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ربيـع عمره كلـه ، و هو يُعــلّم الناس مِن حـوله درسـاً مهـماً في الحــياة . يعلّمهم أنّ للحياة معانٍ أرفع وأسمى مِن أنْ تقتصر على البطون والفروج ، و أنّ الرجال أرفع شأناً مِن أنْ يجروا وراء جاذبية الصدور والأرداف .
كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في هذه المرحلة من عمره قد جمع كل الأسباب و المقوّمات التي تمكّنه مِن التعددّ في زواجه إن هو أراد ذلك ، و يمكن إجمال هذه الأسباب والمقومات في مايلي :
(1) التعدد في الزواج كان عملاً يقترن بصفة الشـهامة و النبل و الرجولة في ذلك الزمان . و المجتمع الذي عاش فيه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان قد أقرّ له كل هذه الصفات .
(2) كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) شاباً قوياً و وسيماً ، شاءت له الأقدار أنْ يعيش حياته الجنسية مع امرأة تقف على عتبة سنّ اليأس و تفوقه بخمس عشرة سنة .
(3) كانت زوجته هذه لا تأتِ له إلاّ بأطفال إناث و طفل واحد ذكر وافَته المنيّة عند نعومة أظفاره ، والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في ذلك الزمان شأنه كشأن سائر الرجال ، كان له الحق في أنْ يقيم لنفسه نسلاً من الذكور يتقوّى و يحتمي بهم في مجتمع ساده قانون الغاب .
و الجدير بالذكر أنّ ولادة الأنثى في ذلك الزمان كانت لا تبشر بخير و لا تُثلج صدراً و لا ترفع للوالد شأناً ، بل كان الواحد منهم يسْرع الى دفن إبنته في التراب ، غسلاً للعار الذي قد يلحق به عند سماع الناس للأمر .
(4) كانت زوجته تملك من الأموال و الممتلكات ما يمكّن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من التعدد في زواجه وبالحجم الذي كان يريده ، حيث كانت (خديجة) قد أوكلت أمور تجارتها وأموالها اليه بالإجمال .
ومع كل هذا ، أبى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلاّ أنْ يهدي كل معان الإخلاص و الحب و الوفاء لحبيبة قلبه (خديجة) ، مترفّعاً بحكم مكانته العظيمة عن كل ما يمكن أن يُحاك في صدور أمثاله من الشباب ، لو كانوا في مثل زواجه غير المتكافئ هذا ، وعندما توفيت (خديجة) بقي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحيداً فريداً يتجرّع مرارة البعاد عن حبيبة قلبه و أمّ بناته .. و لكن ماذا عساه أنْ يفعل أمام قضاء الله غير الصبر ؟ فإنّ رزايا الله عطاءُ ومُصيباته نوعٌ مِن الكرم .
و في الشهر الذي توفيت فيه (خديجة) ، عقد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) القِران على السيدة (سودة) و بنى بها بمكة . و السيدة (سودة) رغم تقدمها في السن ، لم تكن تملك الجمال و حسن القيافة ، و كان الزواج منها إنما يرنو الى سدّ كل النوافذ التي يمكن أنْ يهُبّ منها العرض الدنيوي الزائل على خُلُق النبوة ، فالزواج نصف الإيمان كما يقال . ثم إنّه كان للنبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم) بنات صغار في حاجة الى الرعاية و المُداراة في البيت(20).
كانت السيدة (سودة) أرملة متقدمة في السن ، لا ترغب في الزواج إطلاقاً ، و لكن حينما رأت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يتقدّم لها رغبَتْ أنْ تنال ذلك الشرف الرفيع ، و أن تبعث مع أمهات المؤمنين على حدّ قولها .
تقول السيدة (سودة) : ( والله ما كانت لي حاجة الى الزواج قطّ ، لكنني أردْت أن اُبْعث مع أمهات المؤمنين ) .
بعد ثلاث سنوات من زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالسيدة (سودة) ، و كان قد جاوز الثالثة والخمسين من عمره ، هاجر الى يثرب هو وأصحابه هرباً بدينهم وعقيدتهم ، وهناك بدأت مرحلة جديدة في حياته ، مرحلة الجهاد المقدّس و الكفاح المسلح .. لقد بدأت الدولة المنشودة تبصر النور على أرض الواقع في الوقت الذي بدأ فيه أعداؤها يتزايدون و يتكاثرون ، و النفاقُ يسري في أوصالها كالسمّ الزعاف ، والمشركون في مكة يخططون لإستنزاف قوتها ، و توجيه ضربة قاضية الى نحرها .
أصبحت واجبات الدعوة كثيرة في هذه المرحلة ، فقد وجب على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أيضاً أنْ يدعو ملوك الأرض و حكامها إلى الإسلام ، و يستعدّ في الوقت نفسه لمجابهة أيّ ردّ فعل سلبي يمكن أن يصدر منهم ، فلم ترقأ للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عينٌ في هذه الفترة و لم تهدأ له بال أبداً .. و الغريب في الأمر ، أنّ هذه الفترة من حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هي التي شهدَت التعدد في زواجه ، و يُسْتَبْعد على ضوء مسؤولياته الجسيمة و ظروفه القاهرة أنْ تكون الغاية مِن هـذا التعدد في الزواج هي الاشــتهاء الجنسـي أو الإنخـراط وراء متـاع الدنيا الزائل ، هذا لو تناسَــيْنا عامل السّــن المتقدم للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) واســـتقباله لخريف العمر ، و مكانتــه العظيــمة التي لا تتفق مع هذه المـعاني الدنيئة . أضف الى ذلك أنّ جميع نسائه كنّ ثيبات و عجائز ، باستثناء السيدة (عائشة) التي زُفّت اليه مباشرة بعد الهجرة الى يثرب ، و كانت لا تزال صبية على عتبة نضوجها الجنسي عند خطبتها . و في أواخر عمر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و بعد أن تمّ فتح مكة و دخل الناس في دين الله أفواجاً وَ توسّعت رقعة الدولة و صَلب عودها ، و كَثـُرَ رجالُ المسـئوليّات في صفوف المسـلمين ، و كاد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يستريح بعض الشيء من عناء الدعوة و الكفاح المسلح ، وعلى ضوء هذا الفراغ الذي وُجد في حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و الفرط المفترض في غريزته الجنسية ، كان بإمكانه أن يستغل هذه الفـترة مِن عمره ليُعدّد من زيجاته و يسـتمتع بأواخر أيّامه ، لكنّ الوحي نزل عليه يمْنعهُ من الزواج بعد ذلك اليوم ، يقول تعالى :
(لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا)(21)
حيث يَرويْ الفقهاء أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان لهُ حلال أن يتزوج مَن شاء مِن النساء ثم نُسخ ذلك(22). فعندما أعطى الله تعالى حرية الاختيار لنساء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بيْن أن يخترْنَ الله ورسوله أو يخترْنَ الدنيا و متاعها الزائل ، وقمْنَ باختيار الله ورسوله والدار الاَخــرة ، قـصّر الله تـــعالى النــبيّ عليهنّ مكافأة لهنّ على حُسنِ إختيارهِنّ(23).
يقول تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)(24)
إنّ حرية الإختيار التي منحها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لزوجاته و بأمرِ مِن الله ، كانت ظاهرةً غريبة وجريئة في الوقت نفسه شهّدها زواجه (صلى الله عليه وسلم) ، فقد أعطى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لهنّ الحق الكامل ـــ و بصريح العبارة ـــ في أنْ يخترْنهُ ، و يُضْرَب عليهنّ الحِجاب ، أو أنْ يخترْنَ الطلاق فيستَمتعْن بالدنيا ، ويتزوّجْن مَن يَشأن من غير أن يؤثر ذلك على إيمانهم و إسلامهم ، و إنْ دلّت هذه الظاهرة على شيء ، فإنما تدلّ في مضمونها دلالة واضحة على أسمى معاني الحرية الشـخصية التي منحها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لزوجاته ، حيث أعطى الفرصة الكاملة لكل واحدة مِنهنّ لتعيد النظر في أمر زواجها مِن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خشية أنْ تكون مسألة زواجها مِن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وليدة ظروف قاهرة و حرجة ، أو نتيجة شعورهن بالغبْن و الخوف و الإضطرار في لحظة من اللحظات .
وقد إشترط النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم) على أزواجه أنْ يتصفن بجملة مِن المزايا إنْ هنّ رضين بالبقاء في عصمته ، يقول تعالى على لسان نبيّه :
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًاً عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِــيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْـتُنَّ فَلَا تَخْــضَعْنَ بِالْقَــوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبـِهِ مَرَضٌ وَ قُـلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)(25)
و ما يثير الغــرابة هنا ، أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد وَجَد مِن بين نســائه مَن آثرت الدنيــا و زينتها على البقاء في عصمته ، فقد اختارت (قتيـلة بنت قيـس) الدنيا و تزوّجت بعد ذلك مِن رجل آخر ، كما إختارت (بنت النعمان بن الجوَن) الدنيا و قد كانت جميلة و تزوّجت مِن رجل آخر و أقامت البيّنة للناس بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنّ النبي لم يكن قد دخل بها ، و آثرت (فاطمة بنت الضحاك) هي الاخرى الدنيا ومتاعها على الإحتشام و البـقاء في عصمته (صلى الله عليه وسلم) ، و يُحكى أنّها كانت تلتقط البعر وتقول : أنا الشقيّة(26).
إن التعدد في الزواج عند عرب الجزيرة ، كان أمراً واسع الإنتشار ، و كان لكل رجل يعدّد في زيجاته أسبابه الشخصية ودواعيه الخاصة به .. فمنهم مَن كان يُعدّد من زيجاته شهامة و نبلاً ، و ذلك بضمّ نساءٍ أرامل الى عصمته إيواءاً و حمايةً لهنّ في ظل الظروف الصعبة التي كانت تشهدها المنطقة من غاراتٍ سِلبٍ و انتهاكٍ للأعراض و الحرمات ، و منهم من كان يُعدّد مِن زيجاته ليكثر الذكور مِن نسله متقوياً بهم في محيطه الذي يسوده قانون الغاب ، و منهم من كان يُعدّد ليتنوع في ممارسة شهوته الجنسية من غـير أنْ يتردد على أماكن السـوء و الفحشاء ، و مِنهم مَن كان يُعدّد ليستولي بذلك على أموال مَن في عصمته من النساء ، حيث يُروى أنّ الواحد منهم كان إذا وجد يتيمة ذات مال و جمال رغب فيها لأجل مالها .
أمّا تعدد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في زيـجاته ، فقد كان له أسباب فاقَتْ في عظمتها كلّ سبب و في جمالها كل نبل و شـهامة . هذا إنْ كان لنـا أنْ نُخـضع هذا التعـدد للبحث العلمي و نفسّـره في ظل ظـروف ذلك الزمان ، و ليس أنْ نحمل أجهزتنا المعاصرة و نذهب بها إلى ذلك الزمان السحيق لنقيسه بهذه الأجهزة و نخضعه لها ، و بمنأى عن ذلك الواقع و تشكيلته الاجتماعية .
كان زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) زواج رسالة ، و نبوّة ، أراد به النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يخدم هذا الدين و يحقق به أهدافاً دعوية ســامية .. كان زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يحمل في ثـناياه كل المعــاني الجميلة التي جاء بها الإسلام ، و قد يمكن إيجاز هذه الأسباب بما يلي :
· سبب فطري :
و بهذا الزواج سـدّ النبي (صلى الله عليه وسلم) الحاجة التي خلقها الله في نفسه الى المرأة ومودّتها وحبّها وحنانها كسائر الرجال في كل مكان و زمان ، و أوضح بذلك للناس أن الأنبياء بشــر مثلهم يأكلـون و يشربون و يتزوجون النساء .. يقول تعالى :
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)(27)
و يقول تعالى :
( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)(28)
و يندرج تحت هذا السـبب زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الأول مـن السـيدة (خديجـة بنت خويـلد) و زواجه من (عائشة بنت أبي بكر) بعد وفاة (خديجة) .
خديجة بنت خويلد
كانت أولى زوجات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، أرسلت اليه لتخطبه لنفسها ، و ذلك عندما رأت ربحاً عظيماً منه حينما استأجرته تاجراً في مالها الى الشام . كانت متزوجة قبل ذلك من (أبي هالة) توفي عنها و له منها ولد ، و كان عمرها نحو الأربعين عندما تزوجت بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تكبره بِـخمس عشرة سنة ، حيث كان النبي (صلى الله عليه وسلم) حينها في أوج شبابه يبلغ من العمر خمساً و عشرين سنة . وكانت أرملة من أوسط نساء قريش نسباً و أعظمهنّ شرفاً و أكثرهنّ مالاً ، وكل رجال قومها كانوا حريصين على الزواج منها لو يقدرون على ذلك . توفيت (خديجة) بعد خروج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين من حصار شعب (أبي طالب) بقليل و قبل الهجرة بثلاث سنين ، وكان عمرها عند وفاتها خمساً و ستين سنة .
عائشة بنت أبي بكر
عقد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عليها القِران بعد وفاة (خديجة) بشهرين ، وكان عمرها لم يتجاوز السابعة حينها ، ولم يدخل عليها إلاّ بالمدينة (أي بعد الهجرة) ، و معنى ذلك أنّها كانت تناهز العاشرة من عمرها حينما بنى بها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) . كانت البكر الوحيدة التي تزوجها في حياته ، ولم يـتزوج بكراً غيرها .
إنّ (عائشة) عندما خطبها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يكن هو أول المتقدمين لخطبتها بل سبقه غيره إلى ذلك ، فقد ذكر بعض المؤرخين أن (جبير بن المطعم بن عدي) تقدم لخطبة عائشة ، وعلى هذا يُرجّح أنها كانت بعُمر الزواج في نظر الناس .
إنّ ظاهرة الزواج المبكّر كانت منتشرة بين أهل جزيرة العرب أيام الجاهلية والإسلام ، ويمكن أن يعزى السبب في ذلك إلى كون نضوج الفتاة في المناطق الحارّة في أغلب الأحيان مبكّرٌ جدّاً بينما يتأخّر نضوجها في المناطق الباردة ذات المنــاخ البارد . ومِن الأمثلة على الزواج المبكّر في هذه الفترة :
1ــــ زينب بنت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : وُلدت بعد ثلاثين سنة من مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وترعْرعَتْ وبلغَتْ سنّ الزواج ، طلبَتها (هالة بنتُ خويلد) مِن أختها (خديجة َ بنت خويلد) لإبنها (أبي العاص بن الربيع) ، فزوَّجَها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) له ، وذلك قبل نزول الوحي .
ونحن نعلم أنّ الوحي نزل على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و هو في الأربعين من عمره . أي لو أنها تزوجت قبْل نـزول الوحي بيومٍ واحد فيكون عمرها عندما تزوّجت عشـــر سنوات ، و هذا بطبيعة الحال يوحي بأن الأمر كان طبيعياً في ذلك الزمان ، و ليس النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الذي جاء بهذا الأمر من عنده .
2ـــ رقية بنت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : وُلدت قبل الهجرة بـِعشرين سنة ، و إذا عَلمْنا أنّ عدد سنوات البعثة قبل الهجرة كان (13) سنة ، فإننا نستنتج بمنتهى السهولة أن عمرها حين بعث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان سبع سنوات .. و لكن ماذا لـو علمْنا أنها كانت متزوجة قبل البعثة ؟!
لـقد كانت متزوجة من (عتبة بن أبي لهب) ، فلما بُعث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و أخذ عمُه (أبو لهب) يعاديه ، أمر إبنه أن يطلــقها نكاية بالنـبي محمد (صلى الله عليه وسلم) . و قد تزوجها (عثمان بن عفان) بعد ذلك و هاجر بها إلى الحبشــة (حوالي السـنة الخامسة من البعثة) ، أي أنّ عمرها كان اثنا عشر عاماً عند زواجها الثاني (هذا كأحد أقصى طبعاً) و قد يكون أقل من ذلك !!
3ـــ صفية بنت حيي بن أخطب : تخبرنا كتب السيرة أنها لم تكن قد أتمّت السابعة عشرة في غزوة خيبر حينما أصبحت من أمهات المؤمنين . إلاّ أنها كانت قبل ذلك متزوجة مرتين ، حيث تزوَّجَها (سلام بن مشكم) أولاً ، ثم طلقها ، فتزوجها (كـنانة بن أبي الحقيق) . أيّ أنها أتمت زواجها الثالث و هي في السابعة عشرة من عمرها .
4ـــ أم كلثوم بنت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : وُلدت لخمسٍ وثلاثين سنة من مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وقد تزوجها هي الأخرى الابن الآخر لـ (أبي لهب) وهو (عتيبة بن أبي لهب) وذلك قبل البعثة ، و قد طلّقها كما طلّق أخوهُ (عتبة) أختـَها (رقيّة) حينما أمرهما أبوهما بذلك و لم يَكن قد دخل بها . و ظلت غير متزوجة إلى أن تزوجها (عثمان بن عفان) بعد موت أختها (رقية) وذلك في السنة الثانية من الهجرة . و قد ذهب بعض الرواة إلى القول بأن ذلك حدث قبل الهجرة ، وليس قبل البعثة . فحتى لو صح الإحتمال الأخير ، فإن ذلك سيكون خلال السنين الثلاثة الأولى مِن البعثة ، حيث يتبين ذلك من نزول سورة (المسد) التي توعّد الله سبحانه و تعالى فيها بالعذاب لـ (أبي لهب) ، حينما قال للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : (تباً لك أ لهذا جمعتنا ؟!) . و كان ذلك بعد ثلاث سنوات من نزول الوحي حينما جهر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بدعوته بين قريش ، أي أنّ عمرَيْهما سيكونان عشر سنوات و ثماني سنوات على التوالي .
5ـــ أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب : تزوّجها (عمر بن الخطاب) و هي بنت سبع سنين ، وتوفي عنها وهي بنت عشر سنين .
· سبب إنساني :
و هذا السبب هو الأكثر شيوعاً في زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حيث أكرم بهذا الزواج أرامل الشهداء الذين ضحّوا بحياتهم مِن أجل دين الله . لقد ضحّى هؤلاء الشهداء بحياتهم وتركوا من بعدهم زوجاتٍ و أولاداً يتعرضون لسخط الحياة وقسوة الأيام ، ورأى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنّ خير وفاء لهؤلاء الشهداء وخير إكرام لأراملهم و إيتامهم مِن بعدهم هو ضمّ هؤلاء الأرامل و الإيتام الى كنف نبوتهِ الأمين . لقد حافظ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على أعراض هؤلاء الأرامل مِن بعد أزواجهنّ ، و أنّ ايتامهنّ بمجرّد أن أصبحوا ربائب النبي (صلى الله عليه وسلم) توجّهتْ اليهم أنظار الطيّبين و الكرماء مِن المسلمين . و الجدير بـالذكــر أنّ معــظم هـؤلاء الأرامل كنّ ثيبـات ، يقـفن على عـتبة ســنّ اليأس أو إجـتزْنها منـذ حين .
سودة بنت زمعة العامرية القرشية
هي أوّل امرأة تزوجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاة (خديجة) ، وكانت قد آمنت بالإسلام منذ وقت مبكر ، و كانت زوجة لابن عمها (السكران بن عمرو) وقد هاجرت معه الى الحبشة الهجرة الثانية أيام المحنة و الإضطهاد ، و توفي عنها زوجها بعد رجوعهما من ديار الغربة بوقت قصير .
كانت قد خالفت بإسلامها أقاربها و أبناء عمها ، فلو عادت لهم بعد وفاة زوجها مع ما هم عليه من الغلظة و كراهة الإسلام لفتنوها ، و كَرمُ نسَبِ أبيها يمنعها من الزواج برجل أقل منها نسباً و شرفاً ، فبقيت بذلك وحيدة فريدة تتجرع مرارة الحزن و القهر . كانت امرأة زاهدة في الدنيا و طاعـنة في السنّ ، وقد تحملت في سبيل الإسلام أيام صلابتها الكثير من الاضطهاد و المحنة ، وبعد موت زوجها أصبحت في سنّ متقدمة لا تقوى على الحركة و النشاط . و رأى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ يكرمها وينقذها من حياتها القاسية ، فخطبها و تزوجها قبل الهجرة الى المدينة بسنتين ولم يبنِ بها إلاّ في المدينة . كانت تقول : (والله ما كانت لي حاجة الى الزواج قطّ ، لكنني أردْت أن اُبْعث مع امهات المؤمنين) .
وظلت السيدة (سودة) عند النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى توفي عنها ، و توفـيت هي في آخـر زمان الخليفة (عمــر بن الخطــاب) .. لقد أكرم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) السيدة (سودة) بهذا الزواج و لم يتزوج بها إلاّ إيواءاً لها و وقوفاً الى جانبها أثناء محنتها ، كوفاءٍ لزوجها الذي هاجر فراراً بها وبدينه الى الحبشة .
أم سلمة بنت أبي أمية
إسمها (هند) .. كان أبوها سيداً من سادة مخزوم المرموقين ، و كريماً مِن كرماء العرب المشهورين ، كان يقال له : (زاد الرّكب) ، لأنّ الركبان كانوا لا يأخذون معهم الزاد إذا ســاروا في صحبته أو قصدوا منازله . كانت قد أســلمت مع زوجها مبكراً ، إذ لم يسلم قبلهما إلاّ نفر قليل لا يبلغ عددهم أصابع اليـدين . هاجرت مع زوجها الى الحبشـة فراراً بالدين و العقيدة ، و تركت وراءها في مكة البيت الباذخ و النسب العريق . و بعد عودتهما مع المهاجرين الى مكة ، و إيذان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين بهجرة جديدة الى يثرب ، كانت هي و زوجها في طليعة المهاجرين مرة اخرى .
و في طريق الهجرة اعترضهما رجال من قومها ـــ بني مخزوم ـــ و انتزعوها هي وطفلها الرضيع مِن زوجها ، و نجى زوجها مِن أيديهم بأعجوبة هارباً الى يثرب . و لما علِم قومُ زوجها بالخبر اعترضوا طريقهم ، و تعاركوا معهم حتى تمكنوا من أخذ الطفل الرضيع منهم ، بعد أن خلعوا يده .
وهكذا ، ظلت (أم سلمة) وحيدة فريدة عند قومها ، زوجها في يثرب ، وطفلها في مكة ، وبقيت على حالها قرابة عام كامل ، تتردّد بين الحين و الآخر على مكان مأساتها ، مستحضرة صورة اللحظات الصعبة التي شَهِدتها و تبكي بكاء الثكلى حتى يخيم عليها الليل . لحقت بزوجها في يثرب بعد أنْ ردّ لها القوم طفلها ، ولكنّ فرحتها لم تدم طويلاً حيث توفي زوجها إثر جراح أصابته في معركة (أحد) تاركاً لها همـوم الدنيا و ظَلمَتَها . وأراد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ يتزوجها وفاءاً لزوجها و إيواءاً لكـرامتها ، و من ثم تعويضاً لها عن سنين المحنة التي قاستها في طريق الدعوة .
حفصة بنت عمر بن الخطاب
استشهد زوجها في غزوة بدر ، و ألقت الأقدار إليها مبكراً نصيبها من التعاسة ، فظلت أرملة زمناً ليس بالقصير .. و رأى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في ترمّلها مشكلة ترهق مشاعر والدها (عمر) ، حيث كان قد عرضها على (ابي بكر) ليتزوجها فاعتذر . و آواها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الى عصمته وتزوجها تعويضاً لها عن مأساتها ، و معاناتها المبكرة ، وليهدأ بال والدها و ترقأ له جفنه ، و مِن ثم وفاءاً لـزوجها الذي جاد بروحه مِن أجل دين الله .
ميمونة بنت الحارث الهلالية
إسمها (برة) ، تزوجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) سنة (7هـ) و سماها (ميمونة) . كانت أرملة عمّ النبي (حمزة) ، تزوجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إيــواءاً لكــرامتها و وفاءاً لعمّه الذي اسـتشهد في معركة (أحد) ، و لم يدخل بها إلاّ بعد الخروج من مكة بعد صلح (الحديبية) و كانت آخر نساء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) زواجاً .
· سبب تشريعيّ :
أراد الله بهذا الزواج أنْ يُثبّت للناس قاعدة جديدة في شرع الله و يمسح به سلوكاً جاهلياً كانت العرب تمشي عليه منذ القدم . كان الرجل في البادية يأخذ لنفسه شاباً مِن غير صلبه ، يتبنّاه ويربّيه و يصرف عليه مِن ماله ، فتُستحدث بفعل ذلك آصرة بنوّة لا أساس لها مع مربيه و أواصر قرابة مصطنعة مع أقارب مربّيه و بذلك يكتسب كامل الحق في وراثة الرجل الذي يتبناه .. أراد الله تعالى أن يلغي هذا السلوك الموجود في البادية ، إذ لا يحقّ للدعيّ أنْ يورث الرجل الذي يتبناه ، و لا لأقارب الرجل أنْ يكونوا أقارب للدعيّ ، و لا للناس أنْ ينسبوا اسم الدعّي للرجل الذي تبناه كتنسيبهم لإسم الولد لوالده .. شاء الله أن يقع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه ضحية هذا الموروث الإجتماعي ، فقد كان له غلام أعتقه وتبنّاه منذ نعومة أظفـاره اسمه (زيد) ، حيث لم يشـأ الله تعالى أنْ يبق للنبي ذكور من أولاده . صار الغلام يُنسـَبُ الى النبيّ في كل مجلس و نادٍ ، و يُدعى بين الناس بـِ (زيد بن محمد) .. أوحى الله تعالى الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ يخطب ابنة عمّه (زينب بنت جحش) لإبنه (زيد) ، و صارح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أهل الفتاة بالأمر فأبدوا استيائهم للأمر ، واستنكروا طلبه بشدة . فـ (زيد) كان شاباً شديد السّواد ، و كان ابناً لعبد أسود إسمه (حارثة) ، لا يملك نسباً يُذكر بين الناس ، و إنْ كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد تبناه فإنّ ذلك لا يلحقه بالأشراف ، لأنّ أصله معلوم لدى قريش ، في الوقت الذي كانت فيه (زينب) فتاة رائعة ، في غاية الجمال ، وذات نسب عريق في قريش .
إستنكر أخوها (عبدالله) طلب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في هذا الزواج غير المتكافئ ، مُبرّراً ذلك بالأسباب التي ذكرناها ، أمّا (زينب) فكانت امرأة فيها حِدّة ، ترى نفسها أشرف و أجمل بكثير من أنْ تتزوج مِن واحد مِن الموالي ، فاستنكفت منه و قالت : أنا خير مِنه حسباً .
أوحى الله تعالى الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ لا خيار لأهل (زينب) في تزويجها ، بعد إظهار الله لمشيئته سبحانه و تعالى ، وذلك لأنّ الأمر مدروس له مِن قِبَل السماء ، و لا خَيار لأهل الأرض أمام قرار السـماء ، قال تعالى :
( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا )(29)
وذلك أنه إذا حكم اللّه ورسوله بشيء ، فليس لأحد مخالفته و لا اختيار لأحد ولا رأي ولا قول(30). و بناءاً على هذا الأمر الإلهي رضيت (زينب) و أهـلها بهذا الزواج ، وَلم يجدوا بُدّاً من القبول بالأمر ، مُـتناسين كـل أشكال العار التي يمكن أنْ تلحق بنَسَبِهم على ألسنة الناس بعد ذلك .
عندما دخل (زيد) عليها ليلة الدّخلة ، تظاهرت العروسة بالكبرياء و العظمة أمام عريسها ، واستقذرته باسلوب لم يتحمّله العريــس ، فاشتكى (زيد) للنبيّ أمرها و ما كانت منها ، فنصـحه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و أمره بالصبر و الإحتمال . و بينما كانت ملامــح عدم الإنسجام و فقدان التفاهم تشتدّ يوماً بعد يوم بين العريس و عروسته ، كان الله سبحانه و تعالى قد أطْلَعَ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بكل شيء عـن هذا الزواج .. أطلعه بأسبابه وأسراره و نتائجه .
فقد عرف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنّ الله سبحانه و تعالى هو الذي يريد لهذا الزواج أنْ يتّسم بعدم الانسجام و التفاهم ، و أنّ الأمر بين العريس و عروسته سيؤول الى الطلاق عاجلاً أم آجلاً ، و أنّ عليه أنْ يتزوّج مِن مطلقة مُتبنّيه بعد ذلك ، ليتبيّن للناس جميعاً أنّ المتبنّي لم يعد في الإسلام ابناً لمن يتبنّاه و أنّ على الناس أن يتقبّلوا الأمر برحابة صدر ، لأنّه سيكون الواقع الجديد الذي يجب أنْ ينطـبع عليه أهل البادية .
روي عن (علي بن الحسين) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان قد أوحى اللهُ إليه أنّ (زيداً) يطلّق (زينب) و أنّه يتزوجها بتزويج الله إياها(31).
أدرك النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مـدى صعوبة الموقف الذي سـيتعرض له في هـذه المرحلة ، فكيف له أنْ يكاشف الناس بهذه الأسرار التي اُوحيت اليه في جُنح الخفاء ؟
و كيف له أنْ يواجه ردود أفعال الكافرين و المنافقين و شبهاتهم الباطلة التي سيثيرونها حول هذا الزواج ؟ و أيّ درجة من الحرج و الخجل ستكون من نصيب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، و هو يقدم على تنفيذ هذا الأمر الإلهي ؟
عَرفَ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنّه فـقط هو الذي ينبغي أنْ يضحّي مِن أجل تغييـر الواقع ، وإذا هو اليـوم لا يضحّي بأي شيء من أجل دين الله ، فكيــف له أن يعلّم الناس معنى التضحــية في المسـتقبل ؟
ولكن ماذا عساه أن يفعل أمام قضاء الله في خلقِهِ ؟ فقد قال تعالى للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) :
(يَـاأَيُّهَا النَّـبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لَا تُـطِـعِ الْكَافِرِينَ وَ الْمنَافِــقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَليمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَايُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَــوْفِهِ وَمَا جَعَــلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَــاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَــاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَــــوْلُكُمْ بِأَفْــوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُــولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّـــبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَــطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)(32).
أمر الله تعالى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالمضيّ قُدُماً في تنفيذ أمر الله ، و أنْ لا يأبه لِما سـيقوله الكافرون و المنافقون ، فقد أوضح له أنّهُ كما لا يكونُ للشخصِ الواحدِ قلبان في جوفهِ و لا تصير زوجتُهُ التي يُظاهرُ مِنها بقولهِ : (أنتِ عليَّ كظهرِ أمّي) اُمّاً له ، كذلك لا يَصيرُ الدّعيُّ ولداً للرجلِ إذا تبنّاه فدعاهُ إبناً لهُ(33).
حَدثَ كل شيء كما شاء الله تعالى ، فـقد آل زواج (زيد) و (زينب) الى الطلاق بعد سنة أو أكثر ، وَ تزوّج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من (زينب) مطلقة مُتبنّيه ، قال تعالى :
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَ طَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ كَانَ أَمْـرُ اللَّهِ قَــدَرًا مَــقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)(34)
وقد تُثار اليوم شُبهة لم يثرها حتى المنافقون وقتها ، و هي أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان متيّماً بـ (زينب) في نفسه وحقّق الله تعالى مطلبه ، بتطـليقها مِن (زيد) و تزويجـــها إيّاهُ ، زاعمين بأنّ الله قد عنى ذلك في الآية السابقة عندما قال :
(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)
حيث أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ـــ على حدّ زعمهم ـــ قد أخفى حبّهُ لـ (زينب) و الله أصلاً قد توعّد بإظهار هذا الحب للناس . ولكنّ هذا الأمر لا يمُتّ الى الحقيـقة التأريخية بصلة تُذكر ، فالشيء الذي أخفاه النبي (صلى الله عليه وسلم) في قلبه مع علمهِ اليقين بأنّ الله تعالى سيُظهره للناس و يجعَلهُ واقعاً ، هو جملة الحقائق والمفاجآت الغيبيّة التي إطّلعَ عليها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عن طريق الوحي و التي ستتمخّض عن هذا الزواج في المستقبل القريب ، الأمر الذي سيَسْتغربُه الناس و لا يتوقّعُه الكثيرُ منهم .
رَوى (ابن أبي حاتم) عن (علي بن زيد بن جدعان) ، قال : سألني علي بن الحسين (رض) ما يقولُ الحسن في قوله تـعالى : (وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ؟ فذكرتُ لهُ ، فقال : ( لا ، ولكن اللّه تعالى أعْلمَ نبيّه أنها سَتكون مِن أزواجه قبل أن يتزوّجها ، فلمّا أتاهُ زيدٌ رضي اللّه عنه ليشكوها إليهِ قال : إتّقِ اللّه وأمْسكْ عليك زوجك ، فقال : قد أخبَرْتُك أنّي مُزوّجُكها وتُخفي في نفسك ما اللّه مُبْديه)(35).
(.. الصواب أن يقول ــ أي المرء ــ أن الذي أخفاه ــ أي النبي (صلى الله عليه وسلم) ــ في نفسه هو ما أخبره الله به من أنها ــ أي زينب ــ ستصير إحدى زوجاته بعد طلاق زيد لها)(36)
ويُذكَر أنه لمّا تزوّجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تكلّم المنافقون ، فقالوا : حرّم محمّد نساء الولد و قد تزوج امرأة إبنه ، فأنزل الله تعالى :
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)(37)
وقال تعالى :
(ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)(38)
و صار إسم (زيد) منذ ذلك اليوم (زيد بن حارثة) بدلاً مِن (زيد بن محمد) . لقد حقق الله تعالى زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مِن (زينب بنت جحش) لثلاثة أسباب مهمّة :
(1) ثبّت الله تعالى بهذا الزواج مبدءاً تشريعيّاً مهمّاً في الإسلام ، و هو إلغاء نظام التبني الذي كان سائداً بين أهل البادية .
(2) أراد الله سبحانه و تعالى بأن لا تَشْعرَ (زينب) أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو المسئول عن الزجّ بها في زواج لم تكن تريده على الإطلاق .
(3) يقال إنّ (زينب) نفسها كانت راغبة في الزواج من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، حتى يُقال أنّ الآية الكريمة التالية قد نزلت في حقّها :
(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)(39)
و حسب هذا الرأي ، فإن الله سبحانه و تعالى حقق بهذا الزواج رغبة زينب في الزواج من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
حرّمَ الله تعالى (زيداً) مِن شرف الفوز بلـقب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وَ ردّه الله تعالى الى أصلِه كإبن لعبدٍ أسودٍ إسمهُ (حارثة) ، لكنه تعالى أكرمه بشئ آخر لم يكرم به أحداً من الصحابة لا قَبله و لا بَعده ، و هو ذِكْرُ إسمهِ صريحاً في القرآن الكريم .
( وفي ذكر اسم زَيْد صريحاً في القرآن دون غيرِه مِن الصحابة جَبْرٌ و تأنيسٌ لهُ وعوَضٌ مِن الفخر بأبوة محمّد (صلى الله عليه وسلم) ، فكان إسمُه قرآناً يُتلى في الدنيا و الآخرة على ألسنة البشر والملائكة و زاد في الآية أنْ قال :(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أي بالإيمان ، فَدَلّ على أنّه من أهل الجنة فعَلِمَ ذلك قبل موته ، فهذه فضيلة اخرى )(40).
· سبب سياسيّ :
و القـــصد مِن هذا الزواج هو خـــدمة دعوة الإســـلام و تَوفير الدّعـــم المعنـــوي لها . حيث حاول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بهذا الزواج أنْ يستلين قلوب أقوام يناصبون العداء للإسلام والمسلمين ، حاول أنْ يكسب ودّهم وعطفهم بمصاهرتهم ، و الزواج مِن فلذات أكبادِهم . لقد صاهرهُم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، أملاً في أنْ يُصهّر ما في قلوبِهم من حقدٍ وعداوةٍ على الدين الجديد .. و قد يندرج تحت هذا السبب زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من (اُم حبيبة بنت أبي ســفيان) و (صفية بنت حيي بن اخطب) و تسرّيه (صلى الله عليه وسلم) بالجارية (مارية القبطية) .
اُم حبيبة بنت أبي سفيان
إسمها (رملة بنت أبي سفيان) ، كانت ذات الحسب و النسب و المكانة في مكة وأبوها هو (أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية) الذي طالما ناصب الإسلام العداء ، وقاد أشدّ الحروب و المعارك ضد أتباع هذا الدين . أسْلَمَت (اُم حبيبة) و زوجها (عبيدالله بن جحش) و هاجرا الى الحبشة ، و في الحبشة غيّر زوجها دينه واعتنق النصرانية .
و عندما سمع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالأمر حزنَ حزناً شديداً ، و شغلَتْه مأساة الأرملة الوحيدة في المنفى ، و ديار الغربة . فالمسكينة قد حرّمت نفسها مِن أهلِها و قومِها بإسلامها وسلّمت مقاليد أمرها الى زوجها ، و ها هو الآن يأتي و في كل وقاحة يتخلّى عنها و في أرض المَهْجَر ، لِيترُكها غريبة وحيدة تتجرع مرارة الحزن وآلام القهر .
أراد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ يُواسيها و يعوّض لها عن حزنها و مرارتها في المنفى ، حيث أرسل الى نجاشيّ الحبشة يطلب إليه أن يخطب له (أم حبيبة) ، و ينشئ له مِنها عقد زواج إذا رضيَتْ ، و استبشرَت السيّدة بالخبر سروراً غامراً ، وَفرحة عظيمة ، وقام النجاشي بدعوة المسـلمين المهاجرين و أشهَدَهُم على عقدِ الزواج ودفع هو بنفسه مَهْر العروس مِن مالِه الخاص نيابة عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، و ظلت العروسة الجديدة بعيدة عن عريسها سنتَيْن مِن الزمان .
لقد حمل هذا الزواج كل المعاني الإنسانية في مضمونه ، كما كشف هذا الزواج في ثناياهُ عن رغبة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في مصاهرة آل (أبي سفيان) ، و التودّد إليهم ، على أملِ أنْ يَسْتعطف قلوبهم وعقولهم في إعتناق الإسلام . وفي هذا نزل قوله تعالى :
(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(41)
وما أن وصل الخبر الى (أبي سفيان) ، وهو على شِركٍ يومئذٍ ، حتى فرح في قلبه وقال : (ذلك الفَــحْل لا يُقْـدعُ أنفُه)(42). أيّ أن مثل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يُردّ صهره ، فهو كفءٌ كريمٌ تفخَر كلّ قبيلة بِمصاهرته وتزويجِه بناتها . ويُقال أنّ هذا الزواج نجح في إستمالة قلب (أبي سفيان) ، وساهم مع جملة عواملٍ اخرى في إسلامه وإسلام أولاده وأقاربه .
صفية بنت حُيي بن أخطب
كان أبوها ســيّد اليهود في بني النضير ، و كانت هي تحت (سـلام بن مشـكم) ثم خلف عليه (كنانة بن أبي الحقـيق) . و في غزوة خيبر التي دارت بين المسـلمين واليهود قَتل المسلمون أباها و أخاها و زوجها ، و وقعت هي في أيدي المسلمين بين السبيّ و الأسرى ، و رأى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنّ من الضروري أن لا يتزوج إبنةَ ملك اليهود سِوى صاحب منزلةٍ و مكانةٍ مِن المسلمين ، إذ لا يُعقل أن تترك المسكينة ، بعد ما كانت فيه مِن عِـزّ ورفاهيةٍ و رفعةٍ ، لِمن قد يسيء معاملتها أو يَضرب وجهها . و رأى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يُخيّرها بين إطلاق سراحها و إلحاقها بِقومها إنْ هي أرادت البقاء على يهــوديّتها ، و بين الزواج من شخصه (صلى الله عليه وسلم) إن أسْــلَمَتْ ، فقالت له : ( يا رسول الله ، لقد هويْتُ الإسلام وصدّقتُ بِك قبل أن تَدعُوني ، و خيّرْتَني بين الكفر و الإسلام ، فالله و رسوله أحَبّ إليّ من العِتق و مِن الرجوع إلى قومي ) . و تزوّجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وجعل مهْرَها هو تحريرَها مِن الأسر . و يُؤيّد هذا الرّأي رواية (دحية الكلبي) فقد قال للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم): (أعطني جارية من سبي اليهود) ، فقال له النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): (إذهَبْ فخُذ جارية) ، فذَهَب (دِحْية) فأخذ (صفية) ، فرآها الصحابة فقالوا : (يا رسول الله ، إنـّها سيّدة بني قريظة و بني النضير ، ما تَصْلح إلاّ لَك) فتزوّجها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لذلك السبب .
و قد حاول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ يتودّد بهذا الزواج الى قلوب اليهود ، مِمّن دأبوا على معاداة الإسلام و المسلمين ، لكنّ التاريخ يؤكّد أنّ هذا الزواج قد أخفق في تحقيق الهدف المنشود ، فما أضفت الأيّام الى قلوبِهم غير الحقدِ و روح المؤامرة .
جويرية بنت الحارث
هي (جويرية بنت الحارثِ الخزاعية المصطلقية) ، كانت إبنة زعيم بني المصطلق (الحارث بن أبي ضرار) وقد كانت قبل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عند ابن عمٍ لها يُدعى (عبدالله) . حارَبَ أبوها المسلمين ، و لحقَتْ بهِ هزيمةٌ نكراء في إحدى غزواتهِ مع المسلمين كادَتْ تتسبّب في فناء قبيلته ، فقد ســقط المئات مِـن بني المصطلـق أسـرى و منهم السيدة (جويرية بنت الحارث) ، وجاءت إليه فقالت : ( يا رسول الله ، أنا بنت الحارث سيّد قومِهِ وقَدْ أصابَني الأسْر والذلّ ، و وقَعْت في سهم (ثابت بن قيس) فكاتَبَني على تِسع أواقٍ فأعِنّي في فكاكي ) . كانت تطلب معاونة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في دفع المبْلغ المتفق عليهِ لتحريرها من الأسر . فقال لها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : (أوَلا تريدين خيْراً مِن ذلك؟) ، فسألته :(ما هو؟) ، فقال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) :(أؤَدّي عنكِ كتابكِ وأتزوّجك؟) ، فقالت : (نَعْم يارسول الله) .
كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يحاول بهذا الزواج التودّد الى بني المصطلق و كَسْبَ تأييدهم بعد الهزيمة التي ألحقها بهم .. يَذكرُ (ابن كثير) أنّ بني المصطلق كانوا أكبر بطون خزاعة وكانوا حلفاء لـ (أبي سفيان بن حرب) على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وكانوا ذوي تأثيرٍ كبيرٍ على مَن حولهم مِن القبائل ، وكان زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مِن (جويرية) بنت سيّد بني المصطلق مِن الأسباب الرئيسيّة لِتصدّع جبْهة (أبي سُفيان بن حرب) .
ولمّا إنصرف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مِن الغـزوة ومعه (جويرية بنت الحارث) دفعها إلى رجلٍ مِن الأنصار وديعةً وأمرهُ بالإحتفاظ بها ، وَقدم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة ، فأقبل أبوها (الحارث بن أبي ضرار) بفداء إبنته ولمّا كان بالعقيق تفقد الإبل التي جاء بها للفداء فافتقد بعيرَيْن مِنها كان قد غيّبهما في شعْبٍ من شِعاب العقيق ، و لمّا أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (يا محمّد أصبْتُم إبنتي وهذا فِداؤها) . فـقال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : (فأيْن البعيريْن اللذين غيّبت بالعقيق في شعب كذا و كذا ؟) . فقال (الحارث) : ( أشـهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله ، فوالله ما أطّلعَ على ذلك إلاّ الله تعالى ) . فأسلم (الحارث) ، و أسْلمَ معه إبنان و ناسٌ مِن قوْمه ، وأرسل إلى البعيريْن فجاء بهما و دفع الإبل إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، و دُفعَتْ إليه إبنته (جويرية) ، فأسْلمَتْ وخطَبها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى أبيها فزوّجهُ إيّاها .
و يُرْوى أنّ خبر زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ذاع بين الناس ، فأعتق المسـلمون من بأيديهم مِن الأسرى و كانوا زهـاء مائة أهل بيت مِن بني المصطلق ، و قــالوا : (أصهار رسول الله) .
كما يُروى عن عائشة (<) أنّها قالت : (فما نَعْلمُ امرأةً أعظم بركة على قومِها منها) . لقد أسـلم ناسٌ كـثيرون مِن بني المصطلق ، و انتـقلوا مِن خندق الأعـداء إلى خـندق حماية الدعــوة و الدين ، كما بدءوا يمارسون تأثيرهم على القبائل مِن حولهم و يؤمّـِنون حركة الذين آمنوا و تجارتهم بين القبائل .
يُروى أن السيدة (جويريّة) توفّيت سنة ( 56 ) للهجرة عَن عمر ناهز الخامس والستين عاماً . لقد حقق زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مِن السيدة (جويرية بنت الحارث) نتائج دعوية عظيمة لم تكن لتُحقّقها الجيوش الجرارة و الحروب الطاحنة .
مارية القبطيّة
كانت جارية أهداها (المقوقس) أميرُ مصر الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، و ذلك بعد أن تلقّى رسالته (صلى الله عليه وسلم) والتي دعاهُ فيها الى الإسلام ضمن الحملة السماوية في مكاتبة ملوك الأرض و أمرائها . لقد قرأ المقوقس كتاب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و تفهّم كل ما يدعو إليه ، و أبدى إحترامه و إعجابه به (صلى الله عليه وسلم) و دينِه الذي يدعو إليه ، و أكرم حامل رسالتِه و بعث للنبي معهُ بِجاريتَين لهما مكانة عظيمة بين الأقباط . كانت (مارية) إحدى هاتيْن الجاريتيْن وقد تسرّى بها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وجاء منها بولده (ابراهيم) كما أشرْنا سابقاً ، و الأخرى أعطاها لـ (حسان بن ثابت) .
لم يستطع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنْ يرفض هدية المقوقس بعد الإحترام الذي أبداه تجاه الإسلام و المسلمين ، على خلافِ بعض الملوك ممّن تلقوا كتاب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ضمن هذه الحملة وتفوهوا بالشتائم في حق النبي و الإسلام . و يقال أنّ قلب (المقوقس) قد مال إلى الإسلام كثيراً ، لكنه لم يسـتطع أنْ يواجه الواقع بإعلان ميوله . و كان مِن دلائل إعجابه المفــرط بدين الإسـلام ، أنّه أغمض عيْنه عن (النجاشي) حينما امتنع عن دفع الجزية له ، و التي كان يدفعها قبل ذلك ، إذ كان يعلم أنّ قلب (النجاشي) مائلٌ للإسلام مثل قلبه .
· سبب تعليميّ :
أراد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مِن خلال التعدّد في زيجاتهِ أنْ يُكثر من أيادٍ أمينة في بيتهِ ، لتنقل للناس الأجزاء المبهمة مِن سنّته و أفعالهُ التي تحدث في خفايا حجراته ، وتكشف لهم في الوقت نفسهِ أسرار حياته الخاصة بدقة متناهية ، حتى لا تضيع سننه وتعاليمه بعد رحيله (صلى الله عليه وسلم) .
كما ساهم هذا التعدّد في إيصال أسئلة نساء المسلمين الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فيما يتعلق بأمـور حياتهن الجنسـية ، و أصول الجماع ، و آداب الحيض و النفاس ، و من ثم يتسنّى لهنّ الحصول على الأجوبة الوافية لهذه الأسئلة ، حيث عملَتْ نساء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كوسائط بينه (صلى الله عليه وسلم) و نساء المسلمين ، و كان يُرجع إليهنّ في الكثير من العلوم الإسلامية كالفقهِ و القرآن والتفسير و السِّيَر . و لهذا أمر الله سبحانه و تعالى نساء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بإلزام البيت النبوي ، و التقاط كل صغيرة وكبيرة تحدث في خفاياه ، ومِن ثم القيـام بنقل كل ذلك للناس بحرص و أمانة . يقول تعالى :
( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا )(43)
يقول (ابن كثير) في تفسيره :
( .. أي واعْمَلْن بما يُنزّل اللّه تبارك و تعالى على رسـوله (صلى الله عليه وسلم) في بيوتكنّ مِن الكتاب والسـنّة ، واذكرْنَ هذه النعمة التي خصّصتُنّ بِها مِن بيْن الناس ، أنّ الوحي ينزلُ في بيوتكنّ دون سائر الناس ، و عائشة بنت الصديق (<) أولاهنّ بهذه النعمة ، فإنّه لمْ ينزل على رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) الوحي في فراش امرأة سواها كما نصّ على ذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فناسَبَ أنْ تخصّص بهذه المزيّة ، و أنْ تفرّدَ بهذه المرتبة العليّة ) .
و يقول (الطبري) في تفسيره :
( .. يقول الله تعالى لأزواج نبيّه (صلى الله عليه وسلم) : و اذكرْنَ نعمة الله علـيكنّ ، بأن جعلكنّ فـي بـيوت تُتلـى فـيها آيات الله والـحكمة ، فـاشكرْنَ الله علـى ذلك ، و احمُدْنهُ علـيه وعنى بقوله : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلَـى فِـي بُـيُوتِكُنّ مِنْ آياتِ اللّهِ) أيّ و اذكرن ما يُقرأ فـي بـيوتكنّ مِن آيات كتاب الله و الـحكمة ويعنـي بــ (الـحِكمة) ما أُوحي إلـى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مِن أحكام دين الله ، و لـم ينزل به قرآن وذلك السُّنة و بنـحوِ الذي قُلْنا فـي ذلك قالَ أهلُ التأويـل ) .
و قد روي لعائشة (<) عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) (1210) حديثاً ، اتفق البخاري ومسلم مِنها على (174) حديثاً ، وإنفرد الأول بـِ (54) حديثاً والثاني بـِ (170) حديثاً ، وَروى عنها خلق كثير من الصحابة و التابعين . وقد روى (الحاكم) و (أبو عمرو) و (ابن الجوزي) عن (الزهري) قال : (لو جُمعَ علم الناس كلّهم ثم عِلْمُ أزواجِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لكانت عائشة أوْسعهُم عِلْماً)(44).
و أخيراً ... لقد حاولت أن أقدّم في هذه السّطور توضيحاً متواضعاً لأسباب و دوافع التعدد في زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، و كلّي أملٌ أنْ أكون قد وُفّقت في تقديم هذا البحث و الخيار الأول والأخير في الاقتناع بوجهات نظري يعود للقارئ الكريم فإمّا أن يقـتنع بِرأيي أو لا يقتنع .
و لكن أريدُ أنْ ألفتَ الإنتباه الى أنّ الموضوعية والمراجع التاريخية هي التي يجب أنْ تتحكّم في قراراتنا و أحكامِنا ، بحقّ مثل هذه القضايا و ليست الأهواء و سَبْق الترصّد و الإقرار .
لا داعي للتعليق على هذه الأسباب و الدوافع أكثر من اللزوم ، فالقارئ الكريم يمكنُ لهُ و بنفسهِ أنْ يرسُمَ في مخيّلته شخصية النـبي محمد (صلى الله عليه وسلم) و أبعادها الإجـتماعية ، إذا ما اقتنع بوجهة نظـرنا .
و قد يكون هـناك مَن يطعن في زواج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، و يثير ألف شـبهة حول موضوع التعــدد ، ولكن لا ننسى في الوقت ذاته ، أنّ الكــثير مِـن الكُتّاب و الباحـثين يـروْن أنّ موْضوع التعـــدّد هذا لا يوحي في حقيقـتـهِ الإلهـية إلاّ بزواج نبوة و رسالةٍ ودعوةٍ ، لا أكثرَ ولا أقلّ .
(إنتهت)
(1) العهد القديم هو كتاب اليهود (التوراة) ويعتبره المسـلمون محرّفاً لا يصحّ الأخذ بمضامينه وَرواياته .
(2) سفر التكوين 9 / 18
(3) سفر التكوين 19
(4) سفر الخروج 4 / 10
(5) سفر الخروج 4 / 32
(6) سفر صموئيل الأول .
(7) سفر صموئيل الثاني .
(8) رواه ابن سعد في الطبقات (8/161) عن مجاهد .
(9) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/154) عن ابن عباس (رضي الله عنه) .
(10) أخرجه البخاري و مسلم عن ابن عباس (رضي الله عنه) .
(11) أخرجه البخاري و مسلم عن أم حبيبة (رضي الله عنها) .
(12) و الجدير بالذكر أنّ الجارية (أي الأمة) تختلف عن الزوجة ، فليس لها من الحقوق ما للزوجة وليس لزاماً على الرجل أنْ يعدل بين جواريه في النفقة والكسوة .
(13) سورة النساء .. الآية (3)
(14) ورد في مسند أحمد : أن (غيلان ابن سلمة الثقفي) أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) اختر منهن أربعاً . كما ورد في سنن ابن ماجه : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا هشيم عن ابن أبي ليلى ، عن حميضة بنت الشمردل ، عن قيس بن الحارث ، قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة . فأتيت النبي محمد (صلى الله عليه وسلمspan>) فقلت ذلك له .. فقال (اختر منهن أربعاً) .
(15) سورة الأحزاب .. الآية (50 – 51)
(16) سورة الأحزاب .. الآية (6) .
(17) سورة الأحزاب .. الآية (53) .
(18) سورة قاف .. الآية (29) .
(19) سورة الأحزاب .. الآية (30) .
(20) قيل أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يدخل بالسيدة (سودة) إلاّ بعد (عائشة) .
(21) سورة الأحزاب .. الآية (52).
(22) أنظر تفسير القرطبي للآية الكريمة .
(23) انظر تفسير الطبري للآية الكريمة : (حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ــ لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ ... إلـى قوله : إلاّ ما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ ـــ قال : لـما خيرهنّ ، فـاخترن الله و رسوله والدار الاَخرة قَصّره علـيهنّ ، فقال : لايَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ .. وهنّ التسع التـي اخترن الله و رسوله)
(24) سورة الاحزاب .. الآية (28-29).
(25) سورة الأحزاب .. الآية (28-34).
(26) إنّ زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) اللـواتي طلقهنّ و تزوّجن بعد ذلك لم يكن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد دخل بهنّ ، فهنّ بذلك لايكنّ في منزلة أمهات المؤمنين ومن حقهنّ أن يتزوجن بعد طلاقهنّ من النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى لا تضيع حقوقهنّ الجنسية بعد الطلاق .. فيروى أنّ (بنت النعمان بن الجون) حينما طلقها النبي (صلى الله عليه وسلم) وسرَحها الى أهلها ، تزوجت بعد ذلك من (أبي أمية المخزومي) ، فأراد (عمر) أنْ يحدّه ، فقالت : لم يدخل الرسول بيّ ، و أقامت البينة على ذلك . كما يروى أنّ (قتيلة بنت قيس) لما خيّرها النبي (صلى الله عليه وسلم) فاختارت الدنيا و طلقها النبي تزوجت بعد ذلك من (عكرمة بن أبي لهب) فبلغ ذلك (أبابكر) فقال : همَمْتُ أن أحرق عليها بيتها ، فقال له (عمر) : ماهي مِن أمهات المؤمنين ، و ما دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و لا ضُرب عليها الحجاب . للمزيد انظر كتاب زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) وآل البيت للشيخ محمد متولي الشعراوي ص235 .
(27) سورة الرعد .. الآية (38) .
(28) سورة الفرقان .. الآية (20) .
(29) سورة الأحزاب .. الآية (36) .
(30) أنظر تفسير القرطبي و ابن كثير للآية الكريمة .
(31) الصاوي ، أحمد : تفسير الصاوي على الجلالين ، (مطبعة دار إحياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابي الحلبي و شركاه ، بدون ذكر سنة الطبع و المكان) 3 / 231 .
(32) سورة الاحزاب .. الآية (1-5) .
(33) انظر تفسير ابن كثير للآية الكريمة .
(34) سورة الاحزاب .. الآية (37-39) .
(35) نفس المصدر / أنظر تفسير الآية الكريمة .
(36) تفسير الصاوي على الجلالين 3 / 231 .
(37)span> سورة الاحزاب .. الآية (40) .
(38) سورة الاحزاب .. الآية (5) .
(39) سورة الاحزاب .. الآية (50) .
(40) نفس المصدر 3 / 232 .
(41) سورة الممتحنة .. الآية (7).
(42) (يقدع) بالدال غير المعجمة ، يقال : هذا فحل لا يُقدع أنفه ، أي لايُضرب أنفه . وذلك إذا كان الشخص المقصود كريماً ، انظر تفسير القرطبي للآية .
(43) سورة الاحزاب .. الآية (33- 34).
(44)/span> رواه الحاكم في المستدرك (4/11) و سكت عنه و قال الذهبي : على شرط البخاري و مسلم.