صناعة العقول

وخطر البث الموجه للأطفال

د. عصام مرتجى- غزة

[email protected]

لقد ثبت بالتجربة أن التعليم بالملاحظة هو أفضل الأساليب لتوصيل المبادئ المستهدفة في عملية التربية و التعلم لأنه يعتمد على التقليد والمحاكاة. فالتعلم بالملاحظة هو مصدر رئيس لتغذية القواعد و المبادئ في نفسية المستهدف من هذه العملية الموجهة.

لقد انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من القنوات الفضائية التي تستهدف قطاع الأطفال، و هي تجذب الأطفال بشكل كبير و يتقمص الأطفال الشخوص و السلوكيات التي يطرحها البرنامج،  فالأطفال الذين يتابعون هذه البرامج هم في سن تتجلى فيه عملية الاكتساب و التقليد فهم و بدون إدراك يقلدون التصرفات و  الملابس، الحركات ، الأغاني التي يشاهدونها يومياً، والإنسان يألف و أحباناً يعشق ما يراه يومياً.

ما من شك إن هناك بعض الترفيه في هذه البرامج، و تترك المجال للطفل ليُحلق في خياله و يمارس عملية الترفيه و يسرح بالخيال مع الشخصيات الكرتونية التي يشاهدها. وكذلك يوجد جانب تعلمي من هذه البرامج ، فبعض البرامج القديمة مثل "توم وجيري و بوباي... الخ" كان لها هدف لتعليم أساسيات في الحياة كالقوة والضعف و الذكاء و الغباء و الفوائد من الطعام و الفواكه و الحليب ... الخ

لكن الأخطر الآن هو أن هذه المواقع التي تستهدف الأطفال و أفلام الكرتون التي تبث، أصبحت تستخدم لتغذية العقول و صناعتها وفق مفاهيم و سلوكيات غريبة وبعيدة كل البعد عن مجتمعاتنا و ثقافتنا العربية و الإسلامية، بحيث أنها تؤثر في شخصية المتلقي و تغذي لديه قناعات يتم اختزانها في ذاكرته و كأنها مسلمات وبديهيات موجودة في مجتمعه.

لقد لاحظت من خلال متابعتي لأطفالي و هم يشاهدون قنوات الأطفال تعلقهم بإحدى القنوات هي قناة "نيكولوديون" ، و أذكرها لأنها واسعة الانتشار في مجتمعنا وهي تمارس هدف موجه وواضح يحمل و بالشكل المعرَّب أهداف غربية و مصطلحات غربية و أخلاق غربية.

فأغلب الأفكار المستخدمة في أفلام الكرتون لهذه القناة تحمل في طياتها سلوكيات بعيدة كل البعد عن مجتمعاتنا العربية و الإسلامية  المحافظة ، فاللباس للشخوص هو لباس غربي (قصات الشعر، لباس البحر، لباس الأب ، لباس الأم ..)، حتى أن مصطلحات الأب و الأم أحيانا لا يوجد ... فتجد مصطلح "هذا صديق أمي ، هذه صديقة أبي" ...

وحتى للأطفال تجد توجيه الطفل لمبدأ العلاقة و الصداقة بين الولد و البنت من مراحل مبكرة و وفقاً للمفهوم الغربي ، حتى أن بعض المناظر في فيلم الكرتون تحتوي على " حضن، وقبلات حميمة ..." و من يريد الاستيضاح أكثر فهذا يتجلى في برنامج يبث على قناة نيكولوديون يسمى (حكايات جينجر).

كذلك المناسبات و الأعياد التي تعلم للطفل العربي من خلال هذه القنوات الناطقة بالعربية ، تعتمد أفراح و مناسبات الغرب و ما يغذى فيه من عادات و تقاليد غربية، فتجد في فيلم الكرتون مصطلحات "سنحتفل بالكريسمس" "شجرة الميلاد"،"باابا نويل" ، "سنشرب منقوع التفاح" ، "نبيذ، جعة" "انه مسكور"... الخ

كل هذا يوجه لأطفالنا و يتم صناعة عقولهم بشكل بطيء و على نار هادئة، و يتم تغذيتهم بمصطلحات غربية و تقاليد و عادات بعيدة كل البعد عن عاداتنا و تقاليدنا و ديننا .

هذا الخطر الموجه لأطفالنا و الذي يغزو بيوتنا يتطلب وقفة جماعية لمحاربة هكذا قنوات و منع بثها لمناطقنا و محاسبة المسئول عن جلبها لبيوتنا، و كذلك يتطلب العمل بتوعية الأهالي و الآباء من خلال البرامج التلفزيونية و المدارس و بإشراف وزارة التربية و التعليم و كذلك وزارة الإعلام لخطورة هذه القنوات و البرامج، وضرورة متابعة الأطفال و القنوات التي يشاهدونها .

هذا الخطر المبرمج لغزو عقولنا علينا أن لا نتوانى في محاربته وإلا خسرنا أنفسنا و خسرنا أولادنا و مستقبلنا القادم بهم.