تحريم الختان .. واستقلال الأمة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
أعلنت إحدى المحاميات عن تطوعها للدفاع عن الطفلة " بدور " التى قضت ، وهى تجرى عملية ختان فى إحدى العيادات بسبب جرعة التخدير الزائدة أو الإهمال . بالطبع هذه المحامية لم تعلن عن تطوعها للدفاع عن عشرات الأطفال من الصبيان والبنات الذين أغرقتهم العبّارة السلام 98 مع آبائهم وأمهاتهم الذين تجاوزوا أكثر من ألف مصرى بائس كانوا قادمين إلى الوطن الذى شرّدهم فى فجاج الأرض بحثاً عن الرزق أو اللقمة المغموسة بالعذاب والعناء ! وذلك لأن صاحب العبارة ينتمى إلى الصفوة الحاكمة بالحديد والنار والقوانين المفصلة على حجمها ورغبتها !
كما أعلنت بعض الجهات عن تدشين حملة " قومية " (!) لمناهضة ختان الإناث ، بعد أن أصدر مفتى السلطة فتواه الحرام بتحريم الختان ، وأعلن بيان صادر عن مجمع البحوث الإسلامية عن تأييد هذه الفتوى الحرام ، وظهر شيخ معمم ممن يحبون المال حبا جما ، ولو كان حراماً ، على شاشة التلفزة ليقول إن موضوع الختان لاوجود له فى كتب الفقه أو الشريعة ، بل زعم أنه لا أصل له فى الإسلام !
وكان وزير الصحة الذى اعترف قبل أيام قليلة من أول هذا الشهر ( يوليو 2007م ) بوجود حالات تسمم بين أطفال إحدى القرى فى الصعيد بسبب تلوث المياه ، يعلن عن معاقبة كل من يجرى عملية الختان فى العيادات أو المستشفيات ، والطريف أن الصعيد قدم لنا فى الوقت ذاته جلاداً سحق المتظاهرين فى ميدان التحرير وقاد قوات القمع والضرب والسحل وهتك أعراض الصحفيات أمام نقابة الصحفيين ، وداس جلادوه الصغار على وجه قاض أمام نادى القضاة بعد أن أوسعوه ضرباً وسحلوه فى الشارع وشحنوه فى سيارات الأمن المركزى مثل المجرمين إلى حيث التحقيق معه ، هذا الجلاد الذى صار مسئولا قاد مظاهرة ( شعبية ) صعيدية تضامنا من أجل الطفلة " بدور " !
أما هوانم الصالونات ووصيفات الحرملك وكتّاب البلاط ، فقد طالبن بسنّ قانون من خلال مجلس الشعب ، لتحريم الختان ، وتجريم من يقوم به سواء كان ولى الأمر أو الطبيب أو غيرهما .
وفى الأهرام الصادرة يوم الثلاثاء ( 10/7/2007م ) ، أعلنت منظمة " بلان ألمانيا " والسفارة الهولندية فى القاهرة عن تقديم " مليون دولار = ستة ملايين جنيه تقريبا " لتنفيذ مشروع ختان الإناث ودعم تمكين المرأة (؟) فى محافظات القاهرة والقليوبية والجيزة والبحيرة . والمشروع يتضمن – كما قالت الجريدة الحكومية – إطلاق حملة وبرامج لتوعية المواطنين بجميع محطات مترو الأنفاق من خلال إذاعة لقطات تسجيلية تظهر مدى خطورة هذه الظاهرة وآثارها السلبية سواء الصحية والاجتماعية من خلال رأى علماء الدين والأطباء .
بالطبع فإن السفارة الهولندية بالقاهرة ، أو بلان ألمانيا ، لا يعنيها أن توجه المنحة " المليون دولار " إلى تحسين وضع مياه الشرب في قرى مصر ومدنها ، وهو الوضع الذي يزرى بالمرأة المصرية والفتاة المصرية التى تبحث عن المياه بالجرادل والبلاليص في أبعد الأماكن ، أو تضطر إلى شرب المياه الملوثة من الآبار والترع والمصارف ، واستخدامها في الاستعمال اليومي .
هناك من يبحث عن قضايا تافهة لم تغير بنية المجتمع المصرى منذ سبعة آلاف سنة وقبل دخول مصر في الإسلام ، مثل قضية الختان ، ويترك عمدا قضايا أخرى مهمة وملحّة وحيويّة ، مثل توفير المياه الصالحة للشرب التى اضطرت مؤخرا مجموعة من القرى والمدن في منطقة البرلس محرومة منها للعصيان المدنى ، وقطع الطريق الدولى لمدة اثنتى عشرة ساعة ، وتوقفت حركة السيارات والبشر ، حتى وصلت المياه بيوت المواطنين، فأطلقوا سراح المحصورين من السيارات والبشر ، وانتهى الأمر في البرلس ، لتظهر المشكلة دون حل في مناطق أخرى عديدة بأنحاء الدولة !
سفارة هولنده أو منظمة بلان ألمانيا ، أو منظمات المجتمع المدني الغربية لا يهمها أن تسهم في في حل المشكلات الحقيقية للمجتمع المصرى أو المجتمعات العربية أو الإفريقية أو الآسيوية ، لأنها تحمل مشروعا تعرفه جيدا وتعمل من أجله بكل حرفية ودقة ، يمكن تلخيصه في كلمة واحد’ " اسمها " التغريب " الذي يقود بالضرورة إلى التخلى عن هوية الأمة وخصائصها واستقلالها لصالح التبعية للدول الاستعمارية المتوحشة ، التي تعمل على نهب شعوبنا واستغلالها وحرمانها من الحرية الحقيقية والسلوك القويم والبناء الحقيقي للإنسان والمجتمع !
ويخطئ من يتصور أن إثارة هذه القضايا التى لا تعني الناس في مصر أو العالم العربي ؛ نوع من الصراع بين فريقين في المجتمع ، من يسمونهم بالإسلاميين او الأصوليين ، ومن ينعتونهم بالليبراليين أو المستنيرين ، فالمسالة أبعد من ذلك ، لأن الغرب الصليبي الاستعمارى المتوحش ، يعلم جيدا أن " الإسلام " هو عنصر المقاومة الحقيقي لمشروعاته الشيطانية ضد امتنا وضد وجودها المستقل ، لذا يسميه الإرهاب أو الأصولية ، ويردد خدامه من المعادين للإسلام ما يشيعه من مصطلحات مجرمة وآثمة . وما بالك بمن يسمى الإسلا م بالإظلام ؟ أو الظلام ؟ ، ويسمى الإسلاميين بالظلاميين ؟
إن المسالة ليست تعصبا للختان أو رفضا له ، بقدر ما هى صراع بين فريق يدافع عن إسلامه أمام الاستباحة المدججة بقوة السلطة الغشوم التى تحشد علماء السلطة وفقهاء الشرطة ، والإعلام الذي تهيمن عليه بالأبواق المأجورة ، مع الدعم العلنى من مؤسسات غربية استعمارية ، لا تخفى أهدافها ، ولا تتستر عليها ، وفربق لا يعنيه إلا تنفيذ الأجندة الغربية الاستعمارية بحذافيرها ، ولا مانع لديه من استخدام الوسائل الخسيسة المنافية للعلم والجدل المنطقى والحوار الموضوعي .
إن المواثيق الدولية والمعاهدات الحكومية وحقوق الإنسان التى تواضع عليها الغرب الاستعمارى ؛ ليست بالضرورة متطابقة مع واقعنا وقيمنا ومعتقداتنا . ويوم حكمت إحدى المحاكم المصرية بتطليق امرأة نصرانية من زوجها النصراني ، فإن الأنبا شنودة – رئيس الكنيسة المصرية – رفض هذا الحكم لأنه يخالف ما جاء في الإنجيل حسب مفهومه .. يومها لم ينطق أحد من الليبراليين أو المستنيرين .. ولكنهم يفتحون أفواههم للإفتاء في الإسلام دون علم ودون فقه ، مع أن بعضهم لا يعرف فرائض الوضوء ، أو عدد ركعات الصبح أو الظهر .
أعجبنى ما قاله " ضياء رشوان" في تساؤله الدال:
" فهل يظن معارضو الختان أنه العقبة الوحيدة أمام حصول المرأة المصرية على حقها في الاستمتاع بعلاقتها الحميمة مع زوجها ؟ ألا يعوق دون الوصول إلى هذا الاستمتاع عشرات من العقبات الأخرى ؛ من بطالة متفشية بين الجنسين ، وأزمة خانقة ، وغلاء فاحش في أسعار المساكن ، وفقر يتفشى بين عموم المصريين بما يحول دون قدرتهم على الزواج أصلا ، بما يرفع نسبة العنوسة بين الفتيات والرجال إلى أعلى نسبة في التاريخ المعاصر لمصر ؟ .." ( المصرى اليوم 9/7/2007م)
ثم إن القضية ليست زيادة في الإسلام بإجراء الختان ، ونقصانا له بتركه ، ولكنه من الأمور المباحة التى ينبغى أن تتم لمن يريد تحت إشراف طبى أو بمعرفة الأطباء .. ولكن المشكلة الحقيقية هى إثارة مشكلة لم تزعزع البنيان الاجتماعى الشعبي على مدى سبعة آلاف سنة ، مع ترك قضايا أكثر أهمية وإلحاحا ، لنزوّق صورتنا أمام الغرب الصليبي الاستعمارى الذي يقتل المئات يوميا وعلى مدار الساعة في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال وغيرها بدم بارد .. فهل تعنيه حقا قضية بدور " ؟ وهل تعنى قضية بدور حكومتنا فعلا ؟ إن العشرات يموتون يوميا على قارعة الطريق في بلدنا وفي المستشفيات ومن خلال الحوادث ومن الجوع وأمراض الفشل الكبدى والكلوي والسرطان الذي جاء به وزراء الزراعة في الأسمدة السامة والمبيدات القاتلة والهرمونات المؤذية .. بيد أن السلطة البوليسية الفاشية يعنيها أمر واحد فقط ؛ هو استئصال الإسلام حتى يرضى عنها الغرب الصليبي الاستعمارى والصهاينة الغزاة اليهود ، وما هم براضين أبدا !!
ويكفي أن السلطة البوليسية الغشوم تفتح واحدة من أكبر جامعاتها أمام حاخام يهودى إرهابي لينتقص من الإسلام وينشر الأكاذيب المخالفة للقرآن الكريم ، وفي الوقت نفسه تغلق أبواب كل الجامعات أمام علماء الإسلام ودعاته ومن تشم فيه رائحة الإسلام !!!!
إن الدفاع عن قضايا الإسلام أمام الاستباحة الاستعمارية ، هو دفاع عن استقلال الأمة وشرفها وكرامتها!