العقل بين الميتافيزيقيا ...
وطرائق التشكّل
د
. حمزة رستناوي*قراءة نقدية في مقال الشاعر عباس حيروقة "العقل هو البرهان.. و مرجعية البداهة الكونية" و المقال موضوع التعليق مثبت في نهاية القراءة
سأقف في مقالي هذا عند ثلاث نقاط أثارها الصديق الشاعر عباس حيروقة في مقاله"العقل هو البرهان ..و مرجعية البداهة"
* النقطة الأولى : يرى حيروقة " أن هناك بوناً شاسعاً بين العقل والدين .. وكلاهما يحاول أن يؤكد ويعزز أدواته في سبيل إضعاف و زعزعة الآخر .. "
أقول :
الاختلاف بين الدين و العلم هو اختلاف في طرائق التشكل و ظروف التشكّل
فالعلم و الدين كلاهما بعدي وجود الكينونة الاجتماعية
فعلمنة الدين , و تديين العلم , كلاهما ينافي مرجعية البداهة الكلية و المنطق البرهاني , حيث أن البعد العقائدي للكينونة الاجتماعية يتحوّى في مرجعيات عقدية فئوية لا تلزم إلا الموالين لها. و لكي تكون حيوية عليها ألا تتنافى مع مرجعية البداهة الكلية و المنطق البرهاني, و ليس تتطابق معها.
بينما البعد العلمي للكينونة الاجتماعية يتحوّى مرجعية البداهة الكلية و المنطق البرهاني , و لا يوجد مرجعيات عقدية فئوية علمية.
فمرجعية البداهة الكلية و المنطق البرهاني هي الحكم في كلا الحالتين
مع الأخذ بعين الاعتبار أن البعد العقائدي يتناول في كثير من الأحيان قضايا مستحلية البرهان.
و هو بعد- البعد العقائدي- يعنى أساسا بصلاحيات الحياة و "ما بعد الحياة" و حيويته ليست في علميته بل في صلاحياته النفسية و الاجتماعية ..الخ.
و أما العقل و العقلانية مشروطة بمرجعية البداهة الكلية المنطق البرهاني .
فهناك كثير من الايديلوجيات و الفلسفات و وجهات النظر التي تدّعي العقلانية و تسوّق نفسها باسم العلم ,بل و قد تبرر استبدادها كذلك..الخ
ما أود التركيز عليه , و لا أختلف معك في ذلك, هو ربط العقل بمرجعية البداهة الكلية و المنطق البرهاني , و عدم إلزام الناس بما لا تلزمهم هذه المرجعية.
* النقطة الثانية : يرى حيروقة أن " العقل جوهر من حيث هو مركز تدور في أمدائه مفردات الوجود … العقل من حيث هو منتج بدهي لكل ما هو عليه أو له و الذي لم ينتجه فهو شريك في إنتاج على الأقل من حيث إيجاد الاسم له .. العقل الفعال أو الكلي هو الصانع الواجد الخالق المعزز لمفردات الكون .. وهو مطلق ومعلم الأسماء أيضاً . "
انتهى الاقتباس
أقول:
"كيف يكون العقل جوهر و هو كينونة ,شكل/طريقة تشكّل و صيرورة حركية احتمالية نسبية تتحوّى مصالح و صلاحية تبعا لشروط و طرائق تشكل الكينونة.
فالعقل كمفهوم يوجد في صيغة عقول: عقل عيّوش ..عقل حمزة ..عقل عباس..عقل جاك..الخ
و الفلاسفة كمشتغلتين ذوي مرجعية هي العقل : متفاوتون و مختلفون أشد الاختلاف في طرائق تشكّل عقولهم و طروحاتهم الفلسفية..و تاريخ الفلسفة برهان ذلك.
و الإنسان الطفل يكتسب تقنيات و مهارات التفكير العقلي اكتسابا, ليس من جوهر الطفل "العقل" بمعناه الشائع؟!
فهو صيرورة ..و هذا الطفل قد يتعرض لأذية دماغية تفقده "العقل"؟!
و هل القطط لا تملك عقل على سبيل المثال؟
و كذلك شجرة الفاصولياء ؟
و ما هو عقل التلفيزيون أو الحجر؟
الصديق حيروقة يستخدم في توصيفه لغة شعرية مشبعة بنظرية وحدة الوجود ,متأثرة بالتراث الأرسطي
يؤله العقل؟
و من المفيد هنا البحث عن جذور مقولة العقل الفعال التي يعرضها الصديق حيروقة؟
فالعقل الفعّال – وفق أرسطو- هو عقل مفارق للمادة لا يفنى خالد, اشتق من الإله الأرسطي المستقيل المكتفي بعقل ذاته؟
و قد خضع هذا العقل لتأويلات من قبل المدرسة الأفلاطونية المحدثة جعلت من العقل الفعال الذي قال به أرسطو عقلا من جملة العقول السماوية
ووفق ابن رشد "وهذا العقل الفعال الذي هو الصورة الأخيرة لنا ليس يعقل تارة ولا يعقل أخرى، ولا هو موجود في زمان دون زمان، بل لم يزل ولا يزال، وهذا إذا فارق البدن فهو غير مائت ضرورة، وهو بعينه الذي يعقل المعقولات التي هاهنا عند انضمامه إلى العقل الهيولاني لكنه إذا فارق العقل الهيولانى لا يقدر أن يعقل شيئا مما هاهنا" "1"
ووفق الفارابي كشارح لفلسفة أرسطو إن واجب الوجود
"من تعقله لذاته يفيض عنه عقل أول، يكفي أن يعقل واجب الوجود ذاته حتى يصدر عنه عقل أول أي فعل التعقل فعل مبدع يصدر على سبيل الضرورة لا الإرادة والقصد. يصدر عقل من تعقله لما فوقه يصدر عقل آخر ومن تعقله لذاته يصدر فلك..الخ العقل الأخير هو العقل الفعال والفلك الخاص به فلك القمر.""2 "
فالعقل هو عقول ثلاثة في المنظومة الأرسطية "العقل الفعال- العقل بالقوة- العقل بالفعل
"و ينبغي أن تعلم أن ثاسطيوس وغالب المفسرين يرون إن العقل الذي فينا مركب من العقل الذي بالقوة والعقل الذي بالفعل، أعنى الفعال من جهة ما هو مركب لا يعقل ذاته ويعقل ما هاهنا إذا انضمت إليه المعاني الخيالية، وإن من قبل فساد هذه المعاني يعرض لمعقولاته أن تفسد ويعرض لها النسيان والخطأ، ويتأولان مثل هذا المعنى قول أرسطو" "3"
و العقل الفعال يقابله – في المنظومة الأرسطية العقل بالقوة " الهيولي " و هو قابلية التعقل أي العقل بالقوة القابل للوجود , و هذا يصبح عاقلا"العقل بالفعل" بعد تحقق المعقولات فيه.
فالعقل الفعال في إحدى وجوهه هو مصادرة يمكن التسليم بها جدلا لاستخدامها في منهج البحث؟
و في قراءة أخرى مجرد مقولة ميتافيزيقية؟
و هو – أي العقل الفعال- شكل و طريقة تشكل و صيرورة حركية احتمالية نسبية يعرض لمصالح مضى عصرها.
يرى الصديق حيروقة العلاقة بين الالهيين و العقلانيين عبر منظور منطق الثائيات
لاحظ قوله: " الأنسانوية من حيث اشتغالها على العقل الفعال بغض النظر عن مناسبة تدشينها .. فهي لا تتعارض مع الإلوهية إلا فيما يسن من سنن من شأنها إقصاء العقل جانباً أو من حيث فكرتها , وفيما يذهب البعض أنها قائمة على الغيبية .. بل الإلاهيوون هم الذين يتعارضون معهم ويصدرونهم على أنهم مخربون , مفسدون ..الخ , العقليون أدواتهم الحوار والحجة والبرهان و الإلهيون يجادلون بالغيبيات و.. الخ "
انتهى الاقتباس
أقول:
كلا الإلهيون و العقليون على اعتبارهم بشرا يفسدون و يخرّبون و يحاورون و يحاججون و يحسنون و يبدعون ...الخ
فهم بشر تعتورهم طريقة تشكل بشرية ؟
و العقلانيون في صيغتهم الماركسية أو المعتزلية أو الالحادية أو لليبرالية الغربية في بعض صياغاتها .. هم عقائديين, و العقيدة إحدى أبعاد الكينونة الاجتماعية بما يتجاوز الدين بالخاصة؟
القضية هي هو صلاحيات العقيدة و المصالح التي تعترضها ..بغض النظر مصالح قصور ثنائية الخير و الشر ,و العقل و الدين؟
العقل ككينونة يعرض لمصالح و صلاحيات, فهو أداة للفهم و التفهم باتجاه مصالح و صلاحيات أكثر أو أقل حيوية؟
العقل أداة و ليس غاية ؟
علينا تحسين فعالية هذه الأداة و ليس تمجيدها؟
و هو يمتلك صلاحيات و يرتبط بمصالح حيوية لا يمكن إهمالها عند دراسة البعد العقائدي للكينونة الاجتماعية.
ثالثا ً: يعلق حيروقة على مقايستي لنص كما وردت في كتابي أضاحي منطق الجوهر :
"الثبات من أجل الهداية " للتيجاني السماوي
".. أما الأمثلة على تعاملكَ مع مفاهيم الإيمان السائد أو الجوهر هذا تأتى من خلال محاكاتك لنصوص عدة من كتابك آنف الذكر ” التيجاني السماوي ” نموذجاً .. رغم محاولتك الابتعاد ما أمكن عن المنظومة المجتمعية. فمثلاً مقايستك للعنوان ” الجهاد من اجل الثبات على الهداية ” وحكمك الجذري المنطقي للمصالح بأنه شكل جزئي , السبب :مرجعية ذاتية غير برهانية ولا تتنافى معه . نعم غير برهانية نعم ولكن لماذا لا تتنافى معه , أليس فكرة الجهاد بحد ذاتها استفزازية قائمة على فرض أمر ما وضرب ما قبله أو تقويضه على الأقل . وإذا كان البرهان هو المطابقة مع المصالح الكونية إذاً هل الجهاد من أجل الثبات على الهداية يتطابق مع البداهة الكونية مثلاً "
أقول : :
ما هي المصالح المنافية للبرهان في عبارة "الجهاد من أجل الثبات على الهداية"؟
مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نقايس عبارة "عنوان معزول" دون تقييد معاني الجهاد و الهداية ففئة أو فكرة أو شخص؟
فنحن كبشر نجاهد- من بذل الجهد- ما نراه هداية
و يختلف تأويلنا للجهاد و الهداية و المصالح المعروضة لا تقييد هذه المصالح؟
و إليك الحكم على مصالح هذه العبارة "العنوان المعزول "كما ورد في الكتاب
"الجذر المنطقي للمصالح
الحكم: شكل جزئي
السبب: مرجعية ذاتية غير برهانية , و لا تتنافى معه .
رغم التباس فهم مصالح الجهاد و الهداية بين فرد و آخر و جماعة و أخرى و لكوننا نقايس . إلا أنه لا يوجد أي قرينة من داخل المصالح المعروضة تتنافى مع البرهان أو البداهة الكلية أو تبرر ازدواجية معايير " انتهى الاقتباس"4"
و يعلّق الصديق حيروقة على مقايستي للفقرة الأولى من نص التيجاني السماوي
"وفي حكمك على الفقرة الأولى المقاسة ب شكل جوهر كلي وتبرر ذلك , فتقول : ” المرجعية معتمدة على قول منسوب للنبي محمد (ص) أي غير متفق عليه وهو مثار جدل بين المسلمين أنفسهم والفقرة تكتفي بذكر القول المنسوب للنبي دون البرهنة على صحته ” . لا حظ صديقي : النبي (ص) من جهة, ومن جهة أخرى تقول تكتفي الفقرة بذكر الحديث المنسوب للنبي دون البرهنة على صحته ..؟! يا ترى كيف تتم البرهنة ..؟ و إن برهن على ذلك ألن يكون ذاتي غير ملزم .. وبالتالي ماذا يكون الحكم ؟"
أقول :
الصديق عباس حيروقة إليك كامل الفقرة المقاسة
متبوعة بالحكم على الجذور المنطقية مع قرائن هذا الحكم.
- مقايسة الفقرة الأولى:
الباحث عن أهل البيت و مكانتهم عند الأمة اليوم لا يجد إلا الاحترام و التقدير عند كل المسلمين بدون استثناء و لكن وصية الرسول "ص" لم تقتصر على الاحترام و التقدير لأهل البيت بل أمر بالرجوع إليهم و الالتزام بخطهم و منهاجهم و تقليدهم في كل شيء حتى قال" لا تتقدموا فتهلكوا, و لا تتأخروا عنهم فتهلكوا, و لا تُعلّموهم فإنهم أعلم منكم"
الجذر المنطقي للمصالح
الحكم: ش جوهر كلي
السبب: مرجعية غير برهانية , ملزمة للآخرين
فهي تعميم مرجعية إيمانية غير برهانية : هي مرجعية آل البيت فهي مرجعية غير معتمدة عند كل المسلمين , و المصالح المعروضة تلزم المسلمين بهذه المرجعية معتمدة على قول منسوب للنبي محمد غير متفق عليه و هو مثار جدل بين المسلمين أنفسهم , و الفقرة المقاسة تكتفي بذكر القول المنسوب للنبي دون البرهنة على صحته ..
والمسلمون الذين لا يلتزموا بمرجعية أل البيت و كأنهم يخونون وصية الرسول..لاحظ " بل أمر بالرجوع إليهم و الالتزام بخطهم و منهاجهم و تقليدهم في كل شيء"" و لا تتقدموا عليهم فتهلكوا..." . "5" انتهى الاقتباس من الكتاب
أقول :
بمراجعة قرائن الحكم على الفقرة يتبين وجود اعتلال في بداهة المرجعية العقدية الفئوية المعروضة في الفقرة
فهل مرجعية آل البيت تلزم البشر بوصفهم بشرا عقلاء؟
و إذا كانت لا تلزم كل المسلمين ,فكيف تلزم المصالح المعروضة بذلك؟
لاحظ قرائن الإلزام و هي ما وضع تحته سطر؟
فقرائن الحكم ليست خلاف حول نسبة حديث لمحمد النبي؟
حيث أن المصالح المعروضة تقر بصحة حديث غير متفق على نسبته لمحمد النبي عند عموم المسلمين.
و المقصود بالبرهان في سياق قرائن الحكم ليس البرهان الرياضي العلمي بل البرهان العقدي الفئوي ؟
أي أن ما تعرضه الفقرة من مصالح و قول منسوب لمحمد النبي ليس مثار قبول من عموم المسلمين فكيف تلزمهم استنادا إليه؟
- ورد في الفقرة موضوع القياس : الرسول "ص" و هذا أمر مفهوم حيث أن المصالح المعقودة عقدية فئوية تخاطب المسلمين ممن يقرّون بأن محمد "ص"
و ورد في سياق قرائن الحكم التي سقتها في الكتاب: النبي محمد- النبي- الرسول
مجردة من لازمة "ص" حيث أن مرجعية الحكم ليس عقدية فئوية ,بل هي ما يتوافق مع ما يمكن لعموم البشر الحكم به
و تعبير النبي و الرسول يقصد به التوصيف و التعريف , و ليس البرهنة على صدق نبوة أو رسولية محمد بن عبد الله من عدمها فهذا خارج نطاق الكتاب و موضوعات القياس.
و من هنا يغدو اعتراضك على ذلك ملتبس و غير واضح
لاحظ قولك:" لا حظ صديقي : النبي (ص) من جهة, ومن جهة أخرى تقول تكتفي الفقرة بذكر الحديث المنسوب للنبي دون البرهنة على صحته ..؟! "
* **
"1" " تلخيص كتاب النفس لابن رشد ص130
"2" موسوعة ويكيبيديا
"3" تلخيص كتاب النفس لابن رشد ص 130-131
"4" أضاحي منطق الجوهر- دار الفرقد- د.حمزة رستناوي دمشق 2009 ص177
"5" المرجع نفسه ص178
&&
العقل هو البرهان.. و مرجعية البداهة الكونية
عباس حيروقة
بداية لا أريد أن أدخل في التعريفات المتراكمة والمتنامية للعقل لا ولا في توصيفاته وأعراضه وأحواله ولن نقسّمه كما فعل غيرنا إلى عقل علمي مثلاً أو فلسفي أو المادي أو .. الخ فهي صفات وممارسات للخطاب المعمول عليه عقلياً وليس للعقل .. إنما العقل هو إدراك الموجودات بأسبابها كما يرى ابن رشد..
من هنا أود أن أقول أن مادتي ( بين العقل والدين .. و الأسئلة الأهم ) والتي جاءت محاكاة لرؤية السيد ماجد علاء الدين في رده وتعليقه على مقال الصديق الشاعر حمزة الرستناوي ( حول صلاحيات ومصالح الإيمان ) أردت أن أقول فيها أن هناك بوناً شاسعاً بين العقل والدين .. وكلاهما يحاول أن يؤكد ويعزز أدواته في سبيل إضعاف و زعزعة الآخر ..
والصديق حمزة الرستناوي حاول مشكوراً رسم ملامح إضافية لنصه ليكون أكثر متعة وقابلية للحوار..
الصديق الشاعر حمزة :
أشكرك على التوضيح لطالما الهدف المشترك لنا جميعاً تعزيز إنسانية الإنسان ورفع المنسوب الحيوي لديه وصولاً إلى عالم ينبذ القبح والحروب .. لعالم أكثر أمناً و جمالاً وسلام .
كما أقدر لك تأكيدك وموافقتك على معظم ما ذهبت إليه في مادتي تلك ..
أما تعليقك على بعض فقرات المقال فجاء بعضها تدعيماً لفكرتي أشكرك عليها والبعض الآخر أحاول مجدداً بلورتها لعلها تجيب على بعض شاراتك وأقتبس مما تقوله :
أولا ً : الحقيقة ليست ثابتة بما فيها الحقائق العلمية
فالحقيقة صيرورة حركية.
ثانيا ً: ليس الإنسان بجوهر- من وجهة نظري- بل الإنسان بحد ذاته طريقة تشكل لأبعاد الكينونة الأخرى بما فيها بعد العقيدة- العلم – العمل – الزمن- المكان- اللغة ..الخ
ما قصدتهُ بالأنسانوية – مركزية الإنسان- و هي نزعة دُشنت بعد إزاحة الإلوهية من مركز للكون .
هذه الأنسانوية تمثل –من منظور المنطق الحيوي- صلاحية و قيم حيوية معيارها :التوحيد- الشكل الكلي- الاحتواء- التجديد- العولمة الحيوية –المستقبلية.
فهي ليست جوهر بل هي طرائق تشكل كذلك.
ثالثا ً: أين تعاملتُ مع مفاهيم الإيمان ..و الله كجواهر ثابتة؟
أرجو تبيان ذلك مع الأمثلة
ليس لأني فوق النقد ؟
بل رحم الله إنسانا أهداني عيوبي
فأقول في هذا المجال :
أولاً :الحقيقة من حيث هي حقيقة غي منافية للبرهان و لا تتعارض مع البداهة الكونية ولا ترفضها التجارب .. فالتبدل خارج المعطى الزمكاني يمكن تسميته بغير الحقيقة .
فعندما نقول أنها – أي الحقيقة – واضحة سارية في الوجود الكوني ثابتة ولكنه تتبدل بتبدل اللبوس أو الوعاء الذي تتحواها أي أنها ثابتة من حيث هي حقيقة وجودها الكوني , فالحقيقة ثابتة الوجود وما تعداها ليس بحقيقة , أي عندما قالوا أن الأرض ليست كروية وطرأت أو حدثت أحداث من رحلة ماجلّان أو غيره وأكدت كروية الأرض هذا لا يعني تبدل الحقائق وما تتحواها من معنى بل التبدل في المنسوب الحيوي لدينا , وبالتالي لم يكن ما يقال عن عدم كروية الأرض حقيقة .
ثانياً : الشاعر الغالي :
أن لم أقل الإنسان جوهر .. نعم شكل طريقة تشكل لأبعاد الكينونة الأخرى..
أن قلت وأقول العقل جوهر من حيث هو مركز تدور في أمدائه مفردات الوجود … العقل من حيث هو منتج بدهي لكل ما هو عليه أو له و الذي لم ينتجه فهو شريك في إنتاج على الأقل من حيث إيجاد الاسم له .. العقل الفعال أو الكلي هو الصانع الواجد الخالق المعزز لمفردات الكون .. وهو مطلق ومعلم الأسماء أيضاً .
الإنسان طريقة تشكل نعم .. يتنامى يتطور يضمر .. الخ ولكن العقل لا من حيث وجوده داخل الجمجمة الصغيرة و تطوره بتناميه الزمكاني .. بل من حيث هو عقل جمعي , عقل الإنسان المنتج الفعال .. لا عقل حامله الذي يولد … ويموت .
أما الأنسانوية وما قصدته أو ما تمثله في منظور المنطق الحيوي كصلاحية وقيم حيوية معيارها … هي ليست جوهر بل طرائق تشكل ..
يا صديقي الأنسانوية من حيث اشتغالها على العقل الفعال بغض النظر عن مناسبة تدشينها .. فهي لا تتعارض مع الإلوهية إلا فيما يسن من سنن من شأنها إقصاء العقل جانباً أو من حيث فكرتها , وفيما يذهب البعض أنها قائمة على الغيبية ..
بل الإلاهيوون هم الذين يتعارضون معهم ويصدرونهم على أنهم مخربون , مفسدون ..الخ
العقليون أدواتهم الحوار والحجة والبرهان و الإلهيون يجادلون بالغيبيات و.. الخ
ثالثاً: الصديق حمزة .. مجرد طرحك الذي أعتبره هاماً وجريئاً كما بينت في دراسة قمت بها عن كتابك” أضاحي منطق الجوهر” . . واشتغالك على العصف الذهني وإثارته في أمدائنا بمحاكاتك النقدية للنص الديني المعاصر واشتغال من قبلك الدكتور رائق النقري صاحب مدرسة دمشق للمنطق الحيوي في كتابه المنشور الكترونياً ” قياس كعبة المصالح ” ومقايسته للنصوص القرآنية وإطلاق أحكام عليها .. أنه شكل جوهر كلي مثلاً أو حالة المصالح فيها صراع .. أو مضى عصرها أو ضد العصر .. كل هذا بحد ذاته خطوات هامة كيف لا و المنطق الحيوي من بدهياته أن لا جوهر ثابت .. كل كينونة شكل / طريقة تشكل وتتماثل الكائنات بأنه شك ولكن تختلف في طريقة تشكلها , وكل كينونة هي صيرورة حركية حيوية احتمالية نسبية .. وعندما تقول مثلاً في كتابك المذكور أعلاه أن النبي محمد شكل .. القرآن .. الله شكل .. الخ فهي ليست جوهر بما معناه من جوهر , ولن أتوسع أكثر .. أما الأمثلة على تعاملك مع مفاهيم الإيمان السائد أو الجوهر هذا تأتى من خلال محاكاتك لنصوص عدة من كتابك آنف الذكر ” التيجاني السماوي ” نموذجاً .. رغم محاولتك الابتعاد ما أمكن عن المنظومة المجتمعية. فمثلاً مقايستك للعنوان ” الجهاد من اجل الثبات على الهداية ” وحكمك الجذري المنطقي للمصالح بأنه شكل جزئي , السبب :مرجعية ذاتية غير برهانية ولا تتنافى معه .
نعم غير برهانية نعم ولكن لماذا لا تتنافى معه , أليس فكرة الجهاد بحد ذاتها استفزازية قائمة على فرض أمر ما وضرب ما قبله أو تقويضه على الأقل . وإذا كان البرهان هو المطابقة مع المصالح الكونية إذاً هل الجهاد من أجل الثبات على الهداية يتطابق مع البداهة الكونية مثلاً
وفي حكمك على الفقرة الأولى المقاسة ب شكل جوهر كلي وتبرر ذلك , فتقول : ” المرجعية معتمدة على قول منسوب للنبي محمد (ص) أي غير متفق عليه وهو مثار جدل بين المسلمين أنفسهم والفقرة تكتفي بذكر القول المنسوب للنبي دون البرهنة على صحته ”
لا حظ صديقي : النبي (ص) من جهة, ومن جهة أخرى تقول تكتفي الفقرة بذكر الحديث المنسوب للنبي دون البرهنة على صحته ..؟!
يا ترى كيف تتم البرهنة ..؟ و إن برهن على ذلك ألن يكون ذاتي غير ملزم .. وبالتالي ماذا يكون الحكم ؟
رابعاً : تقول في معرض سردي عن عدم ارتكاب اللا دينين أي مجازر أو حروب ضد ناس عزل آمنين أو ..الخ
يكفي مجازر الماركسية السوفيتية و الماركسية الماوية
حيث درِّس على مدى عقود الإلحاد كمقرر دراسي؟؟
و فرض بقوة الإكراه؟
صديقي ليس السؤال هنا , فالنظريات والديانات تدرّس .. ألم تدرس على مر السنين التربية الدينية سواء اليهودية أو المسيحية او الإسلامية ولو اختلف اسمها كمادة ولكن كمضمون هي هي..؟
ألم تفرض كمقرر وكواقع في المدار و المعاهد والجامعات .. وعلى الجميع الانحناء له ولسدنته .. ألم ترفع المكبرات فوق أسطح البنايات وعل الشرفات متجاوزين بدهيات الحريات العامة ؟؟ وإلا ما ذنب الشيوخ والأطفال والمرضى أن يعيشوا في هلع دائم من مكبرات يابانية الصنع وضعت لأهداف هو الله بعيد عنها ..
السؤال هل كانت كمقرر تدرس فقط كاتجاهات فكربة مادية جدلية لا دينية اطلاعية أم ملزمة .. هل أغلقت الكنائس والجوامع ودور العبادة .. بتصوري لا..
وهل هذه المناهج التي تحدثت عن فرضها كانت تدعو إلى احتلال أراضي الغير والهجوم عل أناس في بيوتهم مجد لاختلافهم معهم أو لعدم دفع المال لهم أو .. أو الخ وهل كانت هذه المناهج تعمل وتطالب بالضغط على دور العبادة و تحويلها لملاهي مثلاً ..؟؟الفوارق واضحة أمامك يا صديقي بين الأمس واليوم ..! وهذا ما سأتركه لك للقارئ الفطن للتأمل للمقارنة
ملاحظة :الحوار منشور في موقع مدرسة دمشق للمنطق الحيوي و الحوار
* شاعر وكاتب سوري