سياحة عربية
وليد رباح
حدثني ( ولد) امريكي فهلوي قال :
امضيت ثلاثة ارباع عمري وانا ( أرص ) السنت فوق السنت .. والدولار فوق اخيه .. كنت اقتطع من مرتبي الاسبوعي بعض الدولارات واضعها في حساب خاص .. كل ذلك لكي اختتم حياتي برحلة الى ارض الاحلام .. ارض الوطن العربي التي ارى فيها من خلال قنوات التلفزيون بعض الاثار التاريخية العظيمة التي اتوق لرؤيتها على الطبيعة .. وهكذا بدأت رحلتي ذات يوم .. معتمدا على ما احمل من مدخرات نقدية .. وما احمله من بعض الاصدقاء العرب وقراءاتي ومعلوماتي عن الوطن العربي واهله وما يتمتعون به من مساعدة وحب للقريب والسائح .
بعد ان ختم جوازي في مطار احدى الدول العربية .. كان اول من نصب علي سائق التكسي الذي نقلني الى فندق من الدرجة الخامسة قال انه من الدرجة الاولى .. واخذ يلف بي بين البيوت والازقة وعداد التاكسي يعطيه الارقام كأنه يحركها بنفسه ..
وثاني من نصب علي كان صاحب المطعم القريب من الفندق حيث اردت توفير بعض النفقات للاكل خارج مكان السكن .. فكان يبيع طبق الطعام بما يوازي دولارين ولكنه كان يعطينيه بستة دولارات .. اما ثالث النصابين فكان الشرطي الذي دلني مرة على نافورة المدينة ولم يرض بسيجارة واحدة من علبة سجائري بل اخذها كلها ولم يبق لي ما (اعفط) به حتى اعثر على دكان اشتري منه بعض السجائر .
النصاب الرابع كان السفير الامريكي بشخص موظف في القنصلية .. عندما (شفط) ثمن خاتم السفارة على شهادة لي لتقديمها لدائرة الصحة في البلد الذي كنت ازوره .. وبدلا من ان يتقاضى سبعة دولارات تقاضى سبعة عشر دولارا .. ويبدو ان ( الفايروس) الذي اصاب الناس في بلادكم قد اصاب السفير الامريكي فغدا نصابا .. هذا اذا لم يكن هناك فرق بين النصب والرشوة .
حتى عندما قررت ان اذهب الى واجهة القصر الجمهوري في العاصمة اريد ان اصور بعض الافلام للقصر لكي احتفظ به كذكرى او اقارن بين القصر وبين البيت الابيض .. فقد رفض الحرس ان اصور القصر الا باذن من وزارة الاعلام .. ولكني بعد اخذ وعطاء واستعانة بما احفظه من جميل الكلمات العربية .. استطعت اقناع الحرس بعد ان (قشطوني) علبة السجائر المارلبورو التي احملها .. وكان هذا نصبا صريحا واحتيالا على القوانين ومصيبة من مصائب الدهر لو ان سائحا مثلي كان جاسوسا يريد ايصال تلك الصور للعدو لضرب القصر مثلا .. ولكني بعد ان فكرت في هذا ادركت ان الجواسيس لا يفعلونها لان رئيس الجمهورية او الملك . هو الوحيد الذي يحافظ العدو ( اي عدو ) دائما على حياته فلا يقرصه ولا يقصفه .. لانه يساعده بالواسطة والمباشرة على ان يظل عدوا .. وان يظل ذلك الرئيس او الملك قابعا على صدر شعبه يقتلهم ويفتك بهم .. خيرا من ان يأتيهم من هو ( متنور ) يمكن ان ينبه اذهانهم الى شىء يسمى الديمقراطية او الحرية ..
نصاب آخر ( ولا اقول قوادا تخفيفا لوقع الكلمة ) جرني من يدي يوما وقال لي : اذا اردت حلوة فاني امتلك منهن ( كتالوجا ) كاملا باستطاعتك ان تختار من ترغب .. ولما قلت له انني بلغت من العمر ستين سنة قال بما معناه ان ( الدهن في العتاقي ) ونحن نتقاضى ( اتعابنا ) بالعملة الصعبة .. واقول لك الحق ( والكلام للامريكي) فقد فكرت في ان اجرب فتاة عربية .. اية فتاة عربية ) فقلت له اني اوافق .. شرط ان تكون في مثل سني او اصغر مني قليلا .. فوافق ( القواد) على ذلك وجرني من يدي بعد ان اخذ عشر دولارات ( عربونا ) على صدق محبتي له .. وبعد بضعة امتار قال لي : اريد ان ادخل الى هذا المحل ( واشار اليه ) لمدة دقيقتين ثم اعود اليك .. انتظرني هنا .. ودخل الى المحل ولكني انتظرت نصف ساعة ولم يأت .. وعندما دخلت الى الدكان الذي اشار اليه وجدت ان له بابان .. احدهما يؤدي الى مخرج في شارع آخر .. فادركت ان القواد نصب علي ولهف الدولارات العشرة ونفى عنه تهمة (القواده) .
وفي مرة اردت ان اجرب ( عصير الجزر) فعصرها امامي .. ولكنه جهارا نهارا وامام عيني اضاف الى ( الكباية) اكثر من نصفها ماء .. وعندما اعترضت على ذلك قال لي : ان الجزر في بلادنا ( حامي ) ويمكن ان يؤذي معدتك اذا شربته (سك) دون كسره بالماء .. فتحسرت على الجزر الامريكي الذي لا يؤذي وشربتها هنيئا مريئا وكأني اشرب كوبا من الماء الحار في يوم صائف قائظ ..
وهفت على نفسي بعض ( شطائر البيتزا ) فدخلت محلا كتب عليه ( احسن بيتزا ايطالية في البلد) وعندما اعطاني الشطيرة كانت تحوي صرصارا ميتا على صفحتها .. لا بل حتى مسلوقا او مشويا .. في البدء ظننت الصرصار قطعا من البسطرمه .. لكني بعد ان نظرت الى شواربه الطويلة المفرودة على صفحة رغيف البيتزا احسست بالتقزز.. وطبعا اعدت الطبق الى صاحب المطعم الذي قام بنزع الصرصار من مكانه واعاد الي الطبق وهو يبتسم .. فخرجت من المحل العن الساعة التي اتيت بها لزيارة هذا البلد ..
يضيف ( الولد الامريكي ) الفهلوي .. يا اخي عندما ارى اعلانات التلفزيونات لزيارة بلد عربي اضحك .. وكان يمكن ان ابكي .. ولكني اضحك لان اناسا آخرين يمكن ان تخدعهم تلك الاعلانات التي تصور الوطن العربي جنة الله على ارضه .. ولكن ضحكي دائما .. مثلما هو البكاء تماما .. فهل تعذرني ان قلت انكم ( اجدع ناس في الدنيا ) .. قلت هذا صحيح .. وانصرفت كاسفا ذليلا ..