أزمة اللغة العربية في المغرب بين اختلالات التعددية وتعثرات الترجمة(3)

أزمة اللغة العربية في المغرب بين اختلالات التعددية

وتعثرات الترجمة(3)

لغتنا العربية قوية.. عالمية.. رأسمال حضاري ولكن المستغلين له قليلون كتب نحو قديمة.. وتعليم غير جذاب.. وهناك حاجة الي لغة عصرية منهجية عبد القادر الفاسي الفهري5. اللغة العربية رأسمال قوي وحضاري لكل مغربي إن دعم اللغة العربية وتأهيلها متنا ووصفا، وتأهيل متكلميها إبلاغا وثقافة ومعرفة، بهدف تعزيز الهوية المغربية، وإقامة تنمية مجتمعية هادفة وشاملة  يقتضي استكناه تفاعل العناصر والأبعاد الحضارية والاقتصادية/الإنتاجية والتواصلية والحقوقية/القانونية الملحة التي توفر الشروط المناسبة لبقاء اللغة وانتشارها ورقيها، وتقوية فرص متكلميها ومستخدميها في الشغل والرفاه، والاندماج العلمي والاقتصادي، ورسملة توظيفها والاستثمار فيها، من أجل تنمية المجتمع سياسيا وقانونيا واقتصاديا وعلميا. وإذا كانت مسألة اللغة مسألة هوية وتماسك مجتمعي وتراث حضاري، ورمز سيادة تاريخية وحاضرة، وتحرر من اللغات المهيمنة، فهي بجانب ذلك مسألة تنموية وفكرية واقتصادية تنافسية راهنية، اعتبارا لكونها رافعة النمو المعرفي المبكر، وأداة نقل المعرفة والمعلومات إلي عموم القوي المنتجة، ولسان الإنتاج والإبداع والتواصل المعرفي/الثقافي، بل أيضا لسان التنافس في مجتمع اقتصاد المعرفة والمعلومات والاتصال. واللغة أيضا مسألة حقوقية/قانونية، من حق المواطن علي الدولة أن تضمن حقوقه اللغوية وحقوق لغته، وتحميها وتؤهلها، ومسألة ديموقراطية، للمواطن أن يختار فيها ويستفتي. واللغة مسألة سوسيو  نفسية، تمثل الاستقرار النفسي والطمانينة والاعتزاز بالذات، علاوة علي اللحام المجتمعي المؤتمن علي الجماعة. واعتبارا لكل هذه العوامل والعناصر، تتحول المسألة اللغوية إلي مسألة سياسية، تستدعي السياسة اللغوية الرشيدة، والإرادة والقرار اللازمين من أجل إفراز وتنفيذ الاختيارات الضرورية.

إن إدارة موفقة لشؤون اللغة في المغرب تأخذ بعين الاعتبار أهمية اللغة العربية في خدمة متكلميها ضرورية للنهوض بمشروع المجتمع الديموقراطي العصري، الذي يعتمد لغة الشعب والهوية لسانا لاتصاله وتماسكه، وإيصال معرفته، وإقامة أساسياته.

فاللغة الرسمية يجب أن تتاح لها حقوقها وفرصها، والمواطن يجب أن يتمتع بحقوقه اللغوية كاملة، وضمنها حقه في لغته الرسمية وحقه في لغته الأم، طبقا لما أقرته التوصيات الدولية. ومن حق اللغة الرسمية واللغة/الأم، الرافعة للتعلم والتنمية، أن لا تعاني من حملة عدائية مستمرة ومتعددة المصادر، تهدف إلي إضعاف فرص تأهيلها ونبذها تدريجيا. هذه الحملة العدائية تذكيها وتغذيها نخبة نفوذ، لا تعير اللغة الرسمية حقوقها وفرصها، ولا تريد أن تفيد من فرص التعدد اللغوي المتزن، المقترن بإتقان اللغات الأجنبية، بل تسعي إلي محاولة إحلال اللغة الأجنبية محل اللغة الرسمية، وتوظيف الأحادية الأجنبية للاحتكار والميز، وسلب لغة الهوية من إمكانات تحديث متنها وأدواتها ووظائفها. وكلازمة لهذا الشرخ بين لغة نخبة النفوذ ولغة المجتمع، يحرم المجتمع من أن يصبح مجتمع تواصل ومعرفة ومعلومات. إن الخروج من هذا الوضع اللغوي السلبي غير المستقر وغير الصريح لا يمكن أن يتم دون القرار السياسي الواضح، الذي يضع حدا واضحا لكل محاولات هز استقرار اللغة الرسمية، أو إضعافها المتدرج، بل يضع حدا للتسيب اللغوي. إن وضع اللغة العربية، علي غرار أوضاع لغات الحضارات الكبري، يفرز نقط قوة وضعف، سواء تعلق الأمر بمتنها وضوابطها وسلامتها، أو تعلق بوظائفها الفعلية أو الكامنة في محيطها المحلي والإقليمي والدولي، أو في مجتمع المعرفة والمعلومات والاقتصاد.

وهذا يتطلب خطة تأهيلية متجددة ودائمة للغة العربية. وإن إدارة الوضع اللغوي (أو تدبره) لصالح اللغة العربية ولصالح متكلميها أمر موضوعي وحتمي، لا يمكن تصور بديل عقلاني عنه، لا في اللغة الأجنبية، ولا في العاميات، ولا في منطق الاختزال المبني علي أحادية لغوية أجنبية لا يمكن أن تقوم تصوريا أو واقعيا. إن التجارب اللغوية عند العرب والمسلمين وعند غيرهم من الشعوب تفرز أهمية القرار الواضح والإرادة الأكيدة وترجمة القرار في الخطط والتشريعات التي تؤول إلي النهوض باللغة.

1. 5 بعض مواطن قوة اللغة العربيةالقوة الرمزية تمثل اللغة العربية لغة ذات رمزية وقدسية بالنسبة لما يقرب من مليار وربع مليار مسلم. فالقرآن نزل بها، وعدها علماء اللغة المسلمون أفضل اللغات. وحتي لو ترجم القرآن إلي لغات أخري، أو ترجمت عبارات الله أكبر أو الفاتحة ، الخ، فلن تبين بيان لسان القرآن، ولذلك فإن المسلم لا يستسيغ أن لا يتعلم ولو بعض عبارات القرآن باللفظ العربي.

القوة العددية

يوجد ما يقرب من 300 مليون ناطق باللغة العربية في الوطن العربي، علاوة علي من ينطق بها في المناطق الأخري من العالم الإسلامي أو غيره، أو الجالية العربية والإسلامية في البلدان غير العربية. فهذه القوة العددية الهائلة لها أهمية في كون إضعاف اللغة لا يؤدي إلي موتها الفوري، خلافا لما يقع للغات التي يضعف عدد متكلميها كلغة/أم، مثل ما حدث للآرامية أو العبرية (قبل أن يعاد إحياؤها). وهكذا تأتي العربية في المرتبة السادسة دوليا من حيث عدد المتكلمين داخل المنطقة العربية، بل في رتبة أعلي إذا أخذنا بعين الاعتبار انتشارها خارج المنطقة.

رسمية اللغة

اللغة العربية هي اللغة الرسمية الأولي أو الوحيدة لاثنتين وعشرين دولة عربية، وهي بذلك تأتي في المرتبة الثانية بعد الإنكليزية (48 دولة). وتوجد دول مثل إيران أو إسرائيل اتخذتها لغة رسمية كذلك إلي جانب لغتها. وتقدر الدول التي اتخذت الفرنسية لغة رسمية ب 27 دولة، والإسبانية ب 20 دولة. إلا أن بعض هذه الدول لا تتخذها لغات رسمية أولي، لأنها ليست لغة وطنية فيها. فالرسمية المرتبطة بلغة الأقوي لا تقوي قوة الرسمية الوطنية لكونها ئهددة بالزوال بمجرد تغير ميزان القوة، كما حدث للألمانية في بعض البلدان، أو يحدث للفرنسية.

لغة المؤسسات الدولية والإقليمية تمتد رسمية اللغة العربية إلي المؤسسات الدولية والإقليمية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة (والمنظمات المتفرعة عنها أو الإقليمية التابعة لها) واليونسكو، حيث توجد ضمن إحدي ست لغات رسمية. والعربية هي اللغة الرسمية لجامعة الدول العربية والمنظمات المنبثقة عنها مثل الألكسو، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات المنبثقة عنها مثل الإيسيسكو، ولغة الاتحاد الإفريقي، الخ. ولا توجد في وضع رسمي مماثل لها إلا الإنكليزية والفرنسية.

لغة بينية وحيدة interlingua

تمثل العربية اللغة البينية الوحيدة التي تمكن من التواصل الشامل في كافة الأقطار العربية. فالأمة العربية ليست وحدة دينية لوجود ديانات مسيحية ويهودية وغيرها (وإن غلب الإسلام فيها)، وليست وحدة عرقية، وليست وحدة اقتصادية أو سياسية أو أمنية إلي الآن (وإن كان هناك تنسيق في هذه المجالات لم يرق بعد إلي التكامل والوحدة)، بل هي وحدة لغوية قبل كل شيء، قد تتولد عنها عناصر وحدة مرجوة من طبيعة أخري. الاتحاد الأوروبي مثلا في طريق التوحد الاقتصادي والسياسي والأمني، ولكنه ما يزال يسعي إلي التوحد اللغوي. كل لغات الاتحاد الأوروبي رسمية فيه.

لغة التعليم والتعلم في العالم العربي وعبر العالم

تمثل العربية لغة التعلم أو التعليم بامتياز في العالم العربي، وبعض بلدان العالم الإسلامي، وتنتشر في تعليم الجاليات العربية والإسلامية عبر العالم، كما تنتشر في المعاهد العربية والإسلامية المقامة في الجامعات الغربية. هذا الانتشار يمثل نقطة هامة داعمة لإنتاج أدوات وكتب تعلم العربية وتعليمها والبحث فيها، الخ، كما أنه يشجع الاستثمار في إنتاج هذه الأدوات والمؤلفات.

لغة التكامل الاقتصادي والسياسي الحتميين

يمثل العرب قوة بشرية واقتصادية وسياسية كامنة في طريق التفعيل عن طريق السوق العربية المشتركة وغيرها من الهياكل الاندماجية، التي نظن أنها ستتقوي رغم كل النكسات الحالية. ولا بد هنا من الإشارة إلي أهمية اقتصاديات اللغة، وأهمية الرأسمال العربي بالنسبة للاقتصاد، الذي ينبغي أن تدعمه البيئة اللغوية الملائمة. نجاعة علمية وثقافية وإنسانية كونية تاريخا ومستقبلا.

لم يبرز العلم العربي تاريخيا بشكل متميز ومبدع (ابتداء من القرن الثاني الهجري) إلا عندما شرع العلماء العرب والمسلمون، بدعم من السلطة، في نقل مختلف المعارف والعلوم المكتوبة باليونانية واللاتينية والفارسية والهندية والسريانية علي الخصوص، إضافة إلي تملك الموروث الثقافي الضخم لهذه الحضارات، وكذلك الثقافات القديمة من فينيقية وبابلية ومصرية قديمة، الخ. وتدَرجَ العلم العربي من الترجمة والتقليد في الطب والفلك والزراعة والحساب، الخ، إلي الإنتاج المبدع. ولقد مثلت اللغة العربية وعاء تلاقح هذه المصادر المتعددة، وتعدد العلماء عرقا ودينا في إقامة العلم العربي (أي المكتوب بالعربية). ويمثل هذا التاريخ نموذجا يبرهن علي أن العلم يقوم من اللغة، أي أن اللغة (العلمية) تؤهل العلم، لا العكس. إن تملك العلم باللغة القومية يؤهل العلم واللغة، وإن السعي وراء نشر العلم باللغة العلمية المهيمنة لا يعطي النتيجة المرجوة.

لغة الإعلام النافذة

تمثل العربية لغة الفضائيات العربية الناجحة، التي أثبتت فعاليتها في الإعلام العربي والدولي، مثل الجزيرة و أرت وقناة أبو ظبي وغيرها من الفضائيات. وأكد حضور العربية في الإعلام بروز قنوات أخري بالعربية، مثل العربية و الحرة الأمريكية، وغيرها. ومعلوم أن الصحافة الوطنية المكتوبة، ذات التأثير الكبير وذات المبيعات المرتفعة، هي التي تكتب بالعربية، علاوة علي الصحف الموزعة دوليا مثل الشرق الأوسط و القدس و الحياة ، الخ. وهناك إذاعات كثيرة تبث بالعربية سواء كانت من بلدان عربية أو غير عربية، وأقدمها شهرة إذاعة الهيئة البريطانية العربية BBC. تصل القنوات الفضائية العربية الآن إلي أزيد من 40 قناة تبث مادتها باللغة العربية، فضلا عن قنوات عالمية أخري تبث بالعربية مثل CNN و ABC الأمريكيتين، وقناة BBC البريطانية. وهناك حوالي 16 وكالة أنباء عربية وعالمية تبث برامجها باللغة العربية.

وتشير الإحصاءات إلي أن عدد الصحف اليومية الصادرة في الدول العربية يفوق 140 صحيفة، توزع ملايين النسخ في الوطن العربي.

لغة شبكة المعلومات والتقانة المعلوماتية

انتشار اللغة العربية علي شبكة إنترنيت متزايد في حجمه ومحتواه. وقد بلغ 0,9 % في سنة 2003، ويتزايد عدد مستعملي الحاسوب في الدول العربية باستمرار، وقد بلغ 5,5 مليون فرد سنة 2003، من المتوقع أن يصل إلي 7 ملايين عام 2004. وبلغ عدد الحواسيب الشخصية في العالم العربي 5 ملايين عام 2001 (مقارنة ب1,5 مليون عام 1999)، وعدد المضيفات 112500 عام 2001 (مقارنة مع 39000 عام 1999). ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأعداد مع تطور السياسات المعلوماتية العربية.

لغة الحق والقانون والأمن اللغويتحتل اللغة العربية المرتبة الأولي في درجة الحقوق اللغوية للمواطنين واحترام القانون. فالدساتير التي تمثل أسمي النصوص القانونية تنص علي رسميتها (الوحيدة في غالبية البلدان)، وهذا الحق الدستوري يواكبه الحق في اللغة الأم الذي نصت عليه التصريحات الدولية في مجال الحقوق الإنسانية. ويرتبط بالحقوق اللغوية مفهوم الأمن اللغوي، لكون مصادر الإجرام والإرهاب غالبا ما تنسب إلي التضييق علي الفرد في حقوقه، بما في ذلك حقه في هويته وحقوقه اللغوية.

أقوي لغة سامية

تمثل اللغة العربية أقوي لغة سامية (بل سامية/حامية) حافظ عليها التاريخ في نقائها وانتشارها. وتعد اللغة العربية مرجعا لا مفر منه في كل المقارنات بين اللغات الهندأوروبية والسامية وغيرها. فالعربية تمثل نموذجا لإحياء العبرية والمقارنة.

2.5 بعض مواطن الضعف الفنيتعاني اللغة العربية من عدد من المواطن الضعف الفني، التي تحول دون جعلها لغة وظيفية، طيعة، سليمة، وميسرة، تنتشر بسهولة في مختلف مجالات التعبير والحياة، إضافة إلي جعل تعلمها ميسرا وفاعلا، وجعلها لغة تواصل كاملة ولغة معرفة وتقانة.

ونذكر هنا ببعض هذه النقائص التي تبذل جهودا مشتتة أو فردية لتجاوزها، لكنها غير كافية. الحاجة إلي معاجم عصرية ومتنوعة المواد والأهداف والأساليب تعددت صيغ المعاجم العصرية بالنسبة للغات الأخري، فجددت في نهجها وموادها المدونة، والاستشهادات من النصوص الأدبية والفكرية الرائدة، وفي توظيف أبهج الصور والبيانات، الخ. ولم يستفد المعجم العربي من هذه الحركة إلا قليلا، فظلت المادة المعجمية هي مادة القرن الثاني حتي الرابع الهجريين أساسا، وظل الترتيب السائد هو الترتيب حسب الجذور، لا يتيح فرصة للمبتدئ أن يبحث عن كلمة لا يعرف جذرها (مثل قِ أمر وقي ، أو خذ أمر أخذ ، أو اضطراب ، التي يبحث عنه في ضرب ، الخ)، ولم تدخل الاستشهادات العصرية المعجم، ولا دخلت مفردات العلوم المستحدثة، أو مفردات الحِرف والحياة العامة، الخ. فهناك حاجة ملحة إلي إعادة بناء المعجم العربي نهجا ومادة بتفصيح كثير من مفردات العاميات (وجلها ذات أصول عربية عريقة)، ومراعاة الفرق بين المواد الحديثة والقديمة (أو المعجم الحديث والمعجم التاريخي)، والفرق بين المعاجم التعليمية والمعاجم الكبيرة الموضوعة للمتخصصين، الخ.

الحاجة إلي كتب قواعد عصرية

ما زالت كتب النحو والصرف تركز علي الإعراب والممنوع من الصرف والتوكيد والإبدال والإعلال، وما إلي ذلك من أبواب نحوية صعبة غير ذات جدوي في امتلاك لغة عربية حية ووظيفية، بقواعد تستخلص من النصوص الفعلية الحية، المغيبة كلا أو جزءا في هذه الكتب. ومع أن المجامع اللغوية العربية أقرت مبدأ تيسير تعليم النحو، في المراحل الأولي من التعليم علي الأقل، فإن هذا المبدأ لم يترجم علي أرض الواقع. وكان بالإمكان تبسيط اللغة والاستغناء عن عدد من القواعد، كالاستغناء مثلا عن حركات الإعراب التي تسقط في الوقف علي كل حال. فالتعقد الإعرابي له نتائج سلبية تجعل الذي يتكلم بالعربية منشغلا بالتفكير في وضع الحركات الإعرابية عوض التفكير في هيكلة أفكاره وبنائها. وهناك عدم جدوي في بعض الحركات داخل الجذع (stem)، وخصوصا الأولي منها، فمنهم من نطق بِنية و قِمة بالكسر ومنهم من نطقها بُنية و قُمة بالضم، ومنهم من قال حلَقة و دَوَرة بفتح عين الكلمة عوض تسكينها. والتسكين أبسط في كل هذه الحالات، بل قد يكون أفصح، الخ.

غياب الشكل

هناك توافق علي أن إدخال الشكل (أو التشكيل) يساعد الطفل علي التعلم السريع للغة، وتحسين تقبلها، وجعلها تكتسب كلغة حية محملة بالمعلومات، عوض قوالب صورية ينهك التلميذ في البحث عن حركاتها. وينبغي أن يدخل الشكل كذلك في المعاجم علي جذوع المفردات، ويقع ترتيب المواد حسب الحركات كذلك، لتسهيل البحث في المواد المبتوتة داخل نفس الدخلة.

تعليم أو تعلم غير جذاب

يتجلي هذا في عدم تجديد طرق التعلم والتعليم، وتجديد كفايات المدرس تربويا وتأهليه باستمرار، وتوظيف أساليب تقليدية غير جذابة تعتمد التلقين والأساليب المتجاوزة التي لا تخلق التفاعل الضروري بين المادة والمدرس والتلميذ، ونصوص غير مواكبة للعصر فكريا وتقنيا، وندرة استعمال الأدوات الإلكترونية كالأقراص المدمجة التعليمية ومحطات العمل الحاسوبية، وغيرها.

نقص في الترجمة والتأليف باللغة العربية

تشكو المكتبة العربية من نقص واضح في المؤلفات العلمية والمترجمات، رغم جهود مبذولة ولكنها غير كافية. فعدد الكتب محدود، في مختلف أنواع الكتابات، إذ يبلغ متوسط الكتب المترجمة إلي العربية 330 كتابا سنويا، وهذا خمس ما يترجم إلي اليونانية. وما ترجم إلي العربية منذ عصر المأمون إلي الوقت الراهن لا يزيد عن 10000 كتاب، وهو ما تترجمه إسبانيا في عام واحد.

نقص واضطراب في المصطلح

رغم توفر كم هائل من المصطلحات العلمية، فإن مجال المصطلح ما يزال يعاني من نقص كمي، ومن عدم الضبط الكافي، ومن تذبذب التنسيق بين الهيئات المعنية للاتفاق علي مصطلحات موحدة.

3.5 ضعف إدارة المسألة اللغويةlinguistic management

يتجلي هذا الضعف في عدة جوانب نذكر منها علي الخصوص:ضعف المأسسة اللغوية وضعف الإنفاق عليهاأقامت الدول العربية عددا من المجامع والمراكز والمعاهد أوكلت إليها مهمة النهوض باللغة العربية. إلا أن هذه المؤسسات تعاني من ضعف العنصر البشري القادر علي النهوض بالأعمال الموكولة إليه (بالنظر إلي الخبرة والاطلاع والسن والالتزام بالقضية اللغوية، الخ)، ومن ضعف الإمكانات المادية والتقنية والمرجعية للمواكبة، المترتبة عن عدم الإنفاق الكافي. وتكفي المقارنة هنا بما تنفقه الدول والمؤسسات في الدول المتقدمة علي تطوير لغتها ونشرها، وتطوير برامج الترجمة البشرية والآلية، أو الأدوات اللغوية الديداكتيكية، أو إنجاز معاجم متنوعة ومتعددة، الخ. ويكفي كذلك أن نشير إلي أن الأطر ذات الخبرة العالية في المعلوميات، أو اللغويات الحاسوبية أو التعليمية، أو القادرة علي الإدارة اللغوية المتميزة لا تجد من يستثمر في خبراتها ويثمنها، ولا تتوفر لها الموارد المادية لأداء أجورها، علاوة علي البيئة المحفزة لتوطين معرفتها.

عدم وجود إرادة سياسية كافية

تتمثل جيدا مخاطر الاختلالات اللغوية وكلفتها التعليمية والاقتصادية والتنموية لإعطائها ما تستحقه من عناية، علي غرار ما تفعله الدول المتقدمة. ولعل مرد ضمور هذه الإرادة راجع إلي قناعة مفادها أن الحل الأنجع يكمن في إتقان اللغة (أو اللغات) الأجنبية، بل وفي أخذ العلم بها (وحدها)، عوضا عن تنمية لغوية تشمل أولا اللغة الرسمية الأم.

تقصير المجتمع في حماية لغته

لقد قامت في المجتمعات المتقدمة هيئات وجمعيات نافذة تحمي لغتها من هيمنة اللغات الأخري، كما تحرص علي سلامة عبارتها، وتقاضي من يعتدي عليها، الخ. ورغم وجود بعض الجهود الأولي في هذا الاتجاه في العالم العربي، فإنها تظل مع ذلك نادرة وغير مدعومة من السلطة.

نقص في شبكات التنسيق والتعاون

توفر هذه الآليات اقتصادا في المجهود، وتكاملا في الموارد، وتلافي التكرار، وتسهيل التراكم. وعلي الرغم من عدم ارتفاع كلفة هذا التشبيك (عبر انترنت علي الخصوص) بين المؤسسات الفاعلة والخبراء، فإن آليات التنسيق والتبادل والتعاون تحتاج إلي دفعة وخطة لبلورتها علي أرض الواقع.

4. 5 العداء للغة العربية وأهمية القرار السياسي

إن أهم عامل مؤثر يحول دون تنمية اللغة العربية وتبوؤها مكانة قوية في محيطها والمحيط الدولي العام هو إتاحة الفرصة لانتشار العداء لها، والمواقف السلبية من استعمالها في مجالات حيوية متعددة، جراء الصراع الذي تذكيه أطراف عديدة تستبدل اللغة الأجنبية أو العامية (أو هما معا) بها. وكنتيجة حتمية لهذا العداء، يتحول جزء كبير من مجهودات المشتغلين علي اللغة العربية للدفاع عنها، عوض تكثيف جهودهم لتحسين وضعها. وكنتيجة أيضا لهذا العداء، تقلل الدولة من الإنفاق والتخطيط من أجل تأهيل لغتها وتأهيل المتكلمين بها. هذه المواقف السلبية نلحظها عند نخبة من رجال الاقتصاد والتجارة والمال، والتكنولوجيين، والباحثين في العلوم الدقيقة (علي الخصوص)، ورجال الإدارة والسياسة، كما نلحظ ذلك في الأجيال الجديدة، التي تعزف عن العربية إلي الفرنسية أو الإنكليزية. ونلحظ مثل هذه المواقف عند جمعيات ثقافية أو لغوية قامت من أجل الدفاع عن العاميات ضدا علي العربية. ورغم أنه لا جدال في أن الفصيحة أثبتت علميتها وعالميتها وتعبيريتها عن مختلف مجالات الحياة العامة عبر التاريخ، فإن معاديها يلصقون بها نقائص فنية وعلمية وتعليمية، ويشنون الحملات ضدها، متهمين إياها بقصور بعضه زائف، وبعضه فعلي، ولكنه راجع إلي عدم عناية أهلها بها، وعدم رسمهم للخطط الضرورية للنهوض بها، وعدم استثمارهم فيها.

5.5 التحامل راجع أساسا إلي فكر الاحتلال

إن مصدر التحامل علي العربية يعود تاريخيا إلي فكر الاحتلال (سواء أكان تركيا أو إنكليزيا أو فرنسيا) وإلي مواقف عدد من الباحثين الأجانب (وضمنهم المستشرقون) من العربية، الذين قرنوها بالتخلف، وعدوا لغتهم لغة العصر والعلوم التي ينبغي هجر العربية إليها. وقرنوا العامية بالحياة، والفصيحة بالضعف والموت، ودعوا إلي اتخاذها لغة تدريس للأمور العامة، بجانب لغة المحتل، قدوتهم في ذلك ما حصل للاتينية حين صارعت لهجاتها في ازدواجية آلت لصالح ما أصبح يعرف باللغات الرومانية (Roman). وقرنوا العامية بالفطرية، والفصيحة بالصعوبة والاستعصاء. وطعنوا في الحرف العربي، ومجدوا الحرف اللاتيني، وأرادوا أن تكتب به العامية والفصيحة علي السواء. ونادوا بترجمة القرآن إلي العاميات، الخ.

وهكذا حاولوا تجريد العربية من كل موطن للقوة يتيح لها البقاء في التعليم والعلم والتقانة والحياة العامة والمجال الديني والعقدي ووحدة الأمة اللغوية والحضارية، الخ. وقد وجد الخطاب الكولونيالي صدي عند أبناء الأمة، فتبنوا هذه الادعاءات، بل تفننوا في بلورتها علي أرض الواقع، مدعين مشروعية اختياراتهم بتوظيف الحق في الاختيار والاختلاف والتنوع وما إلي ذلك من شعارات جديدة/قديمة، مستوحاة من الأدبيات الغربية، دون التمعن والتروي في محتوي هذه الاختيارات المصيرية. إن الذين يطرحون للفصيحة بديلا يبينون عن:

ضعف ثقافتهم اللغوية

بحيث يلجأون إلي اختزال حلّ المسألة اللغوية في اللجوء إلي لغة الأقوي، دون اكتراث بهويتهم وخصوصياتهم، ودون احتساب النتائج السلبية الكثيرة التي يمكن أن تتوالد في المجتمع والتعليم والتنمية والإنتاجية، علاوة علي نفسية المواطن وعزته وكرامته. ثم إن الجاذبية الفعلية التي تمارسها اللغات القوية لا تدعو بالضرورة إلي اتخاذها بديلا، بل يمكن اتخاذها لغات داعمة ومكملة.

ضعف الإرادة السياسية والحس الوطني

الواعيين بأهمية الاعتزاز بالذات اللغوية كرمز للسيادة والكرامة والتحرر، بل والنهوض المجتمعي والإبداعي، الكفيلين بمناهضة محاولات تمزيق الوحدة الوطنية، وإضعاف الأمة للسيطرة الثقافية والاقتصادية والسياسية عليها. ويوازي هذا ضعف الثقافة الحقوقية التي تدعو إلي احترام حقوق اللغة/الأم، بما فيها حق التعلم بها.

معاداة التعدد اللغوي

كسياسة لغوية معقولة وناجعة، والاستعاضة عنه بسياسات لغوية احتكارية، تفيد منها نخب معينة، بدعوي أنها الفئة المدافعة عن اللغة الأجنبية وثقافتها وقيمها. هذه الاحتكارية تتنافي طبعا ومبدأ قيام لغة وطنية قوية مدعومة باللغات الأجنبية، تنفي الميز اللغوي، وتضمن تكافؤ الفرص في الإفادة من الأدوات اللغوية، وتعمم الحقوق والواجبات اللغوية علي جميع الفئات، وتتجاوب ودعوة كثير من المؤسسات الدولية ذات المصداقية مثل اليونسكو إلي تبني سياسات لغوية تعددية متزنة.

6. 5. الاختيارات السياسية

(أ) ضرورة التأكيد الواضح لمسؤولية الدولة ومسؤولية المجتمع في تأهيل اللغة الرسمية واللغة/الأم للمواطنين، في مختلف ميادين المعرفة والثقافة، والحياة العامة، والأنشطة الفنية والإعلامية والإشهارية وغيرها، رعيا للحقوق والقوانين المتعارف عليها دوليا، ونفيا لكل ذرائع تقنية وهمية.

(ب) الفصل الواضح في مسألة أن لا بديل للغة العربية لغةً وطنيةً ورسميةً للبلاد، لا في اللغات الأجنبية ولا في العاميات.

َ(ج) وضع حدّ للسياسات المزدوجة القائمة علي سياسة صريحة رسمية (في النصوص التشريعية) وسياسة ممارسة في الواقع (لا تدعمها النصوص الرسمية)، قائمة علي الاستعمال الفعلي للغة الأجنبية، الذي يَكاد يكون أحاديا في المعاملات الاقتصادية أو الإدارية أو التعليم العلمي، أو ضمن ثنائية منافسة في الإعلام والإدارة والثقافة، مضيقة علي اللغة الرسمية، ومضعفة لها.

(د) الوعي بأن اللغة العربية في تنوعاتها ومستوياتها الفصيحة والوسيطة والدارجة هي كل يمثل الهوية اللغوية للمواطن العربي، ولغته الأم، والكف عن تعميق الفجوة بين الفصيح والعامي، بغية تبني سياسة تلهيجية تخلق ازدواجية مضعفة للغة الرسمية، وتبعدها عن أن تكون لغة الحياة العامة والحياة المجتمعية. وهذا لا يعني نبذ اللهجات، التي تمثل رافدا ثقافيا محليا مهما، ولكن يعني اتخاذ سياسية شمولية للهوية اللغوية، مع تقريب مستويات اللغة، وتيسيرها.

(ه) ضرورة تنمية اللغة العربية في ارتباط بالتنمية الاقتصادية وتنمية مجتمع المعرفة، بما لا يتنافي وإتقان اللغات الأجنبية.

7.5 الخطط اللغوية ووسائل النهوض

يقتضي النهوض باللغة العربية إعداد خطط لغوية في مستويات مختلفة تحظي بالاستثمار والإنفاق المناسبين من أجل دعم حضور اللغة العربية في الشبكة العالمية للمعلومات، وفي الوسائل السمعية البصرية، وإفراز أدوات تعليمية وتِقانية، وبيداغوجية حداثية، ودعم انتشار اللغة العربية في البلدان الأخري، للرفع من عدد متكلميها ومروجي حمولتها الفكرية والحضارية، مع مراعاة الجوانب التشريعية والقانونية الداعمة للاختيارات والخطط.

التشريع اللساني

تقوم الدول المتقدمة بوضع التشريعات والقوانين لحماية لغتها حتي تسلم من الأخطاء ومخالفة الضوابط والقواعد، وحتي تتمكن في المحيط (في التعليم والإدارة والاقتصاد والإعلام، الخ)، بوضع ضوابط لاستعمال الفضاءات اللغوية.

نذكر علي سبيل المثال ميثاق اللغة الفرنسية بكندا Charte de la langue fran‡aise وقانون توبون بفرنسا la loi Toubon، الخ.

المأسسة اللغوية وتأهيل اللغة

ينبغي أن تقوم المجامع والمؤسسات العلمية والمعاهد اللغوية بدورها في النهوض باللغة العربية، بما في ذلك إنتاج المؤلفات والمتون العلمية والتقنية باللغة العربية، ووضع المصطلحات، ووضع المعاجم والكتب المدرسية، الخ ونشرها علي شبكة انترنت، وتوفير وسائل التعميم والانتشار. ويقتضي هذا أن تقوم الحكومات والمؤسسات المالية العربية بدعم المؤسسات القائمة ماديا، لتتوفر لها الوسائل المادية والبشرية اللائقة، وأن يعاد النظر في الهياكل القائمة، قياسا بما يوفره قانون أكاديمية محمد السادس للغة العربية بالمغرب مثلا، أو مؤسسات عصرية أخري.

مؤسسات مجتمعية حمائية

لا بد أن تقوم جمعيات داعمة لاستعمال اللغة العربية في مختلف القطاعات، بما فيها العلوم والتقنيات، حامية لبقائها ورقيها، ساهرة علي استعمال اللغة السليمة، وعلي مقاضاة من يعتدي عليها، الخ.

آليات للتنسيق والنشر والتشبيك

تساهم شبكة انترنت بشكل واسع في الربط بين المؤسسات والأفراد. ومن أفضل السبل لوضع المصطلحات أو النصوص أو غيرها رهن إشارة المواطنين إقامة شبكات عربية للتنسيق والاتصال والتأهيل، والنشر والتوحيد، للربط بين مختلف المؤسسات والباحثين في مجال اللغة العربية داخل الوطن العربي وخارجه. وهذه الآليات ذات كلفة ضئيلة، تحتاج فقط إلي تعميم استعمال انترنت في العالم العربي، وهو أمر حتمي للتنمية، يوازيه قيام المواقع ذات المحتوي العلمي والتقني والتجاري، الخ.