الحلم الضائع في بحر إيجة
12أيلول2009
جودت هوشيار
جودت هوشيار
تحولت ظاهرة الهجرة من كردستان العراق الى الدول الاوروبية وغيرها من دول العالم الى احدى القضايا المهمة المثيرة للجدل في المجتمع الكردستاني , لما لها من تأثير بالغ في شتى جوانب الحياة في الاقليم .كما أصبحت هذه الظاهرة موضوعا" أثيرا" في وسائل الأعلام الكردستانية وحديث الناس في المجالس العامة والخاصة , الا انها لم تحظ لحد الآن بأي دراسة علمية جادة عن أسبابها الحقيقية وأبعادها الأقتصادية والأجتماعية وآثارها الراهنة والمستقبلية . وكل ما قيل وكتب عنها لايعدو كونه مجرد آراء ذاتية وأحكام جاهزة - لا تستند الى أي مسح ميداني أو شواهد أو أدلة واقعية ملموسة - من قبيل الزعم ان الأقتتال الداخلي فى اواسط العقد المنصرم الذى شهد اكبر موجة من الهجرة الى الخارج وتردي الوضع الأقتصادي الراهن هما السببان الرئيسيان لهذه الظاهرة . قد يكون ذلك صحيحا" في ظاهر الأمر ولكن ثمة أسباب أعمق واهم من أي أراء شخصية واستنتاجات مسبقة وقاطعة لا تستند الى الواقع الموضوعي .
والحق ان ظاهرة الهجرة ليست جديدة لا بالنسبة إلى المجتمع الكردستاني ولا أي مجتمع أخر في العالم , بل هي قديمة قدم الحضارة الأنسانية .
فأذا كان الناس في العصور القديمة يهاجرون بسبب الحروب والغزوات والمجاعة والكوارث الطبيعية أو هربا" من الظلم والأضطهاد , فأن العصور الحديثة قد شهدت تدفق موجات كبيرة من اللاجئين الى الأراضي الجديدة المكتشفة , حيث أن العديد مما يدعى ببلدان الهجرة مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلنده قد تطورت بفضل اللاجئين من شتى بقاع العالم والذين يشكلون معظم سكانها . وكانت هذه البلدان ترحب الى وقت قريب بالمهاجرين الجدد لأسباب أقصادية .كما أن بلدان أوروبا الغربية قد فتحت أبواب الهجرة واسعة أمام تدفق اللاجئين اليها بأعداد كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة خلال عقد الستينات من القرن الماضي وذلك لحاجتها الماسة إلى القوى العاملةالوافدة نتيجة لمعدلات الوفاة العالية والولادة المنخفضة خلال سنوات الحرب المذكورة وما بعدها وحسب الأحصائيات التي نشرتها دول الأتحاد الأوروبي , بلغ عدد المهاجرين في أوروبا الغربية بحلول عام 1990 حوالي (12) مليون مهاجر منهم ( 4.5 ) مليون في فرنسا ( معظمهم من شمال افريقيا ) وحوالي ( 205 ) مليون في بريطانيا ( أغلبهم من بلدان جنوب شرقي أسيا ) و ( 1.8 ) مليون في المانيا ( أكثرهم من تركيا ويوغسلافيا ) و حوالي مليون لاجيء في سويسرا ( معظمهم من دول جنوب أوربا مثل ايطاليا واليونان )
وإبتداءا" من عقد التسعينات من القرن المنصرم , تدفقت إلى دول الأتحاد الأوروبي أعداد كبيرة من اللاجئين من دول أوربا الشرقية بعد تفكك الأتحاد السوفيتي وأنهيار الأنظمة الشيوعية فيها وكذلك من الشرق الأوسط بعد الحرب الأفغانية ويتضح من التصريح الذي أدلى به كارنيلي زونتاك – فولغاست – سكرتير وزارة الخارجية الألمانية بتأريخ 23/7/2000 لمراسلة وكالة الأنباء الألمانية , أن حوالي نصف مليون لاجيءغير شرعي يتسللون إلى دول الأتحاد الأوروبي سنويا" .وخلال عام1999 وفي ألمانيا وحدها أحتجزت الشرطة حوالي ( 38 ) ألف متسلل عند محاولتهم اختراق الحدود الألمانية وحوالي (21) الف لاجيء غير شرعي داخل ألمانيا .
وثمة شبكة واسعة من عصابات المافيا منتشرة في البلدان الأوروبية ولها امتدادات في دول الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا تقوم بتهريب الأشخاص وإلى دول الأتحاد الأوروبي وحسب تقديرات المسؤولين الألمان فأن عصابات المافيا الألمانية تحصل على دخل سنوي يقدر بحوالي 17.6 مليار مارك ألماني سنويا" من عمليات تهريب البشر وقد استطاعت هذه العصابات من تجنيد بعض العاملين في القنصليات الغربية في جنوب شرقي أسيا للعمل لصالحها فقد القت السلطات الهولندية مؤخرا" القبض على سفير هولندة السابق في سيريلانكا السير ب.كورنر بتهمة المساعدة في تهريب اللاجئين غير الشرعيين إلى هولندة خلال عامي 1996-1997 بالتواطؤ مع عصابتين محليتين متخصصتين في تهريب البشر . وتسهيل وصول عدة مئات من اللاجئين الى هولندة .
كان هؤلاء اللاجئين قد حصلوا على سمات دخول مزيفة الى هولندة . ولكن كان من الصعب اكتشاف هذا التزييف لدقته المتناهية , حتى من قبل نقاط السيطرة على الحدود الهولندية ومزظفي الجوازات الهولنديين .
وقد كشفت التحقيقات اللاحقة بأن عددا" من موظفي دائرة الهجرة الهولندية قد تورطوا في هذه العملية أيضا" .
وقد مارست دول الأتحاد الأوروبي ضغوطا" على حكومة أقليم كردستان العراق من أجل اتخاذ الأجراءات اللازمة ضد مهربي البشر ومنع تدفق اللاجئين العراقيين الى تركيا ومن جانبها قامت السلطات الأيرانية والتركية بحملات واسعةفي المناطق الحدودية مع العراق لتعقب المهاجرين غير الشرعيين وسلمت السلطات المذكورة أعدادا" كبيرةمن طالبي اللجوء العراقيين إلى حكومة الأقليم .
ويشكل اللاجئون الجدد من دول العالم الثالث طبقة دنيا في قاع المجتمعات الغربية من حيث نمط الحياة ومستوى المعيشة وقد أصبحت هذه الطبقة شبه المعدمة عبئا" ثقيلا" على الدول الغربية والتي أضطرت لأسباب إنسانية وأخلاقية وقانونية الى تأمين الحد الدنى من متطلبات الحياة للاجئين وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية لهم .
ويثير وجود عدد هائل من اللاجئين في دول الاتحاد الاوروبي قلقا" مشروعا" لدى حكومات هذه الدول واستياءا" واسع النطاق لدى الرأي العام الغربي .
وقد جاء في دراسة نشرت حديثا" من قبل المركز الأوروبي لمراقبة المظاهر العنصرية أن 70% من سكان ألمانيا أبدوا عدم ارتياحهم من وجود الأجانب في بلادهم عموما" وبخاصة من البلاد الاسلامية ويتجلى هذا الشعور بعدم الأرتياح بأشكال ودرجات مختلفة ويتراوح بين مجرد الشعور بالأنزعاج الى الكراهية المكشوفة والمشاركة في التظاهرات المعادية للأجانب ولأعتداء عليهم أحيانا" دون أي مبرر .كما حدث مؤخرا فى المانيا حيث قتل متطرف المانى من اصل روسى أمرأة مصرية فى قاعة المحكمة بعد ان لا حقها بالتحرش اللفظى و توجيه العبارات المهينة لها لمجرد كونها مسلمة محجبة . و حالات الأعتداء على اللا جئين فى الدول الأوروبية كثيرة سواء من قبل المتطرفين او من قبل الشرطة نفسها فى بعض الأحيان .
وتتزعم أحزاب يمينية متطرفة في معظم دول الأتحاد الأوروبي حملات دعائية قوية تدعو إلى إغلاق الحدود أمام المهاجرين الجدد وإرغام المهاجرين المقيمين بصورة شرعية أو غير شرعية , على العودة إلى بلادهم .
وقد أضطرت دول الأتحاد الأوروبي تحت ضغط الرأي العام إلى اتخاذ اجراءات صارمة للحد من تدفق اللاجئين . ومن بين هذه الأجراءات تعديل قوانين اللجؤ والهجرة والتشدد في منح تأشيرات الدخول واستخدام وسائل فنية متطورة للكشف عن حالات الخداع والأحتيال وضمان عدم استخدام الوثائق نفسها من قبل عدة أشخاص والقيام بحملات كبيرة ومفاجئة لضبط اللاجئين غير الشرعيين وفرض عقوبات على شركات الطيران ووكالات السفر التي تقوم بنقل المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الأتحاد دون وثائق سليمة .
وقد استغلت عصابات المافيا المحلية والأجنبية هذا الوضع الجديد لجني الأرباح الطائلة عن طريق تهريب البشر من كردستان العراق ودول المنطقة الى دول الأتحاد الأوروبي بشتى الوسائل والطرق المحفوفة بالمخاطر والمهينة في آن معا" . و شهد بحر إيجة حوادث عديدة مفجعة راح ضحيتها عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال من مواطني الأقليم ودول الشرق الأوسط عند محاولتهم الوصول إلى الشواطيء اليونانية والأيطالية ببواخر صغيرة وعبارات وقوارب غير أمينة تفتقر إلى أبسط شروط الراحة والأمان والتي تحملها عصابات المافيا بعدد من الركاب تفوق طاقتها أو الحمولة المقررة لها . وتبحر في جنح الظلام وسط أمواج البحر العاتية .
لقد ابتلع بحر إيجة لحد الآن العشرات وربما المئات من مواطني الأقليم الذين غرقوا وغرق معهم أحلامهم بالوصول الى الارض الموعودة بحثا" عن الحياة الأفضل .
وفي تلك الحالات القليلة التي نجح فيها عدد من هؤلاء المغامرين في الوصول الى الشواطيء اليونانية أو الأيطالية عن طريق البحر والى الدول الخرى عن طريق البر أو الجو , فأنهم يخضعون فور وصولهم الى استجواب شديد وطويل وإقامة طويلة في المعسكرات المخصصة للاجئين وفي حالة قبولهم كلاجئين يتلقون معونة شهرية لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات أو الماركات أوالفرانكات شهريا" .
ولكن هذا المبلغ القليل - بالقياس الى مستوى الدخل والأجور والأسعار في الغرب - يبدو مبلغا" كبيرا" نسبيا" بالمقارنة مع مستوى المعيشة في كردستان , حتى الذين يحملون الشهادات العالية من مواطني الأقليم , فأنهم في حالة نجاحهم في الحصول على حق اللجؤ السياسي أو الأقتصادي , يشرعون من جديد في تكوين وبناء مستقبلهم من نقطة الصفر . عليهم قبل كل شيء تعلم لغة البلد الذي يقيمون فيه ومن ثم أداء الأمتحانات في تخصصاتهم بنجاح ليتمكنوا من إيجاد فرص عمل لهم وممارسة مهنهم . أما من لا يحمل أي شهادة أو لا يمتلك خبرة في تخصص ما فأن من الصعب عليه الحصول على أي عمل مناسب بطريقة قانونية وتبقى أمام اللاجيء مشكلة كبرى لم يحسب لها قط أي حساب من قبل وتتمثل في أختلاف أساليب العيش وأنماط التفكير والسلوك والتكوين الثقافي في الغرب عن الشرق . وبطبيعة الحال لايمكن العيش في مجتمع غربي بعقلية شرقية وسلوك محافظ وأمام اللاجيء طريقان لا ثالث لهما , فأما الذوبان في المجتمع الجديد وتقبل الحضارة الغربية ومحاولة التكيف معها أو الأنغلاق والأنعزال والأنطواء على الذات والوقوع في شرك إزداجيةنفسية تفضي إلى الأنفصام الروحي والمعاناة المستمرة القاسية.
ثمة مثل أوروبي يقول : ( حين تدخل دارا"غير دارك , عليك أن تترك عاداتك على عتبة الباب) ولكن معظم اللاجئين من بلدان العالم الثالث عموما" – ماعدا اللاجئين من دول أوروبا الشرقية الذين يسهل إندماجهم في المجتمع الغربي – يعيشون في الغرب في شبه عزلة أو ( غيتو ) ويحكمون على المجتمع الغربي من خلال بعض مظاهره الخارجية السلبية وإفرازاته المرضية الهامشية بسبب عدم استيعابهم للقيم والمعايير الرحية والثقافية التي تشكل جوهر الحضارة الغربية وكأنعكاس لخيبة أملهم وضياع احلامهم الوردية ووقوعهم فريسة للأحباط النفسي والأنفصام الروحي .
إننا لا نحاول رسم صورة قاتمة لحياة معظم اللاجئين الكرد في الغرب , لأن الواقع أقسى وأمر مما حاولنا إيضاحه فيما تقدم . ولعل الحوادث الدراماتيكية التي وقعت في بريطانيا و السويد ( القتل غسلا" للعار ) والمانيا وهولندة ( حوادث القتل والأنتحار ) خلال السنوات القليلة الماضية والتي تناقلتها وكالات الأنباء الأجنبية وكتبت عنها الصحف المحلية الصادرة في الأقليم , خير دليل على ما نقول .
فاللأجيء الكردي دائم الشكوى أو الحسرة على شيء ضائع هو نفسه التائهة بين حضارة الغرب وتزمت وتخلف الشرق والقلق من المستقبل المجهول ( احتمال الترحيل في أي وقت ) . كما أنني لا أسوق هذا الكلام لمعارضة أو أدانة ظاهرة الهجرة – كما قد يخيل الى البعض – فكل انسان حر في تقرير مستقبله بنفسه وليس من حق أحد – كائنا" من كان - أن يقحم نفسه في أمور تعد في صميم الحياة الشخصية للآخرين .وحق الهجرة – حق مشروع .
فقد نصت المادة الثالثة عشرة من الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادرفي العاش من شهر كانون الأول سنة 1948 عن الجمعية العامة لللأمم المتحدة على ما يلي :
1- كل انسان له الحق في التنقل بحرية واختيار مكان إقامته ضمن حدود كل دولة .
2- كل أنسان له الحق في مغادرة أي بلد أو بلده , وله حق العودة الى بلده .
واذا كان من حق أي مواطن أن يغادر بلده للأقامة في بلد أخر بشكل مؤقت أو دائم فأن من حقه أيضا" العودة إلى بلده متى شاء ذلك وليس من حق أية سلطة وضع العراقيل أمامه أو منعه من العودة , حيث ان ذلك يعد انتهاكا" صريحا" لحقوق الأنسان .
إن المهاجرين الكرد على علم تام بالمشاق التي سوف يواجهونها في طريق محفوفة بالمخاطر والمستقبل الذي ينتظرهم في بلاد الغربة ويدفعون مبالغ طائلة إلى عصابات تهريب البشر لقاء نقلهم سرا" إلى أي بلد أوروبي , وقد يكون هذا المبلغ هو كل ما ادخروه خلال سنوات عديدة, ومع ذلك يخاطرون بحياتهم ومستقبلهم.
وهنا يبرز تساؤل جوهري : ترى ما الذي يدفع هؤلاء الى الهجرة ؟ هل هو عدم الأستقرار السياسي وتردي الأوضاع الأقتصادية و الأجتماعية أم الفساد المستشرى كالسرطان فى الأجهزة الحكومية فى كردستان العراق ؟ ، ام أن ثمة دوافع أخرى !
نحن لا نقلل من اهمية ما يطرح من أسباب ولكننا نعتقد أن ثمة دوافع آخرى للهجرة لا تقل أهمية عن تلك الأسباب , بل ربما أقوى تأثيرا" في أتخاذ قرار الهجرة . ولا بد من الأشارة هنا إلى أن لكل فئة أو شريحة اجتماعية أسبابها الخاصة للهجرة . ومن الخطأ تجاهل ذلك وإطلاق أحكام عامة حول أسباب الهجرة لدى الشرائح المختلفة .
إن المثقفين من أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء وأصحاب الكفاءات العلمية الآخرى لا يهاجرون لتردي وضعهم المادي أو من أجل حفنة دولارات .
وأن من السذاجة الأعتقاد بأن طبيبا" مرموقا" تدر عليه عيادته دخلا" وفيرا" يضحي بكل شيء ويخاطر بحياته وحياة عائلته ومستقبله دون وجود دوافع أخرى للهجرة , ولا يشترط أن تكون تلك الدوافع مادية .
كما أن الأقتتال الداخلي لم يكن السبب الرئيسي لهجرة الكرد على نطاق واسع فى منتصف التسعينات من القرن المنصرم .بل أحد الأسباب فى حينه والدليل على ما نقول إن المئات من أساتذة الجامعات والمهندسين قد هاجروا من كردستان فى السنوات اللاحقة .
المثقفون الكرد يهاجرون لتفشى الفساد السياسى و المالى و المحسوبية و المنسوبية و البيروقراطية المفرطة فى الأجهزة الحكومية و غياب العدالة الأجتماعية و أحساسهم الطاغي بالغين وعدم تكافؤ الفرص . وليس ثمة في الحياة الوظيفية ما هو أسوا وأقسى من الموقف الذي يحس فيه المرؤوس أنه أكثر كفاءة" وخبرة" وأفضل عملا" وسلوكا" وأكثر حرصا" على العمل والمصلحة العامة من رؤسائه. هذه المسألة تحديدا تتجاهله الصحافة الحزبية و الرسمية تماما و لم تحظىبالأهمية التي تستحقها من قبل المسؤولين وكأن البشر لا حول لهم ولا قوة , الا القبول بكل غبن والرضوخ لكل وضع شاذ خوفا" على مصدر رزقهم .
وبطبيعة الحال فأن من يعتز بقدراته العلمية و الثقافية التى دونها سنوات من السعى و التحصيل العلمى و من يتمسك بمبادئه وقيمه الأخلاقية والروحية وكرامته الشخصية لايبقى أمامه الا السكوت على مضض ولو الى حين أو الهجرة بحثا" عن نسمة هواء نقية ومصدر رزق حلال في آخر الدنيا ولو كان دون ذلك ركوب الآهوال والرحيل الى المجهول .
وشبابنا من خريجي الجامعات والمعاهد يهاجرون للبحث عن فرص العمل بعد ان سدت فى وجوههم كل سبل الحياة الكريمة ، فلا تعيين فى الدوائر الرسمية الا لمن له صلة بصانعى القرار و لا توجد فرص عمل كثيرة فى القطاع الخاص الضعيف و المتخلف فى الأقليم . فلا صناعة و لا زراعة و القطاع التجارى يتحكم فيه عدد قليل من المحظوظين ! الشباب يهاجرون لضمان مستقبل أفضل ونمط حياة أرقى نوعية لأن نوعية الحياة التي يحياها المرء مهمة لدى الشباب وغير الشباب فالحضارة الغربية تشكل بمباهجها وقيمها وازدهارها عامل جذب قوي لمواطني البلدان المختلفة .
أما شريحة الحرفيين والكسبة فأن الدوافع الأساسية لهجرتهم قد لا تختلف كثيرا" عن دوافع الشباب . ولكن الدافع المادي لديهم قد يكون أقوى مما هو عليه لدى الشرائح الأجتماعية الخرى .
لقد خسر مجتمعنا – ما يزال يخسر – خيرة مثقفيه وأفضل أطبائه ومهندسيه ومن الصعب على المرء أن يتصور كيف يمكن تحديث المجتمع الكردستاني من دون هؤلاء الذين يشكلون ثروة البلد الحقيقية والذين لا يمكن التعويض عنهم بسهولة خلال المستقبل المنظور .
وعلينا الاحتفاظ
وعلى أية حال هذه تصورات شخصية عن أسباب ودوافع ظاهرة الهجرة قد تكون صائبة أو خاطئة , وليس هدفنا هو التوصل إلى استنتاجات نهائية وقاطعة , بل لفت الأنظار الى شتى جوانب هذه الظاهرة ومخاطرها وآثارها السلبية على حاضر ومستقبل مجتمعنا وضرورة القيام بمسوحات ميدانية وبحوث علمية جادة لتشخيص الأسباب الحقيقة لها ومعالجتها حرصا" على المصلحة العامة وعملية البناء والتقدم في الأقليم .