الوحدة الإسلامية ... أمل وألم ؟؟!

حسن محمد نجيب صهيوني

الوحدة الإسلامية ... أمل وألم ؟؟!

حسن محمد نجيب صهيوني

[email protected]

تستحضرني في رمضان وأنا أتلو كتاب الله تعالى آية عظيمة جمعت فيها خلاصة أمتنا وقويت بها لٌحمتها. تلكم الآية العظيمة التي يقول فيها جل من قائل:(إن هذه أمتكم أمة واحد وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء:92. والقارئ لتلك الآية يرى أنها ابتدأت بحرف التوكيد وهو (إنّ) وأُتي بعدها بكلمة (هذه) ثم جاء ضمير الخطاب الدال على الجمع في قوله (أمتكم) تلاها ذكر كلمة (أمة) وكلمة (واحدة) فلو شاء ربنا لقال:(إن أمتكم واحدة) وكانت الجملة مكتملة في أركانها النحوية وفي مفهومها ودلالاتها. وهنا يعج أمام ناظرنا سؤال مفاده: لماذا خاطبنا الله تعالى في هذه الأية بدلالة الجمع في صيغة التأكيد بعد اسم الإشارة؟ إن أصحاب النحو والأدب يعلمون بأن إحدى وجهي إعراب الاسم المعرف- أي المضاف والمضاف إليه هنا- إن وقع بعد اسم من أسماء الإشارة أن يعرب بدلاً من اسم الاشارة بحيث لو حذف هذا الاسم لاستقام الكلام وفهم المعنى.

الجواب على هذا السؤال جاء في سياق الآية متمثلاً بكلمة (واحدة)، فالله عزل وجل أراد لأمة المصطفى أن تكون أمة واحدة متوحدة فيما بينها برباط الوحدة؛ فإن وحدة المسلمين غاية يسعى إلى تحقيقها جميع الدعاة والمصلحين وأولو الألباب النيّرة على مرّ التاريخ، وإن ما دعا إليه الإسلام من عزّة ورفعة ومنعة للمسلمين لن يتحقق إلا في ظل الوحدة.

والتشتت القابع في نحورنا والذي نعيشه منذ فترة طويلة هو سبب ذهاب ريحنا وتفرق كلمتنا ودحورنا على أعقابنا، حتى بات الأمر غائراً في طي النسيان فلا عين ترى ما يجول في حاضرنا المؤلم ولا أذن تسمع ما نشقى به من التفرق المذهبي والتمزق المنهجي.

فما هي الوحدة؟ وما المقصود بالوحدة الإسلامية؟ إن المتأمل في الآية السابقة يرى أن مفهوم الوحدة ما هو إلا انضواء المسلمين تحت لواء الإسلام، وبهذه الوحدة يصبح للمسلمين لُحمة قوية وحصناً منيعاً يدرؤون به كل ما يشوش كلمتهم وما يفرق جمعهم من براثن التفكك وأرزاء التناحر، وبهذه الوحدة نقيم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي شبه فيه العلاقة بين المسلمين بعلاقة أعضاء الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

ووحدة الأمة فرض عليها، والمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى الوحدة درءاً لهذا الوضع المؤلم الذي تكالب فيه أعداؤهم عليهم، واستغلوا فيهم وصمة التفرق المذهبي والمنهجي، بأن هرعوا إلى زعزعة وحدتنا الاسلامية وبث سموم معتقداتهم في ديننا الحنيف، وعملوا عقولهم واجتهدوا بشتى وسائل الاجتهاد كي يلهون أمتنا بمسائل جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، فكانت كلها على حساب ديننا وأخلاقنا وشِرعتنا، وبالتالي على حساب وحدتنا الإسلامية، فكان ويل الإنحطاط والانحلال قابعاً في عزائمنا حتى آل بنا إلى التفرق والتمزق، والناس إن لم يجمعهم الحق شعّبهم الباطل، وإن لم توحّدهم عبادة الرحمن مزّقتهم عبادة الشيطان، وإن لم يستهويهم نعيم الآخرة تخاصموا على متاع الدنيا.

وحتى يكون لوحدتنا ماضيه الذي كانت عليه، فإن لا بد لها من توافر عدة عناصر تقيمها وتقوم بها وعليها ومن أهم عناصر الوحدة هي وحدة العقيدة، فالأمة المتوحدة برباطها يجب أن تكون أصولها متوحدة وثابتة ومستمدة من أصول دينها المتمثل بهدي ربها وسنة نبيها.

كذلك هنالك عنصر التعاون الذي يقوم على الطاعة والاتباع لوحدة المشاعر وتنويرها بكل ما هو خير وصلاح لها ونشر منهج إسلامي تاركٍ وارءه عبث العابثين الذين أولوا الاختلاف الفكري إلى اختلاف تضادّ وليس اختلاف تنوع، وهؤلاء حجتهم داحضة عليهم بحكم القاعدة التي تقول: (نتعاون فيما اتفقنا ونعذر بضعنا فيما اختلفنا)، والله تعالى يقول: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). ويقول كذلك: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). 

 وليس خفياً على أحد ما اعترى الوحدة الإسلامية من دعوات هدامة قصد من ورائها عرقلة ركب الوحدة عن مساره، وذلك جلي كل الجلاء بابتعادنا عن منهج الله، فحلت بيننا العداوة والبغضاء، وعمت فينا الفتن والقلاقل وعم الفساد؛ حتى صار الأمر يكال بمكيالين أو ربما ثلاثة او أربعة، وما هذا النتاج إلا لضعفنا في تطبيق منهجنا واغترارنا بقوة أمجادنا، مخلفين وراء نسياننا ما سببته العداوة والبغضاء من التفرقة والتناحر الذي نعيشه الآن.

والوحدة ليست أملاً بعيد المنال، فكيف تكون بعيدة وقد كانت في أمجادنا الغابرين، فبتطبيق منهج ربهم ألّف الإسلام بين قلوبهم ووحدهم على ملة واحدة هي ملة الإسلام، وبذلك آتت الوحدة الإسلامية أٌكلها فيهم وأصّلت فيهم روح الرباط الواحد، وكما يقول عمر: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله). 

وصدق الله العظيم إذ يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).