أفكار في الإصلاح والتغيير (2)

أفكار في الإصلاح والتغيير (2)

حاجتنا إلى ( أولي الألباب )

د.فواز القاسم / سورية

[email protected]

إننا مع اعترافنا بأن ديننا الإسلامي العظيم  هو أساس قيام حضارتنا العربية والإسلامية ، لأنه يقدّم المثل الأعلى ، الذي يتمركز حوله النشاط الجمعي ، ويرتقي بالنفوس إلى المعالي ، ويمنعها من التلهي بالسفاسف ، أو الانشغال بالحاجات الصغيرة ، التي تدور حول الغذاء والكساء والمأوى وغير ذلك .

إلا أنه لا يؤدي هذا الدور الحضاري بالصورة المطلوبة ، إلا إذا تولى (فقه)الدين ( أولو الألباب)  من كل جيل  من أجيال المسلمين ، كما أكَّد القرآن الكريم في مواضع كثيرة .

ولقد أثبتت التطبيقات التاريخية ، من لدن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وحتى هذه اللحظة ، بأن الأمة كانت في أفضل حالاتها ، عندما كان يقودها ( الفقهاء ) و ( أولو الألباب ) ، من أصحاب الفكر والمدارس الفكرية .

أما الفترات التي اشتغل خلالها ب( فقه الدين ) ، أناس من غير ذوي الألباب ، فقد اكتوت الأمة بنار جهلهم، وجمودهم ، وتقليدهم ، وتوقف المد الحضاري ، وضعف المجتمع الإسلامي عن تلبية الحاجات الداخلية، وعن مواجهة التحديات الخارجية .

وحين نحاول اليوم ، تحديد الأزمة التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي ، بما فيها الحركات الإسلامية ، نجدها في سوء استغلال الثروة البشرية ، وسوء توزيعها ، والتي يسمونها اليوم  : (عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ).!!

ولعل أي متابع اليوم  للعمل العربي والإسلامي العام ، سواؤ على الصعيد السياسي أو التربوي أو العسكري، أو غيرها من الأصعدة الأخرى ، يجد أن واحدة من أشد المصائب التي ابتليت بها الأمة اليوم هي :  اختيار الاشخاص المسؤولين على أساس الولاء والمحسوبية للمتنفذين في الجماعة أو الحزب أو الدولة ، لا على أساس الكفاءة ، والاختصاص ، والاخلاص ، والتفاني في خدمة المجتمع ، والاجتهاد في تحقيق أهداف الامة ..

وربما حدث هذا لأسباب نفهمها جميعاً ، فالذين انشغلوا عن الأهداف العظيمة للأمة ، بالتخطيط لتأليف الجيوب ، وشرذمة الصفوف ، وبناء المختريات ، وتحقيق المصالح الأنانية الضيقة ، يحتاجون طبعاً الى قطعان وطوابير من الموالين ، الذين يتقنون فنون طأطأة  الرؤوس ، وهزّ الأكتاف ، ورفع الأيدي للقرارات الجاهزة  .!!!

ولكن ما حاجة هؤلاء بالاختصاصيين ، والعباقرة ، والمبدعين ، أصحاب الرأي الحر ، والقناعة المستقلة ، والتخطيط المبدع،  والعمل المنتج .!؟

ولقد تفرَّعت عن هذه المشكلة ، مضاعفات تربوية وعسكرية وسياسية وإدارية ومالية … إلخ

ولو تتبعنا أصل هذه المشكلة عندنا ، لوجدنا أن السبب يكمن في (  تحجيم ) أو  (تهجير) الطاقات الفاعلة ، من ( أولي الألباب ) من المبدعين ، والمنتجين ، والمتميزين ، ليحل محلَّهم الأغبياء والمغفَّلون والمقلِّدون ، وجلهم من المنافقين والوصوليين والانتهازيين .!!!

وسواء كان هذا (التهجير) خارجياً ، بالهجرة خارج الأوطان ، والابتعاد عن مواقع المرابطة والعمل والإبداع ...

أو داخلياً ، بالعزوف والسلبية والانعزال ، فإن النتيجة هي نزف الأمة لجل أصحاب الفكر والعطاء والإبداع ، وتمسّكها بالميتة ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية .!

ولقد أثبت التاريخ وعلم الاجتماع الإنساني ، أن الفضائل الإنسانية توجد مجتمعة ، والرذائل توجد مجتمعة كذلك .

فالتدين الصحيح ، لا يوجد إلا مع العقل النيّر ، والفؤاد الذكي .

والإخلاص في العمل وإتقانه ، لا يوجدان إلا مع اللب المبدع .

والترفع عن الشهوات ، لا يوجد إلا مع البصيرة الخارقة .

والعزّة ، والرفعة ، والحريّة ، والنفور من الذل والعبودية ، لا توجد إلا في النفوس الأبية ، والعقول الذكية… وهكذا …

وعلى هذا الأساس يجب أن نفهم حرص القرآن الكريم على التوجه بمجمل خطاباته إلى ( أولي الألباب)، وحرص الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ، على أن يكون معظم أصحابه ، وأحبابه ، وقادته، ومستشاريه منهم كذلك .