المرأة بين مطرقة الإباحية و سندان الرجعية3
المرأة بين مطرقة الإباحية و سندان الرجعية-3-
هيفاء علوان *
مشاركاتها في الحياة الاجتماعية والأدبية :
لو تتبع المرء تطورات المجتمع المختلفة , لوجد أن المرأة تواكب مسيرته بشكل منتظم , فهي لم ترضَ أن تبقى أماً وزوجة قابعة بين جدران البيت الأربعة , بل إنها كانت تخوض كل الميادين فقد استمرت المرأة أديبة وشاعرة تتوارث قدرات المرأة الجاهلية في ذلك ولكنها وضعت الشعر في خدمة أمتها وعقيدتها فبرزت لنا نساء كثيرات عبر التاريخ لازال الفكر يدين لهن بالكثير,ولا أقل أن نذكر هنا رابعة العدوية الشاعرة المتصوفة التي كان بيتها البسيط المتواضع ملتقى لكل الناس يستمعون إلى شعرها ويتدارسون فلسفتها ,وكانت بيوت بعض الأميرات قد أصبحت منتدى للأدب والشعر تحضره شواعر العرب وأديباتهم ,فيتدارسن الجديد منه ويروين أشعار العرب المختلفة .
وكان أن تطور الأمر عند بعضهن ليصبحن كاتبات للأمراء أو الوزراء وفي ذلك تقويم رائع من الدولة الإسلامية للمرأة ولكن ما غلب على الكثير منهن مهنة التعليم ،ولم يكن التعليم مقتصراً بطبيعة الحال على الفقه وأمور الدين , وإنما تعداه إلى الكثير من العلوم التي بدأت تنتشر تباعاً في العالم الإسلامي ,وكان نظام الحلقات للنساء في البيوت والمساجد هو طريق المحاضرات التي كانت المرأة تلقيها , وتتلمذ الكثير من أدباء العرب وفقهائهم على أيدي النساء , فكانوا يسمعون منهن من خلف حجاب ومن أمثال هؤلاء العلم المؤرخ الطبري وابن حجر العسقلاني من الذين تتلمذوا على أيدي النساء من المدرسات ,ويروَى أن عدد من المدرسات في العصور العباسية المتأخرة كان كثيراً جداً ومنتشراً في كل أرجاء الدولة , وكانت لنساء القصور والأمراء مدرِّسات خاصات بهن , بعضهن متخصصات بتعليم القراءة والكتابة وأخريات بالأدب واللغة والعلوم .وتتلمذت كثير من النسوة على أيدي الأطباء والحكماء فتعلمن منهن الطبابة ومداواة الجرحى وعلاج المرضى , فكان بعضهن طبيبات لعوام الناس , بينما تخصصت أخريات بقصور الأمراء والوزراء فصرن طبيبات نساء القصر.
- مشاركاتها في التشريعات الفقهية :
لايُقَصد بهذا أن المرأة قد أضافت إلى التشريعات الإسلامية شيئاً من عندها , وإنما دورها في التحديث والتفقه وإعطاء آرائها وتفسيراتها الفقهية .فرواية الحديث تعني إبلاغ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأنواعها القولية والفعلية والإقرارات إلى الناس ومن بين الأحاديث تلك أحكام يعتمَد عليها في التشريعات الفقهية , حيث السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع وقد شاركت المرأة في الحديث الشريف بشكل فعال, فقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها ما يزيد على الألف حديث , كما حدَّثت بقية أمهات المؤمنين رضي الله عنهن عن النبي إضافة إلى نخبة كبيرة من المهاجرات والأنصاريات ,فتتلمذت على أياديهن نساء من التابعيات روين عنهن الكثير ,وبعضهن قد علمن مجموعة من رجال الحديث , أجزنهم في التحدث عنهن . ويحدثنا تاريخ الفقه عن طبقات الفقهاء في كل عصر من العصور , ومن بين هؤلاء مجموعة كبيرة من الفقيهات ممن تتلمذ الكثير على أيديهن واشتهرت من بينهن الشيخة (فخر النساء )التي كانت تُحاضر للناس في مسجد بغداد (وأم الخير )والتي لازال قبرها مزاراً مقدساً لأبناء مصر إلى يومنا الحاضر . وكانت كثير من النساء الفقيهات ينذرن أنفسهن للتدريس في المدينة المنورة .وانتشرت هذه العادة في القرن السابع والثامن الهجري فكن إذا كبرن في السن هاجرن من كل أقطار العالم الإسلامي إلى المدينة وبدأن بتدريس الفقه والتفسير وأمور الدين المختلفة , وكنَّ يُدعينَ (جارات الله) .
إذا كانت هذه نظرة الدين إلى المرأة وهذه مكانتها العظيمة في شريعتنا الغراء وهذا دورها وتاريخها ومشاركتها الفعالة في بناء مجد الأمم وحضارتها فأين هي اليوم ؟
فهي جزء من الواقع , ولا يمكن أن نفصل الجزء عن الكل, فلا بدَّ للمرأة أن تكون صاحبة نصيب فيه وصورة منه , وإذا كان متفسحاً فلا عجب أن تظهر آثاره عليها , فالمرأة المسلمة بين طريقين : طريق التغريب القائم على المادية والمتعة , وطريق الإسلام الذي غذيت به ونشأت عليه يافعة فهي في صراع بين هذا وذاك . والأَوْلى بها أن تحتذي حذو النبي والصحابة والتابعين الذين استسلموا لحكم خالقهم الحكيم الذي يعلم ما يصلح لهم وما يسوؤهم ,هذا الدين الذي كرمها وأنصفها وحماها إنسانا وكرمها وأنصفها وحماها أنثى ,قال تعالى ) ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً و نساءً )النساء1 وكرمها وأنصفها وحماها بنتاً ,( وإذا بشِّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها زوجة قال سبحانه وتعالى (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)النساء 19. وقال تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقد حفظ الإسلام حقوق المرأة وكرمها عندما تبتلى بالطلاق. قال سبحانه (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )البقرة 229 وقال سبحانه ( ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) وكرم المرأة وأنصفها وحماها أماً قال تعالى : (حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين) ولما سئل صحابي مَن أحق الناس بحسن صحابتي ؟قال أمك قال ُثم مَن قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من قال أبوك ) فهي نصف المجتمع , وتربي و تهيء النصف الآخر فعليها يعول في تنشئة رجال المستقبل , و كرم الإسلام المرأة إنساناً حين اعتبرها مكلفة لها كامل المسؤولية والأهلية كالرجل وكان ذلك في صدور أول تكليف إلهي صدر للإنسان في خطاب الله سبحانه لأبي البشرية آدم عليه السلام ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )البقرة 35.ومما لابد من ذكره أن القرآن الكريم أكد أنَّ آدم عليه السلام هو المسؤول قال تعالى : (ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما) لقد اتهم أدعياء الحضارة الإنسانية أن الإسلام قد ظلم المرأة . ومما نُسِب إلى الإسلام زورا وبهتاناً ما نسبوه إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم (شاوروهن وخالفوهن) وقد ثبت أن هذا حديث موضوع و هناك مفاهيم خاطئة تركت أثراً كبيراً عند الرجال و النساء و يجب أن تصحح .
و المفاهيم الخاطئة الشائعة قد انتشر الكثير منها بين الرجال و النساء و أصبح كثير من المواقف والتصرفات و العلاقات يبنى عليها . صحيح أن أكثر هذه المفاهيم الخاطئة تستند إلى نصوص صحيحة ، لكن إساءة فهم النصوص و تفسيرها و تأويلها بما يلائم العادات و الهوى يؤدي إلى تلك النتائج الخاطئة .
أولاً: النساء ناقصات عقل و دين :
وكان النبي عملياً يشاور زوجاته في أهم أمور الإسلام والمسلمين وقال المرجفون زوراً عن النساء أنهن (ناقصات عقل ٍ ودين ) ونسبوا ذلك إلى النبي , النبي صلى الله عليه وسلم لم يقر النقص الخلقي في النساء والحقيقة يراد أنهن ناقصات عقل لأن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين ,وليس المعنى كما فهموه هم بأن كل امرأة ينقص عقلها عن أي رجل فقد يكون عقل بعض النساء أحيانا أكمل من عقول كثير من الرجال , وهذا مُشاهَد وملموس لا يحتمل أي جدال ,ولكن المقصود أن الله تعالى أعطى الرجال منة القوى العقلية ما يجعلهم أكثر سيطرة على عواطفهم وأهوائهم ,وأعطى النساء أقل من ذلك ليبقى إمكان تغليب العاطفة على مقتضيات العقل , وليس ذلك تكريماً للرجل على حساب المرأة وإنما هو إعطاء كل منهما ما يساعده على القيام بالوظيفة التي فطر عليها,ولولا رجحان عاطفة المرأة على عقلها لما استطاعت الصبر على رعاية أطفالها أما أنهن ناقصات دين , فلأن كل أنثى تعرض لها الدورة كل شهر فتسقط عندها العبادات ,وقد أوضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نقصان في ال –كم –وليس في الكيف فالمرأة في وقت الحيض لا تصلي ولا تصوم بينما الرجل يصلي ويصوم , وهي تقضي ما فاتها من صيام ولا تقضي مافاتها من صلاة فيكون مجموع صلواتها أقل من مجموع صلوات الرجل . هذا هو نقصان دين المرأة نقصان في الكم لا في الكيف , وربما وجد من النساء مَن تكثر من النوافل فتعوض هذا النقص وقد تزيد عن الرجال وربما يوجد من النساء من يكن أتقى لله,ومن تكون عبادتهن أفضل من عبادة كثير من الرجال ومَن تكون أخلاقهن والتزامهن بأمر الله أفضل من الرجال,ذلك أن الكيف تتنافس فيه النساء مع الرجال على قدم سواء وقد يسبق هؤلاء أولئك والله تعالى يقول (مَن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) .
وإذا كان نقصان دين المرأة الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نقصانا في الكم لا في الكيف ونقصان الكم هذا يمكن أن يعوض بزيادة في العبادات أو في الأعمال الصالحة,فلم يعد هناك أي سبب ينال من جدارة المرأة المسلمة لأن تكون صاحبة دين,ولأن تكون مجاهدة وداعية لهذا الدين,وبالتالي أن يكون لها دور فاعلا في العمل الإسلامي المعاصر ويتحدى بجدارة وبقوة موجات الإلحاد والعولمة اللتان تصبان جام غضبهما على هذا الشرع الحنيف وتخططان لهدم ما بنى وليعم طوفان شريعة الغاب في العالم ولينسلخ ثوب الهدى والحياء. إنَّ النقصان نسبي كما يقول الإمام ابن حجر العسقلاني,فالكامل ناقص بالنسبة للأكمل .ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصف الرجال بكمال العقل لكن مما لاشك فيه إن عقل الرجل إجمالاً أقوى من عواطفه, وهذا ما يجعلنا نميل إلى تفسير نقصان عقل المرأة بأنه نقصان بالنسبة لعاطفتها,ويكن بالتالي رجحان عقل الرجل على عاطفته وكلا الأمرين مشاهد ومحسوس وكلاهما نعمة من الله عز وجل لتستطيع المرأة من القيام بواجب الحضانة والرعاية لأطفالها,وليستطيع الرجل القيام بواجب القيادة في البيت والمجتمع إذا كان نقصان الدين والعقل كما ذكرنا فليس من حق الرجل المسلم أن ينظر إلى المرأة المسلمة نظرة ازدراء أو احتقار بحجة أنها أقل دينا ًوعقلا ًمنه,وليس من حقه أن يجعل هذا الحديث النبوي الكريم مادة استهزاء بالنساء المسلمات.كيف وقد قال رسول الله عليه وسلم(خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
ثانياً قوامة الرجل على المرأة :
المفهوم الثاني الذي يجب أن نوضحه والذي يجب تصحيحه لدى الرجال هو مفهوم القوامة.فبعض الرجال يظنون أن القوامة تعني أفضلية الرجال على النساء وهذا خطأ.إن القوامة هي المسؤولية هي القيادة في نطاق البيت,وقد أعطاها الله عز وجل للرجل بما منحه من مزايا تجعله أكثر أهلية لها.قال تعالى :(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء34. فأفضلية الرجال على النساء هنا تتعلق بمزايا خاصة تجعلهم أقدر على القيادة,وليس أفضلية مطلقة, بل إن النساء أفضل من الرجال فيما يتعلق مثلاً بحضانة الصغار, مما يؤكد أن القضية هنا هي قضية وظائف مختلفة بين الرجال والنساء.
وقد اقتضت حكمة الله عز وجل تفضيل الرجال على النساء بمزايا تساعدهم على أداء وظائفهم,وتفضيل النساء بمزايا تساعدهن على أداء وظائفهن.وقوامة الرجال على المرأة وظيفة كلف بها الرجل وأعطي من المزايا والطاقات ما يساعده عليها كما إن القيادة الأولى في المجتمع الإسلامي وظيفة كلف بها الرجل أيضا. ولكن هذا التكليف للرجل بالقيادة في البيت وفي المجتمع لا ينبغي أن يشل حركة المرأة ودورها الفاعل المثمر البناء في العمل الإسلامي والذي لا يؤتي أكله إلا بتضافر جهودها مع الرجل وينبغي ألا يجعله هامشياً ًإن الفهم الخاطئ لمعنى القوامة جعل المرأة في مجال العمل الإسلامي شبه مشلولة تنتظر من الرجل أن يحدد لها المنهج,وأن يضع لها الخطة ,وأن يتخذ لها القرار,وهي تقوم بالتنفيذ. بينما المرأة المسلمة أكثر قدرة على فهم الواقع ,واقع العمل النسائي والتخطيط له , وينبغي أن تأخذ المبادرة في ذلك بدل أن تنتظر ايحاء الرجل لها وإشرافه على عملها, وحين تفعل ذلك ستكون فاعلية العمل النسائي الإسلامي أكبر وأجدى بكثير .
ثالثا : ًخروج المرأة من بيتها للمساهمة في العمل النسائي :
كثير من الرجال يعتقدون أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا لضرورة قاهرة ويستندون إلى قوله تعالى:
(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) فالآية صريحة وواضحة وهي تدل على أمرين :
الأول :أن المرأة المسلمة تكون في بيتها مع شعور كامل بالاستقرار والراحة لأنها تقوم بواجبها الطبيعي المنسجم مع الفطرة التي فطرها الله عز وجل عليها وفي هذه الحالة فإنها تتقن عملها أيما إتقان أما إذا بقيت في بيتها و هي تشعر أنها مرغمة و تتحين الفرصة للخروج ، فهي هنا تخالف أمر الله تعالى في وجوب (القرار) في البيت أي الاستقرار فيه ، كما أنها ستكون فاشلة في واجباتها المنزلية .
الثاني : الذي تدل عليه الآية فهو نهي المرأة عن الجاهلية الأولى . و إنما نتساءل هل تبرّج المرأة في بيتها لزوجها ممنوع أم هو من حسن التبعُّل ؟ إن التبرج المحرم هو بلا شك تبرج المرأة خارج منزلها ، و بالتالي فيكون معنى الآية الكريمة إن على المرأة المسلمة أن تقر في بيتها لتقوم بواجبها ، فإن خرجت لمبرر مشروع فيجب عليها أن لا تتبرج في خروجها تبرج الجاهلية الأولى ، و بذلك تكون الآية الكريمة موضحة لما يجب على المرأة منى عدم التبرج حين الخروج ، و هي تعني ضمناً جواز الخروج إذا وجد السبب المشروع . و من البديهي القول بعد ذلك أن خروج المرأة من بيتها لأداء واجب شرعي يكون واجباً ، و إن
خروجها من أجل أمر مستحب يكون مندوباً ، و أن خروجها من أجل أمر مباح يكون مباحاً ، و أن خروجها من أجل ارتكاب مكروه أو حرام يعد مكروهاً أو حراماً . و بالتالي فإن خروج المرأة من بيتها للمشاركة في العمل الإسلامي يأخذ حكمه من الحكم لشرعي في مشاركة المرأة في العمل الإسلامي و هل هو واجب أو مندوب أو مباح ، كما سنشرحه بعد قليل.
السبب الثاني أنانية الرجال :
من أسباب ضعف دور المرأة المسلمة في العمل الإسلامي : أنانية الرجل . كثير منا يحب الرحلة و التمتع بمباهج الحياة الدنيا ، و يصعب عليه أن يحتمل شيئاً من التعب ليترك لزوجته فرصة المشاركة في العمل الإسلامي . الرجل يحب إذا رجع إلى البيت أن يجد الطعام الشهي حاضراً ، و أن يرى بيته نظيفاً مرتبا ً ، و أن يلقى أولاده على أحسن حال ، و أن تكون زوجته متفرغة ً له ، و هذا حق الزوج و سبب سعادة البيت بلا جدال ، لكن التشدد الدائم من قبل الرجال و عدم تنازلهم عن شيء من هذه الحقوق يجعل المرأة المسلمة لا تجد وقتا للخروج من المنزل من أجل اللقاء بأخواتها المسلمات فتتلقى درساً أو تعطي درساً أو تشارك في عمل يساهم في إصلاح المجتمع ، أو في بناء مجتمع نسائي إسلامي جديد .
إننا نريد أن نعيش دنيانا بالكامل ثم ندّعي أننا مجاهدون أو دعاة نسعى لاستئناف حياة إسلامية و بناء مجتمع إسلامي جديد ، و هل يمكن أن يقوم المجتمع الإسلامي المنشود على الرجال دون النساء ؟ إن المرأة نصف المجتمع من حيث الكم و لكن تأثيرها في إصلاح المجتمع و إفساده ربما يكون أكثر من ذلك بكثير لأنها مربية الأجيال و صانعة الرجال . و كيف يمكن للمرأة أن تربي أبناءها ليكونوا أصحاب عقيدة و رسالة إذا لم تكن هي صاحبة عقيدة ، و كيف يضيء قلبَها نورُ الرسالة إذا كان كل وقتها و همها مُنصَبّاً على أمور تحضير الطعام و ترتيب البيت و رعاية الأولاد و التزيّن للزوج ؟ .
قد يقول بعضنا إنه يهيئ لزوجته و أولاده أوقاتاً خاصة في المنزل من أجل الاهتمام بالمسائل الإسلامية فتجلس العائلة كلها تتلو كتاب الله تعالى أو تفسره ،أو تطلع على دراسات شرعية أو تتباحث في أمور الدعوة والإٍسلام, لكننا نقول إن هذا الجو الإسلامي في البيوت لا يقدر عليه إلا القليل النادر من الرجال,وهو في كل الأحوال ليس كافياً أبداً لأن ساحة المجتمع النسائي أوسع بكثير ,ولأن حاجة النساء المسلمات لمثل هذه المرأة التي تعيش في بيتها مثل هذا الجو الطيب لا تقل عن حاجة أولادها لها بل هي أكثر بكثير,وبالتالي فإن خروج هذه المرأة من بيتها للمشاركة في العمل النسائي أكثر وجوباً عليها من غيرها من النساء. لا بد لكل واحد منا أن يسأل نفسه,وأن يجيب بصدق وصراحة .
هل هو جاد في الدعوة لإحياء مجد الإسلام من جديد ؟. هل الإسلام له من نفسه ووقته وهمه المقام الأول؟هل هو مستعد للتنازل عن بعض متاع الحياة الدنيا من أجل خدمة الإسلام ؟
هل يمكن بناء أمة الإسلام وإقامة حضارة الإسلام بالرجل دون المرأة ؟
وهل يمكن أن تنهض الدعوة الإسلامية بين النساء إذا لم تشارك زوجاتنا وبناتنا جميعاً؟
وهل يمكن أن تشارك زوجاتنا وبناتنا في العمل النسائي الإسلامي إذا لم تساعدهن على ذلك بالتنازل عن بعض حقوقنا أو بالمساهمة معهن في بعض أمور البيت أم إننا انسياقاً مع عنفوان الرجل وأنانيته ننسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يساعد زوجاته في شؤون وأمور البيت عند حاجتهم إلى ذلك وكان يقول عليه الصلاة والسلام(خيركم خيركم لنسائهم ..) رواه الترمذي.
والعمل الصالح مطلوب من المرأة والرجل على حد سواء لأنه النتيجة الطبيعية للإيمان,لذلك فإنك حيثما رأيت الإيمان في كتاب الله تعالى رأيت معه العمل الصالح,فكلما ذُكرِ الإيمان ذكر معه العمل الصالح ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال تعالى( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) .
ولذلك قال تعالى(مَن عمل صالحا ًمن ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)والعمل الإسلامي اليوم جزء من العمل الصالح لأن محور الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي لإقامة حكم الله في الأرض,وكل هذه من الواجبات الشرعية المطلوبة من الرجال والنساء على حد سواء. قال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم).
إذا كانت المرأة المسلمة مطالبة بالواجبات الشرعية التي يطالب بها الرجل إلا أن هذا لا يمنع وجود أولويات بالنسبة للرجل وبالنسبة للمرأة عندما تتزاحم أمامهم الواجبات بحيث لا يمكن القيام ببعضها إلا مع التقصير بالبعض الآخر. وبما أن حديثنا يدور عن المرأة فلنتكلم إذاً ًعن سلم الأولويات بالنسبة إليها.
جاءت أسماء بنت يزيد الأنصارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت(إنما أنا وافدة النساء إليك إن الله بعثك للرجال والنساء كافة فآمنا بك وبالله و ها نحن معشر النساء محصورات مقصورات , قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم ,فأنتم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج, وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله . .وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمرا ًحفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا أولادكم فهل نشارككم في الأجر؟فالتفت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال:هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن في مسألتها من هذه؟قالوا يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تُهدَى لمثل هذا. فقل رسول الله صلى الله عليه وسلم(اعلمي أيتها المرأة وأعلمي مَن خلفك أن حسن تبعُّل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته وأتباعها موافقته يعدل ذلك كله ) .
لاجدال إذاً أن الأولوية في عمل المرأة المسلمة إنما هي لواجبها في البيت, ولكن هل الأولوية تعني إلغاء الواجبات الأخرى خارج البيت؟هذا ما لا يقول به أحد ,بل على المرأة المسلمة أن توازن بين واجباتها الشرعية المختلفة و تحفظ لواجبات البيت الأولوية الكاملة إذا تزاحمت أو تعارضت مع الواجبات الأخرى . و لقد رأينا في سيرة الرسول (ص) كيف كانت المرأة المسلمة تخرج مع المجاهدين في سبيل الله تداوي الجرحى و تقاتل عند الحاجة ، و هذه رفيدة الأسلمية و نسيبة المازنية و خولة بنت الأزور و أم سليم و غيرهن كثيرات و قد أفرد البخاري في صحيحه باباً بعنوان ( خروج النساء مع الغزاة في سبيل الله ) ، و روى فيه عن إحدى الصحابيات قالت ( كنا نغزو مع رسول الله نسقي القوم و نخدمهم و نرد القتلى و الجرحى إلى المدينة ) .
إن الخروج للجهاد في سبيل الله لم يفرض على المرأة لأنها مشغولة بحق زوجها و بيتها كما يقول الفقهاء ، و لكن إذا أذن لها الزوج أو أخذها معه للجهاد لا يكون عليه أو عليها أدنى حرج بل لهما معاً ثواب المجاهدين في سبيل الله ، أما إذا هجم العدو على بلاد المسلمين و أصبح الجهاد فرض عين على الجميع عند ذلك يجوز للمرأة أن تخرج للجهاد من غير إذن زوجها كما يخرج الولد بدون إذن أبيه ، و هذا مما لا خلاف في رأي جمهور العلماء لأن حقه في ملازمة زوجته البيت واجب عليها .
أما خروج المرأة المسلمة من بيتها لحضور صلاة الجماعة مع الرجال في المساجد العامة فهو أمر مشروع وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها )رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية أخرى لهما أيضا(إذا استأذنكم نساءكم بالليل إلى المسجدً فأذنوا لهن )وقال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )رواه مسلم.
صحيح أن صلاة المرأة في بيتها أفضل لحديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها, وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) رواه أبو داود بإسناد صحيح . لكننا نذكر بأن صلاة الجماعة بالنسبة للنساء لا تزيد على كونها مباحة مشروعة ومع ذلك فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال عن منع النساء منها إذا أردن الخروج لذلك واعتبر العلماء هذا النهي نهي تنزيه فلو منع الرجل امرأته من الخروج إلى المسجد لم يحرم عليه ذلك في رأي جمهور العلماء لأن حقه في ملازمة زوجته البيت واجباً عليها فليس لها أن تتركه من أجل فضيلة صلاة الجماعة.
أما إذا كان خروج المرأة من بيتها من أجل القيام بواجب شرعي ، فليس للزوج عند ذلك منعها كما لو كان خروجها للجهاد إذا اعتدي على بلاد المسلمين ، فقد اتفق العلماء كما ذكرنا على وجوب الجهاد في هذه الحالة على الجميع و أن المرأة تخرج بغير إذن زوجها .إننا نتساءل : إذا كان الاعتداء على بلاد المسلمين يوجب على المرأة الخروج للجهاد ألا يكون الاعتداء على الإسلام نفسه في بلاد المسلمين موجباً لخروجها من البيت من أجل المساهمة في الدفاع عن الإسلام ؟ عندما تُعطَل شريعة الله و يسود المنكر و تُفرَض القوانين الوضعية و الأعراف الجاهلية ألا يكون من واجب المرأة الخروج للدعوة إلى الله تعالى و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، إننا نلاحظ في عصرنا هذا أن إسلامنا معرض للخطر و أن الشعوب الإسلامية كلها في دائرة الخطر و أن واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعوة إلى الله و السعي لاستئناف حياة إسلامية تحكمها شريعة الله ، كل ذلك من أهم الواجبات الشرعية المطلوبة من أمة الإسلام كلها رجالاً و نساءً و للمرأة دورٌ كبير في هذا المجال يفرض عليها الخروج من منزلها و يفرض على زوجها أن يأذن لها بذلك لتسهم بدورها في بناء مجتمع نسائي مسلم يكون جزءاً من المجتمع الإسلامي المنشود ، إننا نتحدث هنا عن خروج المرأة من بيتها من أجل عمل إسلامي يرضي الله ويساهم في الإصلاح ولا نقصد ما قد تفهمه بعض النساء من خروج من البيت تحت ستار العمل الإسلامي وليس هناك إلا زيارات مليئة بالثرثرة والغيبة والنميمة وهتك الأعراض والهمز واللمز,إن القضية أمانة ورسالة, ولا بد أن تستيقن المرأة المسلمة أن واجبها الأول في بيتها وحين تخرج فلا يصح أن يكون ذلك إلا لواجب آخر فيه مرضاة رب العالمين . إذاً على المرأة واجب شرعي خارج البيت,فيجب عليها الخروج للقيام بهذا الواجب ويجب على زوجها,أن يسمح لها ورأينا هذا في معرض الكلام عن الجهاد في سبيل الله عندما يصبح فرض عين عند هجوم العدو على بلد من بلاد المسلمين وهناك أمثلة أخرى لسنا الآن بصدد ذكرها لأن الموضوع الأهم هو معرفة ما هو تصورنا للدور العظيم, دور المرأة في العمل الإسلامي المعاصر حتى يكون خروجها لأداء هذا الدور واجباً أو مستحباً أو مباحاً من الناحية الشرعية ؟
من المعروف أن الهدف النهائي للعمل الإسلامي المعاصر تطبيق شرع الله سبحانه وحكمه في الأرض وأن هذا الهدف يمر بمجموعة من الأهداف المرحلية ألا وهي بناء اللبنة الأولى ألا وهو الفرد المسلم, ثم البيت المسلم يتلوها بناء المجتمع المسلم ثم بناء الدولة الإسلامية حيث يرجع الحكم في كل أمر إلى الله عز وجل (إن الحكم إلا لله ).
* أديبة وشاعرة سورية تعيش في المنفى