الرسالات السماوية..!
صالح خريسات
حين ندقق في بعض التفاصيل،ذات الصلة بالديانات السماوية الثلاث،نجد أن كلمة الإسلام،ذاتها موقف،إذ هي جاءت من تسليم الوجه،لله سبحانه وتعالى،وتلك لغة القرآن الكريم،في التعبير عن الرسالات السماوية.فالنصرانية،من النصرة، واليهودية،من الذين هادوا إلى الطريق،أو هادوا عنه.وهذا يعني،أن المسلمين ليسوا هم فقط، أتباع سيدنا محمد عليه السلام.بل إن إبراهيم عليه السلام،هو الذي "سماكم مسلمين" وإن من بين اليهود، ومن بين النصارى، من هم المسلمين، وبالتالي، فإن مسألة عالمية الإسلام، تكون صادقة ومنطقية،إذا قبلنا بفكرة المسلم النصراني،أو المسلم اليهودي،فجميعهم يلتقون في تسليم الوجه لله تعالى، بالطريقة التي عبر عنها أبو الأنبياء "أسلمت وجهي لله تعالى" فلا يصح والحالة هذه، أن نلزم المسيحي، بإتباع محمد عليه السلام، والتخلي عن ديانته النصرانية، ليكون مسلماً، ولا نلزم اليهودي، في التخلي عن يهوديته ، ليكون مسلماً، فهم في عداد المسلمين،إذا اسلموا الوجه، والنية لله تعالى،وهكذا،فالتصور الإسلامي،لا يلغي الشكل،أو المظهر، ولكنه يعطي الأولية للموقف والأداء .
لقد عاب المسلمون على المفكرين الغربيين ، حين أطلقوا لقب "المحمديون"على أنباع سيدنا محمد عليه السلام ، وقالوا إن هدفهم ، ربط الديانة الإسلامية بشخص النبي محمد ، وفصلها عن الوحي من السماء، أو إلغاء فكرة تنزيلها ، والواقع أننا نجد القرآن الكريم ، أطلق على المسيحيين هذا الاسم، نسبة إلى المسيح عليه السلام ، وأطلق على اليهود هذا الاسم ، نسبة إلى هود عليه السلام .وبمقياس الفكرة ، فليس غريباً أن يطلق على أتباع سيدنا محمد عليه السلام "المحمديون" ما دام القرآن الكريم، جعل ذلك منهاجاً.
إن نظرة مقارنة بين الديانات السماوية الثلاث ، والحضارات التي نشأت معها، نجد أن المسيحية، ولدت في بيت لحم بفلسطين، وكانت تابعة للرومان. وقد حارب الرومان المسيحية، ودافعت مصر عن المسيحية، ثم قامت بنشرها، حتى وصلت بها شمالاً إلى ايرلندا . وجنوباً الى الحبشة . ومكنت لها بالعلم، حين كتبت أشهر ما في تراثها الفكري، والديني، على يد يوخوميوس، وأناسيوس، من الآباء المصريين ، على نحو مما ذكرته مصادر التاريخ. إذن نشر المسيحية، والتمكين لها، جاء من خارجها ، وليس من القوم الذين أرسل إليهم عيسى عليه السلام. ولما اعتنقتها الرومان في النهاية ، استقطبتها حضارتهم، التي قامت على الغزو، والسيطرة في طابعها العام. والتي ورثت من الناحية الفكرية، الحضارة اليونانية، التي تتلمذت بدورها على الحضارة المصرية القديمة . إن المسيح، أو عيسى بن مريم عليه السلام، لم يكن حوله إلا تلاميذه، أو حواريوه .. هنا خاصية الخاصة لا عمومية .
وإذا رجعنا قليلاً إلى الوراء ، نجد اليهود " المكايبيون " يعارضون إقبال الناس على اليهودية .. وهنا بدأ الصراع بين اليهود أنفسهم . فلما بطش " بختنصر " بهم، ونفى جماعات منهم إلى أرض بابل ، وهو ما يعرف " بالاكسودوس " أو الخروج ، انكسرت شوكتهم . وبدأ الشتات أو " الدياسبورا " الذي تكرر في عهد الرومان، فلم ينصفهم إلا الإسلام ، الذي أفسح لهم بتسامحه، مكاناً في دولته، خاصة في الأندلس .
أما الحضارة الغربية ، أي الحضارة الحديثة ، فهي تنسب أصولها – باستثناء المنصفين منهم – إلى الحضارة الإغريقية ، أي الهلينية ، وهي كما ذكرت ، قامت على الحضارة المصرية .. كما أن الحضارة الإسلامية ، قامت بترجمة الحضارة الإغريقية . وبهذا وفرت على أوروبا، ألف عام على الأقل . ولهذا بعد، تفصيل عريض .
ولكن الإسلام خط سيره ، مختلف ،فقد وحد القبائل في أمة . ثم مهد، منذ هجرته إلى المدينة، لنظام مجتمع، ودولة ، تبلورت في خلافة أبي بكر، وعمر . ثم صارت هذه الخلافة ملكاً ، في عهد بني أمية . ثم صارت إمبراطورية ، في عهد عبدالملك بن مروان . ثم صارت للإمبراطورية حضارة إسلامية ، في عهد العباسيين .
هذه الحضارة الإسلامية ، قام بها المسلمون، على اختلاف جنسياتهم، تصديقاً لقول الرسول الكريم : " بعثت إلى الناس كافة " في عملية مؤاخاة بين البشر .فلم تعرف دولة الإسلام النعرة الجنسية . هذا حين شاع التعصب للجنس، إلى حد النعرة في الأمم القديمة، والوسطى، والحديثة أيضاً .. وما قول هتلر بتفوق الجنس الآري ببعيد . وما قول اليهود، بشعب الله المختار كما يبدو بخاف .
إن اليونان اعتبروا أنفسهم الأعلى، والآخرون برابرة . وقسموا الشعب في بلادهم، إلى سادة وعبيد . واحتقروا العمل اليدوي، واستنكفوا منه ، واستمروا في معاداة هذه النظرة الشمولية، التي تستند إلى حقائق ثابتة، تتجلى في وحدة الإنسانية ، من خلال وحدة الديانات السماوية الثلاث، اليهودية، والمسيحية، والإسلامية .فجميع هذه الديانات، جاءت من عند إله واحد، هو رب الإنسان، ورب الناس كافة.
إن اليونانيين عاشوا الفراغ بلهوه وعبثه ، فجنت عليهم البطالة . وفي النهاية، قضى عليهم المتدينون، الذين كانوا يحتقرونهم بقيادة الاسكندر.والرومان في قوانينهم، نصوا على أفضلية الروماني،حتى كان التجنس بالجنسية الرومانية، وسيلة للوصول إلى الطموحات الشخصية، وتحصيل الثروة. أما الصينيون، فإنهم يقولون من خلال سور الصين المشهور، أنهم في غنى عن سواهم، أي أنهم الأعلون . والهنود البراهمة، يصنفون أنفسهم، بأصحاب الطبقة العلوية القريبة من إرادة الله ومحبته.
وحين لم يعتد ابن خلدون في مقدمته ، والمسعودي في مروجه الذهبية باللون الأبيض، جعلته أوروبا، إمارة تفوق، ومظهر امتياز، حتى بلغ الإزدهار بـ " هيوستون ستورات تشمبرلين حداً ألف معه كتابه " أسس القرن التاسع عشر، وعزا فيه كل معطيات الإنسان المتحضر، إلى الجنس الآري، أو الهندي الجرماني .وهكذا تستمر المنافسة بين بني البشر ولكن على أسس واهية ، إذا ما علمنا أن الأصل واحد، والرب واحد، والمغزى في التاريخ واحد.