المناهج الغربية .. الممانعة والمثاقفة

د. محمد سالم سعد الله

المناهج الغربية .. الممانعة والمثاقفة

د. محمد سالم سعد الله

دار الأرقم لبنة علمية فتية تسعى لرسم مشهد المعرفة العلمية في مدينتنا ، لتنطلق من ثمّ إلى احتضان الحاضر وتتطلع جاهدة لامتلاك المستقبل ، وإرساء قواعد لمعرفة إسلامية في الأوساط الجامعية والعلمية فـي القطر ، كما أنه يمثل ضرورة لتحقيق التواصل والتطوير في مشروع الإسلامية ، التي أصبحت خيار الأمة الوحيد بعد يأسها من الحلول الجاهزة ، ويعمل في دار الأرقم نخبة من الشباب المؤمن بفكرة أحقية الإسلام بأن يكون هو النظام البديل لكلّ ما هو موجود من أنظمة على كافة الأصعدة ، سواء الاقتصادية منها أو الفكرية أو القانونية أو الأدبية .. ، من أجل الوصول إلى تحقيق مقولة : ( الإسلام هو الحلّ ) ، وتحقيق الشهود الحضاريّ لهذه الأمة ، وأداء لواجب الإنسان على هذه الأرض والمتمثل بالخلافة ، وبذلك تمثل عبودية الإنسان لربّه ، كما أرادها الله سبحانه منه .

في ظلّ ذلك أقام دار الأرقم للبحوث والدراسات ضمن نشاطاته المعرفية والثقافية ندوة : ( المناهج الغربية .. الممانعة والمثاقفة ) في كلية التربية قاعة الأزدي ، والسؤال المطروح في هذه الندوة هو : أين نقف نحن اليوم من التوجهات المنهجية الغربية في الميادين المختلفة ، هل نكون ضمن المتشككين ، أم ضمن المنحنين إجلالاً وإكباراً للنتاج الغربيّ المنهجيّ ، أم نكون انتقائيين وتلفيقيين ، ونحو ذلك ،  ومن الجدير بالذكر تمثل المناهج الغربية معطيات معرفية لا تخلو من القصدية ، وتقدم رؤية حية للتوجهات العقدية التي تزدان بها ساحة ثقافية مخصوصة ، وقد أعلنت في سنين خلت براءتها ونقاءها المعرفي وأنها لا تستند إلى توجهات فلسفية تكتنـز تحيـزاً ! .

وقد تحدد منهج الندوة بالبدء بتلاوة معطرة لآياتٍ من القرآن الكريم ، ثم كلمـة مدير دار الأرقـم الأستـاذ : ( خالد عثمان ) ، ثم قُدِمت ثمانية بحوث بجلستين ، ضمت الجلسة الأولى أربعة بحوث هي : ( المناهج الغربية : هل هي غربية وهل نحن بحاجة إلى التغيير وكيف ؟ ) ، للدكتور إبراهيم خليل العلاف ، وبحث : ( موقف المنصفين حيال المناهج الغربية ) ، للدكتور عبد المحسن قاسم ، وبحث الدكتور موفق سالم نوري حول ( نظم إنتاج المفاهيم وتأسيسها ـ رؤية حركية ـ ) ، وبحث : ( الحوار مع الآخر : صراعات الهيمنة ، ورهانات التثاقف ) ، للأستاذ سعد الزيباري .

أما الجلسة الثانية فقد ضمت البحوث الآتية : ( خصائص العمارة الإسلامية في مواجهة المناهج الغربية ) للدكتور عبد الله يوسف الطيب ، وبحث : ( الإسلامية الأدبية ومشكل التعايش مع العقليات المفارقة ) ، للدكتور صالح العبيديّ ، وبحث الدكتور محمد سالم سعد الله والموسوم بـ( النقد المهجن : دراسة في فاعلية النقد العربي المعاصر ) ، وبحث : ( صراع الحضارات .. أم تلاقح الحضارات والشعوب ) ، للأستاذ مازن النعمة .

وقد أثارت هذه البحوث جملة من الأسئلة والتعقيبات والمداخلات التي أسهمت في بيان طائفة من الإشكاليات منها : أنّ الوحي لا ينتج مفهوماً ـ ردّ على قول الدكتور موفق سالم أنّ الوحي هو المصدر الأول لإنتـاج المفاهيم ـ فالوحي لا ينتج مفهوماً لأنه هو المصدر الأول والأساسيّ لبناء المعرفة الإنسانية ، وبناء المعرفة يتوقف على بناء الاصطلاح في مساحات متعددة ومتنوعة ، ويقود ذلك إلى الدخول في عملية مفهومية تُوصل إلى إدراك ما يسمى بـ( المفهوم ) فالتسلسل النظريّ في علوم الابستمولوجيا المعاصرة ، يعلن أن اكتساب المفاهيم يكون عن طريق المعادلة الآتية : ( صياغة نظريات + إبداع مصطلحات + صناعة مفاهيم ) .

ومن القضايا المهمة التي طُرِحت في هذه الندوة وجود أو عدم وجود خلفية فلسفية وعقدية للمناهج الغربية بتنوعاتها ، وقد كانت الآراء في هذا السياق تصب في جانبين : الأول يقول ببراءتها ، ووصفها بأنها تمثل مجموعة من الآليات التي يمكن توظيفها توظيفا معرفياً وهي لا تستند إلى توجه عقدي أو لا تحمل مشروعا فلسفياً معيناً ، أما الجانب الثاني فكان على الضد من ذلك ، إذ أكد هذا الأخير أنه لا يوجد أي منتوج أدبي أو فني من دون رؤية فلسفية ومن دون أرضية فكرية ينطلق منها ، لأنها إن تكن كذلك كان سعيها عبثا وتوجهاتها عدما ، فنظرية البراءة قد سقط قناعها ، ولم تعد قادرة على إخفاء ذلك فهي متحيزة ومتجذرة في تحيزاتها ، فلا يوجد فصل حتمي بين المنتوج والمنتج ، أي لا فصل بين الأداة والفكرة ، لا فصل بين المنهج والفلسفة ، للمناهج هوية محددة لها صلة وثيقة بالفكر والعقيدة والفلسفة التي انبثقت عنها .

وفي الختام يسعى دار الأرقم لصناعة الحياة وهو هدف تسعة إليه جميع الأصوات وتزدان به جميع البحوث ، حياة تفتح آفاقاً معرفية جديدة للمشتغلين في دائرة الشريعة الإسلامية ، وفي دائرة تطوير المشروع الإسلامي وصولاً إلى إنتاج البرامج المؤسسية للعلوم الإنسانية المختلفة ، وإعادة صياغتها وفقاً للرؤى الشرعية بمنهجية معرفية وأكاديمية دقيقة في محاولة لإعادة الإسلام إلى الحياة : عقيدة وشريعة ، توجهاً وسلوكاً ، هذا وقد مُنِح المشاركون الهدايا مع الشهادات التقديرية ، ثم توجه مدير المركز بخالص شكره وتقديره للمشاركين ، على أمل اللقاء بهم في ندوات مقبلة إن شاء الله تعالى ، فالأرض محرابنا ، والإنسان عدتنا ، والله عزّ وجلّ مقصدنـا وقبلتنا .