إشكالية المرأة في المسرح الإسلامي

رابطة الأدب الإسلامي

وإشكالية المرأة في المسرح الإسلامي

بقلم : صالح البوريني ـ عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

بعنوان إشكالية المرأة في المسرح الإسلامي, ألقى الأستاذ نجدت كاظم لاطة * محاضرة في رابطة الأدب الإسلامي العالمية في عمان مساء يوم السبت 4/10/ 2003، تحدث فيها عن أهمية دور المرأة المسلمة في المسرح الإسلامي وضرورة حضورها الفاعل فيه جنباً إلى جنب مع الرجل كما أثبتت حضورها فعلياً في مواقـع كثيرة أخرى في الحياة.

وقام الدكتور مأمون جرار رئيس مكتب الرابطة بتقديم الأستاذ المحاضر ثم بالتعقيب على المحاضرة مستشهداً ببعض الاقتباسات المختارة من بحث بعنوان "المسرح الإسلامي في آثار الدارسين" شارك به في المؤتمر الثاني لكلية الآداب الذي عقد في جامعة الزرقاء الأهلية وحضره عدد من الدارسين والباحثين المختصين وقامت الجامعة بنشر بحوثه وأوراقه في كتاب مستقل بعنوان "الأدب الإسلامي ؛ الواقع والطموح".

طرح جريء:

تطرح المحاضرة قضية مشاركة المرأة في المسرح الإسلامي باعتبار المرأة عنصراً لازماً لتوازن المعادلة القائمة على التكامل بين دور الرجل ودور المرأة في المشهد المسرحي. فإذا كان المسرح صورة مصغرة عن الحياة, وإذا كنا عاجزين عن تصور الحياة من غير وجود المرأة, فلا شك أن حركة المسرح ستكون مختلة من غير وجود المرأة ‍‍‍‍‍‍‍‍؟ وإذا كان للمسرح رسالة اجتماعية دعوية وتوجيهية فكيف يمكن له أن يؤدي رسالته مع وجود هذا النقص؟‍‍‍‍‍

يتبنى الأستاذ نجدت الدعوة الصريحة إلى حضور المرأة الملتزمة على المسرح, ومزاولتها مهنة التمثيل, ويرى أن هذا الحضور والمزاولة واجب شرعي تفرضه الحاجة إلى إيجاد مسرح وتمثيل إسلامي ملتزم ؛ يستطيع أن يجذب المشاهد وينتزع إعجابه ويثير دهشته ويطرح في الوقت نفسه قيم الإسلام ومبادئه في صورة توائم بين الأصول والقواعد الشرعية وبين عصرية الحياة الواقعية.

  موقف بعض الفقهاء المعاصرين:

ويعرض لموقف اثنين من الفقهاء المعاصرين هما الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ مصطفى الزرقا  رحمه الله  الذين أجازا ظهور المرأة على المسرح ضمن الضوابط الشرعية .

بينما منع جمهور علماء المسلمين المعاصرين ذلك ولم يجيزوه، وذلك لأنهم لا يتكئون  في تقدير الأستاذ المحاضر  على فن التمثيل عموماً ولا يرونه من لوازم العمل الدعوي ولا من أولويات العمل الإسلامي.

ويرى أنه من الخطأ القبول بواقع يفرض فيه على المسلمين أن يشاهدوا مسرحاً وتمثيلاً منفلتاً من الإطار الشرعي على المسارح وعبر القنوات الإعلامية المسموعة والمرئية بينما يقبع الفن التمثيلي الإسلامي في زاوية ضيقة تحيط بها أسوار الفتاوى التي تحرم التمثيل عموماً أو التي تحرم ظهور المرأة على المسرح في كامل احتشامها والتزامها. وينتقد أن يتبنى كثير من العلماء فكرة الاستغناء عن فن التمثيل كلياً وأن يعتبروا العمل في ميدانه الحالي عملاً محرماً؛ الأمر الذي يؤثر على موقف الفنانين التائبين فيحتجب بعضهم عن العودة للتمثيل بعد توبتهم ويعمدون إلى الاعتزال الكلي كما فعل الفنان محمد العربي والفنانة شمس البارودي.

ويشيد بتجربة الفنانيين التائبين الذين حاولوا الجمع بين الالتزام ومزاولة الفن التمثيلي مع محاولة تطويع الفن للأحكام الشرعية وتوجيهه لخدمة الدعوة؛ كما رأينا في دور الفنان التائب حسن يوسف في مسلسل (إمام الدعاة) الذي عرض سيرة حياة الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى.

موقف بعض النقاد الإسلاميين:

وأما موقف النقد الإسلامي فينقسم إلى معارض ومؤيد؛ ويعرض المحاضر موقف المعارضين ببيان رؤية عدد من الكتاب والنقاد الإسلاميين مثل الدكتور عبد القدوس أبو صالح؛ الذي يرى أن ظهور المرأة على المسرح قضية شائكة ويميل إلى استبعادها عن هذا المجال, والدكتور عماد الدين خليل الذي يميل إلى استعمال التكتيك ليستغني عن حضور المرأة  وأن الفصل في القضية هو مسؤولية الفقهاء, ومحمد مصطفى هداره الذي يعتبر غياب المرأة عن المسرح الإسلامي هو خصوصية لهذا المسرح.

وأما موقف المؤيدين فلا يظهر إلا في كتابات نجيب الكيلاني وعبد الله الطنطاوي؛ هذا في حدود ما وصل إليه بحث الأستاذ المحاضر الذي أكد أن المسرح الإسلامي ليس له وجود فعلي على الساحة إلا في حدود المحاولات في المدارس والجامعات مع غياب المرأة كلياً؛ وقرر أن تغيير النظرة المتشددة عند الإسلاميين للتمثيل هو الخطوة الأولى على طريق بناء المسرح الإسلامي.

تساؤل:

وتساءل المحاضر عن سر وجود المرأة في النص المسرحي المكتوب لدى باكثير والكيلاني والدكتور عماد الدين خليل وسواهم من كتاب النصوص المسرحية الإسلامية وغيابها عن واقع الحركة المسرحية الفعلية. وكأنه يريد أن يقول : هنا تكمن الإشكالية.

لقد استطاع المسرح  وهو فن وافد على الثقافة العربية والإسلامية  أن يحتل مكانه في ثقافتنا العربية والإسلامية المكتوبة بصورة شاملة لا تستثني دور المرأة. أما وجوده الفعلي بهذه الصورة أمام النظارة فلم يتحقق إلا في الإطار المنفلت من الالتزام بالضوابط الشرعية؛ حيث ظهرت المرأة العربية على خشبة المسرح من غير التزام بالأحكام الشرعية التي يفرضها الإسلام عليها فيما يتعلق بطبيعة الدور واللباس والزينة والصوت والحركة. وهذا الظهور المنفلت من الإطار الشرعي هو الذي عجزت المرأة الملتزمة عن ممارسته فشغر مكانها على المسرح الإسلامي. الأمر الذي تطلب محاولة التعويض عن فقد دورها بإسناده حيناً إلى ممثل يتقمصه , أو الاستعاضة  حيناً آخر عن حضورها الشخصي على المسرح بإظهار صوتها فحسب , أو الاستغناء عن دورها بالكلية أحياناً .

استغراب:

واستغرب المحاضر أن يكون المجتمع الإسلامي المعاصر قد رضي  في معظمه  بوجود المرأة في مجال العمل الطبي والاقتصادي والتعليمي في المستشفيات والمدارس والبنوك الإسلامية وسواها من المجالات التي تعمل فيها المرأة مع الرجل, ولم يرض لها أن تقوم بتأدية دورها في المجال المسرحي خصوصاً والفن التمثيلي على وجه العموم .

وأكد أن واقع الحركة المسرحية والفن التمثيلي الإسلامي لا يعاني من غياب المرأة فحسب, بل هو يعاني من الإهمال والتهميش , في الوقت الذي ينشط الفن التمثيلي المنفلت من الضوابط الشرعية أيما نشاط, ويتعرض المجتمع العربي والمسلم لسيل جارف من المسرحيات والتمثيليات عبر وسائل الإعلام المختلفة تكرس كلها  واقع الانفلات وقيمه الدخيلة.

وأكد أن مواجهة تيار الانفلات الذي يجتاح مجالات الفن التمثيلي عموماً والمسرحي على وجه الخصوص تحتاج إلى توظيف المال والإمكانات باتجاه امتلاك الوسائل وتطوير القدرات لإرساء دعائم فن إسلامي ملتزم, ومسرح إسلامي متطور, تجتمع فيه أطراف المعادلة, وتتكامل فيه عناصر المشهد المسرحي المؤثر, مع العلم بأن هناك نخبة من الشباب الذين أثبتوا جدارتهم على خشبة المسرح وقدموا عروضاً مسرحية نالت إعجاب الجمهور في مواقع مختلفة, يمكن أن يكون لبنات قوية في بناء دراما مسرحية إسلامية متكاملة.

تعقيبات الحضور:

وقد تميزت التعقيبات التي جاءت بعد المحاضرة بالتنوع والغزارة والحدة أحياناً, فقد أثرى عدد من الأساتذة والمختصين والمهتمين من الحاضرين بتعقيباتهم ومداخلاتهم  في حدود الوقت المتاح  موضوع المحاضرة بما قدموه من تساؤلات وأفكار.

وتراوحت وجهات النظر بين التأييد الذي يأخذ بالتدرج والتساهل والتكيف مع الواقع وهو ما يذهب إليه المحاضر، والتأييد الحذر المشروط بتوفر الضوابط الشرعية التي لا تحابي الظروف ولا تقدم أي تنازلات, والمنع الذي يعني إغلاق هذا الباب إغلاقاً تاماً أخذاً بالقاعدة الشرعيةدرء المفاسد أولى من جلب المصالح) بينما رأى فريق آخر أن هذه القضية من الأهمية والجدارة بحيث تستحق أن يقول أهل العلم الشرعي والفقهاء المختصون فيها قولاً جامعاً مانعاً, وأن تتولى المجامع الفقهية مسؤولية الإفتاء فيها, وأن لا تظل موضع حيرة بين فتاوى فردية واجتهادات قاصرة.

وقد شاركت المرأة في المداخلات والتعقيبات مشاركة فعالة تجسدت في كلمات الشاعرة نبيلة الخطيب والقاصة نافذة الحنبلي وعدد من الأخوات الحاضرات؛ تلخصت في المطالبة بالتعامل مع هذه القضية بوعي يجمع بين الالتزام الشرعي وتوظيف دور المرأة توظيفاً دعوياً في إطار عملي يضمن لها عفتها, ويصون شرفها ويحفظ لها كرامتها, ويحميها من أن تكون ألعوبةً رخيصةً أو شمعةً لا تضيء إلا إذا احترقت  .

 

* نجدت كاظم لاطة : باحث وكاتب سوري مقيم في الأردن , له إسهامات في الكتابة النقدية في مجال المسرح والأفلام السينمائية .