عندما تخاصم الفتوى النص
عندما تخاصم الفتوى النص
(فتوى الأزهر نموذجاً)
علاء الدين آل رشي *
على عاتق السلطات السياسية والثقافية - على تباين مضامينها - تقع الكثير من المهام، ولئن عاب المثقف على المؤسسات السياسية العربية تحالفاتها غير المقبولة، ونكساتها المستمرة وهيمنة الذهنية المخابراتية على فصائلها وطول أذرعتها الأمنية وكثرة ظروفها الاستثنائية والطوارئية، وحرصها على إشاعة كمّ الأفواه ونشر ثقافة الصمت.. لئن عاب المثقف العربي المسلم هذا على السلطات السياسية وطالبها بإقامة دولة العدل والشورى وحقوق الإنسان، فإنه أشد نقداً للمرجعيات الدينية التي ارتضت الجري وراء خطاب ماوراثي مؤكدة على حوار الأموات والعيش في شرنقة الماضي والغربة عن الزمان والمكان، وتحويل الدين إلى تجادلات فقهية موظفة في سياقات الاستبعاد عن الحياة، أو إلى طبول تقرع في مواكب المستبدين، ويقع اللوم أشداً عندما تفرز هذه المرجعيات نصوصاً تخاصم الواقع وعندما تصدر فتوىً تسيّر القرآن في ظل السلطان وهذا يحدث خللاً بيناً يعرض النص الديني بأكمله للانتهاك إذ أخرج عن دلالته لمنظومة متجانسة من الأفكار وهذا ما يعمق الشبهة المتزايدة حول تلك المرجعيات التي مع تقادم الزمن ستكون مرجعيات مزورة مستعارة وكنموذج لأزمة المؤسسات الدينية وإصدارها فتاوى تخاصم النص والواقع ولا تعقد قران كلمات الله على الحياة تلك الفتوى الغريبة التي أصدرها شيخ الأزهر سيد طنطاوي مؤخراً والتي يطالب فيها المسلمين بزيارة الأقصى لمؤازرة الفلسطينيين.
والمستهجن من هذه الفتوى غير غربتها عن الحياة والواقع وعدم فقهها بكثير من الملابسات وقراءتها للخريطة السياسية جيداً وما يمكن أن تحقق هذه الفتوى لإسرائيل من قبول وإذعان بوجودها وإعطائها صفة وجودية طبيعية لازمة على الأراضي العربية، فوق هذا كله فقد ضرب شيخ الأزهر أنموذجاً مختزلاً جداً لقراءة ركيكة للنص القرآني.
والسؤال المشروع: هل بزيارة المسلمين للأقصى فيه مؤازرة للفلسطينيين؟
ثم هل ينتظر الفلسطينيون زوّاراً لأقصاهم الجريح كي يؤازروا؟
عذراً منك شيخ الأزهر، إنني أقف وأنا مسلم- بملء إرادتي مع (البابا) شنودة وفي خندق واحد ضد زيارة الأماكن المقدسة طالما هي ترزح تحت سطوة صهيون.
خير للعرب والمسلمين أن يبقوا طيلة الحياة دون زيارة لأماكنهم المقدسة في فلسطين من زيارتها وفوق مآذنها وكنائسها ترفرف راية صهيون وترسم سياسة شارون أياماً حزينة في الذاكرة التاريخية تصور فيها تخاذل البلاد العربية.
الفلسطينيون والعرب والمسلمون ينتظرون من هيئة علمية محترمة كالأزهر أن يصدر فتوى تعلم الجماهير بفروض العين والكفاية في شأن القضية الفلسطينية.
أما كان أجدر بشيخ الأزهر أن يبيّن للناس طرائق المقاومة وصورها في عصرنا الراهن؟
أما كان أجدر بشيخ الأزهر أن يدعو لتأسيس صندوق مالي يرعى شبكة إعلامية ومواقع إنترنت خاصة بقضية الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟
أما كان أجدر بشيخ الأزهر أن يحاول تجلية صور النضال الفلسطيني وإلهاب الشارع العربي عن طريق فرق من التلامذة النجباء الذين يجولون في شوارع القاهرة والإسكندرية ودمشق وحلب والجزائر وتونس و.. يتحدثون للعامة عن قضية فلسطين يوضحون سنن الله الكونية في سقوط الأمم ونهوضها ومقومات الانتصار.
أما كان أجدر بشيخ الأزهر إذا صمت فعله ألا يتكلم قوله بنصر الباطل من حيث لا يدري؟
قد نحسن الظن بشيخ الأزهر - وهذا مؤكد طبيعي - ولكن لن يسمح أي مثقف عربي مسلم لأية فتوى تخاصم الواقع والنص أن تمر بمحظوراتها.
*كاتب وصحفي سوري