إيران (بعدالاتفاق النووي) والعلاقات مع واشنطن
لاشك أن سعي أميركا لاستئناف تطبيع علاقاتها مع إيران ، بدأ يفتح شهية الإعلام الإيراني ، لإثارة الكثير من التساؤلات : فهل غيرت أمريكا من سياساتها ،وباتت تفكر بتعامل جاد وواقعي مع دول كانت إلى الأمس القريب تقف في الجانب المعادي لها نظرياً ؟ أم أن لواشنطن أهدافاً ومتغيرات دفعتها إلى هذا المنحى؟.
تعتقد طهران بدون أدنى شك أن حاجة واشنطن وعواصم القرار في أوروبا للدور الإيراني الإقليمي ذو أهمية بالغة ومهمة. وحسب التصور الإيراني فإن هناك متغيرات إقليمية قد سرعت من الوصول لهذا الاتفاق ؛ يأتي في مقدمتها :سقوط الدول المحورية العربية في أزماتها الداخلية الطاحنة، ومنها: غرق السعوديه في المستنقع اليمني ،ودخولها في مرحلة مايسمى بخريف العلاقات الأمريكية السعودية لذا ترى إيران ضرورة إستغلال فرصة البرود الحاصل في هذه العلاقات ، لتوظيفها خدمة لمصالحها .هذا عدا عن توقع صانع القرار السياسي الإيراني بقرب انفجار الوضع الأمني في مصر ، الذي سيمهد – حسب تلك الرؤية -لتفكك المؤسسة العسكرية المصرية ، وتلاشي الدور الإقليمي لمصر.
هذه المتغيرات بمجملها تعتبرها طهران عوامل موضوعية زادت من الحاجة إليها ، و عززت قدرتها على التحكم بمصير ومنحى هذه الأزمات الإقليمية ، ويأتي الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب في هذا السياق . وفضلا عما سبق يُركز الاعلام الإيراني على المتغيرات الخاصة بتشابك المتغيرات الدولية والداخلية لجهة التأثير على تعزيز فرص الاتفاق النووي وفي مقدمتها :فشل سياسات الحصار والعقوبات التي مارستها أمريكا تجاه إيران التي شكلت أبرز الأسباب. وهذا ما اكدت عليه الإدارة الأمريكية – حسب الزعم الإيراني – عندما قالت بأن حصار إيران قد فشل في التعامل معها وتركيعها . أما النقطة الثانية فهي تتمثل في تنامي التوجهات المناهضة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وافريقيا ، مما دفع بأمريكا إلى أن تسارع الخطا لتلميع صورتها المشوهة في العالم. فضلاً عن وجود أسباب أخرى سياسية وإستراتيجية أميركية داخلية وخارجية ، و أخرى اقتصادية. فالمنافسات بين الدول الاوروبية لعقد الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران قد زادت من حفيظة واشنطن التي فكرت في القيام بتحركات استباقية كي لاتبقى بعيدة عن حمى التقارب والتطبيع الاقتصادي مع طهران ، خصوصاً وأن أمريكا تواجه مجموعة تحديات اقتصادية وسياسية تهدد مكانتها في العالم. وفي مقابل ذلك لا زالت طهران تُكابر من خلال الضخ الاعلامي اللافت أن هذا الاتفاق لن يُؤثر على البيئة الداخلية الإيرانية ، و لا على رؤية الإيرانيين لأميركا ، فالإعلام الإيراني يصدح ليلاً ونهاراً بإسطوانته المشروخة من أن الشعب الإيراني لايزال يعتبر أمريكا العدو الأول له ، وهذا على خلاف معتقدات الشعب الإيراني المتعطش للانفتاح على الغرب عموما ، وعلى الولايات المتحدة خصوصاً.
تُسلم طهران –على حد زعمها – أن واشنطن قد رفعت الراية البيضاء أمامها ، ويُكثف الإعلام الإيراني التركيز على هذه النقطة ، من خلال تناوله لخطاب وزير الخارجية الأمريكي أمام الكونغرس ، وتحويره وفق ما ينسجم مع السياسة الداخلية الإيرانية القائمة على فكرة ” بسيج مردمي ” ” التعبئة الشعبية . تناول الإعلام الإيراني الأفكار والردود التي طرحتها أسئلة أعضاء الكونغرس على كيري ، والتي لم تكن -حسب ما يقوله الإعلام الإيراني -بالحسبان وغير متوقعة لما تملكه من الصراحة المتناهية، ووضع النقاط على الحروف ،بحيث عدته بعض الأوساط الإعلامية والسياسية الإيرانية ، أنه اعتراف مهم من الادارة الامريكية بدور إيران وقدرتها الفائقة ، والتي كانت تخفيها واشنطن من قبل وبصورة مفضوحة. والحقيقة الصارخة والمدوية والتي وضعت إيران في القمة – حسب ما تدعي -هي في ردّها على الكونغرس وبصورة قوية وصريحة عندما أكد لهم كيري “أن رفضهم للاتفاق مع إيران لن يضع طهران في دائرة الخسران ،بل يوقع واشنطن التي ستفقد مصداقيتها أمام العالم، وفي الجانب الآخر ستكسب إيران احترام وتعاطف العالم ،وسيثبت الايرانيون فعلاً أن أمريكا هي الشيطان الأكبر”. وهي الحقيقة هي التي عرفها الإيرانيون قبل أن يقولها كيري والتي بقيت ثابتة في مشاعرهم و مشاعر كل الذين يتعاطفون معهم، ومن جانب آخر وجه صفعة قوية لدول الخليج الذين كانوا لا يرغبون ولا يريدون لهذا الاتفاق أن يأخذ طريقه إلى التطبيق ،وبين مدى عدم فهمهم للأمور من خلال قوله: “العرب خائفون من الاتفاق لأنهم لا يعرفون ماذا يعني الاتفاق او التفاوض”،لهذا سرّعت طهران من عملية التفاوض لتفويت الفرصة على العرب ، واقتناص نتائج وثمرات سنوات الصبر الإستراتيجي الذي مارسته إيران طيلة السنوات السابقة .
يعتبر الاعلام الإيراني ان حديث الوزير كيري شكل رؤية واضحة لصور الهزيمة الامريكية الكبرى أمام طهران ،و عكس أن واشنطن هي الرأس الاكبر للشر في العالم، قد رفعت الراية البيضاء أمام طهران معلنة بذلك هزيمتها المنكرة، وما على الذيول من الدول العربية الذين يرون في أمريكا الظهير القوي لهم ،إلا أن يركعوا كما ركع أسيادهم وهم فرحون بهذا الخنوع والخضوع.
اعترف الاعلام الإيراني بوجود مواقف حادة من الاتفاق النووي ، حيث
أكد الإعلام الإيراني على أهمية تعزيز التلاحم الوطني في البرنامج النووي الايراني ، حيث ادعى الإعلام الإيراني أن موضوع البرنامج النووي الايراني قد شكل نموذجاً لتقارب الرؤى لدى الشعب الايراني وتياراته السياسية في الداخل والخارج، و ساهم في تبلور موقف شبه موحد تقريباً لدى إيران ، ويعترف الاعلام الإيراني أن هذا ++الاتفاق لم يُلبّ كافة تطلعات الشعب الايراني، و أنه بات من الأفضل أن تتحول أجواء النقد أو الدفاع عن الانجاز النووي الى اجواء تمكن إيران من ترسيم أفضل صورة للتكاتف والوحدة الوطنية بدلاً من الانجرار الى الخلافات والنعرات والانتقادات الهدامة التي لا طائل من ورائها سوى تضعيف الموقف الوطني لإيران . وكما كان للتلاحم الوطني دور في دعم الفريق الإيراني المفاوض، فإن هذا التلاحم الوطني من شأنه أن يضع حداً للموانع والعقبات التي لم تنفك أمريكا وحلفاؤها الغربيون عن وضعها في طريق التقدم والتطور الإيراني .
بالمقابل ركز الاعلام الإيراني على الإنجاز الذي حققته طهران في المفاوضات مقابل مجموعة الست ، معتبراً أن هذا الاتفاق سيغير من مسيرة العلاقات بين إيران ودول العالم، وأكد على أن مصادقة مجلس الأمن على القرار الخاص بإيران يعتبر نصراً كبيراً للشعب الإيراني، إذ الم يتم المساس بالخطوط الحمراء. وأن صدور القرار ۲۲۳۱ عن مجلس الأمن الذي يعطي الموافقة على الاتفاق النهائي يعتبر نصراً لإيران ، واعترافاً بقوة الفريق الإيراني المفاوض، الذي تمكن وبعد مفاوضات مضنية من ارغام الغرب على الاعتراف بالحق الايراني المشروع، وإخراج إيران من خانة البند السابع من ميثاق الامم المتحدة.
النتيجة التي يصل لها الاعلام الإيراني أن إدارة أوباما قد هربت من مُواجهة طهران ، وسلمت راية قيادة المنطقة والإقليم لها دون منازع ، وأن على الإيرانيين إقتناص هذه الفرصة التاريخية ، واعتبار هذا الأمر قدراً ، تسييراً إلهياً تقديراً لعظمة الرسالة العالمية للثورة الإيرانية ، التي حماها الله في منعطفين تاريخين – حسب الزعم الإيراني – الأول : في الحرب مع العراق الذي وقفت فيه قوى الاستكبار العالمي ضد إيران ،لكنها انتصرت رغم أنف الجميع . والمنعطف الثاني : تجسيد القدرة الإلهية من خلال حماية إيران حتى وصلت العتبة النووية بأمان ، وهذا نتيجة و ثمرة التوجيه الرباني ، حتى تنتقل الثورة الإيرانية إلى المرحلة النهائية ، والمتمثلة بإنقاذ البشرية، وإخراجها من الظلمات إلى النور حسب زعمهم .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 626