بصراحة.. روسيا تريد إحياء معاهدة بطرسبورغ

قلة من السوريين من سمع بمعاهدة بطرسبورغ التي عقدت في 4 آذار 1916 في بطرسبورغ وحضرها ممثلون عن روسيا وبريطانيا وفرنسا، واتفقوا على اقتسام البلاد الخاضعة للسلطنة العثمانية، بعد الحرب العالمية الأولى التي كانت مندلعة يومذاك. وكان في اتفاق هؤلاء أن تستولي بريطانيا وفرنسا على بلادنا (الهلال السوري الخصيب الذي يضم اليوم سورية الحالية ولبنان والأردن وفلسطين وأجزاء من العراق التي تقاسمتها فرنسا وبريطانيا). وأن تستولي روسيا على ولايتي أرضروم وبتليس والمناطق التابعة لهما، والأراضي الكائنة جنوبي كردستان وتمتد على خط ولاية موش إلى سعرد، ومن هناك إلى جزيرة ابن عمر ثم تتبع خطاً مستقيماً إلى العمادية ومنها إلى الحدود الإيرانية، على أن تخضع هذه الأراضي خضوعاً تاماً إلى حكومة صاحب الجلالة قيصر روسيا وتعتبر من ممتلكاته، كما نصت عليه المعاهدة.

واليوم يعلن وزير خارجية روسيا لافروف أنالإمدادات العسكرية لسورية كانت من قبل وستتواصل، مشيرا إلى حتمية وجود خبراء روس في سورية لتدريب العسكريين السوريين على كيفية استخدامها.

ويأتي حديث لافروف بعد تأكيد مسؤولين أمريكيين هبوط 3 طائرات عسكرية روسية على الأقل في الأراضي السورية، بينما تستعد البحرية الروسية لإجراء مناورات قبالة سورية في البحر المتوسط.

ولم تكتف روسيا بتقديم السلاح والعتاد والتدريب والخبراء والفيتو لنمرود الشام، بل راحت أبعد من ذلك، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرات الشحن العسكرية الروسية تنقل معدات إلى سورية بغرض بناء مخيم لأكثر من ألف لاجئ، ويقصد بهؤلاء اللاجئين ألف عسكري روسي للمشاركة في قتل السوريين والدفاع عن النظام المتهالك بعد الضربات الموجعة والمؤلمة التي تلقاها من الثوار في كافة الجبهات، وقد أكد الثوار مقتل جنديين روسيين في المواجهات التي تدور في الزبداني بين الثوار وميليشيات حزب الله اللبناني ومرتزقة أحمد جبريل وعصائب الحق وأبو العباس العراقيتين إضافة إلى ما تبقى من شبيحة النظام ومرتزقته الذين استجلبهم من أفغانستان وباكستان وإيران.

وهكذا أسفرت روسيا عن وجهها العدواني القبيح وأماطت اللثام عن حقيقة أهدافها من وراء حركاتها الدبلوماسية الخادعة التي لعبتها في الأسابيع القليلة الماضية، والتي كانت نتيجتها صفرية، بعد أن أكدت لجميع الأطراف مواقفها المعروفة، فيما زاد النظام السوري من وتيرة استهدافه المدنيين وارتكاب المجازر بحقهم وتدمير بيوتهم على رؤوسهم، وفرض الهجرة والنزوح عليهم، بعد انتهاء هدنة الزبداني، وفشل التوصل إلى اتفاق بين إيران وفصائل المقاومة في المدينة.

وهكذا بدد لافروف كل الآمال التي انخدع بها البعض والتي أشارت إلى أن هناك تغيير، ولو طفيف، في موقف بلاده من الصراع في سورية. وقد قطع لافروف الشك باليقين عندما أكد على أنه "إذا اعتقد بعض شركائنا أن علينا أن نوافق مسبقاً على أن يترك الرئيس بشار الأسد منصبه، مع نهاية المرحلة الانتقالية، فإنّ هذا الموقف مرفوض بالنسبة إلى روسيا". 

وهكذا تثبت روسيا بما لا يجعل مجالاً للشك أن لها أطماع في سورية ستعمل على تحقيقها بكل الوسائل الوحشية والبربرية والغير أخلاقية والغير إنسانية، لوضع قدم لها في بلادنا، وقد سهل لها المتهالك بشار هذا الأمر وعقد معها، بصفته رئيساً لسورية، المعاهدات التي تجعل لها حق التواجد في سورية أرضاً وبحراً وسماء، وأغمض من يدعون أنهم أصدقاء الشعب السوري عيونهم عما تفعله روسيا، ويكتفي هؤلاء الأصدقاء بالتنديد والشجب أحياناً إرضاء لمشاعر بعض الزعماء العرب.

أما نحن فلن تنطلي علينا هذه الأساليب الرخيصة والمفضوحة، ولن تخيفنا روسيا بكل أسلحتها الفتاكة والمتطورة، وقد كان لها تجربة مرة في أفغانستان، فقد مرغ أبناء أفغانستان بأسلحتهم البسيطة وصدورهم العارية أنوف الروس، وأجبروهم على الرحيل من أراضيهم منكسي الأعلام منحني القامات مطأطئي الرؤوس.

ونحن اليوم لا نتمنى لقاء أحد ولكن إذا فرض علينا الأمر وأرادت روسيا إعادة تجربة أفغانستان في سورية، فستجدنا السد المنيع الذي ستتبخر عند لقائنا أحلامها، وستتكسر أمام صمودنا سنابك خيلها.

وسوم: العدد 633