ما السبيل للنهوض بقطاع التربية والتعليم في بلادنا ؟؟

يبدو أن هاجس النهوض بقطاع التربية والتعليم في بلادنا بات يؤرق الجميع قيادة وشعبا مسؤولين ومربين وآباء وأمهات وأولياء . ولقد حذر من يترأس المجلس الأعلى للتعليم من الخطر المهدد للمنظومة التربوية . وعبر وزير التربية الوطنية عن الحاجة للرفع من جودة التعليم . ووضعت خطة خمس ـ عشرية لإصلاح المنظومة التربوية المفلسة بعد فشل  خطتين سابقتين عشرية ورباعية . ولا زال المغرب منذ استقلاله لا يبارح مكانه بخصوص فكرة  محاولة إصلاح التعليم . ويجمع الجميع على فشل منظومتنا التربوية، وعلى ضرورة إصلاحها ،ولا يعلم أحد كيف يكون الإصلاح مع تعدد الاقتراحات والتخمينات والرجم بالغيب وحتى الرهان على المقامرة والمغامرة  بالمنظومة التربوية . وما أشبه الاقتراحات المقدمة لإصلاح المنظومة التربوية  بوصف العميان للفيل كما يقال حيث يتحسس كل منهم عضو من جسده ،ويظن أنه قد عرف الفيل حق المعرفة .

وما نخشاه أن يصير التفكير في إصلاح منظومتنا التربوية مجرد حلم يراودنا مع مرور الزمن حتى يصير هذا الحلم هدفا وغاية في حد ذاته  دون أن يتحقق الإصلاح فعليا  . ومما نخشاه أيضا أن يكون هدف من يذرفون دموع التماسيح على  خراب المنظومة التربوية هو الاستفادة مما يرصد لمشاريع إصلاحها من أموال طائلة  أكثرها يصرف على المكلفين بإعداد  مشاريع الإصلاح  الفارغة لا على الإصلاح .

ومن المعلوم أن معالجة الداء تكون دائما رهينة ومتوقفة على تشخيص هذا الداء . ولا شك أن تشخيص داء منظومتنا التربوية متعدد وكثير كثرة لا تكاد تحصر إلا أن الدواء ظل مجهولا أو عزيز المنال .

وأكبر عرض من أعراض داء المنظومة التربوية هو مخرجاتها المتمثلة في غياب الجودة وهيمنة الرداءة على النتائج . ولهذا يراهن الجميع على جودة التعليم كدواء لداء المنظومة  الفاشلة . ومع حرص الجميع على الجودة ،فإنهم لا يأخذون بأسبابها ،ذلك أن نهج أسلوب انتقال المتعلمين منذ عقود عوض أسلوب نجاحهم هو أو عقبة تعوق تحقيق الجودة . وما دامت الخريطة المدرسية  هي المتحكمة في النتائج وتنزل بالمعدلات دون العتبة ،فلا جودة ولا هم يحزنون كما يقال . ومعلوم أن المعدلات هي مؤشرات على درجة جودة التعليم . وحين تنزل النتائج عن المعدلات، فتلك قطيعة واضحة مع الجودة ، وانحدار بالتعليم إلى الحضيض . ومن المفارقات العجيبة والمثيرة للاستغراب أن تجمع السياسة التربوية  بين المتناقضات ، فهي من جهة تعتمد أسلوب الانتقال عوض النجاح في مستويات التعليم الأولى والمتوسطة عوض أسلوب النجاح ، ومن جهة أخرى تشترط المعدلات المتميزة لولوج المعاهد . ومعلوم أن أسلوب الانتقال المعتمد في السلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي عندنا وهو أسلوب تكريس الرداءة ينعكس سلبيا على سلك الثانوي التأهيلي . وبيان ذلك أن نسبة كبيرة من المتعلمين تنتقل  دون أن تنجح من التعليم الابتدائي إلى التعليم الإعدادي بمعدلات تحت معدل العتبة وهو معدل النجاح ، وعندما تنتقل إلى التعليم التأهيلي تواجه عتبة النجاح لا عتبة الانتقال ، وينعكس ذلك على الجودة بحيث تتكدس أعداد  كبيرة من المتعلمين في عتبة النجاح، ولا يتجاوزها إلا عدد قليل منهم نحو عتبة التميز، الشيء الذي يعني أن الرداءة سياسة مقصودة من طرف الوزارة الوصية عن قطاع التربية والتعليم . وبسبب هذه السياسة تتكرس الرداءة في الجامعات والمعاهد  التي تستقبل الوافدين عليها بمعدل عتبة النجاح في امتحان الباكلوريا باستثناء المعاهد التي تشترط معدلات التميز لقبول الملتحقين بها . وتكريس الرداءة عن طريق اعتماد سياسة الانتقال عوض النجاح هو الذي جعل الآباء والأمهات والأولياء يفقدون الثقة في التعليم العمومي ، ويتهافتون على التعليم  الخصوصي طلبا للجودة المفقودة في التعليم العمومي . ولنفس السبب انتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية  التي أعلنت وزارة التربية الوطنية الحرب عليها ، وكان الأجدر بها أن تتخلى عن أسلوب الانتقال ، وتعتمد أسلوب النجاح للحد من تلك الظاهرة التي لجأ إليها الآباء والأمهات والأولياء اضطرارا و خوفا على مصائر أبنائهم ، وطمعا في الظفر بمقاعد لهم في المعاهد والكليات التي تشترط معدلات الجودة لا معدل النجاح فقط .

ومن المثير للسخرية أن يعلن المسؤولون عن قطاع التربية سواء على المستوى المركزي أو الجهوي أو الإقليمي  في نهاية كل موسم دراسي عن نسب النجاح في مختلف أسلاك التعليم، وقد يفاخرون بها وهي عند التأمل  خليط من الرداءة والجودة ، ذلك أن نسب النجاح في الامتحانيين  الإشهاديين في السنة السادسة الابتدائية والسنة الثالثة الإعدادية عبارة عن خليط بين نسب الناجحين  الذين حصلوا على معدل عتبة النجاح ونسب المنتقلين الذين لم يحصلوا على معدل عتبة النجاح ، علما بأن المنتقلين راسبون  في الحقيقة  باعتبار معدل عتبة النجاح . والمثير للسخرية في افتخار المسؤولين بنسب النجاح المخلوطة بنسب الانتقال هو غلبة نسب الانتقال على نسب النجاح  في الغالب . وتضطر الوزارة إلى النزول عن عتبة النجاح بدرجات معينة كلما كانت نسب النجاح متدنية  حفظا لماء الوجه . وهي اليوم  مع رفع شعار الجودة تعد مستقبلا بالانتقال من أسلوب الانتقال إلى أسلوب النجاح ولكن بالتدريج خلال ما سمته خطة الإصلاح 2015 ـ 2030 ،وقد لا يعدوهذا الشعار مجرد دعاية للاستهلاك ، وذر للرماد في العيون  لأن الجودة وهي عبارة عن معدلات فوق معدل النجاح ليست بالأمر اليسير بلوغه مع تراكم معدلات الرداءة التي يكرسها أسلوب الانتقال الذي يبرر عن طريق شعار تعميم التمدرس ، وهو في الحقيقة تعميم الرداءة وتكريسها.

وإذا كانت الوزراة الوصية جادة  بالفعل في بلوغ هدف الجودة ،فعليها بعد القطيعة مع أسلوب الانتقال أن تركز على إصلاح الجانب البشري، وإعداده لقبول أسلوب النجاح والطموح نحو الجودة  من خلال تغيير الذهنيات. فمن المعلوم أن الجانب البشري قد طبع مع الرداءة التي خلقها أسلوب الانتقال حيث يحرص الآباء والأمهات والأولياء على انتقال أبنائهم لا على نجاحهم ، كما أن المدرسين يسايرون الرداءة ، ويعتبرونها أمرا واقعا مفروضا لا مفر منه  قد فرضته الوزارة لأن تحقيق الجودة لا يمكن أن يكون مع تراكمات الرداءة . ويشكو المدرسون من آثار تراكم هذه الرداءة التي لا يمكن أن تسمح لهم بالعمل بوتيرة الجودة  مع متعلمين انتقلوا وهم في الحقيقة راسبون في تعليمهم الابتدائي والإعدادي .

وإلى جانب معالجة الجانب البشري لا بد من معالجة المناهج والبرامج والمقررات والوسائل وأساليب التقويم ، ذلك أن اعتماد الجودة يقتضي تغييرات جذرية في المناهج والبرامج والمقررات والوسائل وأساليب التقويم . فإذا كانت المناهج والبرامج والمقررات والوسائل وأساليب التقويم الحالية قد كرست الرداءة فلا يمكن أن تصلح للانتقال نحو الجودة .

ولا يمكن أن يكون تغيير لغات التدريس وحده كما قررت الوزارة طريقا نحو الجودة . ولا يمكن أن تحمل اللغة العربية وهي اللغة الأم واللغة الوطنية مسؤولية تكريس الرداءة . فكل شعوب العالم المتقدمة تعتمد لغاتها ولغات غيرها في تعليم أبنائها لأن استهداف الجودة يقتضي بالضرورة التماسها حيثما وجدت . ولا يمكن للجودة أن تدرك عن طريق خلق  ما يسمى المسالك الدولية وحدها ، وهي مسالك الفئات المتميزة بمعدلات الجودة لا بمجرد معدلات النجاح المسبوقة بمعدلات الانتقال .  فالجودة يجب أن تعم جميع المسالك الدولية والوطنية . ويجب أن يلتقي المتعلمون المغاربة حيثما كانوا عند معدلات الجودة بحيث يكون المتعلم الحاصل على الباكلوريا المغربية باللغة العربية في نفس مستوى المتعلم الحاصل على ما يسمى الباكلوريا الدولية جودة .

ولا يمكن تحقيق الجودة أمام انسداد الآفاق ، ذلك أن انفتاح هذه الآفاق هو المحفز على نشدان المتعلمين الجودة . فإذا كانت سوق الشغل كاسدة فلا معنى لنشدان الجودة إذ لا يمكن أن تكون البطالة هي المحطة التي تنتظر المتعلمين . ومما يكرس الرداءة الشعور بالإحباط لدى المتعلمين بسبب  شبح البطالة وانسداد الآفاق . ولقد ساهمت سياسة اعتماد أسلوب الانتقال، وهو تكريس للرداءة في إغراق الساحة الوطنية بالمخرجات الرديئة وبجيوش جرارة من العاطلين خصوصا في ظل أزمة اقتصادية وطنية وعالمية . وعلى الوزارة الوصية أن تعالج موضوع سوق الشغل قبل التفكير في موضوع الجودة لأن العلاقة جدلية بين سوق الشغل والجودة .

وعلى الوزارة أيضا قبل التفكير في خوض تجربة الجودة أن تتخلص من الذين كانوا سببا في تكريس الرداءة عن طريق إعادة الأمور إلى نصابها وإسناد الأمور إلى أهلها، ذلك أن تنصيب أطر عليا من غير أسرة التربية والتعليم من مهندسين معماريين وأطر في وزارة الاقتصاد وغيرهم يعتبر تكريسا للرداءة نظرا لفقدان هذه الأطر الحس التربوي، علما  بأن فاقد الشيء لا يعطيه وأن أهل مكة أدرى بشعالها كما يقال . ومن تكريس الرداءة إقصاء أهل الاختصاص في المجال التربوي من التدبير والتسيير. وعلى الوزارة أيضا أن تجعل على رأسها مختصا في التربية ، وأن تتنكب سياسة تناوب الوزراء عليها ما بين متحزبين وتكنوقراط ،وكلما تولى أمرها وزير لعن من سبقه ، وسار في تدبير شؤونها بهواه الحزبي أو التكنوقراطي.

 وفي الأخير نتساءل :متى ستتهيأ هذه السبيل للنهوض بقطاع التبية  والتعليم في بلادنا ؟؟؟

وسوم: 634