لا شورى ولا ديمقراطية ... بل سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء

وكثير ما يختلف الناس في الشورى والديمقراطية فيقبلون ويرفضون . وكثيرا ما يصر البعض على الصيغ وينابذ أو يفاصل على العناوين ، وحظه من هذا وذاك (( كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ )) . مقالي السابق ( الشورى ليست طقسا ) ألمّ بجانب مما يمكن أن يقال في الشورى ، وفي تلبس بعض الناس ادعاء فيها ، وأنها ليست طقسا ، ولا نشاطا موسميا ، ولا دورة بيولوجية ، ولا نسكا موقوتا ، ولا حالا صوفيا عارضا .. وإنما هي ( مقام ) ملازم يبلغه المستشير بجهد لا يقل عن جهد الصوفي ومجاهدته حتى يتحقق به فيكون خلقا دائما لصاحبه لا ينفك أحدهما عن الآخر بكبير أمر أو صغيره على السواء .

وقد يظن البعض أن ( الديمقراطية ) أهون شأنا من الشورى ، وأبعد عن الروحية ، وأقرب إلى الآلية ، الآلية التي تُختزل بأن يسجل الفائز فيها هدفه ولو عن طريق التسلل ، في مباراة يغفل فيها الحكم أو يتغافل . وبالنصف زائد واحد ونحوه ، ينتزع صاحب الطموح أو صاحب المشروع لنفسه حق الامتلاك والمصادرة والإلغاء والإقصاء بل وربما الاستئصال. فيرميها بوجهك صريحة واضحة بلا تلعثم ولا تردد ولا تمويه : انطوت أعلامكم ، وانصرمت أيامكم ، وسنحذف من اللغة والتاريخ (كان واسمها وخبرها ) وسنختصر كل شيء في صار وأصبح وأضحى ..

لا أحد يريد أن يسأل هذا الديمقراطي : من أين ؟ وإلى أين ؟ وكيف ؟ وما هي المعالم التي يمكن أن ينتهي كل هذا إليها : ( أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ..) .

ديمقراطية الأصوات البضع التي تجعل النجم يطلع ، فيصبح الرئيس رئيسا ، والزعيم زعيما ، والقائد قائدا ، والعيي خطيبا ، والمريض طبيبا ، .. وكل هذا مما لايجادل عاقل فيه ..ولكن هل تعطيه الحق ، حق نمرود في أنه يحيي ويميت ، أو في أنه يلغي ويقصي في الإلغاء ،

ليس في نظام ديمقراطي حقيقي بل حتى في ديمقراطية أسدية ، يشعر (عمران الزعبي ) أنه مطالب أن يقدم لمن يسميهم شعب الرئيس ببعض الاستحقاقات . ومع كل نشرة أخبار حتى على قناة الدنيا الدنية هناك محاولة لإعلام الناس ماذا يصنع لهم وبهم من هو رئيسهم أو وزيرهم أو مديرهم ، من زار بلدهم ، وكيف تحاور أعضاء مجلس شعبهم ..

وفي كل إعلام العالم ، وفي حدود التوجيه والخصوصية ، نشرة صباحية تكرر مرات ومرات : استقبل الرئيس ، اجتمع الوزير ، التقى المدير ، شرح الوكيل . بلسان آخر تقول هذه النشرات للناس ( نحن موجودون )

( أحياء غير أموات ..) أما طريقة ( لا خبر .. لا كفية .. لا حامض ..حلو ..لا شربت ) ثم كل الحديث عن الآخرين تجعل الناس يتكهنون ، وأحيانا يتمازحون ، وأحيانا يتراشقون ، وأحيانا يتخابثون ..

قال لي صاحبي ،وسئلت في موقف حرج على رؤوس الأشهاد : لقد احتل الروس بلدكم ، وهاهم منذ عشرين يوما يقتلون ويدمرون ، فماذا فعلت حكومتكم الموقرة للتصدي لهذا الاحتلال ..

قلت : أصدرت بيانا شجبت وأدانت ودعت ,...

قال هل كان هناك اجتماع طارئ على حجم الحدث قلت : ربما .. قال تريد أن تقول : إنك لا تدري فقلها : قلت لا أدري ..

قال صاحبي الذي يقصد الإحراج : هل أقرت الحكومة الموقرة برنامجا عمليا للتصدي للاحتلال ، والاحتلال تطور نوعي يحتاج إلى معالجة نوعية ، قلت : ربما ، قال مرة أخرى قل لا أدري ..

قال سمعتك تعتب على الشعوب والحكومات العربية والإسلامية لأنها لم تنفعل مع ما أصابكم في جرأة العالم عليكم ، هل قامت حكومتكم الموقرة بحملة اتصالات على المستويين الرسمي والشعبي تشرح وتوضح وتحرض وتجيش ، قلت ربما .. قال للمرة الأخيرة أرجو أن تعترف بأنك لا تدري ...

ثم أردف القول في أي شكل من أشكال الإدارة حتى إدارة الشركات التسويقية ، يتكرم المدير العام بتوزيع نشرات مواكبة لأنشطته بعضها للجمهور المستهلك وبعضها لفريق التسويق وبعضها لفريق الإنتاج وبعضها لمدراء الفروع كلٌ يجب أن يعلم بحسبه ما يجري وراء الباب الموصد حيث يعمل الرجال الجادون الصادقون فيصلون ( من الوصل وليس من الصلاة ) الليل بالنهار ...

يا صاحبي في كل نظم الإدارة التي تشم ريح الديمقراطية يجب أن يظل الفريق الذي خسر في الجولة الديمقراطية وإن كانت خسارته بالضربة القاضية حاضرا في الميدان ، ويجب أن يظل الفريق الفائز متباهيا عليه يضع بين يديه كل ملفات تقديره وتدبيره وإنجازه ..

يا صاحبي في النظام الديمقراطي ، الرئيس السابق ، والوزير السابق ، والمدير السابق تظل تصله نسخة من كل الملفات اليومية ماذا فعلنا ؟ وماذا سنفعل ؟ ألا ترونهم يسألون جيمي كارتر ، وهو لو توكأت عليه لانهدم ، وبيل كلينتون المتغضن وهنري كيسنجر الهرم فيجيبون عن كل شيء بغير ( ربما ) التي تحاول أن تستر بها جهلك في أمر اهلك حيث أنت في مستودع الرابش بانتظار محضر توثيق الإتلاف ..

يا صاحبي ليس في العالم نظام لا شوري ولا ديمقراطي ولا أوليغارشي يقول : إن الظفر يمكن أن ينتزع من اللحم . ثم أردف لعلك لتفحمني ستقول : يحدث هذا في أقبية التعذيب ...

نعم فقط في أقبية التعذيب ينتزعون الظفر من اللحم وربما في ديمقراطية بعض الديمقراطيين

ويا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

أعزائي ... أنتم انتصرتم وملكتم والله الموعد

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: 638