لماذا تستهدف روسيا المعارضة السورية المسلحة المعتدلة؟
السورية نت
تجزم الأغلبية الساحقة من التقارير المتعلّقة بتقييم نتائج العدوان الروسي على
سوريا بأنّ الهجمات التي تمّ تنفيذها حتى الآن لم تستهدف تنظيم الدولة "داعش"
بشكل أساسي كما يزعم الجانب الروسي وحلفاؤه، وأنّ معظم الضربات الروسية إنما
استهدفت في حقيق الأمر فصائل المعارضة المسلّحة المناوئة للأسد على اختلاف
مسمياتها وعلى رأسها تلك المصنّفة بالمعتدلة.
وبالرغم من ذلك، تؤكّد موسكو في رسائلها السياسية والإعلامية على أنّ هدفها
الأساسي هو محاربة الإرهاب، وأنّ دورها العسكري الأخير إنما جاء استجابةً لهذا
المطلب. لكن هذه المعطيات تطرح تساؤلات عن تعريف موسكو للإرهاب أولاً، وعن سبب
استهدافها لفصائل المعارضة المسلحة المناوئة للأسد باختلاف أنواعها دون تمييز
بينها؟ الجواب الحقيقي على هذه الأسئلة يقع في قلب التاريخ الروسي نفسه.
في منتصف عام 2013، كنت قد كتبت مقالاً في مجلة المجلة بعنوان "الاستراتيجات
العسكرية الهجينة في الجيش السوري: المنهج الروسي – الإيراني" ركّزت فيه على
التغيّر الملحوظ في استراتيجية الجيش السوري النظامي من الفوضى المطلقة إلى
الفوضى المنظّمة، وكيف تم توظيف فوضى العمل العسكري للجيش في سياسة هجينة تعتمد
على ثلاث استراتيجيات عسكريّة تعود في الأساس للجيش الإسرائيلي والروسي
والإيراني، وهي:
1) استراتيجيّة العقاب الجماعي (Collective Punishment)
2) سياسة الأرض المحروقة (Scorched earth)
3) استراتيجية الحرب غير النظامية (Irregular Warfare)
كان من الواضح أنّ النظام السوري يستمد سياسة الأرض المحروقة التي يتّبعها من
التجربة السوفيتية والروسيّة، وهذا ما يربطنا بالعمليات العسكرية التي تجريها
روسيا اليوم في سوريا. ما تقوم به روسيا اليوم لا يختلف عمّا قام به نظام
الأسد خلال المرحلة الماضية ولكن بقوّة نيرانية أكبر.
جوهر هذه الاستراتيجية يؤدي في النهاية من الناحية السياسية إلى القضاء على
المعتدلين باختلاف تصنيفاتهم وتهيئة البيئة المناسبة لخلق المتطرفين الأكثر
راديكالية ومن ثمّ تخيير العالم بين الوقوف مع هؤلاء أو مع الطاغية (النظام)
عبر التركيز دوما على سؤال "البديل"، هذا ما قام به الأسد طوال السنوات الماضية
وتستكمله روسيا اليوم.
عندما يتحدّث الروس دوماً عن تجربتهم "الناجحة" في محاربة الإرهاب، غالباً ما
يشيرون إلى حملتهم العسكرية التي أدّت إلى تدمير الشيشان بشكل كامل وممنهج تحت
أعين العالم بأسره، بل ويعملون على تقديمها كنموذج ناجح يحتذى به. هذه الحملة
على الشيشان تضمنت أيضاً نموذجاً عن تدمير "البدائل السياسية" لأي نظام موالي
لموسكو في الشيشان.
جاكسون دييهل يشرح هذه النقطة في مقال نشر له في الواشنطن بوست بشكل ممتاز
جداً. يقول جاسكون أنّ سر التركيبة الروسية في هذه السياسة تقوم على التالي:
أولا، اعتبار كل المعارضات التي تعارض النظام معارضات "إرهابية" لا تمييز فيها
بين المعتدلين والإرهابيين الأكثر تطرفاً. ثانياً، التركيز على هدف سياسي رئيسي
وهو إلغاء البدائل للنظام القائم.
في الشيشان هزم أصلان مسخادوف ذو التوجه القومي غريمه الإسلامي في الانتخابات،
أمّا سلفه جوهر دوداييف فيقال إنّه كان علمانياً لدرجة أنّه لا يعرف كم مرّة
يصلّي المسلم في اليوم، ومع ذلك قامت روسيا بقتل الرجلين وكل قيادي شيشاني
معتدل وجدته في الداخل أو الخارج قبل أن تعيّن رمضان قاديروف الموالي لها
رئيساً للشيشان.
في الجلسات الخاصة، غالباً ما كان الأمريكيون يشيرون إلى أنّ الجانب الروسي
يقول لهم عند الحديث عن ضرورة مغادرة الأسد لكي تبدأ العملية الانتقالية، بسؤال
"ومن هو البديل"؟. في التحليل من الصعب على روسيا أن تعيد تمكين الأسد ليحكم
البلاد بأكملها، كما أنّه من الصعب جداً تصور أزاحة الأسد من دون أن ينهار
نظامه بشكل كامل.
مهمّة روسيا الأساسية غير المباشرة التي تقوم بها في سوريا اليوم هي تدمير
البدائل السياسية المحتملة أولاً، ومحاولة التخطيط لكيفية بقاء نظام الأسد من
دون بقائه هو شخصياً على رأسه (إن اضطرت للاستغناء عنه لاحقاً) عبر إدارة مرحلة
انتقالية مخطط لها. وعليه، ليس من المستغرب أن تكون الجماعات المسلحة المعتدلة
في سوريا هي الهدف الأول لهجمة بوتين الجويّة، كما كانت المعارضة السياسية
المعتدلة هي الهدف الأول لمبادرات موسكو الدبلوماسية سابقاً (اجتماعات موسكو).
وسوم: 638