صناعة نظام سياسى !!
ـ فى ظل غياب واقع سياسى حقيقى، لا يمكننى تنحية ما أسميه "صناعة نظام سياسى فى ظل غياب سياسى"، أو على خلفية المثل الشعبى "الجيش بيقولك إتصرف"!!
بوضوح أكثر .. هل تم التخطيط لدفع الشعب للعزوف عن المشاركة فى العملية الإنتخابية ؟ أقصد هل تم رسم الصورة أمام الناخب عن عمد، بين غياب البرامج الحزبية نتيجة غياب الأحزاب أصلاً، عريقها وبرابرها، وبين مرشحين هم رموز الوطنى المنحل، ورجال أعمال حلال أو أعمال حرام أنفقوا الملايين من أجل الكرسى بينما لا علاقة لهم بسياسة ولا بتشريع، وربما ولا حتى ببديهيات المعلومات العامة، مع قلة محترمة من البسطاء أمثالنا نقدر إخلاصها ووطنيتها ؟!! فدُفِع بالشعب دفعاً الى إعتزال الأمر ورفع سلاح المقاومة السلبية، رغم أنه سلاح يُفقِد أى نظام إتزانه ويَهُزّ شرعيته المستمدة من مبدأ "رضا المحكوم بقرارات الحاكم"، أياً كانت طبيعة نظام الحكم !!
ـ إن صحَّ تصورى، ومع حاجة النظام الماسة لبرلمان أليف مستأنس خلال هذه المرحلة، فربما يكون السيناريو كالتالى:
مجلس نواب له طبيعة خاصة، يأتى لتمرير القوانين التى أصدرها أو إعتمدها الرئيس. قد يتولى عملية تعديل الدستور بناء على طلب من أعضائه، خاصة الحزبيين، من منطلق "أن الدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة". بعدها يخرج "أحدهم" بدعوى عدم دستورية المجلس، ولأكثر من سبب ليس هنا مجال إستعراضها. يحكم القضاء بحل المجلس. يُنفَّذ الحكم، فيًحَلّ المجلس قضاء دون إستفتاء، أى دون المغامرة بمنصب الرئاسة إن طلبت إستفتاء الشعب على حل المجلس، ورفض الشعب، فأوجب الدستور إستقالة الرئيس !
ـ ولكن السؤال .. طالما المجلس سيكون طوعاً للنظام هكذا كما نظن، فلماذا يرتب النظام لحله إن صح التصور؟!
الإجابة .. ذلك لسببين:
أولاً: لأن النظام يرغب بشدة فى التخلص من رموز نظام مبارك، مهما حاولوا إثبات الولاء، سواء من الوطنى المنحل أو من الأحزاب، ربما ليس لفسادهم، ولكن لأن القاعدة أنه لكل عصرٍ دولةٌ ورجال، ورجال دولتنا الحالية، الحقيقيون، لم يظهر أحدهم فى الصورة الى جانب الرئيس حتى الآن، على حد رأيى المتواضع!!
ثانياً: إزدياد شعبية الرئيس بكل تأكيد بعد تأثرها كثيراً بالوضع الإقتصادى السئ، فيرى البسطاء أنه واحدٌ منهم لم يخلف عهده معهم، إستشعر ضيقهم وتسلم رسالتهم الإحتجاجية، فإحتال لحل البرلمان بالقانون، وبالتالى حقق رغبة شعبية عارمة تستوجب الإلتفاف حوله.
ـ ورغم قناعتى أنها حيلة "وطنية"، إن جاز التعبير، يفرضها التخلص من الدولة العميقة، أعنى الرموز القديمة المنحلة والحزبية المتحكمة كثيراً فى مجريات الإقتصاد، فلا أتصور رغم ذلك أن نتائجها ستكون وردية مشرقة للوطن، إن صدق ظنى، ببساطة لأن الوضع سيقى على حاله ولا قوى سياسية يمكنها موازنة الأمور على الأرض وكبح جماح النظام بعد ذلك، إن رفع مبدأ "ما أريكم إلا ما أرى" بصورة أكبر من الوضع الراهن !!
ـ لذلك، كان الأولى على الدولة، ولن تعدم وسيلة، إختصار الطريق بالضغط على الأحزاب لإصلاح داخلها وخطابها قبل الانتخابات، ذلك حتى تتوازن الساحة السياسية بتنظيمات قوية يمكنها المنافسة الحقيقية لصالح الوطن، فالأمر أشبه بالفلاح الذى لا يمكنه ترك أرضه دون زراعة رغم ملكيته لها، وإلا تدخلت الدولة لإرغامه على زراعتها، أو مصادرتها، لتعم الفائدة على المجتمع كله.
فالحلّ واضح لا نكلّ ولا نملّ من تكراره، إنه التنظيمات السياسية الحقيقية القوية المتنافسة لصالح الوطن والتى تصنع مدنية الدولة، والتى ترفض "أحزاب مدينة البط"، دون إستثناء، التحول اليها لأسباب كثيرة معروفة ليس هنا مجالها، مهما إدعت من إصلاح داخلى هو فى حقيقته مجرد زيف وهمبكة.
تلك مشكلة مصر وذلك حلها الوحيد، حسب رؤيتى المتواضعة، وما سواه مجرد مسكنات وتجارب، لا يعلم حتى القائم بها كيف يجريها، وعبث بمستقبل أمة تتربص بها الضوارى من كل إتجاه، بينما أهلها نيام فى غفلة موات لن توقظهم منها إلا قارعة ! وإن لم تتدخل الدولة لصناعة حياة سياسية سليمة فلا أمل فى بناء وطن حلمنا كثيراً أن يكون.
ـ بقيت كلمة سيادة الرئيس .. صلاحكم صلاح للوطن كله، وأنتم فى أمس الحاجة لظهير سياسى حقيقى، ظهير ليس شرطاً أن يكون مؤيداً مسبحاً مريداً، بل يكفيك أن يكون معارضاً وطنيا متجرداً، يؤيدك إن شاركت الرأى فأحسنت، ويعارضك إن إستأثرت القرار فكان غير ذلك، فحاول تنظيم سير الوطن فى طريق ذى إتجاهين .. حاول فلن تندم.
ضمير مستتر!
يقول تعالى:{قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} يوسف10
وسوم: 638