حاجة غلط كبيرة جدا جدا !

استيقظت في ثاني أيام الانتخابات على صوت هادر أجش ينطلق من سيارة تحمل مكبر صوت قبيح يخاطب الناس في قريتي ويطالبهم بالنزول للتصويت في انتخابات مجلس نواب الانقلاب أو برلمان مرجان كما سموه .

كان النداء يحذرهم من سقوط المؤسسات ، ويهددهم بالغرامة 500 جنيه في حال التخلف عن التصويت . لم أفهم ماذا يعنى سقوط المؤسسات ، وأي مؤسسات يقصد صاحب الصوت الأجش ؟ أما الغرامة فهي تعبير عن أحد تجليات القمع الذي يمارسه حَمَلة النبوت مذ أطاحوا بنتائج الانتخابات الحقيقية التي عبرت عن إرادة الناس سواء في الانتخابات التشريعية عام 2011 ، أو الانتخابات الرئاسية عام 2012 ، وقالوا لمن يستجدون نزولهم الآن للتصويت : طزْ في أصواتكم وإرادتكم . والمجد للنبوت وتجلياته ، ومن لم يعجبه ذلك ، فليتعظ من الحكم بإعدام قرابة ألفين من أشرف الناس وأنبلهم بما فيهم رئيس الجمهورية الشرعي المنتخب ووزراؤه ومحافظوه ونواب المجلس التشريعي ومؤيدو ثورة يناير ( وتأملوا صورة المستشار الجليل محمود الخضيري وهو يعاني سكرات الموت في السجون ولا يرفق به جلاد أو يعطف عليه سجان !) ، ثم ليعتبر من يعترض على النبوت بأكثر من خمسين ألفا من أبناء مصر النوابغ يقبعون في قعر مظلمة ويعاملون معاملة يصعب التلفظ بوصفها ،ثم اعتبروا بالمطاردات والتصفيات أو الاغتيالات أو الإعدامات الميدانية بحجة مقاومة السلطات ، ثم تذكروا أن من يعارض النبوت العظيم يطارد في رزقه ويحرم من لقمة عيشه ، ويُعامل معاملة عنصرية كريهة ، ويُمنع أولاده وأقاربه من المشاركة في الحياة العامة والسياسية ، كما يُمنع من التعبير عن رأيه ومن التجنيد في قوات الشعب المسلحة ومن دخول الكليات العسكرية والشرطية و، ومن العمل بالنيابة والقضاء ، والسلك الدبلوماسي و.. و... إلخ .النبوت سيّدُكم وتاجُ رأسكم وفوق الجميع . مفهوم ؟!

عقب الثورة كانت طوابير الناخبين تمتد مساقات طويلة قبل فتح اللجان ، واليوم يقوم حملة النبوت باستجداء الناس للتصويت . إنه لأمر عُجاب ، فالبلد بلدهم والورق ورقهم ، والقانون ملكهم ، ولذا ينبغي ألا يغضبوا إذا اقاطع الناس برلمان مرجان واهتموا بمباراة السوبر ، وصراع الأندية من أجل المدربين واللاعبين ، ولم يعبأوا  بنداء قائد الانقلاب لهم كي يذهبوا للتصويت ، فهم في كل الأحوال لم يهتموا بمعرفة قوائم المخابرات والكنيسة أو أحزاب الأمن وساويرس وأحمد شفيق ، ولم يدققوا في المرشحين من بقايا الفلول واللحى الخائنة وضباط الجيش والشرطة وتجار السراميك والخردة ومواد الخرسانة أو الممولين من حكومات الأعراب .

لم يكن مستغربا أن تخلوا اللجان الانتخابية من الناخبين في وطن تم فيه الزراية بأصوات الناخبين واختياراتهم بانقلاب عسكري دموي فاشي بعد حل مجلس الشعب المنتخب ، وتعويق الرئيس المنتخب ، والتحريض عليه ، والحط من قدره ، وتحريك الدمى من القوى الانتهازية الفاسدة التي تضم الشيوعيين والناصريين والليبراليين والمرتزقة وخصوم الإسلام ، ولم تستطع الأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري الدموي الفاشي أن تنكر أن اللجان الانتخابية خلت من الناخبين ، وأن الشعب أدار ظهره للانتخابات بعد أن اكتشف أن الانقلاب لم ينجز شيئا مفيدا مذ بدأ يخطط لوأد ثورة يناير ، وينتقم بشراسة ووحشية ممن قاموا بها ويلقيهم وراء القضبان ويشهر بهم ويطاردهم ليعود الفاسدون والعملاء إلى أماكنهم !

لم تجد تعليقات الصحف الانقلابية والإعلام الموالي للنبوت مفرا من الاعتراف بالحقيقة المرة ، وهي أن الشعب يرفض اللعبة الانقلابية المسرحية المزيفة التي تتحدث عن مجلس نيابي ، وها هي بعض العناوين التي عبرت عن المأساة التي صنعها حملة النبوت :

أعلنت اللجنة العامة للانتخابات عن اغلاق لجان الاقتراع بعد انتهاء اليوم الأول الذى انتهى على وصف مقولة "لم يحضر أحد"، وقالت إن المشاركة قدرت بحوالي 2 %.

وأجمع مراقبون ووسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب، والمعارضة له على أن الإقبال على العملية الانتخابية كان ضعيفا للغاية .

 قال رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق "محمود حجازي"، في أثناء جولة له ببعض لجان محافظة الإسكندرية، إن الجيش والشرطة والقضاء قاموا بواجبهم من أجل إتمام العملية الانتخابية على أعلى مستوى، لكن لما كل ده يتعمل والمواطن مينزلش يبقى فيه حاجة غلط كبيرة جدا جدا".

المهندس ممدوح حمزة ثائر الأمس البعيد انقلابي اليوم كتب يقول: (عدد اللي ذهب ليصوت علي مستوي مصر كلها حتي الآن أقل من مسيرة إمبابة يوم 28 يناير)  

وقد تابع حمزة :  (الشعب المصري لا يأكل وجبة فاسدة) .

إعلاميون يناقشون تفعيل الغرامة بعد ضعف الإقبال: «نعوض عجز الموازنة.. اللجان وهي فاضية شكلها وحش» .

مساعد وزير الداخلية السابق يستنكر ضعف إقبال الشباب: «عيب شيل اللحاف يا بابا وانزل» ..

 "مرشح فى انتخابات برلمان الدم": القاضي افتكرني ناخب وقالي "مش لاقيين ناخبين"

  كان خلو اللجان فرصة ذهبية للعوالم والمشخصاتية كي يعلنوا عن أنفسهم وخاصة من انتهى عمرهم الافتراضي ـ فوقفوا أمام الكاميرات العاطلة ليصوروا أصابعهم الملونة ، أو تقمص دور المسئولين والقضاة ، وإصدار أحكام بسحب الجنسية ممن لا يشاركون في الانتخابات .

قبل هذا الدرس التاريخي الذي لقنه الشعب للانقلاب العسكري وأتباعه بيومين اثنين كتب أحدهم يقول : "لقد خرجنا من تجربة حكم الإخوان بأقل قدر من الخسائر على المستوى التاريخي والبشرى .. كان من الممكن ان يمتد حكم الإخوان ويكون الثمن افدح والمخاطر اكثر ... " ثم يضيف المذكور: "ساقت لنا الأقدار ... ليقود المسيرة بحشد شعبي غير مسبوق منحه ثقته وحبه ووضعه امام اختبار غاية فى الصعوبة كيف يواجه التحديات ويجرى الجراحات فى مجتمع يسوده الفقر والفوضى ويحافظ على هذا الرصيد الشعبي الكبير انها معادلة صعبة تطلبت إجراءات صارمة وقاسية (؟!) ربما تركت آثارها على هذا الرصيد ..." .

نسي الكاتب الانقلابي أن الشعب الأسير الذي يتم التنكيل بشرفائه لإرساء الحكم العسكري واستقراره يعرف اختياراته جيدا بعيدا عن الكذب الفاجر والتدليس المريع ، وأنه لن يكون رهينة لمن سلبوه حريته وكرامته ولقمة عيشه تحت راية محاربة الإخوان أو غيرهم . هل عرفتم الآن ما هي الحاجة الغلط الكبيرة جدا جدا ؟ أدار الشعب ظهره لمن خدعوه وضحكوا عليه وزوروا الواقع وجعلوا بلده معرة الأمم !

الله مولانا ، اللهم فرج كرب المظلومين ، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم ! 

وسوم: 639