هل يقلب بوتين الطاولة فيعلن نصره على الأمريكيين في سورية
بوتين للأسد: الشريك في الحرب شريك في السياسة
باختصار شديد : لقد استدعى بوتين بشار ليملي عليه بعض الحقائق . إن حمل بشار الأسد إلى موسكو على متن طائرة حربية روسية لهو أمر ذو دلالة سياسية بالغة . ثم إن حمله إلى هناك وحيدا معزولا عن أي مرافقين ، لذو دلالة ثانية . وكذلك فإن طريقة الاستقبال التي خلت من أي مراسم برتوكولية في استقبال الرؤساء لهو أمر أبلغ في الدلالة من سابقيه .
بوتين لم يستقبل بشار الأسد كرئيس دولة ، ولم يتعامل معه على هذا الأساس ، وإنما استقبله كتابع من الأتباع يريد أن يعطيه أمر الحركة في الأيام القادم . أراد بوتين بإيجاز أن يعلمه وهو حليفه الأقوى أن عليه أن يستعد لقبول الحل الذي سيقترحه أو سيفرضه عليه .
الرسالة الأقوى والأكثر فظاظة من الناحية الدبلوماسية ، التي صفع بها بوتين بشار الأسد هي قوله : إن الشريك في الحرب هو شريك في السياسة أيضا . فبوتين استدعى الأسد ليبلغه بوضوح بأن اشتراكه معه في الحرب ، وتحمله كلفة هذه الحرب على جميع المستويات بما فيها المستوى السياسي والبشري؛ يقتضي أن يكون بالمقابل شريكا في القرار ( الأسدي ) ولا نريد أن نقول السوري . وهو أي بوتين ، قد استدعى بشار الأسد ليسمع منه إقرارا بهذا الحق ، ولاسيما بعد أن ظهر العجز الإيراني عن حماية الأسد ، وأصبح الروسي هو الحليف الوحيد الذي يحاول أن يكون فاعلا .
في مقررات الفقه الإسلامي ، أن الأسير ولو كان هو إمام المسلمين لا يفاوض ، وهنا فإن السؤال المطروح : هل كان بمقدور بشار الأسد أن يقول ( لا ) لبوتين ؟ وهل كان بشار الأسد سيضمن عودته إلى سورية لو قالها، أو أن مصيره كان يمكن أن يلحق بمصير موسى الصدر عند القذافي ، ولاسيما وأن الزيارة لم تكن في الأصل معلنة ، وأن الروس أنفسهم هم الذين قرروا الإعلان عنها ، وقرروا الكشف عما يهمهم من سطورها ومن هذه السطور السطر الذي نتحدث عنه .
ومن الأسطر التي قرر الرئيس بوتين أن يكشف عنها هو أن روسيا بالدور الذي تقوم به على تواصل مع دول إقليمية عديدة ..
ومهما يكن موقفنا نحن السوريين من الدور الروسي المدان والمرفوض بدأ من أول يوم انطلقت فيه هذه الثورة وحتى اللحظة التي ينخرط فيها الروس شريكا عضويا في جريمة قتل السوريين وتشريدهم ..
ومهما تكن مواقف دول الإقليم من الجريمة الروسية في سورية ؛ فإن المراقب والملاحظ لا بد أن يستوقفه شيء ما في مواقف دول الإقليم من جريمة التدخل الروسي ..
لا بد أن نقر أن الثورة السورية وثوارها لا يملكون سلطانا على أي دولة في العالم أو في الإقليم لجعلها تتخذ المواقف التي تعبر عن رؤى الثورة وتطلعاتها ..
عمليا فإن أي متابع لا بد أن يتساءل : هل حقا أن الغباء والبلادة بلغا ببوتين حدا يجعله يراهن على علاقة بلاده بالمسلمين حول العالم ، ثم بعلاقة بلاده بالدول العربية والإسلامية بجملتها مقابل حصان ميت ، قيمته قيمة ورقة التوت ، يستطيع بوتين في أي لحظة أن يحمله في طائرة شحن روسية ويلقي به في غياهب سيبريا على الطريقة الستالينية نفسها..
أم أن ثلاثة أسابيع من العدوان الخائب على الأرض السورية ، العدوان الذي لا يبشر الروس بخير ، والعدوان الذي لم يستطع بشار الأسد وحلفاؤه الإيرانيون أن يوفوا بما وعدوا به .. ربما جعلت بوتين يعيد ترتيب أوراقه للبحث لنفسه عن مخرج يحفظ فيه ماء وجهه من عار الهزيمة المباشرة والهزيمة الاستراتيجية ..
إن التفكير في هذا الاتجاه يجعل الإنسان يستعيد المشهد : فهل يمكن لبوتين بالفعل أن ينتصر على غبائه ؟ هل يمكنه أن يفجأ العالم بحركة بهلوانية رشيقة يقدع فيه أمر نده أوباما ، فينتزع لنفسه مصداقية ليس لها حتى الآن من يصدقها ..
ماذا لو سار بوتين في اتجاه حل سياسي في سورية يصنعه وحده . بعد أن تخلى الآخرون عن دورهم . فليس في الساحة اليوم قوة دولية تنافس بوتين ، ولا يقارعه غير الشعب السوري العظيم . وبشار الأسد بالنسبة لبوتين لم يعد أكثر من شوكة مزعجة مكلفة فهل يقلعها بوتين ؟!
فهل سيعلن بوتين نصره على الأمريكي والأوربي قبل أن يعلن الشعب السوري انتصاره المكلف عليه ؟! هل يمكن أن يرتقي بوتين وصانع السياسة الروسي إلى هذا المستوى من الذكاء ؟ هل يصحح بوتين خطيئته الكبرى يوم أعلن الحرب على أمة الإسلام وشعوبها مستعينا ببطركه الأكبر كلير ؟ وهل يصحح علاقته مع جارته تركية ومع دول الخليج العربي بشكل عام ومع الشعب السوري بشكل خاص ..؟!
تساؤلات كلها مشروعة على ضوء معطيات المشهد ، وعلى ضوء عملية الاستدعاء التي نفذها بوتين على بشار الأسد ..ويظل عالم الحلم مفتوحا . ولكن الحقيقة التي يجب أن يستوعبها بوتين هي أن الطريق التي اختارها منذ اليوم الأول لثورة الشعب السوري أفقدت الاتحاد الروسي مصداقيته ولو على مستوى التصور الذهني . وأفقدته القدرة على أداء أي دور يكون محل الثقة والأمان ..
للرئيس بوتين أن يستدعي بشار الأسد أو يستقبله ، ولهما أن يجلسا معا ليتبادلا الكذب عن الحرب على الإرهاب ، فهم قد دفنوا هذه الجيفة المنتنة معا . فعن أي إرهاب يمكن أن يتحدث هؤلاء الإرهابيون ؟ بوتين الذي لم يمض على احتلاله لسورية ثلاثة أسابيع وقد ضاج وضج بالشكوى هل يغامر بالقفز فوق الهاوية ؟ وهل يهرب من ورطته في سورية إلى الأمام بل إلى أمام الأمام .. فيضع بشار الأسد في واحد من المعتقلات الستالينية في سبيريا ، ويمد لسانه إلى خصمه الأمريكي قائلا : أرأيت ...
وسوم: 639