بين شواني وعاليه نصيف ..تبرع إنساني أم جزية مذلة؟
في مقابلة صحفية قبل بضعة أيام، قال خالد شواني "لولا الكرد لما تمكن الشيعة من حكم العراق مدى الحياة" (1)، وأجابته النائب عالية نصيف أمس "لولا الشيعة لما حصل الكرد على كل هذه المكاسب"! (2)
شواني لم يقل مثلا أنه لولا الكرد لما حقق العراق كذا وكذا، ولم يبين أن جهد الكرد يصب في صالح الشعب العراقي الخ، لأنه يعلم أن أحدا لن يصدق مثل هذا الهراء، فكل السياسة الكردية منذ 2003 وقبلها ايضاً كان موجها لتحطيم العراق ضمن اجندة إسرائيلية بحتة. لذلك لجأ شواني لتبرير الابتزاز الكردي للعراق بمحاولة إقناع "الشيعة" بأنهم مستفيدين من ذلك الابتزاز أيضاً، وأن عليهم ان يحمدوا الله ويشكروه على "حصتهم منه".
النائبة عالية نصيف غضبت من تصريحات مستشار رئيس الجمهورية هذا فقالت: “لولا الشيعة الذين تعاملوا بروح انسانية مع اخوتهم الكرد لما تمكن الكرد من الحصول على هذه المكاسب....فقد حصل الكرد على مكاسب في الدستور وامتيازات مالية لم يحلموا بها، ويمكن القول ان الكرد اليوم عندهم دولة ونصف، أي أن خبزتهم لهم ويشاركوننا في خبزتنا، فبالرغم من تمتعهم بواردات نفطهم وبحصتهم من الموازنة يستحوذون على نفط كركوك أيضاً ".
وأضافت: " ان معظم القادة الكرد وللأسف لم يكونوا شركاء أمناء بل على العكس من ذلك قاموا بإيواء المجرمين والخارجين على القانون والمطلوبين بتهم الإرهاب، وتآمروا على البلد من أجل تقسيمه، واليوم جاءوا ببدعة المناطق المحررة بالدم، فنحن نعرف القاعدة التي تقول أن الأرض لمن يحرثها ولكن لم يسمع احد بأن الأرض لمن يحررها، فهل يجوز لإبن البصرة أو ذي قار الذي يذهب للقتال لتحرير الانبار وصلاح الدين أن يقول أنها باتت له لأنه حررها؟"
خطاب نصيّف يحوي غضباً مشروعاً، وكتب بنية سليمة بلا شك، لكن هل جاء التعبير مناسباً؟ هل نسمي تعاملا يعطي طرف ما "امتيازات مالية" أيا كانت، دع عنك "لا يحلمون بها"، "تعاملا إنسانياً"؟ هل يسمى "إنسانياً" ذلك التعامل الذي يجعل طرفاً يستحوذ على نفط محافظات بعد ان يستولي عليها ويصادر أسلحة الجيش فيها؟
نصيّف تعرف جيداً أن قادة العراق لم يقدموا أي شيء "إنسانياً" بل كان كل شيء رغما عن انفهم المعفر بالتراب والمذلة، ولا يمكن أن يسمي من يتنازل عن حقه وعن حق من ائتمنه عليه، تنازلا "إنسانيا". إننا نعرف جيدا أن كردستان لم تطلب يوماً هذا التعامل الإنساني ابداً، فهي كأفضل مناطق العراق اقتصاداً، وليست إنسانية بل هي قلة الإنسانية التي تدفع بمسؤول أن يأخذ من فقراء شعبه ليقدمها صاغراً إلى لصوص كردستان.
بل كان حصولها على ما حصلت عليه بالضغط والرشاوي على المناصب.. الضغط السري الخفي الذي لا تستطيع كردستان ان تسلطه بنفسها، ولا تستطيع لوحدها تعيين القادة المنبطحين وإفهامهم أن منصبهم مرهون بأن يعطوا كردستان جزية تساوي أضعاف استحقاقها وأن تتزايد هذه الجزية مع الزمن. ومثلما يفترض على كل رئيس امريكي أن يزيد المنح الأمريكية لإسرائيل مالا وسياسة عن سابقه، فأن على الطامحين إلى رئاسة الحكومة العراقية أن يقدموا أوراق اعتمادهم لكردستان مشفوعة بوعود أن يزيدوا من جزية العراق لها (ولعمان) عما يقدمه المنافس الآخر. وهذا الرئيس الجديد لم يخالف فأعطى لكردستان كل ما استطاع أن يعطي فور وصوله، وسمح لها أن تبيع نفط بلاده حتى لإسرائيل التي تقتل اليوم الفلسطينيين بنفط العراق! فشاركها جريمتها وعارها، وأشركنا بعاره!
إذا كان الكرد قد حصلوا على امتيازات، فهم اخذوها عنوة لذلك لم يقولوا لأحد يوما "شكراً" بل كان التهديد والكلام الأقرب إلى البصاق وإنزال الأعلام وإحراقها هو ردهم. ويبدو أنهم كانوا محقين وأنه الخطاب المناسب لقادة ذلنا، فهو يكسب صاحبه المزيد والمزيد.. "إنسانياً"!! ولم يختلف عن ذلك أسلوب قادة الأردن فقد كانوا يعاملون المسؤولين العراقيين والسفارة العراقية ورئيس الحكومة العراقية، بالاحتقار، فيزيدهم دعماً على حساب شعبه الذي يتضور جوعا وبطالة وضياعاً. إنها "إنسانية" من نوع جديد بلا شك!
بقي أن أقول إن الموضوع ليس له علاقة لا بحكم الشيعة ولا ابتزاز ضد السنة. فالشيعة لم يحصلوا من هذا "الحكم" الذي تبرع لهم به شواني سوى الفقر والألم والشهداء. ولم يحصل السنة إلا على التهجير وخسارة الأوطان والكثير من الضحايا. وحتى مواطني كردستان لم يحصلوا من هذه العلاقة المريضة حتى على رواتبهم!
ولم يكن بسبب قوة كردستان ولا عبقرية ساستها. وليست المشكلة في صلافة لصوص كردستان، فهم عندما يزورون تركيا يتكلمون بأدب، كما أن حركتين من الحشد أجبرت كردستان لأول مرة أن تتكلم عن التفاهم بدلا من البصاق المعتاد بوجه كل من يزعجها باعتراض في الماضي على أي اعتداء من اعتداءاتها. المشكلة التي واجهتها كردستان هذه المرة هي أن قادة الحشد لم يحصلوا على مواقعهم من خلال رضا لصوص كردستان، ولم يجدوا سببا للتذلل إليهم، فلم يجد قادة كردستان إلا أن يتكلموا معهم بأصول وأدب، تماما مثلما يفعلون عندما يسافرون إلى تركيا وغيرها!
كذلك ليس الموضوع أيضا تآمر الشيعة مع كردستان على السنة، فلو كان "السنة" في الحكم لما كان الحال أفضل، بل من المؤكد انه سيكون أسوأ للعرب - للسنة والشيعة معاً. فتقسيم المشهد إلى سنة وشيعة وكرد لا يخدمنا في فهم الموقف ولا يجلي غوامضه. لكن الحقيقة هي
أولاً هناك سلطة أمريكية قد التزمت اجندة إسرائيلية لتدمير العراق حتى النهاية.
وثانيا هناك كردستان التي تستعمل كسوط وأداة لهذه الخطة باستخدام العواطف القومية والأحقاد التي تم تحويلها من صدام إلى العرب.
وثالثاً يجب ألا تدمر كردستان مع العراق لكن أن تبقى بلدا استهلاكيا لا ديمقراطيا، بلداً مصطنعا وقلعة متقدمة وهراوة للسيطرة على العراق.
هذه هي الخطة، وقد توجب على كل رئيس حكومة عراقي (شيعي كان او سني) أن يوقع على دوره فيها وجزء ثابت من هذا الدور هو تسليم لصوص كردستان، أموال الشعب العراقي وإبقائه فقيرا عاجزا وسائرا بسنته وشيعته نحو الفناء المخطط له!
أية "إنسانية" يا عالية؟ لو سكت يا عالية نصيف بدلا من ان تنكأي جراحنا بهذا الهراء.. وتذكرينا بما وصلنا إليه من.. قهر...!
صائب خليل
.......................
(1) خالد شواني لـ"الغد برس" : لولا الكرد لما تمكن الشيعة من حكم العراق مدى الحياة –
http://alghadpress.com/ar/nes/41004/0
(2)عالية نصيف : لولا الشيعة لما حصل الكرد على كل هذه المكاسب .
وسوم: العدد 643