هل الفشل أو القصور في نقل المواد العلمية مسؤولية اللغة العربية أم مسؤولية من أوكلت إليهم عملية النقل ؟
اختلف الرأي العام فيما ما صدر عن رئيس الحكومة تجاه وزير التربية الوطنية بخصوص مذكرة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية ، وهي مذكرة يبدو أن وزير التربية الوطنية أصدرها دون علم رئيس الحكومة الشيء الذي أغضب هذا الأخير واعتبره تحديا وتجاوزا للاختصاص . وبغض النظر عن طريقة تقريع رئيس الحكومة لوزير التربية الوطنية ، وما وراءها من خلفيات سياسية أو حزبية أو إيديولوجية فإن قضية تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية تحديدا قضية تهم الشعب المغرب برمته الذي لا يمكن لوزير التربية أن يفرض وصايته عليه . والقضية لا يمكن الفصل فيها بمذكرة وزارية يمررها وزير ما في فترة تكليفه بالوزارة والذي سيرحل كما رحل غيره وتبقى الآثار السلبية على أجيال لقراراته الشخصية التي لم يستشر فيها الأمة . إن ثقافة وزير التربية الوطنية الحالي الفرنسية جعلته ينظر بمنظارها ، ويرى أن عين الصواب ما تراه هذه الثقافة . ومعلوم أن الثقافة الفرنسية تتعامل مع ثقافات شعوب مستعمراتها السابقة باستعلاء ، ولا زالت في استعلائها كما كانت زمن الاستعمار . وبالرغم من أن شعوب العالم تدرس المواد العلمية بلغاتها فلا زال فينا من يتشبث بفكرة تدريس هذه المواد بلغة المستعمر وكأن الأمر قدر لا مفر منه وحتمية لا مناص منها . فإذا كان القصد هو نقل الحمولة العلمية إلى مناهجنا وبرامجنا ومقررتنا الدراسية فليس من الضروري أن تكون اللغة الفرنسية هي وسيلة نقل هذه الحمولة لمجرد أن وزير التربية الوطنية ينطق بها بل توجد لغات كثيرة في العالم كلها نجح أهلها في نقل العلوم بها . ويقتضي الحرص على نقل العلوم إلى مناهجنا الدراسية اللجوء إلى أكثر اللغات استيعابا للعلوم ، ولا أظن أنها اللغة التي يستعملها الوزير ومن على شاكلته من الذين إذا استعلت لغات أخرى وجدوا أنفسهم في حالة شرود وهي وضعية لا يقبلون بها لأنها تهدد مصالحهم .ويبدو أن الحرص على تلقين المواد العلمية بالفرنسية تحديدا ليست بغرض نقل الحمولة العلمية بل بغرض لم يفصح عنه الوزير ، وهو ما أثار قلق رئيس الحكومة . والسؤال المطروح على وزير التربية الوطنية وعلى من يرى رأيه هو : " هل الفشل في نقل المواد العلمية مسؤولية اللغة العربية أم مسؤولية من أوكلت إليهم عملية النقل ؟ إن أساتذة التعليم العالي لا يبذلون أدنى مجهود لنقل الحمولة العلمية إلى العربية ، ولم نفكر وزارة التعليم العالي أبدا في تدريس المواد العلمية باللغة العربية كما فكر وزير التربية الحالي بتدريس هذه المواد بالفرنسية ، وفكر من كان قبله في تدريسها بالعربية وقد كانت تدرس بالفرنسية . وفي تقديري المتواضع أن الحمولة العلمية تنقل من التعليم العالي إلى المستويات الدنيا وليس العكس . ولا يتوفر التعليم العالي عندنا على مراكز ومختبرات نقل العلوم من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ، ولا يرصد لذلك مال علما بأن ما يرصد للبحث العلمي هزيل أصلا . ويبدو أنه قد جاء الوقت لتدرس للمتعلمين قصيدة الشاعر حافظ إبراهيم التالية :
وسوم: العدد 645