كان يا ما كان
عندما اندلعت ثورة التحرير .. والتحم الشعب كله مع شبابها الثائر .. تراءت في ذاكرتي مشاهد وقصص عشتها في حلي وترحالي.. واختزنها عقلي ليستدعيها اليوم بعد أن صارت لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالثورة.. وما بعدها وما قبلها..
[ الخرابة ]
كان اللص سيد عيد يعيش في (خرابة) بين المزارع وتعيش معه أخته فاطمة التي تقوم بجمع الطيور من قرية البلحة [ كفردة ] أو [ أتاوة ] يدفعها بعض أهل القرية للنجاة من شر أخيها وتأمين ماشيتهم وزروعهم من السرقة ... وكانت فاطمة تدخل البيت من هذه القرية سيدة متوجة تنتقي من الطيور أجملها وأفضلها ثم تعود إلى الخرابة وتعد طعامًا كثيرًا يكفي أخاها ومن يحضرون إليه في كل ليلة من أجل القيام معه بعملية السرقة , وكانوا يذهبون إلى قرية (البلحة) في أوقات متباعدة ويسطون على البيوت التي لم ترسل الطيور إلى سيد عيد.. ومع تحمل القرية عمليات السطو المتفرقة أعواماً وأعواماً , قرر سيد عيد ذات ليلة القيام بسرقة كل ماشية القرية دفعة واحدة , وعندما قام معاونوه بالتنفيذ كان مجموع ما سرقوه عبئًا عليهم , وتنبه أهل القرية فإذا القرية تسرق بأكملها , وعلى يد من؟ على يد حفنة قليلة من اللصوص, فزال خوفهم , وانفجر الغضب الكامن بداخلهم , واشتبكوا مع اللصوص , فزالت أسطورة سيد عيد , وبدأوا يعيشون الحياة الحرة الكريمة.
[ أوزة صابرين ]
وضعت صابرين – أوزتها – التي كانت تأمل في بيضها وفراخها – في مقطف , وأعطتها لزوجها حامد – القروي الفقير – ليذهب بها إلى السوق لبيعها , وشراء دواء بثمنها لابنتها المريضة , خرج حامد إلى السوق, ولم يكن يذهب إلى أي مكان خارج القرية , ووقف مع الناس حتى جاءت الحافلة – الأتوبيس – وركب الجميع , وجلس حامد على مقعد بجوار النافذة , ينظر إلى الخارج , وتتسع عيناه بقدر سير الحافلة وتنوع صور الواقع الخارجي , وفجأة وجد من يضع يده على كتفة , فعاد حامد إلى الداخل من دنياه الواسعة , فإذا المحصل يطلب منه الأجرة , وهو ليس معه نقود , لأنه كان يتصور بسذاجة أن الحكومة تقوم بنقل الناس مجانًا , فقال للمحصل : ليس معي نقود , فقال له المحصل من ليس معه نقود لا يستطيع الركوب معنا .. انزل ، فنزل حامد وبدلا من أن يعود لصابرين بالنقود عاد إليها فاقد الوعي متأثرا بحروقه.
[ عمدة سردينة ]
كان الحاج عباس عمدة قرية "سردينة " يعتمد في السيطرة على قريته والتحكم فيها على إحدى العصابات التي نشرت الرعب والفزع بين الأهالي , حتى استسلم له الناس , واعتبروه من قضاء الله تعالى كما قال لهم بعض علماء الدين , وحاولوا إرضاء الحاج عباس , بالخضوع والخنوع، لكنه قابل ذلك بالظلم والقهر والطغيان ولم يكتف بذلك , بل سلط جملاً له على أهل القرية يأكل محاصيلهم ويعض أولادهم.
اجتمع أهل القرية في منزل أحدهم وقالوا : لا بد لنا من إبلاغ العمدة بما نتعرض له من أذى , بسبب جمله الهائج دائمًا المؤذي دائما , وفوضوا الأستاذ سعيد للتحدث مع العمدة باسمهم وسار أهل القرية جميعاً في اتجاه منزل العمدة وعلم العمدة بما يحدث بين الناس , فأرسل الخفراء لتخويف الناس وإرهابهم كي لا يرفعوا مظلمتهم إلى العمدة , فبدأ الخوف يشيع في نفوسهم, وبدأوا يتسللون لواذا ولم يصل إلى بيت العمدة إلا الأستاذ سعيد وعندما وقف أمام العمدة نظر خلفه فلم يجد أحدًا من أهل القرية , فوقع في حرج شديد إلا أنه تشجع وقال : يا حضرة العمدة جملك . فقال العمدة : ماله؟ يا حضرة العمدة جملك. أجاب العمدة : ماله؟ فقال الأستاذ سعيد وهو ينظر خلفه بحسرة : يا حضرة العمدة جملك.. فقال العمدة بنظرة ماكرة : ماله؟ فقال الأستاذ سعيد : يحتاج إلى أنثى – ناقة – تؤنس وحدته.
[ الكهنة الأربعة]
" بايس " و " حايس " و " لايص " و " هايص " ، أربعة من طلاب المعهد الديني العريق نزحوا من قراهم يحملون معهم بعض الزاد القليل المكون من المش وخبز "البتاو" وذهبوا إلى المدينة والتحقوا بالمعهد العريق [ وانضموا للمجاورين ] لكن بدا من خلال تحصيلهم الدراسي قصور معارفهم، وكانوا دون المتوسط في الذكاء , ودارت بهم الأيام , وصعدوا في مناصبهم عن طريق التمسكن وتقبيل كل يد يرونها , أو يتعاملون معها , ولم يكن لأحد منهم مؤلف يعتد به في عالم الثقافة الدينية , أو غيرها , وحدث أن تبوأ أحد بلدياتهم منصب كبير , فاختار " هايص " من باب العصبية وأسند له بدوره أحد المناصب المهمة.
وهنا بدا لـ " حايس " و " لايص " أن يلتفا حول " هايص " إذ الثلاثة من صنف واحد , وبلديات , أما المدعو " بايس " فقد كان من إقليم آخر لكنه استشعر أن مصلحته معهم , وأنه بتقبيل الأيادي سوف يكيد الأعادي , وبالفعل عينه " هايص " عميدا لإحدى الكليات الدينية المتخصصة.
واجتهد هذا الـ " بايس " في التقبيل فرقى إلى نائب لرئيس الجامعة , وذات يوم نقل " هايص " إلى المنصب الأكبر وترك رئاسة الجامعة , وكان المفترض أن يعين في منصب رئيس الجامعة أحد الأساتذة الأكفاء من عمداء كليات هذا الصرح الثقافي العريق كما ينص القانون على ذلك , ولكن صاحبنا " بايس " ذهب إلى صديقه الأكبر " هايص " وقبل يده وبكى، وقال له : أريد أن أكون رئيسا للجامعة حتى أزداد مهابة بين أهل بلدتي.
هايص : نعم , ولكن لم يبق لك على الخروج للمعاش إلا تسعة أشهر.
ازداد بكاء " بايس " وتدفقت دموعه وهو يقول : اجبر بخاطري يا سيدي .
اقتنع " هايص " وطلب من السادة الكبراء تعيين الـ " بايس " رئيسا لهذه الجامعة لمدة تسعة أشهر ثم يكمل إلى نهاية العام الدراسي.
وبالفعل تم تعيين العبد الـ " بايس "، وجلس على الكرسي لا يفارقه إلا لتقبيل يدي "هايص" يوميا ويعود، أما الجامعة فقد ساد فيها الفساد المالي والإداري وانخفض مستوى الدراسة إلى أبعد الحدود.
وعندما ووجه بهذا استعان بصحافة النظام الفاسد التي صنعت حصريا لتجمل كل قبيح في الحياة , ومن أغرب ما فعله "بايس" وما يدل في ذات الوقت على غبائه الشديد , أنه طلب من إحدى كليات جامعته التي تقترب من بلدته أن تقيم له حفلة تكريم، واشترط أن يحضر محافظ الإقليم وعضو مجلس الشعب عن دائرته , وأيضاً عمدة قريته, ولفيف من أهل القرية كي يشاهدوا ما وصل إليه ابن قريتهم الهمام. لكن المحافظ رفض الاشتراك في هذه المهزلة, وقال : كيف يعين مثل هذا الغبي في منصب كبير .
ولكن المهازل لم تنته عند ذلك، فعندما تغيرت الوزارة بثورة شعبية كبيرة في جمهورية "فسادستان"، وسقط رأس النظام. طلب من الـ "هايص" الكبير ترشيح شخص لوزارة "الشئون الدينية" , ولأن "هايص" لا ينظر بعيدًا عن دائرة من يقبلون يده في العلن ورجله في السر، قام بترشيح الـ "بايس" لتولي الوزارة ليقوم بدوره بتخريبها , كما قام من قبل بتخريب الجامعة.
ملحوظة :
هؤلاء الأربعة ما زالوا يسيطرون على أكبر مؤسسة للإسلام في العالم القديم.
[ ثقافة المصطبة]
بعد ثورة 25 يناير ذهبت إلى إحدى القرى لمعاينة إنشاء معهد أزهري جديد يلبي حاجة أبناء القرية , وعندما جلست على المصطبة مع الفلاحين , وجدت أنهم يتناقشون في أحداث ثورة 25 يناير .
الكل يدلي بدلوه وبخاصة الحاج إسماعيل مرجعهم الثقافي ولاحظت أن العم زفتاوي كثير السؤال، كثير الاعتراض والنقد، فبعد شرح مبسط ومفصل عن الثورة من الحاج إسماعيل, وخصوصاً فيما يتعلق بالتغيير ونجاح الثورة, اعترض زفتاوي على مجمل هذه الرؤية .
وقال : يا عم إسماعيل، حرام عليك، ثورة إيه وتغيير إيه ؟ والله أنا أخشى على مجهود الشباب الطاهر, ومن ناصرهم من الشرفاء.
إسماعيل : والله يا زفتاوي ما علمتك إلا سوداوي المزاج وما أرى أنك تستطيع التفاؤل من الأساس.
زفتاوي : كيف تقول إن الثورة نجحت وتغير النظام , وكل الموالين للنظام قابعين على كراسيهم وفي أماكنهم "بالذمة مش دي حاجة تضحك", ثم انظر إلى النائب العام الذي يحقق حالياً مع اللصوص ، المحققون بنيابة أمن الدولة، المحافظون, رؤساء البنوك , رؤساء الصحف ، رؤساء المجالس المحلية , كلهم موجودون الآن في أماكنهم يدينون بالولاء لمن عينهم في هذه المناصب ويتمنون زوال هذه الثورة حتى تعود أيام "التهليب".
قاطعه الحاج إسماعيل: أنت يا زفتاوي يا سوداوي , كل هؤلاء سيتغيرون.
الزفتاوي : وما الذي يمنع تغييرهم الآن؟ الجميع يا عم الحاج يلعب بالألفاظ حتى شيخ الأزهر . وبمناسبة ذكر شيخ الأزهر عضو لجنة السياسات السابق تحت قيادة جمال مبارك، لماذا لم يسقط مع سقوط رأس النظام ولجنة سياساته؟
متى يستقيل يا عم الحاج, قبل أن يقيلوه الشباب, لقد علمت أنه خذلهم في ثورتهم ولم يؤيدهم إلا بعد سقوط رأس النظام , وطبعا هذا أمر لا ينطلي على الشباب.
الحاج إسماعيل: أتحفنا يازفتاوي.
والمفتى الذي أفتى لزوجة حرامي كبير بجواز الاستحمام باللبن بعد أن أخبرته أنها تملأ حمام السباحة في فيلتها [20×30 متر ] باللبن الحليب وتستحم هي وصديقاتها كي تصبح جلودهن أكثر نعومة .. فقال لها : لا بأس, "لا بأس يعني إيه يابا الحاج إسماعيل"؟
ولم يكتف بذلك بل ظل طوال أيام الثورة يثبط عزائم الشباب , ويصرفهم عن الثورة , وما زال على كرسي الإفتاء جالسا لم يتزحزح .
ثم إني سمعت من الشيخ حمزة خطيب الجامع "إن اللي يستحم باللبن يبقى كافر".
"يابا الحاج سلم لي على الثورة وادعى للشباب".
وبعد أن انتهت المناقشة الطريفة خاصة تعليقات "زفتاوي" وجدت أنني ليس عندي شيء أضيفه . فانصرفت وأنا أقول لنفسي: "غبي من يظن أن هؤلاء البسطاء لا يفهمون في السياسة.. لقد عاملهم النظام الفاسد طويلا على أنهم قطعان من الأغبياء البلهاء.. لذلك خسرهم ولم ينتفع بذكائهم في الإبداع والإنتاج وسبحان من يغير ولا يتغير".
[ الذهب المدفون ]
جلست مع مجموعة من المواطنين في القرى الموجودة في شمال مصر على الطريق الدولي الساحلي، وكان من بين الحضور، رجل أسمر, علمت فيما بعد أنه من السنغال وهو ساحر جاء ليكشف عن الآثار المدفونة تحت الأرض, ووقتها كان هذا الأمر يشغل معظم المصريين. من هنا حاولت التحدث مع الساحر وبعد أخذ ورد في الحديث .
قال لي الساحر : يوجد نفق على الطريق الجنوبي لبحيرة البرلس , من رشيد وحتى بلطيم به خمسمائة وخمسون ألف طن من الذهب بالإضافة إلى الآثار الأخرى .
وانصرفت وبداخلي شعور أنه رجل يحترف النصب. لكن ظلت هذه المعلومة مخزونة في ذهني، ومضت خمس سنوات كاملة على لقائي بهذا الساحر وذات ليلة طلبني رجل على الهاتف المحمول وسألني عن زكاة الركاز أو الذهب المدفون في الأرض [ الآثار ]..فقلت له : إن الآثار ملك للدولة وللشعب .
فقال لي : وما رأيك إذا قلت لك إن الدولة هي التي أخذت الذهب .. قلت: كيف ؟ قال : الحفار [ الكراكة ] جاءت كي تحفر حول مزرعة أسماك تخص أسرتنا على الشاطئ الجنوبي لبحيرة البرلس (عند قرية دمرو مركز سيدي سالم كفر الشيخ) ولاحظنا أن الحفار أخرج شيئا لامعا فصرفناه دون أن نلفت انتباهه ثم اتصلنا ببعض تجار الآثار وبعد يومين فوجئنا بحضور عدة سيارات فارهة , ونزل عدد كبير من الرجال عرفت منهم : ( د. زكريا عزمي , ود. زاهي حواس ) وأخذوا الذهب وانصرفوا .
وبعد ذلك بأسبوع جاءت سيارة محملة بمجموعة من الآثار ـ اكتشفنا أنها مقلدة ـ ليتم دفنها مكان الآثار الأصلية وليتم اتخاذ الإجراءات الرسمية بشأن الآثار المزيفة.
وأرسلوا لنا خطاب شكر على ما أبديناه من أمانة ووطنية في الإبلاغ عن الآثار وبعد شهر تم تحويل مبلغ مائتي مليون جنيه ليتم توزيعها على أفراد الأسرة... فما الزكاة الواجبة ؟
فقلت له : الزكاة الواجبة أربعون مليونا , فهل أهلك سيدفعون هذا المبلغ , قال لي : سأبلغهم وهم أحرار بعد ذلك.
لم يخبرني باسمه , ولكني سمعت بعض الروايات من أناس يوثق فيهم أن هذا قد حدث بالفعل .
سافرت بعد ذلك إلى مركز اسنا محافظة الأقصر حيث أشرف على بناء بعض المعاهد الدينية, وذكرت هذه القصة لبعض الأهالي أثناء تناولنا الطعام , فقال لي أحدهم : إن عندنا في الأقصر ما هو أفظع من ذلك , أنت تعرف قرية ( القرنة)؟ هذه القرية كانت تعوم على بحيرة من ذهب , وكان المسئولون يتخوفون من سرقة هذا الذهب وأهل القرية يقيمون فيها , ومن هنا اجتهد المسئولون في العمل على نقل أهل القرية إلى مكان آخر بحجة المحافظة على المظاهر السياحية للقرية, وبالفعل قاموا ببناء قرية فاخرة على الشاطئ الآخر من النيل وأغروا أهل القرية بالمال للانتقال إليها, واستعانوا في ذلك ببعض مشايخ الطرق الصوفية لإقناع الناس , وهؤلاء لهم تأثير كبير في بيئتنا , وتم نقل الأهالي وقام المسئولون بنهب كل هذه الكنوز.
وبعد : فالصحيح أن مصر دولة سياحية مليئة بالكنوز المدفونة داخل الأرض وهي تسرق من أيام الفراعنة , وعندما زرت المقابر في الأقصر وجدت ممرا وهـمياً لكي يضيع على اللصوص الطريق الصحيح للمقبرة, ومنذ الوقت الذي دخلت فيه الحملة الفرنسية مصر وكنوز مصر تسرق بحجة البحث والتنقيب عن الآثار , ووصل الفساد إلى الحد الذي تتخذ فيه إجراءات التنقيب بصورة رسمية حتى إذا بدا الكنز يؤخذ منه أغلاه , ثم يبلغ بعد ذلك عن الباقي الذي لا يساوي شيئًا بجانب ما سرق .
[ من الإنجاز بالشعر إلى الإنجاز بالفعل ]
من إنجازات ثورة 25 يناير : تحول الذهنية العربية بصفة عامة والمصرية بصفة خاصة من الانجاز بالشعر إلى الانجاز بالفعل .
عاش العرب قبل الإسلام في مجتمع فقير , وفي ظروف جغرافية قاسية, وكانوا يعيشون على الرعي وبذر بعض الحبوب في المناطق التي ينزل بها المطر , ولم يعرفوا التجارة إلا قبل الإسلام بألفي عام , ومن هنا كان نشاطهم الذهني يعوضهم عن النشاط الحركي فمثلاً , كانوا إذا أرادوا حرباً أو إغارة على قوم أو ريادة في أي نشاط إنساني فعلوا ذلك بالشعر أي بالقول دون الفعل .
وعندما جاء الإسلام عكس مزاجهم الفكري 180 درجة وجعلهم قوماً يحبون العمل والإنتاج , ويصلون اليل بالنهار في عبادة وعمل , وفي بعض الأحيان التي غابت فيها شمس الدولة الإسلامية العربية , كان العرب يعودون إلى مرحلة ما قبل الإسلام في حبهم للكسل , وعدم العمل , وكان ذلك يؤثر علي الانتاج القومي العام لكل دولة من دولهم , وفي الفترة الأخيرة كانت الشكوى تكثر من المفكرين والعلماء من تخلف الأمة العربية وارتدادها إلى الخلف عكس حركة التاريخ والحضارة الإنسانية.
وقد حاولت كثيراً استنهاض همم طلابي الشباب ودفعهم للعمل ولو بزراعة نباتات مثمرة في بلكونات المنازل , أو علي أسطحها , ولم يستجب لذلك إلا عدد قليل على مستوى مصر والعالم العربي , وكنت أحض المسلمين على النظافة , ورفع الزبالة من الطرقات والبيوت , وقلت لا يوجد دين في العالم يجعل رفع الزبالة من الشوارع والطرقات شعبة من الدين , إلا الإسلام , ومع ذلك كانت الاستجابة ضعيفة.
وقلت يجب عمل شيء لتغيير هذا الواقع المميت , وكنت أكرر قول الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة:-
فإن سدت جميع طرائق الدنيا أمامك فاقتحمها *** لا تقف كي لا تموت وأنت واقف .
وكانت الاستجابة ضعيفة .
أما بعد ثورة 25 يناير فقد لاحظ العالم كله انشغال الشباب بنظافة الميدان , ثم تطور الأمر إلى دهان الحديد والأرصفة , وهذا في القاهرة , ثم انتقل الأمر إلى الإسكندرية وعواصم المحافظات , ثم جاءتني كثير من الرسائل والمكالمات , أن الشباب في القرى يريدون زراعة شواطئ الترع والمصارف بالأشجار المثمرة ...
قلت سبحان الله : لقد غيرت الثورة الذهنية المصرية والعربية وحولتها من الشعر إلى الفعل.
[ ذات صباح ]
ذات صباح ذهبت إلى قرية بذور التابعة لمركز أبو المطامير محافظة البحيرة , لأتابع عملية إنشاء ثلاثة معاهد أزهرية ومسجد كبير على نفقة رجال أعمال شرفاء وثقوا في خبرتي في هذا المجال التطوعي، وقد دعاني بعض شباب القرية لأجلس معهم إذ هم في غاية الحزن والضيق , فقلت مستفسراً : ماذا حدث لكم ؟
قالوا : هذه القرية داخل نطاق شركة نوباسيد، وهي شركة أقامتها الدولة لتطوير البذور, وتنقيتها, وتعد المنتج الوحيد للبذور في مصر, وتمتلك الشركة ثلاثة آلاف فدان من أجود الأراضي, مزروعة بالمحاصيل, والفاكهة, وتقيم عليها التجارب للوصول لأفضل سعر للفدان.
وقد وصل سعر أراضي الشركة كلها إلى 2 مليار من الجنيهات وهذا السعر يتطور مع الزمن وقابل للزيادة كل عام .
كما تمتلك ثلاثة مصانع لإنتاج البذور تقدر بـ 1.5 مليار جنيه.
بالإضافة إلى عدد كبير من الفيلات لزوم سكن المدراء والمهندسين تقدر بنصف مليار جنيه.
قلت : وما الجديد في هذا ؟
قالوا : بكم تساوي هذه الشركة إذا بيعت بكل ممتلكاتها؟
قلت : هذه المبالغ جملتها خمسة مليارات جنيه يعني خمسة آلاف مليون.
قالوا : لكنها بيعت الأسبوع الماضي [ كان ذلك منذ سنوات ] بمبلغ 138 مليون جنيه فقط لا غير!
قلت : هذا عبث وسرقة .. كيف تم ذلك؟
قال أحدهم : الخيبة الكبيرة أن هذه الشركة بيعت ببلاش لأن لها سيوله في البنك بأكثر من 80 مليون جنيه ولها ديون لدى الأخرين تفوق الـ60 مليون أي أن المشتري أخذ المبلغ الذي دفعه , وفوقه 2 مليون جنيه, ثم أخذ الـ 5 مليارات مكافأة!!
قال آخر : يتداول سراً أن رئيس الوزراء الذي باع هذه الشركة وهو د. عاطف عبيد يقال إنه أخذ 40 مليون دولار أي ما يعادل 2.5 مليار جنيه مصري له ولأحبابه من المتسلطين على هذا الوطن الذي نعيش فيه أغراب ولا قيمة لنا فيه .
قال رجل يبدو على وجهه الهيبة والوقار : المسألة أخطر من هذا بكثير.
قلت متلهفا للسماع : كيف ؟
قال : اسمع يا سيدي هذه الشركة تنتج البذور الجيدة لمصر ولبعض الدول العربية , وقد طلبت إسرائيل من المسؤولين المصريين بيع هذه الشركة لكى يتوقف انتاج البذور في مصر ولكي تحتكر هي تصدير البذور التي تحمل شتى الأمراض إلى جميع دول المنطقة, وبالفعل شرعت الحكومة المصرية في بيع الشركة بكل أملاكها وهنا تقدم أحد وكلاء إسرائيل في العالم العربي ويدعى "الكعكي" , ليشترى الشركة بالمبلغ المذكور على أن يكون أول قرار يصدره هو وقف مصانع انتاج البذور وعددها ثلاثة , وبتنا نستورد "بذور الطماطم" من اسرائيل بآلاف الدولارات زد على ذلك ما تم نشره في أجساد المصريين من ملوثات تسببت في نشر السرطان والخراب والدمار, كما تم رفع اسم مصر من انتاج البذور عالميًا ووضع بدلا منه اسم اسرائيل .
قلت: هل أدلكم على فساد آخر يرتبط بما ذكرتموه ؟
قالوا : نعم ، هات ما عندك.
قلت: لقد وصل الأمر بعمالة النظام البائد لإسرائيل أن مكنها من إحصاء كل همسة تحدث بالأزهر جامع وجامعة كي تسيطر على الخطاب الديني من خلاله إذ حدثني من لا أتهم بأن إسرائيل كانت وراء إنشاء مركز اقتصادي كبير بجامعة الأزهر عبر رجل أعمال كبير وعن طريق هذا المركز تتم عمليات التوجيه كما تتم عمليات الإقصاء والإبعاد إن لزم الأمر!!
قالوا: لا سامحهم الله تعالى في الدنيا ولا في الآخرة إذ أنشأوا في البلاد جبلا من الفساد تعاون عليه من بالداخل ومن بالخارج على السواء .
[ ذات مساء ]
ذات مساء تناولت طعام العشاء في أحد الأندية بمدينة القاهرة ثم ضمني لقاء مع بعض الأصدقاء , كان من الحضور رجال أعمال مصريين أمريكيين أحدهم قام بعمل جمعية خيرية في أفريقيا , للتقريب بين الأديان , وهو عضو مجلس السلام العالمي , والآخر أستاذ قديم في الدراسات الإسلامية اليهودية , وله إنتاج متميز , ثم ضم المجلس لفيف من أصدقاء جلسائي قدموهم إلى , وقدموني إليهم وقد دارت المناقشة حول تأثير إسرائيل على مجريات الأمور في معظم الدول العربية , وامتدت بنا الجلسة إلى ما بعد منتصف الليل , وأثناء حديثي عن الوعي العربي المفقود , فاجأني أحد الحضور قائلا : هل تصدق أن اليهود لهم تواجد مؤثر في الأزهر الذي تنتمي إليه – جامع وجامعة – وأنهم يتابعون ويوجهون ما يحدث فيه بشكل دقيق .
قلت : هذا كلام مرسل يحتاج لدليل.
قال : لقد قام الشيخ صالح كامل ببناء مسجد ومركز يسمى باسمه داخل أسوار جامعة الأزهر في مدينة ناصر .
قلت : وما الغريب في ذلك .
قال : هذا الرجل يستخدمه الصهاينة ـ بدراية منه أو دون دراية ـ لتنفيذ ما يشاؤون وشراء ما يرغبون , ويفعل لهم ما يأمرون . وهذا ليس بغريب أما الغريب فهو موقف علماء الأزهر , وأساتذة الجامعة , كيف غرر بهم الشيخ زوج الفنانة المصرية المشهورة . وكيف اطمأنوا له أن يبني مسجداً ومركزًا للدراسات الإسلامية ؟
قلت : لعلهم نظروا إلى الفائدة من المسجد والمركز بمعزل عن سلوكه.
قال لي : لو كان الأمر بهذه البساطة لهان الخطب , ولكن المسجد كان هو الغطاء لمهام المركز.
قلت : لو سمحت اشرح لي أمر المركز واترك المسجد فهو منفصل عن بانيه وعن أغراضه .
قال: هذا المركز [ مركز صالح كامل بجامعة الأزهر ] هو نافذة الصهاينة على كل ما يدور في جامعة الأزهر وعلماؤكم طيبون لدرجة الغياب عن الوعي القومي والكوني , فقد تولي أحد نواب رئيس الجامعة رئاسة هذا المركز , وكان يدعو الأساتذة المتخصصين ويجزل لهم العطاء في مقابل محاضرات يلقونها بالمركز بالإضافة إلى الضيافة والمريب أن كل ما يقال يتم إبلاغه لليهود بصورة أو بأخرى .
قلت له : أصدقك في ذلك فقد ذهبت كثيرا لثلاثة من رؤساء الجامعة متتابعين , وكنت في الغالب أجدهم هم والنواب في مركز صالح كامل , وكنت أسأل نفسي عن سر اهتمام هؤلاء بهذا المركز وتركهم لأعمالهم التي يتقاضون عليها رواتبهم مضافا إليها مكافآت سخية من لجان لا يحضرون معظمها , ولكنه من فضل الله كما يقولون للناس , ولكني لم أكن أتصور أن هؤلاء يقدمون على هذا العمل من أجل المكافأة والغداء الفاخر .
قال لي : إن هذه القيادات ساهمت في ضياع الأزهر وهي تظن أنها تحسن صنعا , ولقد وصل بهم الأمر إلى أنهم اتخذوا قرارا في مجلس الجامعة بتسليم هذا المركز المشبوه نسخة من كل رسالة ماجستير أو دكتوراه تتم مناقشتها في جامعة الأزهر , وكانت هذه الرسائل تدخل الكمبيوتر عن طريق "الاسكنر" وتذهب عبر الانترنت إلى إسرائيل في ذات يوم دخولها إلى المركز .
قلت: ولكني لا أصدق أن علماءنا يعرفون هذه المؤامرة وينفذونها لكن ربما التعليم التلقيني الذي بني عليه الأزهر جعل عند البعض نوعا من العجز المعرفي , الذي جعله يفكر في المكافأة وطعام الغداء ولا ينظر لأبعد من ذلك .
قال لي : وماذا تقول في نائب رئيس الجامعة المشرف على المركز, لقد فتحت أبواب العالم أمامه يتبوا منها ما يشاء فتم اختياره ليكون الأمين العام لمنظمة الجامعات الإسلامية , لكي يتمكن من تطويع كل الجامعات الإسلامية لما يريده الصهاينة من خطوط فكرية , ونشاطات عقلية !!.
قلت: أعلم أن هذا الرجل ليس أزهريا على الإطلاق ولكنه من باب الفبركة التي يعيشها يعتبر من علماء المسلمين , وربما اعتبر وليا في المستقبل القريب , ولكني لا أصدق أنه يعرف شيئًا عن طبيعة عمله , وكثير منا في العالم العربي يخدم اليهود دون أن يدري .
قال : وكيف تفسر اختياره دون غيره لأمانة منظمة الجامعات الإسلامية ؟ أرجو ألا تتعجب إن علمت أنه أيضاً هو الوكيل الوحيد [بصفته محامي ] لأعمال الفنانة زوجة الشيخ صالح..
قلت له : حسبك.
وبعد أسبوع دخلت الجامعة فوجدت على أحد جدرانها لوحة كبيرة مكتوب عليها "جامعة الأزهر الشريف"، فأرسلت النظر على كلمة "الشريف" وقلت : أين الشرفاء!
[ حكاية شلة تربعت على عرش الأزهر ]
لا يخفى على عاقل منا أو حتى مجنون أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تدخلت بصورة علنية وفرضت عدة إجراءات تتعلق بالعالمين العربي والإسلامي، منها: تسليم الإدارة الأمريكية معلومات بالمبالغ التي يتبرع بها أبناء كل دولة على حدة، وأسماء الجمعيات والجهات التي تتلقى هذه الأموال، والعمل على تقليل قيمة الزكاة المخرجة ومراقبة أي تحويلات بمبالغ كبيرة، والتدخل لتغيير المناهج الدراسية في المعاهد والجامعات الدينية وتقليل عدد خريجي هذه الجامعات وإضعافهم في كل المجالات.
فلما حدث وضاق العلماء ذرعا بهذا التدخل وامتنعوا عن الافتاء بتقليل الزكاة باعتبارها فريضة ربانية ، وظلوا على موقفهم ثابتين، جاء المفتي ـ الذي أفتى لزوجات الأغنياء قبل ثورة 25 يناير بـجواز " الاستحمام باللبن"!! ـ ليقرر على الهواء مباشرة بأن الزكاة تخرج على الربح ولا تخرج على أصل المال!!
فلو كان أصل المال 100 ألف جنيه مثلاً ، وربحه السنوي 9 آلاف جنيه ، تكون الزكاة ـ بحسب فتوى المفتي ـ ليست ربع العشر وإنما عشر الربح كل عام ..
وإذا كانت الزكاة الحلال لهذا المبلغ في كل المذاهب الإسلامية هي : 2750 جنيها أي ربع العشر ( 2،5% )، فإن المفتي يرى أنها تكون 900 جنيه ( عشر الربح )
وبهذه الفتوى تنخفض قيمة الزكاة المفروضة وهذا هو عين ما استهدفته الإدارة الأمريكية.
واستجابة للضغوط الأمريكية الخاصة بتغيير المناهج في المعاهد الدينية قام شيخ الأزهر الراحل بإلغاء تدريس المذاهب الفقهية المعتمدة منذ زمن طويل وقرر على الطلاب، مذكرات جديدة في العقيدة والتفسير والفقه والسيرة، كلها مستنسخة من كتابه في التفسير، بل زايد على الإملاءات الخارجية ورفض ضم معاهد جديدة رغم بنائها بالجهود الذاتية.
وفي الجامعة ، كان الهدم أكبر وأسرع، فقد قام أصحاب الفضيلة الذين يدينون بالولاء للشيخ الأكبر، باللجوء إلى حيلة خبيثة مفادها أن الأساتذة في الجامعة غير قادرين على التأليف الجيد، ولابد من إعادة كتب التراث، وأول كتاب تم اختياره في هذا الشأن هو كتاب التفتازاني في علم التوحيد، وعندما اعترض الأساتذة المتخصصون كان مصيرهم الإقصاء والتحويل إلى مجالس التأديب الجاهزة لكل من يعكر أمزجة القائمين على أمر هذه المؤسسة. أضف إلى ذلك فرض العديد من الكتب التي لا تفهم تحت شعار تدريس كتب التراث مما أدى إلى تردي المستوى وضعف القدرات.
ولما جاءت الإملاءات بتقليل عدد الطلاب في الكليات الشرعية ( اللغة العربية ـ أصول الدين ـ الشريعة الإسلامية ـ الدعوة الإسلامية ـ الدراسات الإسلامية والعربية ) سارعت المجموعة المتربعة على عرش الأزهر باتخاذ إجراءات إنشاء المعاهد المتوسطة ( للبنين والبنات ) والتي أصبحت مجالا لنهب المال العام بحسب تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات.
وإذا كان المصريون قد ثاروا ضد نظام مبارك حتى أسقطوه، فحري بهم أن يثوروا ضد ضعف الأزهر والعبث بمستقبله حتى يعود الأزهر( منارة مصر ) حرا مستقلا وتشرق شمسه من جديد.
[ الذبيح ]
طلب مني أحد الزملاء أن أتوسط له عند رئيس جامعة الأزهر للتدخل دون فصله من الجامعة.
قلت له : أصدقني القول ، ماذا جنت يداك؟
قال : لا شيء سوى أنني رفعت صوتي بنقد كتاب قررته الجامعة، فتم تحويلي للتحقيق وأضاف سدنة مكتب التحقيقات تهماً ما أنزل الله بها من سلطان، ثم حولت إلى مجلس التأديب، ووصل إلى علمي من تسريبات خرجت من هذا المجلس أن الفصل هو القرار الأكثر ترجيحاً رغم مكانتي العلمية وتميزي في تخصصي بحسب شهادات التقدير التي نلتها من الجامعة واللجان التي أشرف بعضويتها منذ زمن طويل.
قلت : إنك تذكرني بالمعارك التي خضتها جراء الاعتراض على تصرفات قادة هذه الجامعة والذين لا أشك في أنهم نماذج ضعيفة مفروضة على الجامعة لتخريبها من الداخل.
وبعد أيام، ذهبت إلى الجامعة، وقابلت رئيسها، وكلمته في أمر هذا الزميل المهدد بالفصل ودار الحوار كالتالي:
قلت : إن التعبير عن الرأي حتى لو كان جارحا لا يستوجب الفصل وإلا أصبح مكتب التحقيقات بالجامعة نموذجاً مصغراً لإحدى محاكم التفتيش في العصور الوسطى، فصمت الرجل، لكن أحد نوابه تدخل في الحوار قائلا : لابد من تأديب هذا الأستاذ حتى لا يجرؤ أحد غيره على انتقاد كتاب يقرره رئيس الجامعة.. هنا ساد الجو صمت رهيب، وحاول الرئيس أن يخفي توتره بإجراء مكالمة عبر هاتفه، وفجأة دخل علينا النائب الثاني، ووقف مبتسما منتفخ الأوداج وهو يحرك يده بحيث تتقاطع مع عنقه في إشارة إلى الذبح ، وكان الضحية هو الزميل الذي أتيت للشفاعة له.
وهنا جلست في مكاني لا أنطق، ولا رغبة لي في النطق، إلى أن دخل أحد الأساتذة إلى المكتب وأقبل مسرعا إلى رئيس الجامعة يقبل يده ولم يكتف بذلك بل ثنى بتقبيل يد النائب الأول وثلث بتقبيل يد النائب الثالث .. علمت بعد ذلك أنه جاء راغباً في تعيينه عميدا لإحدى الكليات.
عندئذ خرجت من المكتب دون سلام، ولا كلام، ولا حتى استئذان.. وكان كل ما يردده لساني وقلبي " حسبنا الله ونعم الوكيل".
[ حكاية التعديلات ]
عدت مرة أخرى إلى أهل القرية، وجلست على المصطبة مع مجموعة تضم المتعلم والأمي، ودار بيننا الحديث حول الاستفتاء على أول تعديلات دستورية بعد سقوط حكم مبارك.
بدأ شاكر الحديث بقوله: يابا الحاج إسماعيل ما هي حكاية التعديلات الدستورية؟
الحاج إسماعيل : هذه التعديلات أرى أنها في صالح الشعب، إذ تم تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات والتجديد مرة واحدة فقط لولاية ثانية ولا يحق للرئيس المنتخب البقاء في الرئاسة أكثر من مدتين ( 8 سنوات ) يعني أصبحنا مثل أمريكا وانتهى عهد الرئيس الديكتاتور ذي الصلاحيات المطلقة.
شاكر : إذن لماذا الخلاف حولها ؟
الحاج إسماعيل : الحرية التي انتظرناها طويلا لابد فيها من الرأي والرأي الآخر.
الدكتور فؤاد : لكن ما حدث في الأسبوعين الأخيرين قبل يوم الاستفتاء يشبه ما حدث في بيزنطة قبل الميلاد، حينما احتدم الخلاف طويلا بين المواطنين حول أيهما وجد أولاً البيضة أم الفرخة، وقضى الناس أوقاتا طويلة يتجادلون ، وربما اشتبكوا بالأيدي ، وقد يشتد الخلاف فيسقط بينهم الجرحى والقتلى.
الحاج إسماعيل : ولكنهم لم يصلوا إلى أي نتيجة إيجابية.
الزفتاوي : يا أسيادنا أنا لا أفهم هذه " التعديات الديسكورية " ومما زادني حيرة؛ الآراء الكثيرة في برامج التليفزيون وكل برنامج يأتي بضيوف وكل ضيف برأي وكأننا في مولد يابا الحاج وصاحبه غائب.
الحاج إسماعيل : ما قلت لك يا زفتاوي هي دي الحرية والديمقراطية.
تدخل أحد الجالسين : يا جماعة المسألة ليست لها علاقة بالديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد، المسألة أننا كنا نعيش في كهف مظلم لمدة ثلاثين عاما ، وفجأة خرجنا من هذا الكهف فأعمتنا شمس الحرية ، وأصيب بعضنا بالعمى المؤقت ، وبعضنا الآخر ـ للأسف ـ لم يصب بعمى العين المؤقت وإنما أصيب بعمى القلب والعقل، إذ من كثرة اعتياده على النفاق لم يستطع استيعاب الجو الجديد الذي غلف المنطقة فمثلا رأيت مستشارة ظلت تعارض التعديلات في جميع القنوات وتظهر في كل مرة بفستان جديد وتسريحة مختلفة، وقبل الاستفتاء بيوم واحد سمعتها ورأيتها تعلن موافقتها وتدعو الناس للتصويت بالموافقة!
رد الآخر : يخيل إلي أن السادة المستشارين بالذات يريدون التصويت بالرفض على هذه التعديلات كي يكون هناك استفتاء آخر.
قال الحاج إسماعيل : وما مصلحة المستشارين في إعادة الاستفتاء؟
قال المتحدث : الاستفتاء أو الانتخاب يعني عند أهل القضاء حوافز ومكافآت ، فالمعين حديثاً يحصل في اليوم الواحد على 10 آلاف جنيه، أما الأقدم فيحصل على مبلغ 30 ألف جنيه، ولا تحدثني عن الكبار إذ يتحصل الواحد منهم على ما يتراوح بين 80 إلى 150 ألف جنيه في اليوم الواحد.
قال الزفتاوي : يا سنة زي قرون الخروب 150 ألف جنيه في اليوم ، ويوجد بيننا ناس لا تجد العيش الحاف.. وبعد ذلك تتكلمون عن الثورة والحرية والعدل !!
الدكتور فؤاد : تفاءل يا زفتاوي وتمهل في الحكم على القضاة، فالنظام السابق كان يدفع كل هذه الأموال للقضاة والهيئات المعاونة، لأنه كان يزور الانتخابات، ويريد النتيجة التي ترضي طموحاته. أما الآن، فالحكومة والمجلس العسكري ليس لهم أي مصلحة في تزوير الاستفتاء أو الانتخابات، فلا يمكن أن يدفعوا هذه المبالغ الطائلة والشعب جوعان، وحتى لو افترضنا ودفعوا نفس المكافآت التي كان يدفعها النظام السابق، فلا أتصور أن قضاة مصر الشرفاء يقبلون بذلك.
الزفتاوي : والأحزاب ترفض لأنها تخشى نجاح من هم أكثر حركة وأكثر شعبية ، وتدعي أن الانتخابات لو تمت في وقت قريب فسيفوز بها فريقان فقط.
الدكتور فؤاد : وماذا في هذا، أمريكا يحكمها حزبان ( الجمهوري والديمقراطي ) والمملكة المتحدة يحكمها حزبان ( العمال والمحافظين ) ولا يجوز لأي إنسان يطالب بالحرية والديمقراطية أن يعمل على إقصاء أي فصيل من المواطنين، أو مصادرة حقه في العمل والسياسة على السواء، ولو فعلنا ذلك نكون قد استبدلنا ظالم واحد بكثير من الظالمين.
قال أحدهم : لقد رأيت مخرجا يساريا في أحد البرامج بالتليفزيون وقد سأله المذيع في رمضان الماضي لماذا يصر على تعرية بطلات أفلامه ، فأجابه : لأن الحقيقة لابد أن تكون عارية، وأراه الآن رافضا للتعديلات بحجة أنه يخاف مجيء الإخوان المسلمين!!
قال الزفتاوي : يا سنة سودة يا جدعان، طيب النظام البائد كان يعيش على تخويف الناس في الداخل والخارج من " الإخوان " ، وبعد أن سقط ، بدأنا مرة أخرى نخوف الناس من الإخوان.. هي الحكاية إيه بالضبط؟
رد محدثه : الذين يخوفون الناس من الإخوان من أمثال هذا المخرج يخافون في حقيقة الأمر من تطهر المجتمع، لأن بتطهره لا يجدون مكاناً نجساً للسباحة.
قال الحاج إسماعيل : هي جلسة المصطبة انقلبت إخوان ولا إيه؟.
وسوم: العدد 647