الرجل يغير المنصب... المنصب يغير الرجل
كنا نظنه شيئا حتى بلغ مبلغا من المنصب لا يبلغه إلا أولو الحظ العظيم من الدنيا، فانقلب على عقبيه، وغير من طبعه، وأصبح غير الذي كان من المظهر والمخبر، وحجته في هذا الذي لبسه من المسلك، وحشر فيه نفسه من الوجهة، أن الذي هو عليه من الرتبة والدرجة، يدعوه إلى أن يكون لا كما كان من قبل، وهو يسعى إلى التغيير الشامل، بل كما هو عليه الآن من الاتجاه، وهو يتراجع عما عاهد عليه الله والناس من تبديل الحال والمآل، ويندفع إلى التغيير تغيير هيئته وسمته، ليكون في المستوى الذي يرضاه لذاته، وترضاه ذاته له. فأين، إذن، ما كان يدعو إليه من المبدأ، ويلح عليه من الفكر، وهو في حال ما قبل الصعود إلى المنصب، وأين المعسول من الكلام، والحلو من الوعد، والجميل من التصور، والجليل من الرؤيا، أين ما أنفق في سبيل تحقيقه الليالي ذوات العدد، وهو يطمح إلى بلوغ الدرجات العلى، ويطمع أن يكون من الذين يقع عليهم الاختيار في المعمعان الوجودي؟ أين هذا وذاك وقد أصبح غير الذي كان في مكان غير المكان، وزمان غير الزمان؟ لقد تغيرت الأحوال، وتبدلت الآمال، ولم يعد بقادر على أن يبقى في الحال التي كان عليها، بل لم يعد بقادر على تغيير المنصب الذي هو فيه، وكيف تكون له القدرة وقد وفر له هذا المنصب من الإمكانات، وهيأ له من الفرص، ما لم يكن يحلم به في زمن مضى وتولى؟ تلك هي إذن مشكلة الرجل الذي يعد نفسه والناس بتغيير المنصب، فإذا بالمنصب يغيره بأن يسلخه من جلده، ويصرفه عن طريقته.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وسوم: العدد 647