التنسيق الأمني مع اليهود ماض لا يبطله حرق طفل ولا دماء فتاة
هذا التعليق السياسي حول إصرار السلطة الفلسطينية على عار التنسيق الأمني، ومجاهرة قادتها بهذا العار رغم أجواء الانتفاضة الغاضبة، وذلك بعدما صرّح مدير جهاز "المخابرات العامة" الفلسطينية، بأن قوات الأمن التابعة للسلطة أحبطت مائتي عملية ضد أهداف يهودية منذ اندلاع "انتفاضة القدس" مطلع تشرين أول الماضي، ووصف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وكيان اليهود بـ "جسر يمكن بقاؤه موصولاً بين الطرفين إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة بين السياسيين نحو العودة إلى مفاوضات جادة"، على حد قوله (فلسطين أون لاين).
لم يعد مستغربا ما يُعاينه الناس من التحويل الذي أنجزه قادة منظمة التحرير "للمناضلين القدامى!" إلى حرس حدود عند من ناضلوا (!) ضده: فإذا لم تستح فمارس التنسيق الأمني مع الاحتلال اليهودي رغم دماء الشهداء التي يريقها الاحتلال، ورغم قتل الصبية والفتيات بدم بارد أمام أعين تلك القوى العسكرية (الوطنية!)، وإذا لم تستح فتغنّى بالانتفاضة وبالمقاومة ثم طارد المقاومين، لأنه انقلاب على القيم والمفاهيم وغسيل أدمغة لجيل من أبناء فلسطين صاروا يستمرؤون مطاردة المقاومين واعتقال الرافضين لمشروع السلطة الأمنية الباطل، بينما يحمون المستوطنين إن قدموا لمناطق السلطة الفلسطينية ويعيدونهم لمواقعهم آمنين، ويختبئون كلما توغل جيش يهود في تلك المناطق.
إن هذا الخبر يجدد التذكير بمهمة الجنرال الأمريكي دايتون التي أعاد فيها صناعة ما أسموه "الفلسطيني الجديد" المستعد للدفاع عن أمن اليهود تحت كل الظروف، وكان دايتون قد أكد فلسفته الأمنية-السياسية (الأمريكية) القائمة على "السلام عبر الأمن"، كما بيّن في خطابه الشهير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط بتاريخ 7/5/2009. وهي فلسفة في توافق تام مع ما صرح به مدير المخابرات الفلسطينية من بقاء التنسيق الأمني كجسر حتى العودة إلى المفاوضات.
كان دايتون قد رسّخ ترويض الجيل الأمني الجديد عندما قال: "ما فعلناه هو بناء رجال جدد"، وعندها استشهد بكلمات ضابط فلسطيني كبير يخاطب أفراداً من الأجهزة الأمنية في حفل تخريج: "لم تأتوا إلى هنا لتتعلموا كيف تقاتلون إسرائيل". وهو ما جعل ضباطاً في الجيش الإسرائيلي يسألون دايتون حينها "كم من هؤلاء الرجال الجدد تستطيع أن تصنع؟". وها نحن نعاين هؤلاء الرجال الجدد بكل حسرة وألم على فقدان الإنسان قبل فقدان الأوطان.
إن فحش المشروع الوطني الاستثماري يزداد يوما بعد يوم، أمام حقائق الخيانة المستمرة التي تنفذ تحت شعارات جوفاء، ولا غرابة في ذلك بعدما "صدع" رئيس المشروع الوطني-الاستثماري بأن التنسيق الأمني عقيدة. ولكن المستغرب أن يُوصف هذا التحدي لثقافة الأمة ولأهل فلسطين بأنه مشروع وطني، على الرغم من انقلابه على "الأدبيات الوطنية" ذاتها!
إذ تشهد أدبيات المنظمة على خيانة هذا النهج كما نصت القرارات السياسية للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة (10-17/7/1968): "تسعى الحركة الصهيونية والاستعمار وأداتها إسرائيل إلى تثبيت العدوان الصهيوني على فلسطين وإلى تعزيز الانتصار العسكري الإسرائيلي في سنة 1948 وفي سنة 1967 بإقامة كيان فلسطيني في الأراضي المحتلة بعد عدوان 5 حزيران... هذا بالإضافة إلى خلق إدارة عربية فلسطينية عميلة في الأراضي المحتلة بعد 5 حزيران تستند إليها إسرائيل في التصدي للثورة الفلسطينية". وهذا بالضبط ما ينطبق على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية.
ولذلك فإن هذا الخبر يعري تلك الفئة من الطحالب السياسية من التي تعتاش في مستنقع السلطة وتدافع عن هذا المشروع الأمني، وتمجّد قوى التنسيق مع اليهود. إذن، أما آن الأوان لمن في قلبه بقية من حس أن يستذكر قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾؟!
وسوم: العدد 652