المشكلة مع «الجلاد» وليس مع الضحية
بات في حكم المؤكد, إلَّا لمن يرى أن بشار الأسد مبعوث عناية ربانية وأن الزمان ما جاد ولن يجود بمثله منذ بدايات الخليقة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, أنَّ اقتلاع الشعب السوري من أرضه وبهذه الأرقام الفلكية من وطنه ورميه وراء الحدود لا يمكن إلَّا أن يكون مقصوداً ومخططاً له وأنَّ الهدف هو إحداث خلل كبير في التركيبة السكانية ولحساب الانتماء الطائفي للذين جرى «استيرادهم» من العديد من الدول القريبة والبعيدة كالعراق وبالطبع وإيران وأفغانستان وعلى أساس كما كان قال رئيس هذا النظام: «أن سوريا لمن يدافع عنها, أي يدافع عنه, وليس لمن يحمل جنسيتها وهويتها» .
الآن تجاوز عدد السوريين الذين تم اقتلاعهم من وطنهم ورميهم خارج الحدود ونثرهم في أربع رياح الأرض السبعة ملايين وهذا يعني إذا استمرت هذه السياسة التي تنفذها طائرات الـ (سوخوي 34) الروسية أن الأكثرية في هذا البلد العربي ستصبح أقلية قليلة وأن هوية سوريا الطائفية سوف تتغير تغيُّراً جذرياً مما يعني أن الدول المحاددة والمجاورة ستواجه تحديات وتوتراتٍ جدية ستستنزف طاقاتها وستجعلها في صراع مذهبي دائم هو أبشع أنواع وأشكال الصراعات وأسوؤها.
كيف نُفسِّرُ, لو أن هدف هذا التهجير القسري لأكثرية الشعب السوري ليس هو هذا الهدف, سكوت رئيس يقول إنه يمثل شعبه وأنه حاز على أغلبية أصوات أبناء هذا الشعب, على تهجير الروس والإيرانيين والشراذم الطائفية المستوردة للملايين من السوريين وإلقائهم وراء حدود بلدهم لـ «يستوطن» بعضهم الدول المجاورة وليركب البعض الآخر أمواج بحور الظلمات ويلجأ من يسلم منهم من الغرق إلى دول غريبة إن رحب بعضها بهم فمن قبيل الحصول على العمالة الرخيصة.. ؟!
ولعل الغريب والمستغرب بالنسبة لهذه المسألة أنَّ البعض, عندنا هنا في الأردن وعند غيرنا, يتقصَّد «كبَّ شره» على الضحية ويغمض عينيه عن المجرم والمجرم هو هذا النظام الاستبدادي أي نظام بشار الأسد وهو روسيا وإيران وهذه المجموعات الطائفية التي تم استيرادها من كل حدب وصوب .
نحن نعرف وغيرنا يعرف أن طاقات وإمكانيات بلدٍ كالأردن تجعله غير قادر على استيعاب هذا الطوفان الهائل من الأشقاء السوريين الذين جار الزمان عليهم وحلَّت بهم كل هذه المصائب التي لا مثيل لها حتى في عهد هولاكو وجنكيز خان والتتار لكن هذا يوجب علينا ألا نصب جام غضبنا على أشقائنا ونغمض عيوننا عن المجرم الذي اقتلع هؤلاء من وطن من أجمل أوطان الدنيا وأجبرهم على مغادرة هذا الوطن ودماؤهم تنزف ليعيشوا في العراء وفي مخيمات الذل والهوان .
إنه علينا أن نتوجه بكل ردود أفعالنا على كل هذا الذي يحصل إلى المجرم الحقيقي الذي أجبر هؤلاء الأشقاء على اللجوء إلى بلدنا الأردن وإلى تركيا وعلى إلقاء أنفسهم وأطفالهم في بحور الظلمات.. والمجرم الحقيقي هو الذي جاء بطائراته وجنوده وصواريخه وقنابله العنقودية من روسيا بحجة القضاء على «داعش» لكنه بعدما احتل سوريا احتلالاً عسكرياً سافراً ترك هذا التنظيم الإرهابي بل تحالف معه وباشر بذبح الشعب السوري ودفعه بالقوة للاتجاه إلى حدود الدول المجاورة ومن بينها بلدنا المملكة الأردنية الهاشمية .
إن الذي يرسل طائراته لتقصف الشيخ مسكين وعثمان ودرعا والعديد من قرى وبلدات حوران الحدودية ولتشكل مظلة جوية لحراس الثورة الإيرانية وللشراذم المذهبية المستوردة يجب ألَّا نقبل بإدعاء صداقته لنا لأن هذا الذي تقوم به طائراته يجبر ألوف الأشقاء السوريين على عبور حدودنا واللجوء إلى بلدنا وهذا يعني المزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على الأردن الذي ما كان أغلق حدوده ولا في أي يوم من الأيام في وجه شقيق جار عليه الزمان في بلده إنْ نتيجة احتلالٍ غاشم أو بسبب رئيسٍ ظالم لم يخجل من أن يستعين بالغرباء للتمادي كثيراً في قمع شعب من المفترض أنه شعبه .
وسوم: العدد 655